إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 29 مارس 2015

1322 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن ثم دخلت سنة ثلاث وستين


1322
  
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن

 ثم دخلت سنة ثلاث وستين

وقد كان يزيد كتب إلى عبيد الله بن زياد أن يسير إلى الزبير فيحاصره بمكة، فأبى عليه وقال‏:‏ والله لا أجمعهما للفاسق أبداً، أقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأغزو البيت الحرام‏؟‏

وقد كانت أمه مرجانة قالت له حين قتل الحسين‏:‏ ويحك ماذا صنعت وماذا ركبت‏؟‏

وعنفته تعنيفاً شديداً‏.‏

قالوا‏:‏ وقد بلغ يزيد أن ابن الزبير يقول في خطبته‏:‏ يزيد القرود، شارب الخمور، تارك الصلوات، منعكف على القينات‏.‏

فلما جهز مسلم بن عقبة واستعرض الجيش بدمشق جعل يقول‏:‏

أبلغ أبا بكرٍ إذا الجيش سرى * وأشرف الجيش على وادي القرى

أجمع سكران من القوم ترى * يا عجبا من ملحد في أم القرى

مخادعٌ للدين يقضي بالفرى

وفي رواية‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/240‏)‏

أبلغ أبا بكرٍ إذا الأمر انبرى * ونزل الجيش على وادي القرى

عشرون ألفاً بين كهلٍ وفتى * أجمع سكران من القوم ترى

قالوا‏:‏ وسار مسلم بمن معه من الجيوش إلى المدينة، فلما اقترب منها اجتهد أهل المدينة في حصار بني أمية‏.‏

وقالوا لهم‏:‏ والله لنقتلنكم عن آخركم أو تعطونا موثقاً أن لا تدلوا علينا أحداً من هؤلاء الشاميين، ولا تمالئوهم علينا، فأعطوهم العهود بذلك‏.‏

فلما وصل الجيش تلقاهم بنو أمية فجعل مسلم يسألهم عن الأخبار فلا يخبره أحد، فانحصر لذلك‏.‏

جاءه عبد الملك بن مروان فقال له‏:‏ إن كنت تريد النصر فأنزل شرقي المدينة في الحرة، فإذا خرجوا إليك كانت الشمس في أقفيتكم وفي وجوههم، فادعهم إلى الطاعة، فإن أجابوك وإلا فاستعن بالله وقاتلهم، فإن الله ناصرك عليهم إذ خالفوا الإمام وخرجوا عن الطاعة‏.‏

فشكره مسلم بن عقبة على ذلك، وامتثل ما أشار به، فنزل شرقي المدينة في الحرة، ودعا أهلها ثلاثة أيام، كل ذلك يأبون إلا المحاربة والمقاتلة‏.‏

فلما مضت الثلاثة قال لهم في اليوم الرابع - وهو يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاث وستين -‏.‏

قال لهم‏:‏ يا أهل المدينة مضت الثلاث وإن أمير المؤمنين قال لي‏:‏ إنكم أصله وعشيرته، وأنه يكره إراقة دمائكم، وأنه أمرني أن أؤجلكم ثلاثاً فقد مضت، فماذا أنتم صانعون‏؟‏

أتسالمون أم تحاربون‏؟‏

فقالوا‏:‏ بل نحارب‏.‏

فقال‏:‏ لا تفعلوا بل سالموا ونجعل جدنا وقوتنا على هذا الملحد - يعني‏:‏ ابن الزبير -‏.‏

فقالوا‏:‏ يا عدو الله، لو أردت ذلك لما مكناك منه، أنحن نذركم تذهبون فتلحدون في بيت الله الحرام، ثم تهيأوا للقتال، وقد كانوا اتخذوا خندقاً بينهم وبين ابن عقبة، وجعلوا جيشهم أربعة أرباع على كل ربع أمير، وجعلوا أجمل الأرباع الربع الذي فيه عبد الله بن حنظلة الغسيل، ثم اقتتلوا قتالاً شديداً، ثم انهزم أهل المدينة إليها‏.‏

وقد قتل من الفريقين خلق من السادات والأعيان، منهم‏:‏ عبد الله بن مطيع، وبنون له سبعة بين يديه، وعبد الله بن حنظلة الغسيل، وأخوه لأمه محمد بن ثابت بن شماس، ومحمد بن عمرو بن حزم، وقد مر به مروان وهو مجندل فقال‏:‏ رحمك الله، فكم من سارية قد رأيتك تطيل عندها القيام والسجود‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/241‏)‏

ثم أباح مسلم بن عقبة، الذي يقول فيه السلف‏:‏ مسرف بن عقبة - قبحه الله من شيخ سوء ما أجهله - المدينة ثلاثة أيام كما أمره يزيد، لا جزاه الله خيراً، وقتل خيراً خلقاً من أشرافها وقرائها، وانتهب أموالاً كثيرة منها، ووقع شرُّ عظيم وفساد عريض على ما ذكره غير واحد‏.‏

فكان ممن قتل بين يديه صبراً معقل بن سنان، وقد كان صديقه قبل ذلك، ولكن أسمعه في يزيد كلاماً غليظاً، فنقم عليه بسببه، واستدعى بعلي بن الحسين فجاء يمشي بين مروان بن الحكم وابنه عبد الملك، ليأخذ له بهما عنده أماناً، ولم يشعر أن يزيد أوصاه به‏.‏

فلما جلس بين يديه استدعى مروان بشراب - وقد كان مسلم بن عقبة حمل معه من الشام ثلجاً إلى المدينة فكان يشاب له بشرابه - فلما جيء بالشراب شرب مروان قليلاً ثم أعطى الباقي لعلي بن الحسين ليأخذ له بذلك أماناً، وكان مروان مواداً لعلي بن الحسين‏.‏

فلما نظر إليه مسلم بن عقبة قد أخذ الإناء في يده قال له‏:‏ لا تشرب من شرابنا‏.‏

ثم قال له‏:‏ إنما جئت مع هذين لتأمن بهما‏؟‏

فارتعدت يد علي بن الحسين وجعل لا يضع الإناء من يده ولا يشربه‏.‏

ثم قال له‏:‏ لولا أن أمير المؤمنين أوصاني بك لضربت عنقك، ثم قال له‏:‏ إن شئت أن تشرب فاشرب، وإن شئت دعونا لك بغيرها‏.‏

فقال‏:‏ هذه الذي في كفي أريد، فشرب‏.‏

ثم قال له مسلم بن عقبة‏:‏ قم إلى ههنا فاجلس، فأجلسه معه على السرير، وقال له‏:‏ إن أمير المؤمنين أوصاني بك، وإن هؤلاء شغلوني عنك‏.‏

ثم قال لعلي بن الحسين‏:‏ لعل أهلك فزعوا‏.‏

فقال‏:‏ إي والله‏.‏

فأمر بدابته فأسرجت ثم حمله عليها حتى ردّه إلى منزله مكرماً‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق