إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 1 مارس 2015

70 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الأول قصة موسى والخضر عليهما السلام


70

البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الأول

 قصة موسى والخضر عليهما السلام

قال بعض أهل الكتاب‏:‏ إن موسى هذا الذي رحل إلى الخضر هو موسى بن ميشا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل‏.‏ وتابعهم على ذلك بعض من يأخذ من صحفهم، وينقل عن كتبهم منهم‏:‏ نوف بن فضالة الحميري الشامي البكالي، ويقال‏:‏ إنه دمشقي، وكانت أمه زوجة كعب الأحبار‏.‏

والصحيح الذي دل عليه ظاهر سياق القرآن، ونص الحديث الصحيح الصريح المتفق عليه‏:‏ أنه موسى بن عمران صاحب بني إسرائيل‏.‏

قال البخاري‏:‏ حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمر بن دينار، أخبرني سعيد بن جبير قال‏:‏ قلت لابن عباس‏:‏ إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر، ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل، قال ابن عباس‏:‏ كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏

‏(‏‏(‏إن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم‏؟‏

فقال‏:‏ أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك‏.‏

قال موسى‏:‏ يا رب وكيف لي به‏؟‏

قال‏:‏ تأخذ معك حوتاً فتجعله بمكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتاً فجعله بمكتل، ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون، حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر واتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق‏.‏

فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، حتى إذا كان من الغد ‏{‏قَالَ لِفَتَاهُ أتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً‏}‏ ولم يجد موسى النصب، حتى جاوز المكان الذي أمره الله به‏.‏

قال له فتاه‏:‏ ‏{‏قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً‏}‏‏.‏

قال‏:‏ فكان للحوت سرباً، ولموسى ولفتاه عجبا‏.‏

‏{‏قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً‏}‏ قال‏:‏ فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجى بثوب، فسلم عليه موسى‏.‏

فقال الخضر‏:‏ وإني بأرضك السلام‏.‏

قال‏:‏ أنا موسى‏.‏

قال‏:‏ موسى بني إسرائيل‏؟‏

قال‏:‏ نعم، أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا‏.‏

‏{‏قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً‏}‏ يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله، لا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، ‏{‏قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً‏}‏‏.‏

قال له الخضر‏:‏ ‏{‏فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً‏}‏ فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ليس لهما سفينة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 345‏)‏

فمرت بهما سفينة فكلمهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول، فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى‏:‏ قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها ‏{‏لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً‏}‏‏.‏

قال‏:‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

وكانت الأولى من موسى نسياناً‏.‏

قال‏:‏ وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة، فقال له الخضر‏:‏ ما علمي وعلمك في علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر‏.‏

ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ بصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى‏:‏ ‏{‏أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً‏}‏‏.‏

قال‏:‏ وهذه أشد من الأولى، ‏{‏قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ‏}‏ قال‏:‏ مائل‏.‏

فقال الخضر بيده ‏{‏فَأَقَامَهُ‏}‏ فقال موسى‏:‏ قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا ‏{‏لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً‏}‏‏.‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما‏)‏‏)‏‏.‏

قال سعيد بن جبير‏:‏ فكان ابن عباس يقرأ‏:‏ ‏(‏وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا‏)‏، وكان يقرأ ‏(‏وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين‏)‏‏.‏

ثم رواه البخاري أيضاً، عن قتيبة، عن سفيان بن عيينة، بإسناده نحوه‏.‏

وفيه‏:‏ ‏(‏‏(‏فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ومعهما الحوت، حتى انتهيا إلى الصخرة فنزلا عندها‏.‏

قال‏:‏ فوضع موسى رأسه فنام‏)‏‏)‏‏.‏

قال سفيان وفي حديث غير عمرو قال‏:‏ وفي أصل الصخرة عين يقال لها‏:‏ الحياة لا يصيب من مائها شيء إلا حي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين، قال فتحرك وانسل من المكتل، ودخل البحر فلما استيقظ ‏(‏‏(‏قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا‏.‏

وساق الحديث‏.‏

وقال‏:‏ ووقع عصفور على حرف السفينة فغمس منقاره في البحر، فقال الخضر لموسى‏:‏ ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله، إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره، وذكر تمام الحديث‏)‏‏)‏‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام بن يوسف، أن ابن جريج أخبرهم قال‏:‏ أخبرني يعلى بن مسلم، وعمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدثه عن سعيد بن جبير قال‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 346‏)‏

إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال‏:‏ سلوني‏.‏

فقلت‏:‏ أي أبا عباس جعلني الله فداك بالكوفة، رجل قاص يقال له‏:‏ نوف، يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل، أما عمرو فقال لي‏:‏ قال قد كذب عدو الله‏.‏

وأما يعلى فقال لي‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ حدثني أبي بن كعب قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏موسى رسول الله، قال ذكر الناس يوماً حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب، ولى فأدركه رجل فقال‏:‏

أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك‏؟‏

قال‏:‏ لا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله‏.‏

قيل‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ أي رب فأين‏؟‏

قال‏:‏ بمجمع البحرين‏.‏

قال‏:‏ أي رب، اجعل لي علماً أعلم ذلك به‏.‏

قال لي عمرو قال‏:‏ حيث يفارقك الحوت‏.‏

وقال لي يعلى‏:‏ قال‏:‏ خذ حوتاً ميتاً حيث ينفخ فيه الروح، فأخذ حوتاً فجعله في مكتل‏.‏

فقال لفتاه لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال‏:‏ ما كلفت كبيراً فذلك قوله‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ‏}‏ يوشع بن نون، - ليست عن سعيد بن جبير - قال‏:‏ فبينما هو في ظل صخرة في مكان ثريان، إذ تضرب الحوت وموسى نائم، فقال فتاه‏:‏ لا أوقظه حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره، وتضرب الحوت حتى دخل البحر، فأمسك الله عنه جرية البحر، حتى كأن أثره في حجر‏.‏

قال لي عمرو‏:‏ هكذا كان أثره في حجر، وحلق بين إبهاميه واللتين تليان

‏{‏لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً‏}‏ قال‏:‏ وقد قطع الله عنك النصب، ليست هذه عن سعيد أخبره، فرجعا فوجدا خضراً‏.‏ قال لي عثمان بن أبي سليمان‏:‏ على طنفسة خضراء على كبد البحر، قال سعيد‏:‏ مسجى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه، وطرفه تحت رأسه، فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال‏:‏ هل بأرض من سلام من أنت‏؟‏

قال‏:‏ أنا موسى‏.‏

قال‏:‏ موسى بني إسرائيل‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فما شأنك‏؟‏

قال‏:‏ جئتك لتعلمني مما علمت رشدا‏.‏

قال‏:‏ أما يكفيك أن التوراة بيديك، وأن الوحي يأتيك يا موسى‏؟‏ إن لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه، فأخذ طائر بمنقاره من البحر فقال‏:‏ والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر‏.‏

‏{‏حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ‏}‏ وجدا معابر صغاراً تحمل أهل هذا الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر، عرفوه فقالوا‏:‏ عبد الله الصالح

قال‏:‏ فقلنا لسعيد خضر‏.‏

قال‏:‏ نعم‏.‏ لا نحمله بأجر ‏{‏خَرَقَهَا‏}‏ ووتد فيها وتداً‏.‏ ‏{‏قَالَ‏}‏ موسى ‏{‏أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً‏}‏ قال مجاهد‏:‏ منكراً‏.‏

‏{‏قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً‏}‏ كانت الأولى نسياناً، والوسطى شرطاً، والثالثة عمداً‏.‏

‏{‏قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ‏}‏ قال يعلى‏:‏ قال سعيد‏:‏ وجد غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً كافراً ظريفاً فأضجعه، ثم ذبحه بالسكين‏.‏

‏{‏قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً‏}‏ لم تعمل بالخبث‏.‏ ابن عباس قرأها‏:‏ زكية زاكية مسلمة، كقولك غلاماً زكياً

فانطلقا ‏{‏فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ‏}‏ قال‏:‏ بيده هكذا، ورفع يده فاستقام، قال يعلى‏:‏ حسبت أن سعيداً قال‏:‏ فمسحه بيده فاستقام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 347‏)‏

‏{‏قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً‏}‏ قال سعيد‏:‏ أجراً نأكله، ‏{‏وَكَانَ وَرَاءهُمْ‏}‏ وكان أمامهم‏:‏ قرأها ابن عباس‏:‏ ‏(‏أمامهم‏)‏ ملك يزعمون - عن غير سعيد - أنه هدد بن بدد، والغلام المقتول يزعمون‏:‏ جيسور، ‏{‏مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً‏}‏ فإذا هي مرت به يدعها بعيبها، فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها‏.‏

منهم‏:‏ من يقول سدوها بقارورة، ومنهم‏:‏ من يقول بالقار‏.‏

‏{‏فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ‏}‏ وكان كافرا‏.‏ ‏{‏فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً‏}‏ أي‏:‏ يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه‏.‏ ‏{‏فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً‏}‏ لقوله‏:‏ أقتلت نفسا زكية، ‏{‏وَأَقْرَبَ رُحْماً‏}‏ هما به أرحم منها بالأول الذي قتل خضر‏.‏

وزعم سعيد بن جبير أنه‏:‏ ابن لا جارية، وأما داود بن أبي عصام فقال عن غير واحد‏:‏ إنها جارية‏.‏

وقد رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال‏:‏ خطب موسى بني إسرائيل فقال‏:‏ ما أحد أعلم بالله وبأمره مني، فأمر أن يلقى هذا الرجل فذكر نحو ما تقدم‏.‏

وهكذا رواه محمد بن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عيينة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنحو ما تقدم أيضاً‏.‏ ورواه العوفي عنه موقوفاً‏.‏

وقال الزهري عن عبيد الله، بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري، في صاحب موسى‏.‏

فقال ابن عباس‏:‏ هو خضر، فمر بهما أبي بن كعب، فدعاه ابن عباس فقال‏:‏ إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه، فهل سمعت من رسول الله فيه شيئاً‏؟‏

قال‏:‏ نعم، وذكر الحديث‏.‏

وقد تقصينا طرق هذا الحديث وألفاظه في تفسير سورة الكهف، ولله الحمد‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ‏}‏ قال السهيلي‏:‏ وهما أصرم وصريم، ابنا كاشح وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا‏}‏ قيل‏:‏ كان ذهباً، قاله عكرمة‏.‏

وقيل‏:‏ علماً، قاله ابن عباس‏.‏

والأشبه أنه كان لوحاً من ذهب مكتوباً فيه علم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 348‏)‏

قال البزار‏:‏ حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا بشر بن المنذر، حدثنا الحرث بن عبد الله اليحصبي، عن عياش بن عباس الغساني، عن بن حجيرة، عن أبي ذر رفعه، قال‏:‏

‏(‏‏(‏إن الكنز الذي ذكر الله في كتابه لوح من الذهب مصمت‏:‏ عجبت لمن أيقن بالقدر كيف نصب، وعجبت لمن ذكر النار لم ضحك، وعجبت لمن ذكر الموت كيف غفل لا إله إلا الله‏)‏‏)‏‏.‏

وهكذا روي عن الحسن البصري، وعمر مولى عفرة، وجعفر الصادق نحو هذا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً‏}‏ وقد قيل‏:‏ إنه كان الأب السابع‏.‏

وقيل‏:‏ العاشر‏.‏ وعلى كل تقدير فيه دلالة على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، فالله المستعان‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ‏}‏ دليل على أنه كان نبياً، وأنه ما فعل شيئاً من تلقاء نفسه، بل بأمر ربه، فهو نبي، وقيل‏:‏ رسول، وقيل‏:‏ ولي، وأغرب من هذا من قال‏:‏ كان ملكاً، قلت‏:‏ وقد أغرب جداً من قال‏:‏ هو ابن فرعون، وقيل‏:‏ إنه ابن ضحاك الذي ملك الدنيا ألف سنة‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ والذي عليه جمهور أهل الكتاب أنه كان في زمن أفريدون‏.‏ ويقال‏:‏ إنه كان على مقدمة ذي القرنين، الذي قيل إنه كان أفريدون، وذو الفرس هو الذي كان في زمن الخليل، وزعموا أنه شرب من ماء الحياة فخلد وهو باق إلى الآن‏.‏

وقيل‏:‏ إنه من ولد بعض من آمن بإبراهيم، وهاجر معه من أرض بابل‏.‏

وقيل‏:‏ اسمه ملكان‏.‏

وقيل‏:‏ أرميا بن خلقيا‏.‏

وقيل‏:‏ كان نبياً في زمن سباسب بن لهراسب‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وقد كان بين أفريدون وبين سباسب دهور طويلة لا يجهلها أحد من أهل العلم بالأنساب‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ والصحيح أنه كان في زمن أفريدون، واستمر حياً إلى أن أدركه موسى عليه السلام‏.‏

وكانت نبوة موسى في زمن منو شهر، الذي هو من ولد ايرج بن أفريدون أحد ملوك الفرس، وكان إليه الملك بعد جده أفريدون، لعهده وكان عادلاً، وهو أول من خندق الخنادق، وأول من جعل في كل قرية دهقاناً، وكانت مدة ملكه قريباً من مائة وخمسين سنة‏.‏

ويقال‏:‏ إنه كان من سلالة إسحاق بن إبراهيم وقد ذكر عنه من الخطب الحسان، والكليم‏:‏ البليغ النافع الفصيح ما يبهر العقل، ويحير السامع، وهذا يدل على أنه من سلالة الخليل، والله أعلم‏.‏

وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ءأَقْرَرْتُمْ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية ‏[‏آل عمران‏:‏ 84‏]‏‏.‏

فأخذ الله ميثاق كل نبي، على أن يؤمن بمن يجيء بعده من الأنبياء وينصره، و استلزم ذلك الإيمان و أخذ الميثاق لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه خاتم الأنبياء فحق على كل نبي أدركه أن يؤمن به و ينصره، فلو كان الخضر حياً في زمانه لما وسعه إلا اتباعه والاجتماع به، والقيام بنصره، ولكان من جملة من تحت لوائه يوم بدر، كما كان تحتها جبريل، وسادات من الملائكة، وقصارى الخضر عليه السلام أن يكون نبياً، وهو الحق، أو رسولاً كما قيل، أو ملكاً فيما ذكر وأيَّاً ما كان فجبريل رئيس الملائكة، وموسى أشرف من الخضر، ولو كان حياً لوجب عليه الإيمان بمحمد ونصرته، فكيف إن كان الخضر ولياً كما يقوله طوائف كثيرون‏؟‏ فأولى أن يدخل في عموم البعثة وأحرى‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 349‏)‏

ولم ينقل في حديث حسن، بل ولا ضعيف، يعتمد أنه جاء يوماً واحداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا اجتمع به، وما ذكر من حديث التغرية فيه، وإن كان الحاكم قد رواه فإسناده ضعيف، والله أعلم، وسنفرد لخضر ترجمة على حدة بعد هذا‏.‏


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق