68
عمر بن عبد العزيز ( معالم التجديد والاصلاح الراشدى ) على منهاج النبوة
الفصل الأول : معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من مولده حتى نهاية عهد الخلافة الراشدة
المبحث الثاني : الأمويون ومعاوية في عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم:
ثالثاً : معاوية رضي الله عنه في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه:
موقف معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في الفتنة:
ـ مقتل عثمان رضي الله عنه وموقف الصحابة من ذلك:
اشتد الحصار على عثمان رضي الله عنه، حتى منع من أن يحضر للصَّلاَّة في المسجد، وكان صابراً على هذه البلوى التي أصابته كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وكان مع إيمانه القوي بالقضاء والقدر، يحاول أن يجد حلاً لهذه المصيبة، فنراه تارة يخطب الناس عن حرمة دم المسلم، وإنه لا يحل سفكه إلا بحقه وتارة يتحدث في الناس ويظهر فضائله وخدماته الجليلة في الإسلام ويستشهد على ذلك ببقية العشرة رضوان الله عليهم ، وكأنه يقول من هذا عمله وفضله هل من الممكن أن يطمع بالدنيا ويقدمها على الآخرة وهل يعقل يخون الأمانة ويعبث بأموال الأمة ودمائها وهو يعرف عاقبة ذلك عند الله وهو الذي تربى على عين النبي صلى الله عليه وسلم والذي شهد له وزكاه وكذلك أفاضل الصحابة ومتى بعد ما تجاوز السبعين وقارب الثمانين من عمره أهكذا تكون معاملته؟ واشتدت سيطرة المتمردون على المدينة حتى أنهم ليصلون بالناس في أغلب الأوقات ، وحينها أدرك الصحابة أن الأمر ليس كما حسبوا، وخشوا من حدوث ما لا يحمد عقباه، وقد بلغهم أن القوم يريدون قتله، فعرضوا عليه أن يدافعوا عنه، ويخرجوا الغوغاء عن المدينة إلا أنه رفض أن يراق دم بسببه ، وأرسل كبار الصحابة أبناءهم دون استشارة عثمان رضي الله عنه، ومن هؤلاء الحسن بن علي رضي الله عنهما، وعبد الله بن الزبير، فقد كان عثمان يحب الحسن ويكرمه فعندما وقعت الفتنة وحوصر عثمان رضي الله عنه أقسم على الحسن رضي الله عنه بالرجوع إلى منزله وذلك خشية عليه أن يصاب بمكروه ، وقد قال عثمان للحسن رضي الله عنهما: أرجع ابن أخي حتى يأتي الله بأمره ، وقد صحت روايات أن الحسن حمل جريحاً من الدار يوم الدار ، كما جرح غير الحسن، عبد الله بن الزبير، ومحمد بن حاطب، ومروان بن الحكم، كما كان معهم الحسين بن علي، وابن عمر رضي الله عنهما ، وقد كان علي رضي الله عنه من أدفع الناس عن عثمان رضي الله عنه، وشهد له بذلك مروان ابن الحكم ، كما أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، إن علياً أرسل إلى عثمان فقال: إن معي خمسمائة دارع، فأذن لي فأمنعك من القوم، فإنك لم تحدث شيئاً يستحل به دمك، فقال: جزيت خيراً، ما أحب أن يهراق دم في سبـبي ، وقد وردت روايات عديدة تفيد وقوفه بجانب عثمان رضي الله عنهما، أثناء الحصار فمن ذلك: أن الثائرين منعوا عن عثمان الماء حتى كاد أهله أن يموتوا عطشاً، فأرسل علي رضي الله عنه إليه بثلاث قرب مملؤة ماء فما كادت تصل إليه، وجرح بسببها عدة من موالي بني هاشم وبني أمية حتىوصلت ولقد تسارعت الأحداث فوثب الغوغاء على عثمان فقتلوه رضي الله عنه، وأرضاه، ووصل الخبر إلى الصحابة وأكثرهم في المسجد، فذهبت عقولهم، وقال علي لأبنائه وابناء أخيه كيف قتل عثمان وأنتم على الباب؟ ولطم الحسن، وكان قد جرح ، وضرب صدر الحسين وشتم ابن الزبير وابن طلحة، وخرج غضبان إلى منزله وهو يقول: تباً لكم سائر الدهر، اللهم أني أبرأ إليكم من دمه أن يكون قتلت أو مالأت على قتله ، وهكذا كان موقف علي رضي الله عنه، نصح وشورى سمع وطاعة، ووقفة قوية بجانبه أثناء الفتنة، ومن أدفع الناس عنه، ولم يذكره بسوء قط، يحاول الإصلاح وسد الخرق بين الخليفة والخارجين عليه لكن الأمر فوق طاقته، وخارج إرادته، إنها إرادة الله عز وجل أن يفوز أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه بالشهادة .... ويبوء المفسدين بالإثم. إن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنكر قتل عثمان، وتبرأ من دمه، وكان يقسم على ذلك في خطبه، وغيرها: إنه لم يقتله ولا أمر بقتله، ولا مالأ عليه، ولا رضي، وقد ثبت ذلك عنه بطرق تفيد القطع ، خلافاً لما تزعمه الشيعة الرافضة من أنه كان راضياً بقتل عثمان رضي الله عنهما ، وقال الحاكم بعد ذكر بعض الأخبار الواردة في مقتله رضي الله عنه: فأما الذي ادعته المبتدعة من معونة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فإنه كذب وزور، فقد تواترت الأخبار بخلافه . وقال ابن تيمية: وهذا كله كذب على علي رضي الله عنه، وافتراء عليه، فعلي رضي الله عنه لم يشارك في دم عثمان رضي الله عنه، ولا أمر ولا رضى، وقد روي عنه ذلك وهو الصادق البار ، وقد قال علي رضي الله عنه: اللهم أني أبرأ إليك من دم عثمان . وقد شوهت بعض كتب التاريخ مواقف الصحابة من فتنة مقتل عثمان، وذلك بسبب الروايات الضعيفة والموضوعة التي ذكرها كثير من المؤرخين والمتتبع لأحداث الفتنة في تاريخ الإمام الطبري، وكتب التاريخ الأخرى من خلال روايات أبي مخنف، والواقدي، وابن أعثم، وغيرها من الأخبار حبكت بطريقة ذات ميول عدائية للتاريخ الصحيح ويشعر أن الصحابة هم الذين كانوا يحركون المؤامرة، ويثيرون الفتنة، فأبي مخنف ذو الميول الشيعية لا يتورع في إتهام عثمان بأنه الخليفة الذي كثرت سقطاته، فاستحق ما استحق، ويظهر طلحة في مروياته كواحد من الثائرين على عثمان، والمؤلبين ضده، ولا تختلف روايات الواقدي عن روايات أبي مخنف، وقد كثرت الروايات الشيعية التي تتهم الصحابة بالتآمر ضد عثمان رضي الله عنه وأنهم هم الذين حركوا الفتنة، وأثاروا الناس، وهذا كله كذب وزور ، وخلافاً للروايات الموضوعة والضعيفة فقد حفظت لنا كتب المحدثين بحمد الله، الروايات الصحيحة التي يظهر فيها الصحابة من المؤازرين لعثمان والمنافحين عنه والمتبرأين من قتله ، والمطالبين بدمه بعد مقتله وبذلك يستبعد أي اشتراك لهم في تحريك الفتنة، أو إثارتها .
إن الصحابة جميعاً رضي الله عنهم أبرياء من دم عثمان رضي الله عنه ومن قال خلاف ذلك، فكلامه باطل ولا يستطيع أن يقيم عليه أي دليل ينهض إلى مرتبة الصحة، ولذلك أخرج خليفة في تاريخه عن عبد الأعلى بن الهيثم، عن أبيه، قال: قلت للحسن: أكان فيمن قتل عثمان أحد من المهاجرين، والأنصار؟ قال: لا، كانوا أعلاجاً من أهل مصر. وقال الإمام النَّووي: ولم يشارك في قتله أحد من الصحابة، وإنما قتله همج، ورعاع من غوغاء القبائل سفلة الأطراف والأراذل، تحزَّبوا، وقصدوه من مصر، فعجزت الصحابة الحاضرون عن دفعهم، فحضروه حتَّى قتل، رضي الله عنه ، وقد وصفهم الزبير رضي الله عنه بأنهم غوغاء من الأمصار ووصفتهم السيدة عائشة بأنَّهم نزّاع القبائل ، ووصفهم ابن تيمية بأنهم خوارج مفسدون ضالون، باغون معتدون ، ووصفهم الذهبيُّ بأنهم رؤوس شرًٍّ، وجفاء ، ووصفهم ابن العماد الحنبلي في الشذرات بأنَّهم أراذل من أوباش القبائل ، ويشهد على هذا الوصف تصرُّف هؤلاء الرُّعاع منذ الحصار إلى قتل الخليفة رضي الله عنه ظلماً. وعدواناً، فكيف يمنع الماء عنه، والطعام وهو الذي طالما دفع من ماله الخاص ما يوري ظمأ المسلمين بالمجّان ، والذي يساهم بأموال كثيرة عندما يلمُّ النَّاس مجاعة، أو مكروه وهو الدائم العطاء عندما يصيب النَّاس ضائقة، أو شدَّة من الشدائد ، حتى أن علياً رضي الله عنه يصف هذا الحال، وهو يؤنب المحاصرين بقوله: يا أيها الناس: إن الذي تفعلونه لا يشبه أمر المؤمنين، ولا أمر الكافرين، فلا تمنعوا عن هذا الرّجل الماء، ولا المادة ـ الطعام ـ فإنّ الروم، وفارس لتأسر وتطعم وتسقي ، لقد صحَّت الأخبار وأكّدت حوادث التاريخ على براءة الصَّحابة من التَّحريض على عثمان أو المشاركة في الفتنة ضدّه ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتابي تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق