إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 27 مايو 2014

85 عمر بن عبد العزيز ( معالم التجديد والاصلاح الراشدى ) على منهاج النبوة الفصل الأول : معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من مولده حتى نهاية عهد الخلافة الراشدة المبحث الثالث : معاوية بن أبي سفيان في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنهما : ثالثاً : نشوب القتال: 4 ـ الدعوة إلى التحكيم:


85

عمر بن عبد العزيز ( معالم التجديد والاصلاح الراشدى ) على منهاج النبوة

الفصل الأول : معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من مولده حتى نهاية عهد الخلافة الراشدة

المبحث الثالث : معاوية بن أبي سفيان في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنهما :

ثالثاً : نشوب القتال:

4 ـ الدعوة إلى التحكيم:

    إن ما وصل إليه حال الجيشين بعد ليلة الهرير لم يكن يحتمل مزيد قتال، وجاءت خطبة الأشعث بن قيس زعيم كندة أصحابه ليلة الهرير فقال: قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي، وما قد فني فيه من العرب، فوالله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ، فما رأيت مثل هذا قط، ألا فليبلغ الشاهد الغائب، إن نحن توافقنا غداً إنه لفناء العرب، وضيعة الحرمان، أما والله ما أقول هذه المقالة جزعاً من الحرب، ولكن رجل مسن،وأخاف على النساء والذراري غداً إذا نحن فنينا اللهم إنك تعلم أني قد نظرت لقومي ولأهل ديني فلم آلُ .

    وجاء خبر ذلك إلى معاوية فقال: أصاب ورب الكعبة، لئن نحن إلتقينا غداً لتميلين الروم على ذرارينا ونسائنا ولتميلين أهل فارس على أهل العراق وذراريهم وإنما يبصر هذا ذوو الأحلام والنهى ثم قال لأصحابه: اربطوا المصاحف على أطراف القنا ، وهذه رواية عراقية لا ذكر فيها لعمرو بن العاص ولا للمخادعة والاحتيال وإنما كانت رغبة كلا الفريقين، ولن يضير معاوية أو عمرو بشيء أن تأتى أحدهم الشجاعة فيبادر بذلك وينقذ ما تبقى من قوى الأمة المتصارعة إنما يزعج ذلك أعداء الأمة الذين أشعلوا نيران هذه الفتنة، وتركوا لنا ركاماً من الروايات المضللة بشأنها، تحيل الحق باطلاً، وتجعل الفضل، كالمناداة بتحكيم القرآن لصون الدماء المسلمة جريمة ومؤامرة وحيلة ونسبوا لأمير المؤمنين علي أقوالاً مكذوبة تعارض ما في الصحيح على أنه قال: (إنهم ما رفعوها، ثم لا يرفعونها، ولا يعملون بما فيها، وما رفعوها لكم إلا خديعة ودهناً ومكيدة ، ومن الشتائم قولهم عن رفع المصاحف: إنها مشورة ابن العاهرة ، ووسّعوا دائرة الدعاية المضادة على عمرو بن العاص رضي الله عنه حتى لم تعد تجد كتاباً من كتب التاريخ إلا فيه انتقاص لعمرو بن العاص وأنه مخادع وماكر بسبب الروايات الموضوعة التي لفقها أعداء الصحابة الكرام، ونقلها الطبري، وابن الأثير وغيرهم، فوقع فيها كثير من المؤرخين المعاصرين مثل حسن إبراهيم حسن في تاريخ الإسلام، ومحمد الخضري بك في تاريخ الدولة الأموية، وعبد الوهاب النجار في تاريخ الخلفاء الراشدون وغيرهم كثير، مما ساهم في تشوية الحقائق التاريخية الناصعة.

    إن رواية أبي مخنف تفترض أن علياً رفض تحكيم القرآن لما اقترحه أهل الشام، ثم استجاب بعد ذلك له تحت ضغط القراء الذين عرفوا بالخوارج فيما بعد ، وهذه الرواية تحمل سباً من علي لمعاوية وصحبه يتنزه عنه أهل ذاك الجيل المبارك فكيف بساداتهم وعلى رأسهم أمير المؤمنين علي، ويكفي للرواية سقوطاً أن فيها أبا مخنف الرافضي المحترق، فهي روية لا تصمد للبحث النزيه ولا ما يرويه الأمام أحمد بن حنبل عن طريق حبيب بن أبي ثابت قال: أتيت أبا وائل ـ أحد رجال علي بن أبي طالب ـ فقال: كنا بصفين، فلما استحر القتل بأهل الشام قال عمرو لمعاوية: أرسل إلى علي المصحف، فادعه إلى كتاب الله، فإنه لا يأبى عليك، فجاء به رجل فقال: بيننا وبينكم كتاب الله ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ)) (آل عمران ، الآية 23). فقال علي: نعم، أنا أولى بذلك، فقال القُراء الذين صاروا بعد ذلك خوارج، بأسيافهم على عواتقهم فقالوا: يا أمير المؤمنين ألا نمشي إلى هؤلاء حتى يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقام سهل بن حنيف الأنصاري رضي الله عنه فقال: أيها الناس اتهموا أنفسكم، لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية، ولو نرى قتالاً لقاتلنا، وذلك في الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، ثم حدثهم عن معارضة عمر رضي الله عنه للصلح يوم الحديبية ونزول سورة الفتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي: أيها الناس إن هذا فتح فقبل القضية ورجع، ورجع الناس . وأظهر سهل بن حنيف رضي الله عنه اشمئزازاً ممن يدعون إلى استمرار الحرب بين الإخوة وقال: أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم ، وبين لهم بأنه لا خيار عن الحوار والصلح لأن ما سواه فتنة لا تعرف عواقبها، فقد قال: ما وضعنا سيوفنا على عواتقنا إلى أمر إلا أسهلن بنا إلى ما نعرفه قبل هذا الأمر ما سد منها خُصماً إلا تفجر علينا خُصم ما ندري كيف نأتي له ، وفي هذه الروايات الصحيحة رد على دعاة الفتنة، ومبغضي الصحابة الذين يضعون الأخبار المكذوبة، ويضعون الأشعار ونسبونها إلى أعلام الصحابة والتابعين الذين شاركوا في صفين، ليظهروهم بمظهر المتحمس لتلك الحرب ليزرعوا البغضاء في النفوس ويعملوا ما في وسعهم على استمرار الفتنة ، إن الدعوة إلى تحكيم كتاب الله دون التأكيد على تسليم قتلة عثمان إلى معاوية وقبول التحكيم دون التأكيد على دخول معاوية في طاعة علي والبيعة له، تطور فرضته أحداث حرب صفين، إذ أن الحرب التي أودت بحياة الكثير من المسلمين، أبرزت اتجاهاً جماعياً رأى أن وقف القتال وحقن الدماء ضرورة تقتضيها حماية شوكة الأمة وصيانة قوتها أمام عدوها، وهو دليل على حيوية الأمة ووعيها وأثرها في إتخاذ القرارات .


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق