546
تاريخ الخلفاء الراشدين (4)سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ? شخصيته وعصره دراسة شاملة
الفصل السابع: موقف أمير المؤمنين علي من الخوارج والشيعة
المبحث الأول : الخوارج
أولاً: نشأة الخوارج والتعريف بهم:
عرَّف أهل العلم الخوارج بتعريفات منها ما بيَّنه أبو الحسن الأشعري, أن اسم الخوارج يقع علىتلك الطائفة التي خرجت على رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وبيَّن أن خروجهم على عليّ هو العلة في تسميتهم بهذا الاسم, حيث قال رحمه الله تعالى: والسبب الذي سموا له خوارج خروجهم على عليّ لما حكم( ).
وأما ابن حزم: فقد بيَّن أن اسم الخارجي يتعدى إلىكل من أشبه أولئك النفر الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وشاركهم في معتقدهم, فقد قال: ومن وافق الخوارج من إنكار التحكيم وتكفير أصحاب الكبائر والقول بالخروج على أئمة الجور, وأن أصحاب الكبائر مخلدون في النار, وأن الإمامة جائزة في غير قريش فهو خارجي وإن خالفهم, فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون وخالفهم فيما ذكرنا فليس خارجيًا( ).
وأما الشهرستاني: فقد عرف الخوارج بتعريف عام اعتبر فيه الخروج على الإمام الذي اجتمعت عليه الكلمة وعلى إمامته الشرعية خروجًا في أي زمان كان, حيث قال في تعريفه للخوارج: كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجيًا سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أم كان بعدهم على التابعين بإحسان والأئمة في كل زمان( ).
وقال ابن حجر معرفًا لهم: والخوارج هم الذين أنكروا على عليّ التحكيم وتبرؤوا منه ومن عثمان وذريته وقاتلوهم, فإن أطلقوا تكفيرهم فهم الغلاة( ), وقال في تعريف آخر: أما الخوارج فهم جماعة خارجة, أي: طائفة, وهم قوم مبتدعون سموا بذلك لخروجهم على الدين وخروجهم على خيار المسلمين( ).
وأما أبو الحسن الملطي: فيرى أن أول الخوارج المحكمة, الذين ينادون لا حكم إلا لله ويقولون: عليٌّ كفر, يجعل الحكم إلى أبي موسى الأشعري ولا حكم إلا لله. فرقة الخوارج, سميت خوارج لخروجهم على عليّ رضي الله عنه يوم الحكمين, حين كرهوا التحكيم, وقالوا: لا حكم إلا لله( ).
وأما الدكتور ناصر العقل فيقول: هم الذين يُكَفِّرون بالمعاصي, ويخرجون على أئمة الجور( ).
فالخوارج هم أولئك النفر الذين خرجوا على عليّ رضي الله عنه بعد قبوله التحكيم في موقعة صفين, ولهم ألقاب أخرى عرفوا بها غير لقب الخوارج, ومن تلك الألقاب الحرورية( ), والشراة( ), والمارقة, والمحكمة( ), وهم يرضون بهذه الألقاب كلها إلا بالمارقة, فإنهم ينكرونه أن يكونوا مارقين من الدين كما يمرق السهم من الرمية( ).
ومن أهل العلم من يرجع بداية نشأة الخوارج إلى زمن الرسول ×, ويجعل أول الخوارج ذا الخويصرة الذي اعترض على الرسول × في قسمة ذهب كان قد بعث به عليّ رضي الله عنه من اليمن في جلد مقروظ, فقد جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله × من اليمن بذهبة في أديم مقرظ( ), لم تحصل من ترابها( ), قال: فقسمها بين أربعة نفر, بين عيينة بن حصن, والأقرع بن حابس, وزيد الخيل, والرابع إما علقمة بن علاثة, وإما عامر بن الطفيل, فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء, قال: فبلغ ذلك النبي ×, فقال: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحًا ومساء», قال: فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة( ), كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار, فقال: يا رسول الله اتق الله, فقال: «ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله» قال: ثم ولى الرجل, فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟, فقال: «لا, لعله أن يكون يصلي», قال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه, فقال رسول الله ×: «إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس( ), ولا أشق بطونهم», قال: ثم نظر إليه وهو مقفٍ( ), فقال: «إنه يخرج من ضئضئ( ) هذا قوم يتلون كتاب الله رطبًا, لا يجاوز حناجرهم, يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية», قال: أظنه قال: «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود»( ).
قال ابن الجوزي عند هذا الحديث: أول الخوارج وأقبحهم حالة ذو الخويصرة التميمي, وفي لفظ: أنه قال له: اعدل, فقال: «ويلك, ومن يعدل إذا لم أعدل»( ), فهذا أول خارجي خرج في الإسلام, وآفته أنه رضي برأي نفسه ولو وقف لعلم أنه لا رأي فوق رأي رسول الله ×, وأتباع هذا الرجل هم الذين قاتلوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه( ).
وممن أشار بأن أول الخوارج ذو الخويصرة: أبو محمد ابن حزم( ), وكذا الشهرستاني في كتابه الملل والنحل( ), ومن العلماء من يرى بأن نشأة الخوارج بدأت بالخروج على عثمان رضي الله عنه بإحداثهم الفتنة التي أدت إلى قتله رضي الله عنه ظلمًا وعدوانًا, وسميت تلك الفتنة التي أحدثوها بالفتنة الأولى( ), وقال شارح الطحاوية: الخوارج والشيعة حدثوا في الفتنة الأولى( ), وقد أطلق ابن كثير على الغوغاء الذين خرجوا على عثمان وقتلوه اسم الخوارج, حيث قال في صدد ذكره لهم بعد قتلهم عثمان رضي الله عنه: وجاء الخوارج فأخذوا مال بيت المال وكان فيه شيء كثير جدًا( ).
الرأي الراجح في بداية نشأة الخوارج: وبالرغم من الارتباط القوي بين ذي الخويصرة والغوغاء الذين خرجوا على عثمان وبين الخوارج الذين خرجوا على عليّ بسبب التحكيم, فإن مصطلح الخوارج بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة لا ينطبق إلا على الخارجين بسبب التحكيم, بحكم كونهم جماعة في شكل طائفة لها اتجاهها السياسي وآراؤها الخاصة, أحدثت أثرًا فكريًا عَقَديًا واضحًا, بعكس ما سبقها من حالات( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق