62
عمر بن عبد العزيز ( معالم التجديد والاصلاح الراشدى ) على منهاج النبوة
الفصل الأول : معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من مولده حتى نهاية عهد الخلافة الراشدة
المبحث الثاني : الأمويون ومعاوية في عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم:
ثالثاً : معاوية رضي الله عنه في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه:
موقف معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في الفتنة:
لاحظ أنَّ النَّعرة القبلية هي التي تحرِّكهم، وأنَّ شهوة الحكم والسُّلطة هي التي تثيرهم، فكان لا بدَّ أن يلج عليهم من زاويتين اثنين:
الأولى: أثر الإسلام في عزَّة العرب.
الثانية: دور قريش في نشر الإسلام وتحمُّل أعبائه فإن كان للإسلام أثرٌ في تكوينهم، فلا بدَّ أن يرعَوَا لهذا الحديث، بعد هذا وضع أمامهم صورة لوضع العرب، وقد انقلبوا بالإسلام أمَّة واحدة تخضع لإمام واحد وودعوا حياة الفوضى، وسفك الدِّماء، والقبليَّة المنتنة ، ويتابع معاوية حديثه معهم، فيقول: إن أئمَّتكم لكم إلى اليوم جُنَّة ، فلا تشذوا عن جنَّتكم، وإنَّ أئمتكم اليوم يصبرون لكم على الجور، ويحتملون منكم المؤونة، والله لتنتهنَّ أو ليبتلينَّكم الله بمن يسومكم، ثمَّ لا يحمدكم على الصَّبر، ثم تكونون شركاءهم فيما جررتم على الرَّعيَّة في حياتكم، وبعد موتكم، فقال رجل من القوم: أمَّا ما ذكرت من قريش، فإنها لم تكن أكثر العرب، ولا أمنعها في الجاهلية، فتخوفنا، وأما ما ذكرت من الجُنَّة، فإن الجُنَّة إذا اخترقت خلص إلينا. فقال معاوية: عرفتكم الآن، علمت: أن الذي أغراكم على هذا قلة العقول، وأنت خطيب القوم، ولا أرى لك عقلاً. أُعْظِم عليك أمر الإسلام، وأذكِّرك به، وتذكِّرني الجاهليَّة؟ وقد وعظتك وتزعم لما يُجنُّك: أنه يخترق، ولا ينسب ما يخترق إلى الجُنَّة، أخزى الله أقواماً أعظموا أمركم، ورفعوا إلى خليفتكم . وعرف معاوية أنَّ الإشارة العابرة لن تقنعهم، ولا بد من شرح مسهب لواقع قريش أوَّلاً، فقال: افقهوا ـ ولا أظنكم تفقهون ـ أنَّ قريش لم تعزَّ في جاهليةٍ ولا في إسلام إلا بالله، عزَّ وجلَّ ـ، لم تكن أكثر العرب، ولا أشدَّهم، ولكنَّهم كانوا أكرمهم أحساباً، وأمحضهم أنساباً، وأعظمهم أخطاراً، وأكملهم مروءةً، ولم يمتنعوا في الجاهلية والناس يأكل بعضهم بعضاً، إلا بالله الذي لا يُستَذَل من أعزَّ، ولا يوضع من رفع، هل تعرفون عرباً، أو عجماً، أو سوداً، أو حمراً إلا قد اصابه الدّهر في بلده، وحرمته بدولةٍ، إلا ما كان من قريش، فإنَّه لم يردهم أحد بكيد إلا جعل الله خدَّه الأسفل، حتى أراد الله أن ينقذ من أكرم، واتَّبع دينه من هوان الدٌّنيا، وسوء مردِّ الآخرة، فارتضى لذلك خير خلقه، ثمَّ ارتضى له أصحاباً، فكان خيارهم قريشاً، ثمَّ بنى هذا الملك عليهم، وجعل هذه الخلافة فيهم، ولا يصلح ذلك إلا عليهم، فكان الله يحوطهم وهم على دينه، وقد حاطهم الله في الجاهليَّة من الملوك الذين كانوا يدينونكم ـ أفٍّ لك، ولأصحابك ولو أن متكلماً غيرك تكلَّم، ولكنَّك ابتدأت، فأمَّا أنت يا صعصعة فإنَّ قريتك شرُّ قرىً عربية، أنتنها نبتاً، وأعمقها وادياً، وأعرفها بالشَّرِّ، وألأمها جيراناً، لم يسكنها شريف قط ولا وضيع إلا سُبَّ بها، وكانت عليه هُجنة. ثمَّ كانوا أقبح العرب ألقاباً، وألأمها أصهاراً نزّاع الأمم، وأنتم جيران الخطِّ وفعلة فارس، حتَّى أصابتكم دعوة النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، ونكبتك دعوته، وأنت نزيع شطير في عمان، لم تسكن البحرين، فتشركهم في دعوة النَّبي صلى الله عليه وسلم، فأنت شرُّ قومك، حتى إذا أبرزك الإسلام، وخلطك بالنَّاس، وحملك على الأمم التي كانت عليك، أقبلت تبغي دين الله عوجاً وتنزع إلى اللآمة، والذِّلة، ولا يصنع ذلك قريش، ولن يضرَّهم، ولن يمنعهم من تأدية ما عليهم، إنَّ الشَّيطان عنكم غير غافل، قد عرفكم بالشَّر من بين أمَّتكم،، فأغرى النَّاس، وهو صارعكم، لقد علم: أنَّه لا يستطيع أن يردَّ بكم قضاء الله، ولا أمراً أراد الله، ولا تدركون بالشَّر أمراً إلا فتح الله عليكم شراً منه، وأخزى، ثم قام وتركهم فتذامروا، فتقاصرت إليهم أنفسهم وبذلك بذل معاوية كلَّ طاقاته الفكريُّة، والثقافية، والسياسية، لإقناعهم:
ـ عرض لهم أولاً أمر قريش في الجاهلية والإسلام .
ـ تناول قبائل هؤلاء النّفر، ووضعها في الجاهلية، حيث كانت تعاني سوء المناخ، ونتن المنبت من الناحية الطبيعية، ثمّ الذلة والتبعية لفارس من الناحية السياسية، إلى أن أكرمها الله بالإسلام فعزت بعد ذلِّ، وارتقت بعد هوانٍ.
ـ تناول معاوية رضي الله عنه صعصعة بن صوحان خطيب القوم، وكيف تلكأّ عن تلبية نداء الرسالة، وقد دخل قومه بها، ثمّ عاد وأنضم إلى الإسلام، ورفعه الإسلام ثانية بعد انحدار.
ـ كشف معاوية رضي الله عنه مخطّطات صعصعة، وأصحابه، وكيف يبغون الفتنة، ويبغون دين الله عوجاً.
ـ وإن الشيطان هو وكر هذه الفتنة، ومحرّك هذا الشّر، وبذلك ربط تاريخ الأمة بالله، ثمّ الإسلام، والعقيدة ثمّ كشف عن زيف هؤلاء النّفر، وفضحهم عن آخرهم، وأبان عن مخطّطاتهم، وصلتها بدعوى الجاهلية .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق