510
تاريخ الخلفاء الراشدين (4)سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ? شخصيته وعصره دراسة شاملة
الفصل السادس : معركته الجمل وصفين وقضية التحكيم
المبحث الثاني :معركة صفين (37هـ)
ثانيًا: نشوب القتال:
2- اليوم الثاني:
في يوم الخميس تذكر الروايات أن عليًا رضي الله عنه قد غلس بصلاة الفجر واستعد للهجوم، وغيَّر بعض القيادات، فوضع عبد الله بن بديل الخزاعى على الميمنة بدلاً من الأشعت بن قيس الكندي الذي تحول إلى الميسرة( ), وزحف الفريقان نحو بعضهما واشتبكوا في قتال عنيف أشد من سابقه، وبدأ أهل العراق في التقدم وأظهروا تفوقًا على أهل الشام، واستطاع عبد الله بن بديل أن يكسر ميسرة معاوية، وعليها حبيب بن مسلمة، ويتقدم باتجاه كتيبة معاوية (الشهباء)، وأظهر شجاعة وحماسًا منقطع النظير، وصاحب هذا التقدم الجزئي، تقدم عام لجيش العراق، حتى إن معاوية قد حدثته نفسه بترك ميدان القتال، إلا أنه صبر وتمثل بقول الشاعر:
أبت لي عفتي وأبى بلائي
وأخذى الحمد بالثمن الربيح
وإكراهي على المكروه نفسي
وضربي هامة البطل المشيح
وقولي كلما جشأت وجاشت:
مكانك تحمدي أو تستريحي( )
واستحث كتيبته الشهباء، واستطاعوا قتل عبد الله بن بديل، فأخذ مكانه في قيادة الميمنة الأشتر، وتماسك أهل الشام وبايع بعضهم على الموت، وكروا مرة أخرى بشدة وعزيمة وقتل عدد من أبرزهم ذو الكلاع، وحوشب وعبيد الله بن الخطاب، رضي الله عنهم، وانقلب الأمر لجيش الشام، وأظهر تقدمًا، وبدأ جيش العراق في التراجع، واستحر القتل في أهل العراق وكثرت الجراحات، ولما رأى على جيشه في تراجع، أخذ يناديهم ويحمسهم، وقاتل قتالاً شديدًا واتجه إلى القلب حيث ربيعة، فثارت فيه الحمية وبايعوا أميرهم خالد بن المعتمر على الموت وكانوا أهل قتال( ).
وكان عمّار بن ياسر، رضي الله عنه، قد جاوز الرابعة والتسعين عامًا، وكان يحارب بحماس، يحرض الناس، ويستنهض الهمم، ولكنه بعيد كل البعد عن الغلو، فقد سمع رجلاً بجواره يقول: كفر أهل الشام. فنهاه عمار عن ذلك وقال: إنما بغوا علينا، فنحن نقاتلهم لبغيهم، فإلهنا واحد، ونبينا واحد، وقبلتنا واحدة( ).
ولما رأى عمار رضي الله عنه تقهقر أصحابه، وتقدم خصومه، أخذ يستحثهم ويبين لهم أنهم على الحق ولا يغرنهم ضربات الشاميين الشديدة، فيقول رضي الله عنه: من سره أن تكتنفه الحور العين فليقدم بين الصفين محتسبًا، فإني لأرى صفًا يضربكم ضربًا يرتاب منه المبطلون، والذي نفسي بيده، لو ضربونا حتى يبلغوا منا سعفات هجر، لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل، ولعلمنا أن مصلحينا على الحق وأنهم على الباطل( ). ثم أخذ في التقدم، وفي يده الحربة ترعد – لكبر سنه – ويشتد على حامل الراية هاشم بن عتبة بن أبى وقاص ويستحثه في التقدم ويرغبه ويطمعه فيما عند الله من النعيم، ويطمع أصحابه أيضًا فيقول: أزفت الجنة وزينت الحور العين، من سره أن تكتنفه الحور العين، فليتقدم بين الصفين محتسبًا. وكان منظرًا مؤثرًا فهو صحابي جليل مهاجرى بدري جاوز الرابعة والتسعين يمتلك كل هذا الحماس وهذا العزم والروح المعنوية العالية واليقين الثابت، فكان عاملاً مهمًا من عوامل حماس جيش العراق ورفع روحهم المعنوية مما زادهم عنفًا وضراوة وتضحية في القتال، حتى استطاعوا أن يحولوا المعركة لصالحهم، وتقدم هشام بن عتبة بن أبى وقاص وهو يرتجز بقوله:
أعور يبغى أهله مَحَلاً
> قد عالج الحياة حتى ملاَّ
لابد أن يَفلّ أو يُفلاَّ( )
وعمار يقول: تقدم يا هشام، الجنة تحت ظلال السيوف، والموت في أطراف الأسل( ), وقد فتحت أبواب السماء وتزينت الحور العين:
اليوم ألقى الأحبة
محمّدًا وحزبه( )
وعند غروب شمس ذلك اليوم الخميس، طلب عمار شربة من لبن ثم قال: إن رسول الله × قال لي: إن آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن( ), ثم تقدم واستحث معه حامل الراية هشام بن عتبة بن أبى وقاص الزهري فلم يرجعا وقتلا( ), رحمهما الله ورضي الله عنهما.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق