إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 26 مارس 2015

1200 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن ذكر من توفي فيها من الأعيان‏:‏ الحطيئة الشاعر


1200
  
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن

 ذكر من توفي فيها من الأعيان‏:‏

 الحطيئة الشاعر


واسمه جرول بن مالك بن جرول بن مالك بن جوية بن مخزوم بن مالك بن قطيعة بن عيسى بن مليكة، الشاعر الملقب بالحطيئة لقصره‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/105‏)‏

أدرك الجاهلية وأسلم في زمن الصديق، وكان كثير الهجاء حتى يقال إنه هجا أباه وأمه، وخاله وعمه، ونفسه وعرسه، فمما قال في أمه قوله‏:‏

تنحي فاقعدي عني بعيداً * أراح الله منك العالمينا

أغرْبالا إذا استودعت سراً * وكانوناً على المتحدثينا

جزاك الله شراً من عجوزٍ * ولقاك العقوق من البنينا

وقال في أبيه وعمه وخاله‏:‏

لحاك الله ثمَّ لحاكَ حقاً * أباً ولحاكَ من عمٍ وخالِ

فنعمَ الشيخُ أنتَ لدى المخازي * وبئس الشيخُ أنتَ لدى المعالي

ومما قال في نفسه يذمها

أبتْ شفتايَ اليوم أن تتكلما * بشرٍ فما أدري لمن أنا قائله‏؟‏

أرى ليَ وجهاً شوّهَ الله خلقه * فقبحَ من وجهٍ وقبحَ حاملهْ

وقد شكاه الناس إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فأحضره وحبسه، وكان سبب ذلك أن الزبرقان بن بدر شكاه لعمر أنه قال له يهجوه‏:‏

دعْ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتها * واقعدْ فإنكَ أنتَ الطاعمُ الكاسي

فقال له عمر‏:‏ ما أراه هجاك، أما ترضى أن تكون طاعماً كاسياً‏؟‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنه لا يكون هجاء أشد من هذا، فبعث عمر إلى حسان بن ثابت فسأله عن ذلك‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين ما هجاه ولكن سلح عليه، فعند ذلك حبسه عمر وقال‏:‏ يا خبيث لأشغلنك عن أعراض المسلمين، ثم شفع فيه عمرو بن العاص فأخرجه وأخذ عليه العهد أن لا يهجو الناس واستتابه‏.‏

ويقال‏:‏ إنه أراد أن يقطع لسانه فشفعوا فيه حتى أطلقه‏.‏

وقال الزبير بن بكار‏:‏ حدثني محمد بن الضحاك بن عثمان الحرامي، عن عبد الله بن مصعب، حدثني عن ربيعة بن عثمان، عن زيد بن أسلم عن أبيه قال‏:‏ أمر عمر بإخراج الحطيئة من الحبس وقد كلمه فيه عمرو بن العاص وغيره، فأخرج وأنا حاضر فأنشأ يقول‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/106‏)‏

ماذا تقول لأفراخ بذي مرخٍ * زعب الحواصل لا ماء ولا شجر

غادرت كاسبهم في قعر مظلمةٍ * فارحم هداك مليك الناس يا عمر

أنت الإمام الذي من بعد صاحبه * ألقى إليك مقاليد النهى البشر

لم يؤثروك بها إذ قدموك لها * لكن لأنفسهم كانت بك الأثر

فامنن على صبيةٍ بالرمل مسكنهم * بين الأباطح يغشاهم بها القدر

نفسي فداؤك كم بيني وبينهم * من عرض واديةٍ يعمى بها الخبر

قال‏:‏ فلما قال الحطيئة‏:‏ ماذا تقول الأفراخ بذي مرخ، بكى عمر فقال عمرو بن العاص‏:‏ ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أعدل من رجل يبكي على تركه الحطيئة‏.‏

ثم ذكروا أنه أراد قطع لسان الحطيئة لئلا يهجو به الناس فأجلسه على كرسي وجيء بالموس، فقال الناس‏:‏ لا يعود يا أمير المؤمنين وأشاروا إليه قل‏:‏ لا أعود‏.‏

فقال له عمر‏:‏ النجا‏.‏

فلما ولى قال له عمر‏:‏ ارجع يا حطيئة، فرجع فقال له‏:‏ كأني بك عند شاب من قريش قد كسر لك نمرقة، وبسط لك أخرى‏.‏

وقال‏:‏ يا حطيئة غننا، فاندفعت تغنيه بأعراض الناس‏.‏

قال أسلم‏:‏ فرأيت الحطيئة بعد ذلك عند عبيد الله بن عمر وقد كسر له نمرقة وبسط له أخرى‏.‏

وقال‏:‏ يا حطيئة غننا فاندفع حطيئة يغني‏.‏

فقلت له‏:‏ يا حطيئة أتذكر يوم عمر حين قال لك ما قال‏؟‏

ففزع وقال‏:‏ رحم الله ذلك المرء، لو كان حياً ما فعلنا هذا‏.‏

فقلت لعبيد الله‏:‏ إني سمعت أباك يقول كذا وكذا فكنت أنت ذلك الرجل‏.‏

وقال الزبير‏:‏ حدثني محمد بن الضحاك عن أبيه قال‏:‏ قال عمر للحطيئة‏:‏ دع قول الشعر‏.‏

قال‏:‏ لا أستطيع‏.‏

قال‏:‏ لم‏؟‏

قال‏:‏ هو مأكلة عيالي، وعلة لساني‏.‏

قال‏:‏ فدع المدحة المجحفة‏.‏

قال‏:‏ وما هي يا أمير المؤمنين‏؟‏

قال‏:‏ تقول بنو فلان أفضل من بني فلان، امدح ولا تفضل‏.‏

فقال‏:‏ أنت أشعر مني يا أمير المؤمنين‏.‏

ومن مديحه الجيد المشهور قوله‏:‏

أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم * من اللوم أوسدّوا المكان الذي سدوا

أولئك قومي إن بنوا أحسنوا البنا * وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا

وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها * وإن أنعموا لا كدروها ولا كدّوا

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/107‏)‏

قالوا‏:‏ ولما احتضر الحطيئة، قيل له‏:‏ أوص‏.‏

قال‏:‏ أوصيكم بالشعر، ثم قال‏:‏

الشعر صعب وطويل سلّمة * إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه

زلت به إلى الحضيض قدمه * والشعر لا يستطبعه من يظلمه

أراد أن يعربه فأعجمه‏.‏

قال أبو الفرج الجوزي في ‏(‏المنتظم‏)‏‏:‏ توفي الحطيئة في هذه السنة‏.‏

وذكر أيضاً فيها وفاة عبد الله بن عامر بن كريز، وقد تقدم في التي قبلها‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق