446
تاريخ الخلفاء الراشدين (4)سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ? شخصيته وعصره دراسة شاملة
الفصل السادس : معركته الجمل وصفين وقضية التحكيم
المبحث الأول : الأحداث التي سبقت معركة الجمل
خامسًا: محاولات الصلح:
قبل أن يتحرك على رضي الله عنه بجيشه نحو البصرة أقام في ذي قار أيامًا، وكان غرضه – رضي الله عنه – القضاء على هذه الفرقة والفتنة بالوسائل السلمية، وتجنيب المسلمين شر القتال والصدام المسلح بكل ما أُوتى من قوة وجهد، وكذلك الحال بالنسبة لطلحة والزبير، وقد اشترك في محاولات الصلح عدد من الصحابة وكبار التابعين ممن اعتزلوا الأمر، منهم:
1- عمران بن حصين رضي الله عنه: فقد أرسل في الناس يخذل الفريقين جميعًا، ثم أرسل إلى بنى عدى – وهم جمع كبير انضموا للزبير – فجاء رسوله وقال لهم في مسجدهم: أرسلني إليكم عمران بن حصين صاحب رسول الله × ينصحكم ويحلف بالله الذي لا إله إلا هو لأن يكون عبدًا حبشيًّا مجدعًا يرعى أعنزًا في رأس جبل حتى يدركه الموت، أحب إليه من أن يرمى في أحد من الفريقين بسهم أخطأ أو أصاب، فأمسكوا فدى لكم أبى وأمي. فقال القوم: دعنا منك، فإنا والله لا ندع ثقل رسول الله × لشيء( ) أبدًا.
2- كعب بن سور: أحد كبار التابعين، فقد بذل كل جهد، وكلف نفسه فوق طاقتها، وقام بدور يعجز عنه كثير من الرجال، فقد استمر في محاولة الصلح إلى أن وقع المحذور، وذهب ضحية جهوده؛ إذ قُتل وهو بين الصفين يدعو هؤلاء ويدعو هؤلاء إلى تحكيم كتاب الله وكف السلاح( ).
3- القعقاع بن عمرو التميمي: أرسل أمير المؤمنين علىٌّ القعقاع بن عمرو التميمي رضي الله عنهما في مهمة الصلح إلى طلحة والزبير، وقال: القَ هذين الرجلين، فادعهما إلى الألفة والجماعة، وعظّم عليهما الاختلاف والفرقة. وذهب القعقاع إلى البصرة، فبدأ بعائشة – رضي الله عنها- وقال لها: ما أقدمك يا أماه إلى البصرة؟ قالت له: يا بنى من أجل الإصلاح بين الناس. فطلب القعقاع منها أن تبعث إلى طلحة والزبير ليحضرا، ويكلمهما في حضرتها وعلى مسمع منها.
* محاورة القعقاع لطلحة والزبير: ولما حضرا سألهما عن سبب حضورهما، فقالا كما قالت عائشة: من أجل الإصلاح بين الناس. فقال لهما: أخبراني ما وجه هذا الإصلاح؟ فوالله لئن عَرفناه لنصلحنَّ معكم، ولئن أنكرناه لا نصلح، قالا له: قتلة عثمان، رضي الله عنه، ولابد أن يُقتلوا، فإن تُركوا دون قصاص كان هذا تركًا للقرآن، وتعطيلاً لأحكامه، وإن اقُتصَّ منهم كان هذا إحياء للقرآن. قال القعقاع: لقد كان في البصرة ستُّمائة من قتلة عثمان وأنتم قتلتموهم إلا رجلاً واحدًا، وهو حرقوص بن زهير السعدي، فلما هرب منكم احتمى بقومه من بنى سعد، ولما أردتم أخذه منهم وقَتْله منعكم قومه من ذلك، وغضب له ستة آلاف رجل اعتزلوكم، ووقفوا أمامكم وقفة رجل واحد، فإنه تركتم حرقوصًا ولم تقتلوه، كنتم تاركين لما تقولون وتنادون به وتطالبون عليًا به، وإن قاتلتم بنى سعد من أجل حرقوص، وغلبوكم وهزموكم وأديلوا عليكم، فقد وقعتم في المحذور، وقوَّيتموهم، وأصابكم ما تكرهون، وأنتم بمطالبتكم بحرقوص أغضبتم ربيعة ومضر، من هذه البلاد، حيث اجتمعوا على حربكم وخذلانكم، نصرة لبنى سعد، وهذا ما حصل مع على، ووجود قتلة عثمان في جيشه.
* الحل عند القعقاع: التأني والتسكين ثم القصاص: تأثرت أمُّ المؤمنين ومن معها بمنطق القعقاع وحجته المقبولة؛ فقالت له: فماذا تقول أنت يا قعقاع؟ قال: أقول: «هذا أمر دواؤه التسكين، ولابد من التأني في الاقتصاص من قتلة عثمان، فإذا انتهت الخلافات، واجتمعت كلمة الأمة على أمير المؤمنين تفرغ لقتلة عثمان، وإن أنتم بايعتم عليًا( ) واتفقتم معه، كان هذا علامة خير، وتباشير رحمة، وقدرة على الأخذ بثأر عثمان، وإن أنتم أبيتم ذلك، وأصررتم على المكابرة والقتال كان هذا علامة شر، وذهابًا لهذا الملك، فآثروا العافية ترزقوها، وكونوا مفاتيح خير كما كنتم أولاً، ولا تُعرَّضونا للبلاء، فتتعرضوا له، فيصرعنا الله وإياكم، وايم الله إني لأقول هذا وأدعوكم إليه، وإني لخائف أن لا يتم، حتى يأخذ الله حجته من هذه الأمة التي قلَّ متاعها، ونزل بها ما نزل، فإنّ ما نزل بها أمر عظيم، وليس كقتل الرجل الرجل، ولا قتل النفر الرجل، ولا قتل القبيلة القبيلة». اقتنعوا بكلام القعقاع المقنع الصادق المخلص، ووافقوا على دعوته إلى الصلح، وقالوا له: قد أحسنت وأصبت المقالة، فارجع، فإن قدم على، وهو على مثل رأيك، صلح هذا الأمر إن شاء الله. عاد القعقاع إلى على في «ذي قار» وقد نجح في مهمته، وأخبر عليًا بما جرى معه، فأُعجب على بذلك، وأوشك القوم على الصلح، كرهه من كرهه، ورضيه من رضيه( ).
* بشائر الاتفاق بين الفريقين: لما عاد القعقاع وأخبره بما فعل، أرسل علىّ رضي الله عنه رسولين( ) إلى عائشة والزبير ومن معهما يستوثق مما جاء به القعقاع بن عمرو، فجاءا عليًا، بأنه على ما فارقنا عليه القعقاع فأقدم، فارتحل علىّ حتى نزل بحيالهم، فنزلت القبائل إلى قبائلهم، مضر إلى مضر، وربيعة إلى ربيعة، واليمن إلى اليمن، وهم لا يشكون في الصلح، فكان بعضهم بحيال بعض، وبعضهم يخرج إلى بعض، ولا يذكرون ولا ينوون إلا الصلح( ), وكان أمير المؤمنين على رضي الله عنه لما نوى الرحيل قد أعلن قراره الخطير: ألا وإني راحل غدًا فارتحلوا – يقصد إلى البصرة – ألا ولا يرتحلن غدًا أحد أعان على عثمان بشيء في شيء من أمور الناس( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق