435
تاريخ الخلفاء الراشدين (4)سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ? شخصيته وعصره دراسة شاملة
الفصل السادس : معركته الجمل وصفين وقضية التحكيم
المبحث الأول : الأحداث التي سبقت معركة الجمل
ثالثًا: خروج الزبير وطلحة وعائشة ومن معهم إلى البصرة للإصلاح:
وهذه بعض الأمور المهمة في خروجها:
4- مرور السيدة عائشة على ماء الحوأب:
ثبت مرور السيدة عائشة على ماء الحوأب من طرق صحيحة؛ فعن يحيى بن سعيد بن القطان، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس ابن حازم أن رسول الله × قال لأزواجه: «كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب»( ).ومن طريق شعبة عن إسماعيل ولفظ شعبة: أن عائشة لما أتت على الحوأب سمعت نباح الكلاب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله × قال لنا: أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب. فقال لها الزبير: أترجعين؟ عسى الله عز وجل أن يُصلح بك بين الناس( ).وبهذا اللفظ أخرجه يعلى بن عبيد عن إسماعيل، وهو عند الحاكم( ), وقال الألباني: إسناده صحيح جدًا وقال: صححه من كبار أئمة الحديث: ابن حبان، والذهبي، وابن كثير، وابن حجر( ). فهذه الروايات الصحيحة، ليس فيها شيء من شهادة الزور أو التدليس الذي يتنزه عنه مقام الصحابة والذي زعمته الروايات الضعيفة( ) التي سيأتي بيانها. إن المتأمل لهذه الروايات التي صححها العلماء لا يجد في أي منها ما يدل على نهى عن شيء، أو أمر بشيء لتفعله السيدة عائشة، بل إن ما يفهم منها هو تساؤله عن أيتهن التي يحدث أن تمر على ماء الحوأب؟ والروايات الدالة على النهى، والتي بها لفظة إياك في الأثر الوارد: «إياك أن تكوني يا حميراء»( ) لم يصححها العلماء، وإنما ضعفت، ومن هنا فإن الصحيح الذي نذهب إليه هو أن مرور السيدة عائشة على ماء الحوأب لم يكن له الأثر السلبي الذي افتعلته الروايات الموضوعة، ولم يكن له الأثر البعيد على السيدة عائشة نفسها بحيث تفكر جديًّا في الرجوع عما خرجت له من إصلاح بين المسلمين، وسعى لتسديد خطاهم، ولم يعد الأمر أن يكون «ظنًا» منها في احتمال الرجوع، وهذا هو ما عبرت عنه حين قالت: ما أظنني إلا راجعة وهو ظن لم يتلبث إلا يسيرًا ثم عاد هدفها واضحًا بعدما ذكرها الزبير بما عسى الله أن يجريه على يديها من إصلاح بين المسلمين( ), لقد كانت وما زالت مسألة ماء الحوأب( ) والأحاديث المذكورة فيها مجالاً خصبًا للشيعة وغيرهم يطعنون بها على أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – ويدينون بها خروجها في شأن الطلب بدم عثمان، حتى انتهى بهم الأمر إلى نفى صفة الاجتهاد عنها، بدعوى مخالفتها – في زعمهم – لنهى الرسول × لها عن أن ترد ماء الحوأب، وقد ذكرت المصادر التاريخية هذه القصة، فقد جاءت عند الطبري في رواية طويلة، يرويها إسماعيل بن موسى الفزاري قال عنه ابن عدى: أنكروا منه الغلو والتشيع( ). ويروى الفزارى هذا الخبر عن على بن عابس الأزرق، وهو ضعيف قاله ابن حجر والنسائي( ), وهو يروى هذا الخبر عن الخطاب الهجري وهو مجهول( ), وهذا الهجري المجهول، يرويه عن مجهول آخر هو صفوان بن قبيعة الأحمسى( ), ثم أخيرًا عن شخصية أشد جهالة هي شخصية العزنى صاحب الجمل، وما هو بصاحب الجمل، وإنما صاحبه هو يعلى بن أمية( ).
وفي متن هذه الرواية ما يجد القارئ من رائحة التشيع والرفض الواضحة في آخر الرواية، حيث تزعم على لسان علىًّ أنه كان – رضي الله عنه – يرى أحقيته بالخلافة على أبى بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم – والصحيح الثابت من الروايات المحققة يدل على خلا ذلك تمامًا( ). وعلى أساس كل ما سبق يتضح لنا أن هذه الرواية غير صحيحة( ), وهناك روايات أخرى وردت في هذا الموضوع، كلها باطلة سندًا ومتنًا، ومغزى هذه الروايات وهدفها هو الطعن على كبار الصحابة وفضلائهم، وبيان أن مقصدهم من خروجهم هذا، هو تحقيق مطامع دنيوية شخصية من مال ورئاسة وغيرها، وأن الغاية تبرر الوسيلة، وأنهم لا يتورعون في سبيل ذلك عن إشعال الحرب والفتنة بين المسلمين، وتركز الروايات على الصحابيين الجليلين طلحة والزبير – رضي الله عنهما -( ), كما يريد مفتري هذه الروايات أن يبين ويؤكد أن هذين الصحابيين ومن معهما من أفراد المعسكر يتجرءون على انتهاك حرمات الله؛ فهم يقسمون ويحلفون لأم المؤمنين بأيمان مغلظة أن هذا ليس ماء الحوأب، وزيادة على ذلك أتوا بسبعين نفسًا – وفي رواية بخمسين نفسًا – يشهدون على صدق قولهم، فكان هذا العمل – كما افترى المسعودي الشيعي الرافضي – أول شهادة زور في الإسلام( ). وتحاول هذه الروايات أن تظهر أن طلحة والزبير وأم المؤمنين – رضي الله عنهم- ليسوا على شيء من صفاء القلوب والاجتماع على هدف واحد، وتحاول أن تظهر أن عائشة – رضي الله عنها – بجانب طلحة – رضي الله عنه – وفي قرارة نفسها أن يتولى هو الخلافة، وذلك لأنه تيمي مثلها، كما تظهر هذه الروايات أن هناك تنافسًا داخليًا بين طلحة والزبير، وحرصًا من كل واحد منهما أن يتولى الإمارة، وهذه الروايات لا تخلو من ضعف قوى، فبعضها منقطع السند أو فيها مجاهيل لا يعرفون، أو فيها كلا العيبين الفادحين( ). ولقد تأثر كثير من الكتاب والمؤرخين بهذه الروايات واعتمدوا عليها وأسهموا في نشرها، وهي لا أساس لها، كالعقاد في عبقرية على، وطه حسين في على وبنوه( ), وغيرهما من الكتاب المعاصرين.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق