33
عمر بن عبد العزيز ( معالم التجديد والاصلاح الراشدى ) على منهاج النبوة
الفصل الأول : معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من مولده حتى نهاية عهد الخلافة الراشدة
المبحث الثاني : الأمويون ومعاوية في عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم:
ثالثاً : معاوية رضي الله عنه في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه:
4 ـ غزو قبرص:
أعدَّ معاوية المراكب اللازمة لحمل الجيش الغازي، واتَّخذ ميناء عكَّا مكاناً للإقلاع، وكانت المراكب كثيرة، وحمل معه زوجه فاخته بنت قرظة، كذلك ، كذلك حمل عبادة بن الصَّامت امرأته أمَّ حرام بنت ملحان معه في تلك الغزوة ، وأمُّ حرام هذه صاحبة القصَّة المشهورة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أمَّ حرام بنت ملحان، فتطعمه، وكانت أمُّ حرام تحت عبادة بن الصَّامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فأطعمته، ثم جلست تفلي من رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك. فقالت: ما يضحكك يا رسول الله؟: قال ناس من أمتي عُرضوا عليَّ غزاة في سبيل الله، يركبون ثبيج هذا البحر ملوكاً على الأسرَّة، أو مثل الملوك على الأسرَّة. وقالت: فقلت: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم! فدعا لها ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ، وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟!.
قال: ناس من أمتي عرضوا عليَّ في سبيل الله...)) ـ كما قال في الرواية الأولى ـ. قال: أنت من الأوّلين. فركبت أمّ حرام بنت ملحان في البحر في زمن معاوية، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت . ورغم أن معاوية رضي الله عنه لم يجبر الناس على الخروج، فقد خرج معه جيش عظيم من المسلمين ، مما يدل أن المسلمين قد هانت في أعينهم الدُنيا بما فيها، فأصبحوا لا يعبؤون بها بالرَّغم من أنها قد فتحت عليهم أبوابها، فصاروا يرفلون في نعيمها. أن المسلمين قد ترّبوا على أنّ ما عند الله خير، وأبقى، وأن الله اصطفاهم لنصرة دينه، وإقامة العدل، ونشر الفضيلة، والعمل على إظهار دين الله على كلِّ ما عداه، وهم يعتقدون: أنّ هذه المهمَّة هي رسالتهم الحقيقية، وأن الجهاد في سبيل الله هو سبيل الحصول على مرضاة الله، فإن هم قصَّروا في مهمَّتهم، وقعدوا عن أداء واجبهم، فسيمسك الله عنهم نصره في الدُّنيا، ويحرمهم مرضاته في الآخرة، وذلك هو الخسران المبين، من أجل هذا هُرعوا مع معاوية، وتسابقوا إلى السفن يركبونها، ولعلَّ حديث أمِّ حرام قد ألمَّ بخواطرهم، فدفعهم إلى الخروج للغزو في سبيل الله تصديقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك بعد انتهاء فصل الشتاء في سنة ثمان وعشرين من الهجرة 649م ، وسار المسلمون من الشام وركبوا من ميناء أم حرام لتركب دابَّتها، فنفرت الدّابة، وألقت أمَّ حرام على الأرض، فاندقت عنقها، فماتت ، وترك المسلمون أمَّ حرام بعد دفنها في أرض الجزيرة عنواناً على مدى التضحيات التي قدَّمها المسلمون في سبيل نشر دينهم، وعرف قبرها هناك بقبر المرأة الصالحة ، واجتمع معاوية بأصحابه، وكان فيهم: أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاريُّ، وأبو الدَّرداء، وأبو ذر الغفاريُّ، وعبادة بن الصَّامت، وواثله بن الأسقع، وعبد الله بن بشر المازنيُّ،وشدّاد بن أوس بن ثابت، والمقداد بن الأسود، وكعب الحبر بن ماتع، وجبير بن نضير الضرمي. وتشاوروا فيما بينهم، وأرسلوا إلى أهل قبرص يخبرونهم: أنهم لم يغزوهم للاستيلاء على جزيرتهم ،ولكن أرادوا دعوتهم لدين الله، ثمَّ تأمين حدود الدولة الإسلامية بالشام، وذلك لأنَّ البيزنطيِّين كانوا يتخذون من قبرص محطَّة يستريحون فيها؛ إذا غزوا، ويتموَّنون منها، إذا قلَّ زادهم، وهي بهذه المثابة تهدِّد بلاد الشام الواقعة تحت رحمتها، فإذا لم يطمئن المسلمون على مسالمة هذه الجزيرة لهم، وخضوعها لإرادتهم، فإن وجودها كذلك سيظلُّ شوكة في ظهورهم، وسهماً مسدَّداً في صدورهم، ولكنّ سكّان الجزيرة لم يستسلموا للغزاة، ولم يفتحوا لهم بلادهم، بل تحصّنوا في العاصمة، ولم يخرجوا لمواجهة المسلمين، وكان أهل الجزيرة ينتظرون تقدّم الروم للدّفاع عنهم، وصدّ هجوم المسلمين عليها .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق