1287
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن
وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب.
إن الله قد ابتلانا وإياكم بذرية نبيِّه لينظر ما نحن وأنتم عاملون، إنا ندعوكم إلى نصره وخذلان الطاغية ابن الطاغية، عبيد الله بن زياد، فإنكم لم تدركوا منهما إلاّ سوء عموم سلطانهما، يسملان أعينكم، ويقطعان أيديكم وأرجلكم، ويمثلان بكم، ويقتلان أماثلكم وقراءكم، أمثال حجر بن عدي وأصحابه، وهانئ بن عروة وأشباهه. (ج/ص: 8/195)
قال: فسبوه وأثنوا على ابن زياد ودعوا له، وقالوا: لا ننزع حتى نقتل صاحبك ومن معه.
فقال لهم: إن ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ابن سمية، فإن أنتم لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم، خلّوا بين هذا الرجل وبين ابن عمه يزيد بن معاوية، نذهب حيث شاء، فلعمري إن يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين.
قال: فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم وقال له: اسكت أسكت الله نامتك، أبرمتنا بكثرة كلامك.
فقال له زهير: يا ابن البوَّال على عقبيه، إياك أخاطب؟ إنما أنت بهيمة، والله ما أظنك تحُكم من كتاب الله آيتين، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم.
فقال له شمر: إن الله قاتلك وصاحبك بعد ساعة.
فقال له زهير: أبالموت تخوفني؟ فوالله للموت معه أحب إليّ من الخلد معكم.
ثم إن زهيراً أقبل على الناس رافعاً صوته يقول: عباد الله لا يغرنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه، فوالله لا ينال شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم قوم أهرقوا دماء ذريته، وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم.
وقال الحر بن يزيد لعمر بن سعد: أصلحك الله ! أمقاتل أنت هذا الرجل؟
قال: إي والله، قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي.
وكان الحر من أشجع أهل الكوفة، فلامه بعض أصحابه على الذهاب إلى الحسين.
فقال له: والله إني أخير نفسي بين الجنة والنار، ووالله لا أختار على الجنة غيرها، ولو قطعت وحرقت.
ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين فاعتذر إليه بما تقدم، ثم قال: يا أهل الكوفة لأمكم الهبل، أدعوتم الحسين إليكم حتى إذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه، ومنعتموه التوجه في بلاد الله العريضة الوسيعة التي لا يمنع فيها الكلب والخنزير، وحلتم بينه وبين الماء الفرات الجاري الذي يشرب منه الكلب والخنزير وقد صرعهم العطش؟
بئس ما خلفتم محمداً في ذريته، لا سقاكم الله يوم الظمأ الأكبر إن لم تتوبوا وترجعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه.
فحملت عليه رجال لهم ترميه بالنبل فأقبل حتى وقف أمام الحسين.
وقال لهم عمر بن سعد: لو كان الأمر لي لأجبت الحسين إلى ما طلب، ولكن أبى عليّ عبيد الله بن زياد، وقد خاطب أهل الكوفة وأنبهم ووبخهم وسبهم.
فقال لهم الحر بن يزيد: ويحكم منعتم الحسين ونساءه وبناته الماء الفرات الذي يشرب منه اليهود والنصارى، ويتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه، فهو كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً.
قال: فتقدم عمر بن سعد وقال لمولاه: يا دريد أدن رايتك، فأدناها، ثم شمر عمر عن ساعده ورمى بسهم وقال: اشهدوا أني أول من رمى القوم.
(ج/ص: 8/196)
قال: فترامى الناس بالنبال، وخرج يسار مولى زياد، وسالم مولى عبيد الله، فقالا: من يبارز؟
فبرز لهما عبيد الله بن عمر الكلبي بعد استئذانه الحسين فقتل يساراً أولاً، ثم قتل سالماً بعده، وقد ضربه سالم ضربة أطار أصابع يده اليسرى، وحمل رجل يقال له: عبد الله بن حوزة حتى وقف بين يدي الحسين فقال له: يا حسين أبشر بالنار !
فقال له الحسين: كلا ويحك إني أقدم على ربٍ رحيمٍ وشفيعٍ مطاعٍ، بل أنت أولى بالنار.
قالوا: فانصرف فوقصته فرسه فسقط وتعلقت قدمه بالركاب، وكان الحسين قد سأل عنه فقال: أنا ابن حوزة، فرفع الحسين يده وقال: اللهم حزه إلى النار، فغضب ابن حوزة وأراد أن يقحم عليه الفرس وبينه وبينه نهر.
فحالت به الفرس فانقطعت قدمه وساقه وفخذه وبقي جانبه الآخر متعلقاً بالركاب، وشد عليه مسلم بن عوسجة فضربه فأطار رجله اليمنى، وغارت به فرسه فلم يبقى حجر يمر به إلا ضربه في رأسه حتى مات.
وروى أبو مخنف عن أبي جناب قال: كان منا رجل يدعى عبد الله بن عمير من بني عليم، كان قد نزل الكوفة واتخذ داراً عند بئر الجعد من همدان، وكانت معه امرأة له من النمر بن قاسط.
فرأى الناس يتهيئون للخروج إلى قتال الحسين، فقال: والله لقد كنت على قتال أهل الشرك حريصاً، وإني لأرجو أن يكون جهادي مع ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لهؤلاء أفضل من جهاد المشركين، وأيسر ثواباً عند الله.
فدخل إلى امرأته فأخبرها بما هو عازم عليه، فقالت: أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك، افعل وأخرجني معك.
قال: فخرج بها ليلاً حتى أتى الحسين، ثم ذكر قصة رمي عمر بن سعد بالسهم، وقصة قتله يسار مولى ابن زياد، وسالم مولى ابن زياد، وأن عبد الله بن عمير استأذن الحسين في الخروج إليهما فنظر إليه الحسين، فرأى رجلاً آدم طويلاً، شديد الساعدين، بعيد ما بين المنكبين.
فقال الحسين: إني لأحسبه للأقران قتّالاً، اخرج إن شئت، فخرج فقالا له: من أنت؟
فانتسب لهما، فقالا: لا نعرفك إلا من خير منكما، ثم شد على يسار فكان كأمس الذاهب، فإنه لمشتغل به إذ حمل عليه سالم مولى ابن زياد فصاح به صائح قد رهقك العبد.
قال: فلم ينتبه حتى غشيته فضربه على يده اليسرى فأطار أصابعه، ثم مال على الكلبي فضربه حتى قتله وأقبل يرتجز ويقول:
إن تنكراني فأنا ابن كلبٍ * نسبي بيتي في عليم حسبي
إني امرؤ ذو مروءةٍ وعضب * ولست بالخوّار عند الكرب
إني زعيمٌ لك أم وهب * بالطعن فيهم مقدماً والضرب
ضرب غلام مؤمن بالرب
(ج/ص: 8/197)
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق