إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 2 مايو 2014

537 تاريخ الخلفاء الراشدين (4)سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ? شخصيته وعصره دراسة شاملة الفصل السادس : معركته الجمل وصفين وقضية التحكيم المبحث الثالث : التحكيم رابعًا: قصة التحكيم المشهورة وبطلانها من وجوه:


537

تاريخ الخلفاء الراشدين (4)سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ? شخصيته وعصره دراسة شاملة

الفصل السادس : معركته الجمل وصفين وقضية التحكيم

المبحث الثالث : التحكيم

رابعًا: قصة التحكيم المشهورة وبطلانها من وجوه:

لقد كثر الكلام حول قصة التحكيم, وتداولها المؤرخون والكتاب على أنها حقيقة ثابتة لا مرية فيها, فهم بين مطيل في سياقها ومختصر وشارح ومستنبط للدروس وبان للأحكام على مضامينها, وقلما تجد أحدًا وقف عندها فاحصًا محققًا, وقد أحسن ابن العربي في ردها إجمالاً وإن كان غير مفصل, وفي هذا دلالة على قوة حاسته النقدية للنصوص, إذ أن جميع متون قصة التحكيم لا يمكن أن تقوم أمام معيار النقد العلمي, بل هي باطلة من عدة وجوه( ).

1- أن جميع طرقها ضعيفة, وأقوى طريق وردت فيه هو ما أخرجه عبد الرزاق والطبري بسند رجاله ثقات عن الزهري مرسلاً قال: قال الزهري: فأصبح أهل الشام قد نشروا مصاحفهم, ودعوا إلى ما فيها, فهاب أهل العراق, فعند ذلك حكموا الحكمين, فاختار أهل العراق أبا موسى الأشعري, واختار أهل الشام عمرو بن العاص, فتفرق أهل صفين حين حكم الحكمان, فاشترطا أن يرفعا ما رفع القرآن، ويخفضا ما خفض القرآن, وأن يختارا لأمة محمد ×, وأنهما يجتمعان بدومة الجندل, فإن لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل بأذرح, فلما انصرف علي خالفت الحرورية وخرجت – وكان ذلك أول ما ظهرت- فآذنوه بالحرب, وردوا عليه: أن حَكَّم بن آدم في حكم الله عز وجل, وقالوا: لا حكم إلا لله سبحانه, وقاتلوا, فلما اجتمع الحكمان بأذرح, وافاهم المغيرة بن شعبة فيمن حضر من الناس, فأرسل الحكمان إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير في إقبالهما في رجال كثير, ووافى معاوية بأهل الشام, وأبى علي وأهل العراق أن يوافوا فقال المغيرة بن شعبة لرجال من ذوي الرأي من قريش: أترون أحدًا من الناس برأي يبتدعه يستطيع أن يعلم أيجتمع الحكمان أم يتفرقان؟ قالوا: لا نرى أحدًا يعلم ذلك, قال: فوالله إني لأظن أني سأعلمه منهما حين أخلو بهما وأراجعهما, فدخل عمرو بن العاص وبدأ به فقال: يا أبا عبد الله, أخبرني عما أسألك عنه, كيف ترانا معشر المعتزلة, فإنا قد شككنا في الأمر الذي تبين لكم من هذا القتال, ورأينا أن نستأنى ونتثبت حتى تجتمع الأمة؛ قال: أراكم معشر المعتزلة خلف الأبرار, وأمام الفجار؛ فانصرف المغيرة ولم يسأله عن غير ذلك, حتى دخل على أبي موسى فقال له مثل ما قال لعمرو فقال أبو موسى: أراكم أثبت الناس رأيًا, فيكم بقية المسلمين, فانصرف المغيرة ولم يسأله عن غير ذلك, فلقى الذين قال لهم ما قال من ذوي الرأي من قريش, فقال: لا يجتمع هذان على أمر واحد, فلما اجتمع الحكمان وتكلما قال عمرو بن العاص: يا أبا موسى, رأيت أول ما تقضي به من الحق أن تقضي لأهل الوفاء بوفائهم, وعلى أهل الغدر بغدرهم, قال أبو موسى: وما ذاك؟ قال: ألست تعلم أن معاوية وأهل الشام قد وفوا, وقدموا للموعد الذي واعدناهم إياه؟ قال: بلى, قال عمرو: اكتبها فكتبها أبو موسى, قال عمرو: يا أبا موسى, أأنت على أن نسمي رجلاً يلي أمر هذه الأمة؟ فسمه لي, فإن أقدر على أن أتابعك فلك علي أن أتابعك وإلا فلي عليك أن تتابعني, قال أبو موسى: أسمي لك معاوية بن أبي سفيان فلم يبرحا مجلسهما حتى استبا, ثم خرجا إلى الناس, فقال أبو موسى: إني وجدت مثل عمرو ومثل الذين قال الله عز وجل: +وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا" [الأعراف: 175].

فلما سكت أبو موسى تكلم عمرو فقال: أيها الناس وجدت مثل أبي موسى كمثل الذي قال الله عز وجل: + مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا" [الجمعة:5]. وكتب كل واحد منهما مثله الذي ضرب لصاحبه إلى الأمصار( ). والزهري لم يدرك الحادثة فهي مرسلة, ومراسيله كأدراج الرياح لا تقوم بها حجة( ), كما قرر العلماء. وهناك طريق أخرى أخرجها ابن عساكر بسنده إلى الزهري وهي مرسلة وفيها أبو بكر بن أبي سبرة قال عنه الإمام أحمد: كان يضع الحديث( ), وفي سنده أيضًا الواقدي, وهو متروك( ), وهذا نصها:.. رفع أهل الشام المصاحف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه, وكان ذلك مكيدة من عمرو بن العاص, فاصطلحوا وكتبوا بينهم كتابًا على أن يوافوا رأس الحول أذرح, وحكموا حكمين ينظران في أمور الناس فيرضون بحكمهما, فحكم علي أبا موسى الأشعري, وحكم معاوية عمرو بن العاص, وتفرق الناس, فرجع علي إلى الكوفة بالاختلاف والدغل, واختلف عليه أصحابه فخرج عليه الخوارج من أصحابه ممن كانوا معه, وأنكروا تحكيمه وقالوا: لا حكم إلا لله, ورجع معاوية إلى الشام بالألفة واجتماع الكلمة عليه. ووافى الحكمان بعد الحول بأذرح في شعبان سنة ثمان وثلاثين, واجتمع الناس إليهما وكان بينهما كلام اجتمعا عليه في السر خالفه عمرو بن العاص في العلانية, فقدم أبا موسى فتكلم وخلع عليًا ومعاوية, ثم تكلم عمرو بن العاص فخلع عليًا وأقر معاوية, فتفرق الحكمان ومن كان اجتمع إليهما, وبايع أهل الشام معاوية في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين( ). وأما طرق أبي مخنف فهي معلولة به, فالأول: وهو أبو مخنف لوط بن يحيى, ضعيف ليس بثقة( ), وإخباري تالف غالى في الرفض, وأما الثاني قال فيه ابن سعد: كان( ) ضعيفًا, وقال البخاري وأبو حاتم: كان يحيى القطان يضعفه( ), وقال عثمان الدارمي: ضعيف( ), وقال النسائي: ضعيف( ).

هذه طرق قصة التحكيم المشهورة, والمناظرة بين أبي موسى وعمرو بن العاص المزعومة, أفمثل هذا تقوم به حجة؟ أو يعول على مثل ذلك في تاريخ الصحابة الكرام وعهد الخلفاء الراشدين, عصر القدوة والأسوة؛ ولو لم يكن في هذه الروايات إلا الاضطرابات في متنونها لكفاها ضعفًا فكيف إذا أضيف إلى ذلك ضعف أسانيدها( ).

2- أهمية هذه القضية من جانب الاعتقاد والتشريع, ومع ذلك لم تنقل لنا بسند صحيح, ومن المحال أن يطبق العلماء على إهمالها مع أهميتها وشدة الحاجة إليها( ).

3- وردت رواية تنقض تلك الروايات تمامًا, وذلك فيما أخرجه البخاري في تاريخه مختصرًا بسند رجاله ثقات, وأخرجه ابن عساكر معلولاً, عن الحصين بن المنذر أن معاوية أرسله إلى عمرو بن العاص فقال له: إنه بلغني عن عمرو بعض ما أكره فأته فاسأله عن الأمر الذي اجتمع عمرو وأبو موسى فيه كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال الناس وقالوا, ولا والله ما كان ما قالوا, ولكن لما اجتمعت أنا وأبو موسى قلت له: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه من النفر الذين توفى رسول الله ×, وهو عنهم راض قال: فقلت: أين تجعلني من هذا الأمر أنا ومعاوية؟ قال: إن يستعن بكما ففيكما معونة, وإن يستغن عنكما فطال ما استغنى أمر الله عنكما( ). وقد روى أبو موسى عن تورع عمرو ومحاسبته لنفسه, وتذكره سيرة أبي بكر وعمر, وخوفه من الأحداث بعدهما, قال أبو موسى: قال لي عمرو بن العاص: والله لئن كان أبو بكر وعمر تركا هذا المال وهو يحل لهما, لقد غُبنا وأخطآ أو نقص رأيهما, ووالله ما كانا مغبونين ولا مخطئين ولا ناقصي الرأي, ووالله ما جاءنا الوهم والضعف إلا من قبلنا( ).

4- إن معاوية كان يقر بفضل علي عليه وأنه أحق بالخلافة منه, فلم ينازعه الخلافة ولا طلبها لنفسه في حياة علي, فقد أخرج يحيى بن سليمان الجعفي بسند جيد( ), عن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية: أنت تنازع عليًا في الخلافة, أو أنت مثله؟ قال: لا وإني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر, ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قُتل مظلومًا وأنا ابن عمه ووليه أطالب بدمه؟ فأتوا عليًا فقولوا له: يدفع لنا قتلة عثمان وأسلم له, فأتوا عليًا فكلموه فلم يدفعهم إليه( ). فهذا هو أصل النزاع بين علي ومعاوية, رضي الله عنهما؛ فالتحكيم من أجل حل هذه القضية المتنازع عليها لا لاختيار خليفة أو عزله( ), ويقول ابن حزم في هذا الصدد بأن عليًا قاتل معاوية لامتناعه عن تنفيذ أوامره في جميع أرض الشام, وهو الإمام الواجب طاعته, ولم ينكر معاوية قط فضل علي واستحقاقه الخلافة, لكن اجتهاده أداه إلى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان على البيعة, ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان والكلام فيه من أولاد عثمان وأولاد الحكم بن أبي العاص لسنه وقوته على الطلب بذلك, وأصاب في هذا وإنما أخطأ في تقديمه ذلك على البيعة فقط( ), وفهم الخلاف على هذه الصورة –وهي صورته الحقيقية- بيَّن إلى أي مدى تخطئ الروايت السابقة عن التحكيم في تصوير قرار الحكمين, إن الحكمين كانا مفوضين للحكم في الخلاف بين علي ومعاوية, ولم يكن الخلاف بينهما حول الخلافة ومن أحق بها منهما, وإنما كان حول توقيع القصاص على قتلة عثمان, وليس هذا من أمر الخلافة في شيء, فإذا ترك الحكمان هذه القضية الأساسية, وهي ما طلب إليهما الحكم فيه, واتخذا قرارًا في شأن الخلافة كما تزعم الرواية الشائعة, فمعنى ذلك أنهما لم يفضا موضوع النزاع, ولم يحيطا بموضوع الدعوى, وهو أمر مستبعد جدًا( ).

5- إن الشروط التي يجب توافرها في الخليفة هي العدالة والعلم, والرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح, وأن يكون قرشيًا( ), وقد توافرت هذه الشروط في علي رضي الله عنه, فهل بيعته منعقدة أم لا؟ فإن كانت منعقدة –ولا شك في ذلك- وقد بايعه المهاجرون والأنصار؛ أهل الحل والعقد, وخصومه يقرون له بذلك, فقول معاوية السابق يدل عليه بأن «الإمام إذا لم يخل عن صفات الأئمة, فرام العاقدون له عقد الإمامة أن يخلعوه, لم يجدوا إلى ذلك سبيلاً باتفاق الأئمة, فإن عقد الإمام لازم, لا اختيار في حله من غير سبب يقتضيه, ولا تنتظم الإمامة ولا تفيد الغرض المقصود منها إلا مع القطع بلزومها, ولو تخير الرعايا في خلع إمام الخلق على حكم الإيثار والاختيار لما استتب للإمام طاعة ولما استمرت له قدرة واستطاعة ولما صح لمنصب الإمام معنى( )»

وإذن فليس الأمر بهذه الصورة التي تحكيها الروايات؛ كل من لم يرض بإمامه خلعه, فعقد الإمامة لا يحله إلا من عقده, وهم أهل الحل والعقد, وبشرط إخلال الإمام بشروط الإمامة, وهل علي رضي الله عنه فعل ذلك واتفق أهل الحل والعقد على عزله عن الخلافة وهو الخليفة الراشد حتى يقال إن الحكمين اتفقا على ذلك, فما ظهر منه قط إلى أن مات رضي الله عنه, شيء يوجب نقض بيعته, وما ظهر منه قط إلا العدل, والجد, والبر والتقوى والخير( ).

6- إن الزمان الذي قام فيه التحكيم زمان فتنة, وحالة المسلمين مضطربة مع وجود خليفة لهم, فكيف تنتظم حالتهم مع عزل الخليفة, لاشك أن الأحوال ستزداد سوءًا, والصحابة الكرام أحذق وأعقل من أن يقدموا على هذا؟ ولهذا يتضح بطلان هذا الرأي عقلاً ونقلاً.

7- إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حصر الخلافة في أهل الشورى: وهم الستة وقد رضي المهاجرون والأنصار بذلك, فكان ذلك إذنًا في أن الخلافة لا تعدو هؤلاء إلى غيرهم ما بقى منهم واحد ولم يبق منهم في زمان التحكيم إلا سعد بن أبي وقاص, وقد اعتزل الأمر ورغب عن الولاية, والإمارة, وعلي بن أبي طالب القائم بأمر الخلافة وهو أفضل الستة بعد عثمان فكيف يتخطى بالأمر إلى غيره( ).

8- أوضحت الروايات أن أهل الشام بايعوا معاوية بعد التحكيم: والسؤال: ما المسوغ الذي جعل أهل الشام يبايعون معاوية؟ إن كان من أجل التحكيم, فالحكمان لم يتفقا ولم يكن ثمة مبرر آخر حتى ينسب عنهم ذلك, مع أن ابن عساكر نقل بسند رجاله ثقات عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي( ), أعلم الناس بأمر الشام( ) أنه قال: كان علي بالعراق يدعى أمير المؤمنين وكان معاوية بالشام يدعى الأمير, فلما مات علي دعي معاوية بالشام أمير المؤمنين( ), فهذا النص يبين أن معاوية لم يبايع بالخلافة إلا بعد وفاة علي, وإلى هذا ذهب الطبري, فقد قال في آخر حوادث سنة أربعين: وفي هذه السنة بويع لمعاوية بالخلافة بإيلياء( ), وعلق على هذا ابن كثير بقوله: يعني لما مات علي قام أهل الشام فبايعوا معاوية على إمرة المؤمنين لأنه لم يبق له عندهم منازع( ), وكان أهل الشام يعلمون بأن معاوية ليس كفئًا لعلي بالخلافة ولا يجوز أن يكون خليفة مع إمكان استخلاف علي رضي الله عنه, فإن فضل علي وسابقته وعلمه, ودينه, وشجاعته, وسائر فضائله: كانت عندهم ظاهرة ومعروفة, كفضل إخوانه, أبي بكر وعمر, وعثمان وغيرهم رضي الله عنهم( ), وإضافة إلى ذلك فإن النصوص تمنع من مبايعة خليفة مع وجود الأول, فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ×: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»( ), والنصوص في هذا المعنى كثيرة( ). ومن المحال أن يطبق الصحابة على مخالفة ذلك( ).

9- أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عمر قال: دخلت على حفصة قلت: قد كان من أمر الناس ما ترين فلم يجعل لي من الأمر شيء فقالت: الحق فإنهم ينتظرونك وأخشى أن يكون احتباسك عنهم فرقة, فلم تدعه حتى ذهب, فلما تفرق الناس خطب معاوية قال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه, فلنحن الحق به منه ومن أبيه, قال حبيب ابن مسلمة: فهلا أجبته؟ قال عبد الله: فحللت حبوتي وهممت أن أقول أحق بهذا منك من قاتلك وأباك على الإسلام فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم ويحمل عني غير ذلك, فذكرت ما أعد الله في الجنان. قال حبيب: حفظت وعصمت( ), هذا الحديث قد يفهم منه مباعية معاوية بالخلافة, وليس فيه تصريح بذلك, وقد قال بعض العلماء: إن هذا الحديث كان في الاجتماع الذي صالح فيه الحسن بن علي رضي الله عنه معاوية رضي الله عنه.

وقال ابن الجوزي: إن هذه الخطبة كانت في زمن معاوية لما أراد أن يجعل ابنه يزيد ولي عهده, ويرى ابن حجر أنما في التحكيم( ): دلالة النص على القولين الأولين أقوى. فقوله: فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم.. دليل على اجتماع الكلمة على معاوية, وأيام التحكيم أيام فرقة واختلاف لا أيام جمع وائتلاف( ).

10- حقيقة قرار التحكيم: ليس من شك في أن أمر الخلاف الذي رأى الحكمان رده إلى الأمة وإلى أهل الشورى ليس إلا أمر الخلاف بين علي ومعاوية حول قتلة عثمان, ولم يكن معاوية مدعيًا للخلافة, ولا منكرًا حق علي فيها كما تقرر سابقًا, وإنما كان ممتنعًا عن بيعته, وعن تنفيذ أوامره في الشام حيث كان متغلبًا عليها بحكم الواقع لا بحكم القانون, مستفيدًا من طاعة الناس له بعد أن بقى واليًا فيها زهاء عشرين سنة( ), وقد قال ابن دحية الكلبي في كتابه «أعلام النصر المبين في المفاضلة بين أهل صفين»: قال أبو بكر محمد الطيب الأشعري –الباقلاني- في مناقب الأئمة: فما اتفق الحكمان قط على خلعه –علي بن أبي طالب- وعلى أنهما لو اتفقا على خلعه لم ينخلع حتى يكون الكتاب والسنة المجتمع عليهما يوجبان خلعه, أو أحد منهما على ما شرطا في الموافقة بينهما, أو إلى أن يبينا ما يوجب خلعه من الكتاب والسنة, ونص كتاب علي –عليه السلام- اشترط على الحكمين أن يحكما بما في كتاب الله عز وجل من فاتحته إلى خاتمته لا يجاوزان ذلك ولا يحيدان عنه, ولا يميلان إلى هوى ولا إدهان, وأخذ عليهما أغلظ العهود والمواثيق, وإن هما جاوزا بالحكم كتاب الله فلا حكم لهما.. والكتاب والسنة يثبتان إمامته, ويعظمانه ويثنيان عليه, ويشهدان بصدقه وعدالته, وإمامته وسابقته في الدين, وعظيم جهاده في جهاد المشركين وقرابته من سيد المرسلين, وما خص به من القدم في العلم والمعرفة بالحكم, ووفور الحلم, وأنه حقيق بالإمامة, وأهل لحمل أعباء الخلافة( ).

11- مكان انعقاد المؤتمر: كان الموعد المحدد لاجتماع الحكمين –كما جاء في الوثيقة- في رمضان في عام 37هـ, إذا لم تحدث عوائق, في موضع وسط بين العراق والشام وهذا الموضع المختار هو دومة الجندل( ), في روايات موثقة, وأذرح( ) في روايات أخرى دونها في الإتقان, ولعل لقرب المكانين من بعضهما أثرًا في اختلاف الروايات, إذ يقول خليفة ابن خياط( ): ويقال بأذرح وهي من دومة الجندل قريب, وقد تم الاجتماع في الموعد المحدد بدون عوائق( ).

إن المكان الذي اجتمع فيه الحكمان هو دومة الجندل, وهذا بخلاف ما جزم به ياقوت الحموي من أن التحكيم حدث في أذرح, واستدل على ذلك ببعض روايات لم يبينها وبالأشعار, وبخاصة بشرع ذي الرمة( ) في مدح بلال بن أبي بردة( ) وهو قوله:

أبوك تلافى الدين والناس بعدما
        تشاءوا وبيت الدين منقلع الكسر

فشد إصار الدين أيام أذرح
        ورد حروبًا قد لقحن إلى عقر( )

12- هل حضر سعد بن أبي وقاص اجتماع الحكمين؟ اجتمع الحكمان في موعدهما المحدد, ومع كل واحد منهما بضع مئات يمثلون وفدين, وفد عن أهل العراق, والآخر يمثل أهل الشام, وطلب الحكمان من عدد من أعيان قريش وفضلائهم الحضور لمشاورتهم والاستئناس برأيهم, ولم يحضر الاجتماع عدد من كبار الصحابة كانوا قد اعتزلوا القتال منذ بدايته وأفضل هؤلاء, سعد بن أبي وقاص, رضي الله عنه, فإنه لم يحضر التحكيم ولا أراد ذلك ولا همَّ به( ). فعن عامر بن سعد أن أخاه عمر انطلق إلى سعد في غنم له خارجًا من المدينة فلما أتاه قال: يا أبة, أرضيت أن تكون أعرابيًا في غنمك والناس يتنازعون في الملك بالمدينة؟ فضرب سعد صدر عمر وقال: اسكت فإني سمعت رسول الله × يقول: «إن الله يحب العبد التقي النقي الخفي»( ).


يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق