إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 4 مارس 2015

213 + البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثاني بقية باب في هواتف الجان


213 +

البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثاني

بقية  باب في هواتف الجان


ثم هتف صنم آخر من جوفه ترك الضمار وكان يعبد خرج النبي أحمد يصلي الصلاة، ويأمر بالزكاة، والصيام، والبر والصلات للأرحام، ثم هتف من جوف صنم آخر هاتف يقول‏:‏

إن الذي ورث النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريش مهتد

نبي أتى يخبر بما سبق * وبما يكون اليوم حقا أو غد

قال راشد‏:‏ فألفيت سواعاً مع الفجر وثعلبان يلحسان ما حوله، ويأكلان ما يهدى له، ثم يعوجان عليه ببولهما، فعند ذلك يقول راشد بن عبد ربه‏:‏

أرب يبول الثعلبان برأسه * لقد ذل من بالت عليه الثعالب

وذلك عند مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ومهاجره إلى المدينة وتسامع الناس به‏.‏

فخرج راشد حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ومعه كلب له، واسم راشد يومئذ ظالم، واسم كلبه راشد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 428‏)‏

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ما اسمك‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ ظالم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فما اسم كلبك‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ راشد‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اسمك راشد، واسم كلبك ظالم‏)‏‏)‏ وضحك النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وبايع النبي صلى الله عليه وسلم وأقام بمكة معه، ثم طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيعة برهاط - ووصفها له - فأقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعلاة من رهاط شأو الفرس، ورميته ثلاث مرات بحجر، وأعطاه إداوة مملوءة من ماء وتفل فيها، وقال له‏:‏ فرغها في أعلى القطيعة ولا تمنع الناس فضلها‏.‏

ففعل فجعل الماء معيناً يجري إلى اليوم، فغرس عليها النخل‏.‏ ويقال‏:‏ إن رهاط كلها تشرب منه، فسماها الناس ماء الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏ وأهل رهاط يغتسلون بها وبلغت رمية راشد الركب الذي يقال له ركب الحجر، وغدا راشد على سواع فكسره‏.‏

وقال أبو نعيم‏:‏ حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا علي بن إبراهيم الخزاعي الأهوازي، حدثنا أبو محمد عبد الله بن داود بن دلهاث بن إسماعيل بن مسرع بن ياسر بن سويد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حدثنا أبي، عن أبيه دلهاث، عن أبيه إسماعيل أن أباه عبد الله حدثه، عن أبيه مسرع بن ياسر، أن أباه ياسر حدثه، عن عمرو بن مرة الجهني أنه كان يحدث قال‏:‏

خرجت حاجاً في جماعة من قومي في الجاهلية، فرأيت في المنام وأنا بمكة نوراً ساطعاً من الكعبة حتى أضاء في جبل يثرب، وأشعر جهينة، فسمعت صوتاً في النور وهو يقول‏:‏

انقشعت الظلماء، وسطع الضياء، وبعث خاتم الأنبياء

ثم أضاء إضاءة أخرى حتى نظرت إلى قصور الحيرة، وأبيض المدائن، فسمعت صوتاً في النور وهو يقول‏:‏

ظهر الإسلام، وكسرت الأصنام، ووصلت الأرحام

فانتبهت فزعاً فقلت لقومي‏:‏ والله ليحدثن في هذا الحي من قريش حدث، وأخبرتهم بما رأيت، فلما انتهينا إلى بلادنا جاءنا رجل فأخبرنا أن رجلاً يقال له أحمد قد بعث، فأتيته فأخبرته بما رأيت فقال‏:‏

‏(‏‏(‏يا عمرو بن مرة إني المرسل إلى العباد كافة، أدعوهم إلى الإسلام، وآمرهم بحقن الدماء، وصلة الأرحام، وعبادة الله وحده، ورفض الأصنام، وحج البيت، وصيام شهر من اثني عشر شهراً وهو شهر رمضان، فمن أجاب فله الجنة، ومن عصى فله النار، فآمن يا عمرو بن مرة يؤمنك الله من نار جهنم‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، آمنت بكل ما جئت به من حلال وحرام، وإن أرغم ذلك كثيراً من الأقوام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 429‏)‏

ثم أنشدته أبياتاً قلتها حين سمعت به، وكان لنا صنم، وكان أبي سادناً له فقمت إليه فكسرته، ثم لحقت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أقول‏:‏

شهدت بأن الله حق وأنني * لآلهة الأحجار أول تارك

فشمرت عن ساقي إزار مهاجر * إليك أدب الغور بعد الدكادك

لأصحب خير الناس نفساً ووالداً * رسول مليك الناس فوق الحبائك

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏مرحباً بك يا عمرو بن مرة‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله بأبي وأنت وأمي، ابعث بي إلى قومي لعل الله أن يمن بي عليهم، كما من بك علي، فبعثني إليه وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏عليك بالقول السديد، ولا تكن فظاً ولا متكبراً ولا حسودا‏)‏‏)‏‏.‏

فأتيت قومي فقلت لهم‏:‏ يا بني رفاعة، ثم يا بني جهينة، إني رسول من رسول الله إليكم أدعوكم إلى الجنة، وأحذركم النار، وآمركم بحقن الدماء، وصلة الأرحام، وعبادة الله، ورفض الأصنام، وحج البيت، وصيام شهر رمضان شهر من اثني عشر شهراً، فمن أجاب فله الجنة، ومن عصى فله النار‏.‏

يا معشر جهينة - إن الله وله الحمد - جعلكم خيار من أنتم منه، وبغض إليكم في جاهليتكم ما حبب إلى غيركم من الرفث، لأنهم كانوا يجمعون بين الأختين، ويخلف الرجل منهم على امرأة أبيه والتراث في الشهر الحرام، فأجيبوا هذا النبي المرسل صلى الله عليه وسلم من بني لؤي بن غالب تنالوا شرف الدنيا وكرامة الآخرة، سارعوا سارعوا في ذلك يكون لكم فضيلة عند الله‏.‏

فأجابوا إلا رجلاً منهم قام فقال‏:‏ يا عمرو بن مرة أمر الله عليك عيشك، أتأمرنا أن نرفض آلهتنا، ونفرق جماعتنا بمخالفة دين آبائنا إلى ما يدعو هذا القرشي من أهل تهامة‏؟‏ لا ولا مرحباً ولا كرامة، ثم أنشأ الخبيث يقول‏:‏

إن ابن مرة قد أتى بمقالة * ليست مقالة من يريد صلاحا

إني لأحسب قوله وفعاله * يوماً وإن طال الزمان رياحا

أتسفه الأشياخ ممن قد مضى * من رام ذلك لا أصاب فلاحا

فقال عمرو بن مرة‏:‏ الكاذب مني ومنك أمر الله عيشه، وأبكم لسانه، وأكمه بصره‏.‏

قال عمرو بن مرة‏:‏ والله ما مات حتى سقط فوه، وكان لا يجد طعم الطعام، وعمى وخرس‏.‏

وخرج عمرو بن مرة ومن أسلم من قومه حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فرحب بهم وحباهم، وكتب لهم كتاباً هذه نسخته‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 430‏)‏

‏(‏‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله على لسان رسول الله، بكتاب صادق، وحق ناطق، مع عمرو بن مرة الجهني لجهينة بن زيد، إن لكم بطون الأرض وسهولها، وتلاع الأودية وظهورها، ترعون نباته، وتشربون صافيه، على أن تقروا بالخمس، وتصلوا الصلوات الخمس، وفي التبعة والصريمة شاتان إن اجتمعتا، وإن تفرقتا فشاة شاة، ليس على أهل الميرة صدقة، ليس الوردة اللبقة‏)‏‏)‏‏.‏

وشهد من حضرنا من المسلمين بكتاب قيس بن شماس رضي الله عنهم، وذلك حين يقول عمرو بن مرة‏:‏

ألم تر أن الله أظهر دينه * وبين برهان القران لعامر

كتاب من الرحمن نور لجمعنا * وأحلافنا في كل باد وحاضر

‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 431‏)‏

إلى خير من يمشي على الأرض كلها * وأفضلها عند اعتكار الصرائر

أطعنا رسول الله لما تقطعت * بطون الأعادي بالظبي والخواطر

فنحن قبيل قد بني المجد حولنا * إذا اجتلبت في الحرب هام الأكابر

بنو الحرب نفريها بأيد طويلة * وبيض تلالا في أكف المغاور

ترى حوله الأنصار تحمي أميرهم * بسمر العوالي والصفاح البواتر

إذا الحرب دارت عند كل عظيمة * ودارت رحاها بالليوث الهواصر

تبلج منه اللون وازداد وجهه * كمثل ضياء البدر بين الزواهر

وقال أبو عثمان سعيد بن يحيى الأموي في ‏(‏مغازيه‏)‏‏:‏ حدثنا عبد الله، حدثنا أبو عبد الله، حدثنا المجالد بن سعيد والأجلح عن الشعبي، حدثني شيخ من جهينة قال‏:‏ مرض منا رجل مرضاً شديداً فنقل حتى حفرنا له قبره، وهيأنا أمره، فأغمي عليه، ثم فتح عينيه وأفاق، فقال‏:‏ أحفرتم لي‏؟‏

قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فما فعل الفصل - وهو ابن عم له -

قلنا‏:‏ صالح مر آنفاً يسأل عنك‏.‏ قال‏:‏ أما إنه يوشك أن يجعل في حفرتي إنه أتاني آت حين أغمي علي فقال‏:‏ ابك هبل أما ترى حفرتك تنتثل، وأمك قد كادت تثكل، أرأيتك أن حولناها عنك بالمحول، ثم ملأناها بالجندل، وقدفنا فيها الفصل الذي مضى فأجزأك، وظن أن لن يفعل، أتشكر لربك وتصل وتدع دين من أشرك وضل‏؟‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ قم، قد برئت‏.‏ قال‏:‏ فبرىء الرجل، ومات الفصل فجعل في حفرته، قال الجهيني‏:‏ فرأيت الجهيني بعد ذلك يصلي، ويسب الأوثان ويقع فيها‏.‏

وقال الأموي‏:‏ حدثنا عبد الله قال‏:‏ بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مجلس يتحدثون عن الجن فقال خريم بن فاتك الأسدي لعمر بن الخطاب‏:‏ يا أمير المؤمنين ألا أحدثك كيف كان إسلامي‏؟‏

قال‏:‏ بلى‏.‏ قال‏:‏ إني يوماً في طلب ذود لي أنا منها على أثر تنصب وتصعد، حتى إذا كنت بأبرق العراق أنخت راحلتي، وقلت‏:‏ أعوذ بعظيم هذه البلدة، أعوذ برئيس هذا الوادي من سفهاء قومه، فإذا بهاتف يهتف بي‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 432‏)‏

ويحك، عذ بالله ذي الجلال * والمجد والعلياء والإفضال

ثم اتل آيات من الأنفال * ووحد الله ولا تبالي

قال‏:‏ فذعرت ذعراً شديداً، ثم رجعت إلى نفسي فقلت‏:‏

يا أيها الهاتف ما تقول * أرشد عندك أم تضليل

بين هداك الله ما الحويل

قال‏:‏ فقال‏:‏

هذا رسول الله ذو الخيرات * بيثرب يدعو إلى النجاة

يأمر بالبر وبالصلاة * ويزع الناس عن الهنات

قال‏:‏ قلت له‏:‏ والله لا أبرح حتى أتيه وأومن به، فنصبت رجلي في غرز راحلتي وقلت‏:‏

أرشدني أرشدني هديتا * لا جعت ما عشت ولا عريتا

ولا برحت سيدا مقيتا * لا تؤثر الخير الذي أتيتا

على جميع الجن ما بقيتا

فقال‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 433‏)‏

صاحبك الله وأدى رحلكا * وعظم الأجر وعافا نفسكا

آمن به أفلج ربي حقكا * وانصره نصرا عزيزا نصركا

قال‏:‏ قلت‏:‏ من أنت عافاك الله حتى أخبره إذا قدمت عليه‏؟‏

فقال‏:‏ أنا ملك بن ملك، وأنا نقيبه على جن نصيبين، وكفيت إبلك حتى أضمها إلى أهلك إن شاء الله‏.‏

قال‏:‏ فخرجت حتى أتيت المدينة يوم الجمعة والناس أرسال إلى المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر كأنه البدر يخطب الناس، فقلت‏:‏ أنيخ على باب المسجد حتى يصلي، وأدخل عليه فأسلم وأخبره عن إسلامي، فلما أنخت خرج إلى أبو ذر فقال‏:‏ مرحباً وأهلاً وسهلاً قد بلغنا إسلامك، فادخل فصل ففعلت‏.‏

ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرني بإسلامي‏.‏

فقلت‏:‏ الحمد لله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما إن صاحبك قد وفى لك وهو أهل ذلك وأدى إبلك إلى أهلك‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه الطبراني في ترجمة خريم بن فاتك من ‏(‏معجمه الكبير‏)‏ قائلاً‏:‏ حدثنا الحسين بن إسحاق اليسيري، حدثنا محمد بن إبراهيم الشامي، حدثنا عبد الله بن موسى الأسكندري، حدثنا محمد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال خريم بن فاتك لعمر بن الخطاب‏:‏ يا أمير المؤمنين ألا أخبرك كيف كان بدء إسلامي‏؟‏

قال‏:‏ بلى، فذكره غير أنه قال‏:‏ فخرج إلى أبو بكر الصديق فقال‏:‏ ادخل فقد بلغنا إسلامك، فقلت‏:‏ لا أحسن الطهور، فعلمني فدخلت المسجد فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه البدر وهو يقول‏:‏

‏(‏‏(‏ما من مسلم توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى صلاة يحفظها ويعقلها إلا دخل الجنة‏)‏‏)‏‏.‏

فقال لي عمر‏:‏ لتأتيني على هذا ببينة، أو لأنكلن بك، فشهد لي شيخ قريش عثمان بن عفان، فأجاز شهادته‏.‏

ثم رواه عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن محمد بن تيم، عن محمد بن خليفة، عن محمد بن الحسن، عن أبيه قال‏:‏ قال عمر بن الخطاب لخريم بن فاتك‏:‏ حدثني بحديث يعجبني، فذكر مثل السياق الأول سواء‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 434‏)‏

وقال أبو نعيم‏:‏ حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي الدمشقي، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن بن بنت شرحبيل، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، عن عبد الله بن الديلمي قال‏:‏ أتى رجل ابن عباس فقال‏:‏ بلغنا أنك تذكر سطيحاً تزعم أن الله خلقه، لم يخلق من بني آدم شيئاً يشبهه‏؟‏

قال‏:‏ قال‏:‏ نعم، إن الله خلق سطيحاً الغساني لحماً على وضم، ولم يكن فيه عظم ولاعصب إلا الجمجمة والكفان، وكان يطوى من رجليه إلى ترقوته كما يطوى الثوب، ولم يكن فيه شيء يتحرك إلا لسانه، فلما أراد الخروج إلى مكة حمل على وضمة، فأتي به مكة فخرج إليه أربعة من قريش‏:‏

عبد شمس، وهاشم ابنا عبد مناف بن قصي، والأحوص بن فهر، وعقيل بن أبي وقاص، فانتموا إلى غير نسبهم وقالوا‏:‏ نحن أناس من جمح أتيناك بلغنا قدومك، فرأينا أن إتياننا إياك حق لك واجب علينا، وأهدى إليه عقيل صفيحة هندية، وصعدة ردينية، فوضعت على باب البيت الحرام، لينظروا أهل يراها سطيح أم لا‏.‏

فقال‏:‏ يا عقيل ناولني يدك، فناوله يده فقال‏:‏ يا عقيل والعالم الخفية، والغافر الخطية، والذمة الوفية، والكعبة المبنية، إنك للجائي بالهدية الصفيحة الهندية، والصعدة الردينية‏.‏

قالوا‏:‏ صدقت يا سطيح‏.‏ فقال‏:‏ والآتي بالفرح، وقوس قزح، وسائر الفرح، واللطيم المنبطح، والنخل والرطب والبلح، إن الغراب حيث مر سنح، فأخبر أن القوم ليسوا من جمح، وإن نسبهم من قريش ذي البطح‏.‏

قالوا‏:‏ صدقت يا سطيح نحن أهل البيت الحرام، أتيناك لنزورك لما بلغنا من علمك، فأخبرنا عما يكون في زماننا هذا، وما يكون بعده، فلعل أن يكون عندك في ذلك علم‏.‏

قال‏:‏ الآن صدقتم، خذوا مني ومن إلهام الله إياي، أنتم يا معشر العرب في زمان الهرم، سواء بصائركم وبصائر العجم، لا علم عندكم ولا فهم، وينشو من عقبكم ذوو فهم، يطلبون أنواع العلم، فيكسرون الصنم، ويبلغون الردم، ويقتلون العجم، يطلبون الغنم‏.‏

قالوا يا سطيح‏:‏ فمن يكون أولئك‏؟‏

فقال لهم‏:‏ والبيت ذي الأركان، والأمن والسكان، لينشؤن من عقبكم ولدان، يكسرون الأوثان، وينكرون عبادة الشيطان، ويوحدون الرحمن، وينشرون دين الديان، يشرفون البنيان، ويستفتون الفتيان‏.‏

قالوا‏:‏ يا سطيح من نسل من يكون أولئك‏؟‏

قال‏:‏ وأشرف الأشراف، والمفضي للأشراف، والمزعزع الأحقاف، والمضعف الأضعاف، لينشؤن الألاف من عبد شمس وعبد مناف، نشوءاً يكون فيه اختلاف‏.‏

قالوا‏:‏ يا سوءتاه يا سطيح مما تخبرنا من العلم بأمرهم، ومن أي بلد يخرج أولئك‏؟‏

فقال‏:‏ والباقي الأبد، والبالغ الأمد، ليخرجن من ذا البلد فتى يهدي إلى الرشد، يرفض يغوث والفند، يبرأ من عبادة الضدد، يعبد ربا انفرد، ثم يتوفاه الله محموداً، من الأرض مفقوداً، وفي السماء مشهوداً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 435‏)‏

ثم يلي أمره الصديق إذا قضى صدق، في رد الحقوق لا خرق ولا نزق‏.‏

ثم يلي أمره الحنيف، مجرب غطريف، ويترك قول العنيف، قد ضاف المضيف، وأحكم التحنيف‏.‏

ثم يلي أمره داعياً لأمره مجرباً، فتجتمع له جموعاً وعصباً، فيقتلونه نقمة عليه وغضباً، فيؤخذ الشيخ فيذبح أرباً، فيقوم به رجال خطباء‏.‏

ثم يلي أمره الناصر يخلط الرأي برأي المناكر، يظهر في الأرض العساكر‏.‏

ثم يلي بعده ابنه، يأخذ جمعه، ويقل حمده، ويأخذ المال، ويأكل وحده، ويكثر المال بعقبه من بعده‏.‏

ثم يلي من بعده عدة ملوك، لا شك الدم فيهم مسفوك‏.‏

ثم بعدهم الصعلوك، يطويهم كطي الدرنوك، ثم يلي من بعده عظهور، يقضي الحق، ويدني مصر، يفتتح الأرض افتتاحاً منكراً‏.‏

ثم يلي قصير القامة بظهره علامة يموت موتاً وسلامة‏.‏

ثم يلي قليلاً باكر، يترك الملك بائر، يلي أخوه بسنته سابر يختص بالأموال والمنابر‏.‏

ثم يلي من بعده أهوج صاحب دنيا، ونعيم مخلج، يتشاوره معاشر وذووه ينهوضون إليه يخلعونه، بأخذ الملك ويقتلونه‏.‏

ثم يلي أمره من بعده السابع، يترك الملك محلاً ضائع بنوه في ملكه كالمشوه جامع، عند ذلك يطمع في الملك كل عريان‏.‏

ويلي أمره اللهفان يرضي نزاراً جمع قحطان، إذا التقيا بدمشق جمعان بين بنيان ولبنان، يصنف اليمن يومئذ صنفان، صنف المشورة، وصنف المخذول، لا ترى الأحباء محلول، وأسيرا مغلول، بين القراب والخيول، عند ذلك تخرب المنازل، وتسلب الأرامل، وتسقط الحوامل، وتظهر الزلازل، وتطلب الخلافة وائل، فتغضب نزار، فتدنى العبيد والأشرار، وتقصي الأمثال والأخيار، وتغلو الأسعار في صفر الأصفار، يقتل كل حياً منه‏.‏

ثم يسيرون إلى خنادق وإنها ذات أشعار وأشجار، تصد له الأنهار، ويهزمهم أول النهار، تظهر الأخيار، فلا ينفعهم نوم ولا قرار، حتى يدخل مصراً من الأمصار، فيدركه القضاء والأقدار‏.‏

ثم يجيء الرماة تلف مشاة، لقتل الكماة، وأسر الحماة، وتهلك الغواة، هنالك يدرك في أعلى المياه‏.‏ ثم يبور الدين، وتقلب الأمور، وتكفر الزبور، وتقطع الجسور، فلا يفلت إلا من كان في جزائر البحور، ثم تبور الحبوب، وتظهر الأعاريب، ليس فيهم معيب على أهل الفسوق والريب، في زمان عصيب، لو كان للقوم حياً وما تغني المنى‏.‏

قالوا‏:‏ ثم ماذا يا سطيح‏؟‏

قال‏:‏ ثم يظهر رجل من أهل اليمن كالشطن يذهب الله على رأسه الفتن‏.‏ وهذا أثر غريب كتباه لغرابته وما تضمن من الفتن والملاحم‏.‏ وقد تقدم قصة شق وسطيح مع ربيعة بن نصر ملك اليمن، وكيف بشر بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 436‏)‏

وكذلك تقدم قصة سطيح مع ابن أخته عبد المسيح حين أرسله ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، وذلك ليلة مولد الذي نسخ بشريعته سائر الأديان‏.‏

تم الجزء الثاني من البداية والنهاية ويليه الجزء الثالث وأوله باب كيفية بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏




يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق