إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 1 مايو 2014

431 تاريخ الخلفاء الراشدين (4)سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ? شخصيته وعصره دراسة شاملة الفصل السادس : معركته الجمل وصفين وقضية التحكيم المبحث الأول : الأحداث التي سبقت معركة الجمل ثالثًا: خروج الزبير وطلحة وعائشة ومن معهم إلى البصرة للإصلاح:


431

تاريخ الخلفاء الراشدين (4)سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ? شخصيته وعصره دراسة شاملة

الفصل السادس : معركته الجمل وصفين وقضية التحكيم

المبحث الأول : الأحداث التي سبقت معركة الجمل

ثالثًا: خروج الزبير وطلحة وعائشة ومن معهم إلى البصرة للإصلاح:


قدم طلحة والزبير إلى مكة ولقيا عائشة – رضي الله عنهم جميعًا – وكان وصولهما إلى مكة بعد أربعة أشهر من مقتل عثمان تقريبًا، أي في ربيع الآخر من عام36هـ( )، ثم بدأ التفاوض في مكة مع عائشة، رضي الله عنها، للخروج، وقد كانت هناك ضغوط نفسية كبيرة على أعصاب الذين وجدوا أنفسهم لم يفعلوا شيئًا لإيقاف عملية قتل الخليفة المظلوم، فقد اتهموا أنفسهم بأنهم خذلوا الخليفة وأنه لا تكفير لذنبهم هذا – حسب قولهم- إلا الخروج للمطالبة بدمه، علمًا بأن عثمان هو الذي نهى كل من أراد أن يدافع عنه في حياته تضحية في سبيل الله، فعائشة تقول: إن عثمان قُتل مظلومًا والله لأطالبن بدمه( ), وطلحة يقول: إنه كان منى في عثمان شيء ليس توبتي إلا أن يسفك دمي في طلب دمه( ), والزبير يقول: نُنهض الناس فيدرك بهذا الدم لئلا يَبْطل، فإن في إبطاله توهين سلطان الله بيننا أبدًا، إذا لم يُفطم الناس عن أمثالها لم يبق إمام إلا قتله هذا الضرب( ).

فهذا الإحساس الضاغط على الأعصاب والنفوس كان كفيلاً بأن يحرك الناس ويخرجهم من راحتهم واستقرارهم، بل كانوا يخرجون وهم يدركون أنهم يخرجون إلى أهوال قادمة مجهولة، فكل واحد منهم خرج من بيته وهو غير متوقع العودة مرة أخرى؛ فشيعة أولاده بالبكاء وسمي يوم خروجهم من مكة نحو البصرة بيوم النحيب، فلم يُرَ يوم كان أكثر باكيًا على الإسلام، أو باكيًا له من ذلك اليوم( ).

لقد توافرت مجموعة من العوامل في مكة جعلتهم يفكرون في طريقة جادة لتحقيق مطلبهم، ومن هذه العوامل: أن بنى أمية قد هربوا من المدينة واستقروا في مكة، ومنها: أن عبد الله بن عامر – أمير البصرة في عهد عثمان- كان في مكة وهو يحث على الخروج ويعرض المعونة المادية، ومنها: أن يعلى بن أمية الذي خرج من اليمن لإعانة الخليفة عثمان وصل إلى مكة، وقد قتل الخليفة ومع من المال والسلاح والدواب شيء لا بأس به، فعرض كل ذلك للمساعدة في قتل عثمان، فكان هذا كفيلاً لتشجيع الباحثين عن طريقة لمطاردة قتلة عثمان، وما دامت العوامل قد توافرت لجمع قوة تطالب بدم عثمان فمن أين يبدءون؟ دار حوار بينهم حول الجهة التي يتوجهون إليها فقال بعضهم – على رأسهم السيدة عائشة-:إن المدينة هي وجهتهم، وظهر رأى آخر يطلب التوجه إلى الشام ليتجمعوا معًا ضد قتلة عثمان، وبعد نظر طويل قرَّ رأيهم على البصرة، لأن المدينة فيها كثرة ولا يقدرون على مواجهتهم لقلتهم، ولأن الشام صار مضمونًا لوجود معاوية، ومن ثم يكون دخولهم البصرة أولى في هذه الخطة لأنها أقل البلدان قوة وسلطة، ويستطيعون من خلالها تحقيق خطتهم( ), وكانت خطتهم ومهمتهم واضحة سواء قبل خروجهم، أو أثناء طريقهم، أو عند وصولهم إلى البصرة وهي: المطالبة بدم عثمان، والإصلاح، وإعلام الناس بما فعل الغوغاء، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر( ), وأن هذا المطلب هو لإقامة حد من حدود الله( ), وأنه إذا لم يؤخذ على أيدي قتلة عثمان – رضي الله عنه- فسيكون كل إمام معرضًا للقتل من أمثال هؤلاء( ), وأما الطريقة التي تصورها فهي الدخول إلى البصرة ثم الكوفة، والاستعانة بأهلها على قتلة عثمان منهم أو من غيرهم ثم يدعون أهل الأمصار الأخرى لذلك حتى يُضيقوا الخناق على قاتلي عثمان الموجودين في جيش علىّ فيأخذونهم بأقل قدر ممكن من الضحايا( ).

لم يكن الخروج إلى البصرة والغضب الذي حرك الصحابة من البساطة التي ظهرت للناس كثأر لعثمان، رضي الله عنه، وكأنه رجل من عوام الناس قُتل، فخرجت الجيوش في الطلب له بثأره، رغم كونه حدًا من حدود الله يستوجب الغضب ويستدعى حدوث ذلك، ولكن مكانة عثمان وشخصيته ومكانته المعنوية كخليفة، وقتله بالصورة التي تمت، كان فوق ذلك، ومعه اغتيال لصفة شرعية هي «الخلافة» التي يفهمها المسلمون: نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين، وسياسة الدنيا به( ), فالاعتداء عليها دون وجه حق اعتداء على صاحب الشرع وتوهين لسلطانه، وضياع لنظام المسلمين( ).

كانت السيدة عائشة والزبير وطلحة ومن معهم يسعون لإيجاد رأى إسلامي عام في مواجهة الطغمة السبئية التي قتلت عثمان، وأصبحت ذات شوكة لا يستهان بها، وذلك من خلال تعريف المسلمين بما أتى هؤلاء السبئيون والغوغاء من أهل الأمصار ونزّاع القبائل، ومن ظاهرهم من الأعراب والعبيد، فلقد بات واضحًا عند الصحابة من الفريق الذي كان يرى رأي عائشة – رضي الله عنها- أن الغوغاء والسبئيين لهم وجود في جيش علىّ، وأنه لأجل ذلك فإن عليًا- رضي الله عنه – يصعب عليه مواجهتهم، خشية منه على أهل المدينة، ومن ثم فإنه ينبغي عليهم أن يحاولوا السعي لإفهام المسلمين، وتقوية الجانب المطالب بإقامة الحدود، لتتم إقامتها بأقل الخسائر في دماء الأبرياء، وهو هدف لا نشك أن عليًا كان يسعى إليه، ويحاوله، بل إن الروايات التي مرت معنا في المحاورة بين الزبير وطلحة وعلىّ تدل على ذلك، ثم إن هذا السلوك منهم، وهذه النية في تعريف الناس، وتوضيح الأمور لهم، دليل على وعى تام منهم بأساليب السبئية في اللعب بأفكار العامة، وتوجيهها على النحو الذي ينخر في الأمة حتى لا تستقر على حال، فكان لابد من موجهتها في ميدان الأفكار، لإبطال عملها، ولقد تبين هذا العمل واضحًا، وصريحًا في الروايات الصحيحة( ), التي تحدثت فيها السيدة عائشة – رضي الله عنها- عن أهداف هذا الخروج، فروى الطبري أن عثمان بن حنيف – وهو والى البصرة من قبل أمير المؤمنين على بن أبى طالب – أرسل إلى عائشة – رضي الله عنها – عند قدومها البصرة يسألها عن سبب قدومها، فقال: والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم، ولا يغطى لبنية الخبر، إن الغوغاء من أهل الأمصار، ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله × وأحدثوا فيه الأحداث، وآووا فيه المحدثين، واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر؛ فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه، وانتهبوا المال الحرام، وأحلوا البلد الحرام، والشهر الحرام، ومزقوا الأعراض والجنود، وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم، ضارين مضرين غير نافعين ولا متقين، ولا يقدرون على امتناع ولا يأمنون، فخرجت في المسلمين أُعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا، وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا، وقرأت +لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ" [النساء:114]، فنهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل وأمر رسول الله × الصغير والكبير والذكر والأنثى، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به وتحضكم عليه ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره( ). وروى ابن حبان أن عائشة – رضي الله عنها – كتبت إلى أبى موسى الأشعري – والى علىّ على الكوفة-: فإنه قد كان من قتل عثمان ما قد علمت، وقد خرجت مصلحة بين الناس، فمر من قبلك بالقرار في منازلهم، والرضا بالعافية حتى يأتيهم ما يحبون من صلاح أمر المسلمين( ). ولما أرسل علىُّ القعقاع بن عمرو لعائشة ومن كان معها يسألها عن سبب قدومها، دخل عليها القعقاع فسلم عليها، وقال: أي أُمه، ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت: أي بنى، إصلاح بين الناس( ).

وبعد انتهاء الحرب يوم الجمل جاء علىٌّ إلى عائشة – رضي الله عنها – فقال لها: غفر الله لك. قالت: ولك، ما أردت إلا الإصلاح( ). فتقرر أنها ما خرجت إلا للإصلاح بين الناس، وفيه رد على من طعن في عائشة – رضي الله عنها – من الشيعة الرافض في قولهم: إنها خرجت من بيتها وقد أمرها الله بالاستقرار فيه في قوله: +وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى" [الأحزاب:33]، فإن سفر الطاعة لا ينافي القرار في البيت وعدم الخروج منه إجماعًا، وهذا ما كانت تراه أم المؤمنين – عائشة – في خروجها للإصلاح للمسلمين وكان معها محرمها ابن أختها عبد الله بن الزبير( ).

قال ابن تيمية في الرد على الرافضة في هذه المسألة: فهي – رضي الله عنها – لم تتبرج تبرج الجاهلية الأولى، والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافى الخروج لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للحج والعمرة، أو خرجت مع زوجها في سفره، فإن هذه الآية قد نزلت في حياة النبي × وقد سافر بهن رسول الله × بعد ذلك، كما سافر في حجة الوداع بعائشة – رضي الله عنها – وغيرها، وأرسلها مع عبد الرحمن أخيها فأردفها خلفه، وأعمرها من التنعيم، وحجة الوداع كانت قبل وفاة النبي × بأقل من ثلاثة أشهر، بعد نزول هذه الآية، ولهذا كان أزواج النبي × يحججن بعده كما كن يحججن معه، في خلافة عمر – رضي الله عنه – وغيره، وكان عمر يوكل بقطارهن عثمان، أو عبد الرحمن بن عوف، وإذا كان سفرهن لمصلحة جائزًا، فعائشة اعتقدت أن ذلك السفر مصلحة للمسلمين فتأولت في ذلك( ). ويقول ابن العربي: وأما خروجها إلى حرب الجمل فما خرجت لحرب ولكن تعلق الناس بها وشكوا إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة وتهارج الناس، ورجوا بركتها في الإصلاح، وطمعوا في الاستحياء منها إذا وقفت للخلق، وظنت هي ذلك، فخرجت مقتدية بالله في قوله: +لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ" [النساء:114]. والأمر بالإصلاح، مخاطب به جميع الناس من ذكر أو أنثى حر أو عبد( ).



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق