323 والاخيرة
الدولة الأموية
عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
الفصل التاسع
عهد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز:
المبحث الثامن: الفقه الإداري عند عمر بن عبد العزيز وأيامه الأخيرة ووفاته رحمه الله.
عاشراً: مبدأ تقسيم العمل في إدارة عمر بن عبد العزيز:
كان عمر بن عبد العزيز قد أشار بصراحة إلى مبدأ تقسيم العمل ومهام المسئولية للدولة، فقد كان في كتابه كتبه إلى عقبة بن زرعة الطائي، بعد أن ولاه خراج خراسان: . ..إن للسلطان أركاناً لا يثبت إلا بها، فالوالي ركن، والقاضي ركن، وصاحب بيت المال ركن، والركن الرابع أنا ـ يعني الخليفة . هذا من حيث التقسيم الرئيسي العام، فبالإضافة إلى الأركان الرئيسية لا دارته وهي: الولاية ويشملها الوالي للإقليم، والقضاء ويمثله القاضي، ومالية الدولة ويمثلها الوالي للإقليم، والقضاء ويمثله القاضي، ومالية الدولة ويمثلها رجل أو صاحب بيت المال والرابع السلطة العليا للدولة رجل الدولة أو الخليفة ويمثلها أمير المؤمنين، إلا أن هناك تقسيمات فرعية لمهام الدولة منها ما يتعلق بإمارة الجهاد، فقد كان منصور بن غالب على ولاية الحرب ، وعلى الصائفة كل من الوليد بن هشام، وعمرو بن قيس السكوني . وقسم أخر وهو ما يتعلق بالأمن الداخلي، إذا أستعمل عمر بن يزيد بن بشر الكلبي على الشرطة ، وولى الحرس عمر بن مهاجر بن أبي مسلم الأنصاري، وحاجبه حبيش مولاه وأنشأ نقاط العبور وولى عليها، مثل جواز مصر وكان عليها عمر بن رزيق الأيلي، وهي ما يعرف الآن بنقاط الجمارك ، وقسم ثالث يختص بالكتابة (الكتاَب)، ومنهم ليث بن أبي رقية أم الحكم بنت أبي سفيان والخاتم، وعليه نعيم بن سلامة ، وقسم يتولى متابعة الشؤون المالية، وله تفريعات منها الخراج ومن ولاته على الخراج عقبة بن زرعة الطائي ، والصدقات إذ وليها لعمر عبد الله بن عبد الرحمن بن عتبة القرشي . وهي تمثل مؤسسة النقد في الوقت الراهن وليها لعمر بن أبي حملة القرشي ، وكذلك الخراج المركزي وكان عليه صالح بن جبير الغداني ، وأما في مجال التعليم والتثقيف فقد أنشأ عمر مجالس التعليم الدائمة في المساجد، وكلف من يقوم بالتفقيه والتعليم المتنقل في البداية، كما كلف أناساً بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقام دور الإفتاء إذ جعل الفتيا في مصر إلى ثلاث فقهاء . بالإضافة إلى ما سبق فقد كان هناك ولايا ت أخرى، مثل ولاية الصلاة وولاية الحج وتسيير أموره، والبريد وغير ذلك مما لم يسعفنا المقام بالإحاطة والتفصيل له وهكذا كان عمر بن عبد العزيز يطبق مبدأ تقسيم العمل في دولته ، فقد كان رحمه الله رجل دولة من الطراز الأول.
هذا وقد كان عمر بن عبد العزيز في كثير من الأحيان يعطي الولاة الحق في تعيين وزرائهم، وتشكيل مجالس شوراهم، ولهم حق الإشراف على جيش الولاية، والحفاظ على الأمن الداخلي في الولاية، والنفقات اللازمة لكل ولاية مع الأشراف والمتابعة. ...الخ، هذه بعض الملامح والمعالم من فقه عمر بن عبد العزيز في إدارته للدولة.
ـ من أسباب نجاح مشروع عمر بن عبد العزيز الإصلاحي:
كانت هناك عوامل متعددة ساهمت في نجاح مشروعه الإصلاحي منها:
1 ـ صفاته الشخصية من العلم، والورع والخشية والزهد والتواضع والحلم والصفح والعفو والحزم والعدل مع قدرات إدارية كبيرة في فن التخطيط والتنظيم والقيادة والتوجيه ومعرفة الناس.
2 ـ إمتلاكه لرؤية إصلاحية تجديدية واضحة المعالم، هدفها الرجوع بالدولة والأمة لمنهج الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
3 ـ التفاف الأمة حول هذا المشروع عندما لمست صدق المشرف عليه وإخلاصه.
4 ـ وجود كوكبة من العلماء الربانيين في عهده كانوا مؤهلين لقيادة الدولة والأمة، فلما جاءت الفرصة بوصول عمر بن عبد العزيز للحكم وأتاح لهم المجال أبدعوا وأثبتوا جدارتهم في ما أسند لهم من مهام كبرى وهذا درس مهم في أهمية تكامل العلم الشرعي، والأمانة والتقوى مع القدرات القيادية في شخصية العلماء الربانيين، فذلك يساعدهم على تحكيم شرع الله من خلال مناصب الدولة وقيادة الجماهير والتفاهم حول المشروع الإسلامي الكبير.
5 ـ الحرص على تحكيم الشرع في كل صغيرة وكبيرة، على مستوى الدولة والأمة فيأتي بذلك التوفيق الرباني قال تعالى: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ...)) (الأعراف، الآية: 96).
* أثر الإلتزام بأحكام القرآن والسنة الشريفة على دولة عمر بن عبد العزيز رحمه الله:
إن التأمل في كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) وفي حيا ة الأمم والشعوب تعطي العبد معرفة أصيلة بأثر سنن الله في الأنفس والكون والآفات وأوضح مكان لسنن الله وقوانينه كتاب الله تعالى: ((يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)) (النساء، الآية: 26).
وسنن الله تتضح بالدراسة فيما صح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالمطالعة في سنته صلى الله عليه وسلم فقد كان يقتنص الفرص والأحداث ليدل أصحابه على شيء من السنن، ومن ذلك أن ناقته صلى الله عليه وسلم (العضباء) كانت لا تسبق، فحدث مرة أن سبقها أعرابي على قعود له، فشق ذلك على أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال لهم (صلى الله عليه وسلم) كاشفاً عن سنة من سنن الله (حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه) وقد أرشدنا كتاب الله إلى تتبع آثار السنن في الأمكنة بالسعي والسير وفي الأزمنة من التاريخ والسير. قال تعالى: ((قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ)) (آل عمران، الآيتان: 137ـ138) وأرشدنا القرآن الكريم إلى معرفة السنن بالنظر والتفكر قال تعالى: ((قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ * فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)) (يونس، الآيتان: 101ـ102).
من خصائص السنن الإلهية:
1 ـ أنها قدر سابق: قال تعالى: ((مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا)) (الأحزاب، الآية: 38) أي أن حكم الله تعالى وأمره الذي يقدره كائن لا محالة وواقع لا حيد عنه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
2 ـ أنها لا تتحول ولا تتبدل: قال تعالى: ((لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)) (الأحزاب، الآيات: 60ـ61ـ62).
وقال تعالى: ((وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)) (الفتح، الآيتان: 22ـ23).
3 ـ أنها ماضية لا تتوقف: قال تعالى: ((قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ)) (الأنفال، الآية: 38).
4 ـ أنها لا تخالف ولاتنفع مخالفتها: قال تعالى: ((أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ)) (غافر، الآيات: 82ـ85).
5 ـ لاينتفع بها المعاندون ولكن يتعظ بها المتقون:
قال تعالى: ((قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ)). (آل عمران، الآيتان: 137ـ138).
6 ـ أنها تسري على البر والفاجر:
فالمؤمنون ـ والأنبياء أعلاهم قدراً ـ تسري عليهم سنن الله ولله سنن جارية تتعلق بالآثار المترتبة على من إمتثل شرع الله أو أعرض عنه .
وللحكم بما أنزل الله آثار دنيوية وأخرى أخروية أما الآثار الدنيوية التي ظهرت في دولة عمر بن عبد العزيز فهي:
1 ـ الإستخلاف والتمكين:
حيث نجد أن عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ مكن الله له في الأرض تمكيناً عظيماً بسبب حرصه على إقامة شرع الله تعالى في نفسه وأهله ومن حوله وقومه وأمته وأخلص لله في مشروعه الإصلاحي الراشدي، فأيده الله عز وجل وشد أزره، فقد أخذ بشروط التمكين وعمل بها فتحقق له وعد الله قال تعالى: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)) (النور، الآية: 55). وهذه سنة ربانية نافذه لا تتبدل في الشعوب والأمم التي تسعى جاهدة وجادة لا قامة شرع الله.
2 ـ الأمن والإستقرار:
كانت الثورات في العهد الأموي على أشدها ضد النظام السائد، وخصوصاً من الخوارج إلا أن عمر بن عبد العزيز إستطاع بالحوار والنقاش أن يقنع الكثير منهم ولقد تميز عهده بالأمن والإستقرار بسبب عدله في الحكم ورفعه للمظالم، واحترامه الكبير لكل شرائح المجتمع، وحرصه على تطبيق الشريعة في كافة شؤون الحياة. قال تعالى:(( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)) (الأنعام، الآية: 82).
3 ـ النصر والفتح:
إن عمر بن عبد العزيز حرص على نصرة دين الله بكل ما يملك وتحققت فيه سنة الله في نصرته لمن ينصره، لأن الله ضمن لمن إستقام على شرعه أن ينصره على أعدائه بعزته وقوته، قال تعالى: ((وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)) (الحج، الآية: 41). فقد وعد الله من ينصره ونصره هو نصر كتابه ودينه ورسوله، لا نصر من يحكم بغير ما أنزل الله ولا يتكلم بما لا يعلم . كما نرى في حياتنا المعاصرة.
4 ـ العز والشرف:
إن الشرف الكبير والعز العظيم الذي سطر في كتب التاريخ عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بسبب تمسكه بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) وإن من يعتز بالإنتساب لكتاب الله الذي به تشرف الأمة ويعلو ذكرها وضع رجله على الطريق الصحيح وأصاب سنة الله الجارية في إعزاز وتشريف من يتمسك بكتابه وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) قال تعالى: ((لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)) (الأنبياء، الآية: 10) قال ابن عباس: ـ رضي الله عنه ـ في تفسيره هذه الآية: فيه شرفكم . فهذه الأمة لا تستمد الشرف والعزة إلا من استمساكها بأحكام الإسلام.
5 ـ بركة العيش ورغد الحيا ة في عهده:
قال تعالى: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) (الأعراف، الآية: 96).
إن إقامة شرع الله تعالى وتطبيق أحكامه يجلب للأمة بركات مادية ومعنوية، فمن حقق الإيمان والتقوى يكرمه الله بهذا العطاء الرباني الكبير. والبركات التي يعد الله بها الذين يؤمنون ويتقون في توكيد ويقين، ألوان شتى، لا يفصلها النص ولا يحددها، وإيماء النص القرآني يصور الفيض الهابط من كل مكان، النابع من كل مكان بلا تحديد ولا تفصيل ولا بيان فهي البركات بكل أنواعها وألوانها وبكل صورها وأشكالها وما يعهده الناس وما يتخيلونه، وما لم يتهيأ لهم في واقع الخيال . ولقد لا مس الناس وشاهد هذه البركات في عهد عمر بن عبد العزيز سواء كانت مادية أو معنوية، وفوجئ الناس أن بركة العيش ورغد الحياة قد عم جميع الناس ومالية الدولة قويت، وإطمأن الناس في كل رقعه من رقعة خلافة الدولة الأموية الواسعة، حتى عز وجود من يستحق الزكاة ويقبلها، وأصبحت هذه مشكلة للأغنياء وأصحاب الأموال تطلب حلاً سريعاً، قال يحيى بن سعيد: بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية فاقتضيتها، وطلبت فقراء نعطيها لهم فلم نجد بها فقيراً، ولم نجد من يا خذها مني، قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس، فاشتريت بها رقاباً، فأعتقتهم وولاؤهم للمسلمين . وقال رجل من ولد زيد بن الخطاب: " إنما ولي عمر بن عبد العزيز سنيتين ونصف، فذلك ثلاثون شهراً، فما مات حتى جعل الرجل يا تينا بالمال العظيم فيقولوا: اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء، فما يبرح بماله يتذكر من يضعه فيهم فما يجده فيرجع بماله، قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس . فهذه الفوائد العامة من بركات الحكومة الإسلامية التي تطبق شرع الله تعالى.
6 ـ إنتشار الفضائل وانزواء الرذائل:
بين الشريعة وبين الخلق أو ثق الرباط وأمتن العرى، كيف لا ، والرسالة من غاياتها العظمى: تزكية الأخلاق وتربية الفضائل. قال تعالى: ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)) (آل عمران، الآية: 164). فمعنى يزكيهم: أي يا مرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر لتزكوا نفوسهم وتطهر من الدنس والخبث الذي كانوا متلبسين به حال شركهم وجاهليتهم . ولقد إهتم عمر بن عبد العزيز بنشر الفضائل وحارب الرذائل وتحركت معه مدرسة الوعظ والإرشاد والتزكية والتربية والتي كان من روادها الحسن البصري، وأيوب السختياني، ومالك بن دينار وغيرهم وقد حققت هذه المدرسة نتائج باهرة في نشر الفضائل وأنزواء الرذائل، وقد حدث في عهد عمر بن عبد العزيز تجديداً كبيراً في توجه الأمة والمجتمع الإسلامي والتطور في الأذواق والأخلاق والميول والرغبات في هذه المدة القصيرة. فقد حدث الطبري في تاريخه: كان الوليد صاحب بناء واتخاذ المصانع والضياع، وكان الناس يلتقون في زمانه فإنما يسأل بعضهم بعضاً عن البناء والمصانع، فولى سليمان فكان صاحب نكاح وطعام، فكان الناس يسأل بعضهم بعضاً عن التزويج والجواري، فلما ولي عمر بن عبد العزيز كانوا يلتقون فيقول الرجل للرجل ما وراءك الليلة، وكم تحفظ من القرآن ومتى تختم، ومتى ختمت، وما تصوم من الشهر ؟
7 ـ الهداية والتثبيت:
جاء عن عمر بن عبد العزيز في خطابه الذي أرسل ليقرأ على الحجاج في موسم الحج: . .. ولولا أن أشغلكم عن مناسككم لرسمت لكم أموراً من الحق أحيا ها الله لكم، وأموراً من الباطل أماتها الله عنكم، وكان الله هو المتوحد بذلك فلا تحمدوا غيره، فإنه لو وكلني إلى نفسي كنت كغيري والسلام عليكم . ولاشك أن عمر بن عبد العزيز حرص على تحكيم شرع الله في دولته وبذلك منحه الله نعمة عظيمة ألا وهي الهداية والتثبيت على الحق، قال تعالى: ((فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) (النساء، الآية: 65). ثم قال سبحانه وتعالى بعدها: ((وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)) (النساء، الآيات:66 ، 67 ، 68) والأمر الذي وعظوا به ووعدوا الخير لا جله: هو تحكيم الشريعة والإنقياد للرسول (صلى الله عليه وسلم)، فلو أنهم إمتثلوا لما أمروا لثبت الله أقدامهم على الحق فلا يضطربون في دينهم، ولآتاهم الهداية التي لا عوج فيها بحيث توصلهم إلى الأجر العظيم .
إن الهداية والثبات على الأمر، هبة يهبها الله لمن تمخض قلبه لا مره وانقادت جوارحه لحكمه .
إن خلافة عمر بن عبد العزيز حجة تاريخية على من لا يزال يردد ترديد الببغاء للكلمات والأصوات القائلة: إن الدولة التي تقوم على الأحكام الإسلامية والشريعة عرضة للمشاكل والأزمات وعرضة للإنهيار في كل ساعة، وأنها ليست إلا حلماً من الأحلام ولا يزال التاريخ يتحدى هؤلاء ويقول لهم : ((قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)) (البقرة، الآية: 111).
ومما أدهشني في دراستي التاريخية تواصل الأجيال الإسلامية فيما بينها عبر حلقات متماسكة تؤثر بعضها في بعض فالسلطان نور الدين زنكي المتوفي (568هـ) كتب له الشيخ العلامة أبو حفص معين الدين عمر بن محمد بن خضر الإربلي سيرة عمر بن عبد العزيز لكي يسير نور الدين على منهاجها ولقد آتت معالم الإصلاح والتجديد الراشدي في عهد عمر بن عبد العزيز ثمارها في الدولة الزنكية عندما وجدت العالم الكبير الذي رسم ملامح المشروع الإصلاحي وهو الشيخ أبو حفص معين الدين، وأقتنع القائد العسكري والزعيم السياسي بسلامة المنهج وهو نور الدين زنكي، فقد قال: أبو حفص في مقدمة كتابه ـ عن عمر بن عبد العزيز وتقديمه ذلك الكتاب لنور الدين:.. علماً منه أن الإقتداء عن سلف الفضلاء والعقلاء يكمل الأجر ويبقي الذكر، وإتباع سنن المهديين الراشدين يصلح السريرة ويحسن السيرة، وأن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه (صلى الله عليه وسلم) بالإقتداء عن سلف من الأنبياء فقال عز من قائل: ((أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)) (الأنعام، الآية: 90)، وقال تعالى ((وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)) (هود، الآية: 120). فلذلك إشتد حرصه ـ أدام الله سعادته ـ على جمع السير الصالحة والآثار الواضحة، فحينئذ رأيت حقاً علي بذل الوسع في مساعدته وإستنفاذ القوة في معاضدته بحكم صدق الولاء وأكيد الإخاء فصرفت وجه همتي إلى جمع سيرة السعيد الرشيد عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـ والتجأت إلى الله الكريم جل أسمه أن يحسن معونتي ويُيسِّر ما صرفت إليه عزيمتي، فحين شرح الله صدري لذلك ولاحت أمارات المعونة، بادرت إلى جمع هذه السيرة برسم خزانته المعمورة معاونة على البر والتقوى . لقد قدم هذا الشيخ الجليل منهاجاً علميا لنور الدين زنكي من خلال سيرة عمر بن عبد العزيز، فبنى دولة العقيدة، وحكم الشريعة وأقام العدل ورفع الضرائب والمكوس عن الأمة، وعمل على إحياء السنة وقمع البدعة وعمق هوية الأمة وفجر روح الجهاد فيها ونشر العلم وساهم في تحقيق الازدهار والرخاء وكان نسيجاً وحده في زهده وورعه وعبادته وصدقه وإخلاصه ومن أراد التوسع فليراجع الجهاد والتجديد في القرن السادس الهجري، عهد نور الدين وصلاح الدين لمحمد حامد الناصر.
إن آثار تحكيم شرع الله في الشعوب التي نفذت أوامر الله ونواهيه ظاهرة بينة لدارس التاريخ، وإن تلك الآثار الطيبة التي أصابت دولة عمر بن عبد العزيز، ودولة نور الدين زنكي ودولة يوسف بن تاشفين ودولة محمد الفاتح لهي سنن من سنن الله الجارية والماضية والتي لا تتبدل ولا تتغير، فأي قيادة مسلمة تسعى لهذا المطلب الجليل والعمل العظيم مخلفة لله في قصدها مستوعبة لسنن الله في الأرض فإنها تصل إليه ولو بعد حين وترى آثار ذلك التحكيم على أفرادها ومجتمعاتها ودولها وحكامها. إن الغرض من الأبحاث التاريخية الإسلامية الاستفادة الجادة من أولئك الذين سبقونا بالإيمان في جهادهم وعلمهم وتربيتهم وسعيهم الدؤوب لتحكيم شرع الله وأخذهم بسنن الله وفقهه ومراعاة التدرج والمرحلية والارتقاء بالشعوب نحو الكمالات الإسلامية المنشودة، إن التوفيقات الربانية العظيمة في تاريخ أمتنا يجريها الله تعالى على يدي من أخلص لربه ودينه وأقام شرعه وقصد رضاه وجعله فوق كل إعتبار.
* ـ الأيام الأخيرة في حيا ة عمر بن عبد العزيز ووفاته رحمه الله:
1 ـ أخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز:
كانت أخر خطبة خطبها بخناصرة، فقال فيها: أيها الناس، إنكم لم تخلقوا عبثاً ولن تتركوا سدى وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للحكم فيكم، والفصل بينكم وقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض، ألا وأعلموا أنما الأمان غداً لمن حذر الله وخافه، وباع نافذا بباق، وقليلاً بكثير وخوفاً بأمان ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيخلفها بعدكم الباقون كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين ؟ وفي كل يوم تشيعون غاديا ورائحاً إلى الله قد قضى نحبه وانقضى أجله، فتعيبونه في صدع من الأرض، ثم تدعونه غير موسد ولا ممهد، قد فارق الأحبة، وخلع الأسباب فسكن التراب وواجه الحساب، فهو مرتهن بعمله، فقير إلى ما قدم غني عما ترك، فاتقوا الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقعه وأيم الله إني لا قو لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما عندي، فأستغفر الله وأتوب إليه، وما منكم من أحد تبلغنا عنه حاجة إلا أحببت أن أسد من حاجته ما قدرت عليه، وما منكم أحد يسعه ما عندنا إلا وودت أنه سداي ولحمتي، حتى يكون عيشنا وعيشه سواء، وأيم الله أن لو أردت غير هذا من الغضارة والعيش، لكان اللسان مني به ذلولاً عالماً بأسبابه، ولكنه مضى من الله كتاب ناطق وسنة عادلة، يدل فيها على طاعته، وينهى عن معصيته، ثم رفع طرف ردائه فبكى حتى شهق وأبكى الناس حوله، ثم نزل فكانت إياها لم يخطب بعدها حتى مات رحمه الله .
2 ـ سقيه السم:
اختلفت الروايات عن سبب مرض وموت عمر بن عبد العزيز فعلى حين تذكر الروايات أن سبب مرضه وموته هو الخوف من الله تعالى والإهتمام بأمر الناس كما روي عن زوجته فاطمة بنت عبد الملك وكما ذكر إبن سعد في الطبقات عن ابن لهيعة ، إلا أنه قد ذكر سبب أخر لموته وهو أنه سقي السم وذلك أن بني أمية قد تبرموا وضاقوا ذرعاً من سياسة عمر بن عبد العزيز التي قامت على العدل وحمتهم من ملذاتهم وتمتعهم بميزات لا ينالها غيرهم، بل جعل بني أمية مثل أقصى الناس في أطراف دولة الإسلام ورد المظالم التي كانت في أيديهم وحال بينهم وبين ما يشتهون، فكاد له بعض بني أمية بوضع السم في شرابه . وهذا ليس من المستبعد أو المستغرب أن يعمد أحد هؤلاء إلى سقيه السم ليتخلص منه وليكن ذلك عن طريق خادمه الذي يقدم له الطعام والشراب، فقد روي أنهم وعدوا غلامه بألف دينار وأن يعتق إن هو نفذ الخطة فكان الغلام يضطرب كلما هم بذلك، ثم إنهم هددوا الغلام بالقتل إن هو لم يفعل، فلما كان مدفوعاً بين الترغيب والترهيب حمل السم فوق ظفره، ثم لما أراد تقديم الشراب لعمر قذف السم فيه ثم قدمه إلى عمر فشربه ثم حس به منذ أن وقع في بطنه . وعن مجاهد قال : قال لي عمر بن عبد العزيز: ما يقول الناس في؟ قلت: يقولون إنك مسحور. قال: ما أنا بمسحور ثم دعا غلاماً له فقال له: ويحك ما حملك على أن تسقيني السم ؟ قال: ألف دينار أعطيتها وعلى أن أعتق، قال: هات الألف فجاء بها فألقاها عمر في بيت المال. وقال: أذهب حيث لا يراك أحد فالسبب المباشر لمرضه وموته فهو كما ذكرت الروايات كان بسبب سقيه السم ، ففي عفوه عن غلامه الذي وضع له السم وتسبب في قتله وهو قادر على أن يقتله شر قتلة وفي عدم إستفهامه من الغلام عن من أمره بوضع السم وقد كان يستطيع إرغام الغلام والاعتراف بذلك ثم يأمر بالقصاص منهم جميعاً، مثل عجيب في العفو وسبب ذلك لا نه كان يوقن أن ما عند الله خير وأنه إن عفا عنه حصل له الثواب من الله تعالى على عفوه، وإن انتصر منه فأقام عليه الحد لم يا ثم ولكنه لا يحصل على أجر العفو ونظراً إلى أن أغلى شيء عنده في هذه الحياة أن يرتفع رصيده من الحسنات فإنه قد فضل العفو على انتصاره للنفس .
3 ـ شراء عمر موضع قبره:
بلغ من تواضع عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه عندما ذكروا له ذلك الموضع الرابع في حجرة عائشة والتي فيها قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) وأبي بكر وعمر، فقالوا: لو دنوت من المدينة حتى تدفن معهم قال: والله لا يعذبني الله عذاباً ـ إلا النار فإني لا صبر بي عليها ـ أحب إلي من أن يعلم الله من قلبي أني أراني لذلك أهلاً . ويأبى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله تعالى ـ إلا أن يشتري موضع قبره من ماله الخاص وذلك بسبب ورعه ومحاسبته الشديدة لنفسه، فقد جاءت الروايات أنه قال لمن حوله ـ وهو في مرض موته ـ إشتروا من الراهب موضع قبري فقال له النصراني: والله يا أمير المؤمنين إني لأتبرك بقربك وجوارك وإنها لخيرة أن يكون قبرك في أرضي، قد أحللتك ويأبى عمر قائلاً: إن بعتموني موضع قبري وإلا تحولت عنكم ثم دعا بالثمن الذي إختلفت الروايات في مقداره فقيل: دينارين، وقيل ستة، وقيل: ثلاثين، دعا بالثمن فوضعه في يد النصراني فقال أصحاب الأرض: لولا أنا نكره أن يتحول عنا ما قبلنا الثمن .
4 ـ وصيته لولي عهده يزيد بن عبد الملك:
كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن عبد الملك ـ وهو في مرض الموت ـ قائلا:: بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله عمر ـ أمير المؤمنين ـ إلى يزيد بن عبد الملك، السلام عليك:
فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فإني كتبت إليك وأنا دنف من وجعي وقد علمت إني مسئول عما وليت يحاسبني عليه مليك الدنيا والآخرة ولست أستطيع أن أخفي عليه من عملي شيئاً يقول تعالى فيما يقول: ((فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ)): (الأعراف ، الآية : 7) فإن يرضى عني الرحيم فقد أفلحت ونجوت من الهول الطويل، وإن سخط علي فيا ويح نفسي إلى ما أصير أسأل الله الذي لا إله إلا هو، أن يجيرني من النار برحمته، وأن يمن علي برضوانه والجنة. وعليك بتقوى الله والرعية الرعية، فإنك لن تبقى بعدي إلا قليلاً حتى تلحق باللطيف الخبير . وجاء في رواية: . .. فإن سليمان بن عبد الملك، كان عبداً من عباد الله، قبضه الله واستخلفني وبايع لي من قبله، وليزيد بن عبد الملك إن كان من بعدي، ولو كان الذي أنا فيه لاتخاذ أزواج، أو اعتقاد أموال كان الله قد بلغ بي أحسن ما بلغ بأحد من خلقه ولكني أخاف حساباً شديداً ومسألة لطيفة، إلا ما أعان الله عليه والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. لقد نصح عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـ لولي عهده يزيد بن عبد الملك ما وسعه النصح وبذل ما يقدر عليه من التخويف والتهديد من عاقبة الأمر مع ضرب الأمثلة والإعتبار بالسابقين فقد نصح وبلَغ أتم البلاغ .
5 ـ وصيته لأولاده عند الموت:
لما حضرت عمر بن عبد العزيز الوفاة دخل عليه مسلمة بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين إنك قد أفغرت أفواه ولدك من هذا المال، فلو أوصيت بهم إليَ وإلى نظرائي من قومك فكفوك مؤونتهم، فلما سمع مقالته: قال: أجلسوني فأجلسوه فقال: قد سمعت مقالتك يا مسلمة، أما قولك: إني قد أفغرت أفواه ولدي من هذا المال فوالله ما ظلمتهم حقاً هو لهم ولم أكن لأعطيهم شيئاً لغيرهم، وأما ما قلت في الوصية فإن وصيتي فيهم: ((إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)) (الأعراف، الآية: 196). وإنما ولد عمر بين أحد رجلين: إما صالح فسيغنيه الله، وإما غير ذلك فلن أكون أول من أعانه بالمال على معصية الله ادع لي بني، فأتوه فلما رآهم ترقرقت عيناه، وقال: بنفسي فتية تركتهم عالة لا شيء لهم ـ وبكى ـ: يا بني إني قد تركت لكم خيراً كثيراً، لا تمرون بأحد من المسلمين وأهل ذمتهم إلا رأوا لكم حقاً يا بني إني قد مثلت بين الأمرين: إما أن تستغنوا وأدخل النار، أو تفتقروا إلى أخر يوم الأبد وأدخل الجنة، فأرى أن تفتقروا إلى ذلك أحب إلي، قوموا عصمكم الله، قوموا رزقكم الله . وجاء في رواية: أن عمر وصى مسلمة أن يحضر موته وأن يلي غسله وتكفينه، وأن يمشي معه إلى قبره، وأن يكون مما يلي إدخاله في لحده، ثم نظر إليه وقال: انظر يا مسلمة بأي منزل تركتني، وعلى أي حال أسلمتني إليه الدنيا فقال له مسلمة: هذه مائة ألف دينار، فأوصي فيها بما أحببت، قال: أو خير من ذلك يا مسلمة ؟ أن تردها من حيث أخذتها، قال مسلمة: جزاك الله عنا خيراً يا أمير والله لقد ألنت قلوباً قاسية، وجعلت لنا ذكراً في الصالحين وفي الأثرين الماضيين دروس وعبر ففي الخبر الأول مثل من ورع أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى حتى في وصيته لأولاده بعد موته، حيث لم يرض لنفسه أن يفارق الدنيا وقد حمل ذمته شيئاً لا يدري على أي وضع يكون تنفيذه، فربما تصور أنه لو أوصى بهم أحد أقاربه لأعطاهم من مصدر لا يحل، فيلحقه بذلك شيء من الإثم، فلجأ إلى الله تعالى وفوض أمرهم إليه، لقد تصور في معاملة أولاده وقوعه بين أمرين: أن يغنيهم في الحياة الدنيا ، وذلك يمنحهم شيئاً من المال العام للمسلمين، فيتعرض بذلك للفحات النار، أو أن يكتفي بالإنفاق عليهم من المورد القليل الحلال الخالي من الشبهات فيتعرض بذلك لنفحات الجنة، فاختار الطريق الأخير مع ثقته أن لن يضيعهم وقد أشار إلى أنه ترك لهم السمعة العالية، حيث سيكونون موضع إحترام وعطف جميع المسلمين وأهل الذمة، وأكرم بذلك من تركة إنها تركة عظيمة لا تقدر بها أموال الدنيا عند أصحاب الأفكار النيرة والعقول المبصرة، وفي قوله: (إنما ولد عمر بين رجلين: إما رجل صالح فسيغنيه الله وإما غير ذلك فلن أكون أول من أعانه بالمال على معصية الله) لفتة جليلة إلى معية الله تعالى لأوليائه بالحفظ أخذاً من قول الله تعالى: ((وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)) ، وإشارة إلى أن الأمر المهم أن يبذل الوالد أقصى جهده في تربية أولاده على الصلاح ليحفظهم الله تعالى، وليس المهم أن يسعى في جمع المال لهم حتى يغتنوا من بعده، لا نهم إن لم يكونوا صالحين فسيكون ذلك المال عوناً لهم على معصية الله تعالى . وأما في الأثر الثاني يوجه أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ابن عمه مسلمة بن عبد الملك إلى التحري في اكتساب المال، ويبين له أن إنفاق المال بالصدقة أو الهدية لا يجعله حلالاً، بل لا بد من التحري في كسبه، فإذا لم يكن للإنسان حق فيه وجب عليه أن يرده إلى مستحقيه، ولا يبرئ ساحته أن يتصدق به أو يهديه .
6 ـ وصيته إلى من يغسله ويكفنه:
عن رافع بن حفص المدني أن عمر قال لرجاء: إذا أنا مت وغسلتموني وكفنتموني وصليتم علي وأدخلتموني لحدي، فاجذب اللبنة من عند رأسي، فإن رأيت وجهي إلى القبلة فاحمدوا الله وأثنوا عليه، وإن رأيت قد زويت عنها، فاخرج إلى المسلمين ماداموا عند لحدي حتى يستوهبوني من ربي، قال : فلما وضع في لحده وقبل باللبن على وجهه جذبت اللبنة من عند رأسه فإذا وجهه إلى القبلة فحمدنا الله وأثنينا عليه .
7 ـ كراهته تهوين الموت عليه:
قال عمر بن عبد العزيز: ما أحب أن يخفف عني سكرات الموت لا نه آخر ما يرفع للمؤمن من الأجر . وفي رواية: ما أحب أن يخفف عني سكرات الموت لا نه آخر ما يكفر به عن المرء المؤمن .
8 ـ حاله لما احتضر:
لما احتضر عمر بن عبد العزيز، قال: أخرجوا عني فلا يبقين عندي أحد. وكان عنده مسلمة بن عبد الملك، فخرجوا وقعد مسلمة وفاطمة زوجه أخت مسلمة على الباب فسمعوه يقول: مرحباً بهذه الوجوه ليست وجوه إنس ولا بوجوه جان ، وجاء في رواية: . ..قالت فاطمة بنت عبد الملك: كنت أسمع عمر يقول في أيا م مرضه: اللهم أخف عنهم موتي ولو ساعة من نهار، فلما كان اليوم الذي قبض فيه خرجت من عنده، وجلست في بيت بيني وبينه باب، فسمعته يقول: ((تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)) (القصص ، الآية : 83). ثم هدأ فجعلت لا أسمع له صوتاً ولاحساً ولا كلاماً. فقلت لوصيف كان يخدمه: لو دخلت على أمير المؤمنين فدخل وصاح، فقمت ودخلت عليه وقد أقبل بوجهه إلى القبلة وأغمض عينيه بإحدى يديه وأغمض فمه بالأخرى، ومات رحمه الله . وجاء في رواية: أن عمر بن عبد العزيز لما كان مرضه الذي هلك فيه قال لهم: أجلسوني، فأجلسوه، ثم قال: أنا الذي أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت، ولكن لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه وأحد النظر فقالوا له: إنك لتنظر نظراً شديداً، فقال إني لأرى حضرة ليست بإنس ولا جن ثم قبض . وكان نقش خاتمه: عمر بن عبد العزيز يؤمن بالله.
9 ـ تاريخ وفاته:
توفي الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز يوم الجمعة لعشر ليال بقين من رجب سنة (101هـ) على أصح الروايات وأستمر معه المرض عشرين يوماً وتوفي بدير سمعان من أرض المعرة بالشام بعد خلافة إستمرت سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيا م وتوفي وهو إبن تسع وثلاثين سنة وخمسة أشهر وعلى أصح الروايات وكان عمره لما توفي أربعين سنة .
10 ـ الأموال التي تركها عمر بن عبد العزيز:
اختلفت الروايات على مقدار تركة عمر بن عبد العزيز حين توفي، ولكن الروايات متفقة على قلة التركة وانعدامها ، ومن هذه الروايات ما رواه عمر بن حفص المعيطي قال: حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت كم ترك لكم من المال ؟ فتبسم وقال: حدثني مولى لنا كان يتولى نفقته، قال: قال لي عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ حين أحتضر: كم عندك من المال ؟ قلت أربعة عشر ديناراً، قال: فقال تحتملون بها من منزل إلى منزل، فقلت: كم ترك من النحلة ؟ قال: ترك لنا نحلة ستمائة دينار ورثناها عنه عن اختيار عبد الملك، وتركنا إثني عشر ذكراً وست نسوة، فقسمناها على خمس عشرة . والصحيح أن الذكور الذين ورثوه هم أحد عشر ذكراً، لوفاة ابنه عبد الملك قبله . وقال ابن الجوزي: أبلغني أن المنصور قال لعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: عظني. قال: مات عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وخلف أحد عشر ابناً، وبلغت تركته سبعة عشر ديناراً كفن منها بخمسة دنانير، وثمن موضع قبره ديناران وقسم الباقي على بنيه وأصاب كل واحد من ولده تسعة عشر درهماً، ومات هشام بن عبد الملك وخلف أحد عشر ابناً فقسمت تركته وأصاب كل واحد من تركته ألف ألف، ورأيت رجلاً من ولد عمر بن عبد العزيز قد حمل في يوم واحد على مائة فرس في سبيل الله عز وجل، ورأيت رجلاً من ولد هشام يتصدق عليه . وما مضى يظهر لنا جليا أن المال الذي ورثه عمر بن عبد العزيز من أبيه ـ وهو مال كثير ـ أخذ في التناقص حتى توفي ـ رحمه الله ورضي الله عنه .
11 ـ ثناء الناس على عمر بن عبد العزيز بعد وفاته:
أ ـ مسلمة بن عبد الملك: حين توفي عمر ورآه مسجى قال يرحمك الله لقد لينت لنا قلوباً قاسية وأبقيت لنا في الصالحين ذكراً .
ب ـ فاطمة بنت عبد الملك: فعن وهيب بن الورد، قال: بلغنا أن عمر بن عبد العزيز لما توفي جاء الفقهاء إلى زوجته يعزونها، فقالوا لها: جئناك لنعزيك بعمر، فقد عمت مصيبة الأمة، فأخبرينا يرحمك الله عن عمر: كيف كانت حاله في بيته ؟ فإن أعلم الناس بالرجل أهله. فقالت: والله ما كان عمر بأكثركم صلاة ولا صياماً ولكني والله ما رأيت عبداً لله قط أشد خوفاً لله من عمر، والله إن كان ليكون من المكان الذي ينتهي إليه سرور الرجل بأهله، بيني وبينه لحاف، فيخطر على قلبه الشئ من أمر الله، فينتفض كما ينتفض طائر وقع في الماء، ثم يشجب، ثم يرتفع بكاؤه حتى أقول: والله لتخرجن نفسه فأطرح اللحاف عني وعنه، رحمة له وأنا أقول: يا ليتنا كان بيننا وبين هذه الإمارة بعد المشرقين، فوالله ما رأينا سروراً منذ دخلنا فيها .
ج ـ الحسن البصري: لما أتى الحسن موت عمر بن عبد العزيز قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، يا صاحب كل خير .
ح ـ مكحول: ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من عمر بن عبد العزيز.
دـ يزيد بن حوشب: ما رأيت أخوف من الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز ، كأن النار لم تخلق إلا لهما .
س ـ بكاء الرهبان عليه: عن الأوزاعي قال: شهدت جنازة عمر بن عبد العزيز، ثم خرجت أريد مدينة قنسرين فمررت على راهب فقال: يا هذا أحسبك شهدت وفاة هذا الرجل قال: فقلت له: نعم فأرخى عينيه فبكى سجاماً، فقلت له: ما يبكيك ولست من أهل دينه ؟ فقال: إني لست أبكي عليه، ولكن أبكي على نور كان في الأرض فطفئ .
و ـ ملك الروم وبطارقته: بعث عمر بن عبد العزيز وفداً إلى ملك الروم في أمر من مصالح المسلمين، وحق يدعوه إليه، فلما دخلوا إذا ترجمان يفسر عليه وهو جالس على سرير ملكه، والتاج على رأسه والبطارقة على يمينه وشماله والناس على مراتبهم بين يديه، فأدى إليه ما قصدوه له فتلقاهم بجميل وأجابهم بأحسن الجواب، وانصرفوا عنه في ذلك اليوم، فلما كان في غداة غد أتاهم رسوله، فدخلوا عليه، فإذا هو قد نزل عن سريره ووضع التاج عن رأسه، وقد تغيرت صفاته التي شاهدوه عليها كأنه في مصيبة، فقال: هل تدرون لماذا دعوتكم ؟ قالوا: لا قال: إن صاحب مصلحتي التي تلي العرب جاء في كتابه في هذا الوقت: أن ملك العرب الرجل الصالح قد مات، فما ملكوا أنفسهم أن بكوا، فقال: ألكم تبكون، أو لدينكم أو له ؟ قالوا: نبكي لا نفسنا ولديننا وله قال: لا تبكوا له، وأبكوا لا نفسكم ما بدا لكم، فإنه خرج إلى خير مما خلف، وقد كان يخاف أن يدع طاعة الله فلم يكن الله ليجمع عليه مخافة الدنيا ومخافته، لقد بلغني من بره وفضله وصدقه ما لو كان أحد بعد عيسى يحيى الموتى لظننت أنه يحيي الموتى، ولقد كانت تأتيني أخباره باطناً و ظاهراً فلا أجد أمره مع ربه إلا واحداً بل باطنه أشد حين خلوته بطاعة مولاه، ولم أعجب لهذا الراهب الذي ترك الدنيا وعبد ربه على رأس صومعته، ولكني عجبت من هذا الذي صارت الدنيا تحت قدمه فزهد فيها، حتى صار مثل الراهب، إن أهل الخير لا يبقون مع أهل الشر إلا قليلاً .
12 ـ ما نسب إليه من كرامات عند موته:
يحكى ويقال عن حسين القصار قال: كنت أجلب الغنم في خلافة عمر بن عبد العزيز، فمررت يوماً براع وفي غنمه نحو من ثلاثين ذئباً حسبتها كلاباً، فقلت له: يا راعي ما ترجوه بهذه الكلاب كلها ؟ فقال: يا بني إنها ليست كلاباً إنما هي ذئاب. قلت: يا سبحان الله ذئب في غنم لا يضرها، فقال: يا بني إذا صلح الرأس فليس على الجسد من بأس . ويبدو أن مثل هذه القصص من المبالغات وإلا في عهد النبوة وقيا م الدولة في المدينة وعهد الخلافة ولم نسمع بأن الذئاب كانت ترعى مع الغنم. وقد رئيت له منامات صالحة وتأسف عليه الخاصة والعامة، لاسيما العلماء والزهاد والعباد .
13 ـ ما قيل فيه من رثاء:
أ ـ كثير عزّة قال فيه:
عمّت صنائعه فعـم هلاكه
فالناس فيه كلهم مأجور
والناس مأتمهم عليه واحـد
فـي كل دار رنَة وزفير
يثني عليك لسانك من لم توله
خيراً لأنك بالثناء جدير
ردَت صنائعه عليـه حيـاته
فكأنه من نشرها منشور
ب ـ وقال جرير:
ينعى النـعاة أميـر المؤمنين لنـا
يا خير من حج بيت الله واعتمرا
حملت أمراً عظيماً فاضطلعت بـه
وقمت فيـه بأمـر الله يا عمرا
الشمس كاسفة ليسـت بطالعة
تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
جـ ـ وقال محارب بن دثار:
لـو أعظم الموت خلقاً أن يواقعه
لعدله لم يصبك المـوت يا عمر
كم من شريعة عدل قد نعشت لهم
كادت تموت وأخرى منك تنتظر
يا لهف نفسي ولهف الواجدين معي
على العدول التي تغتلها الحفـر
وأنـت تتبعهم لـم تـأل مجتهداً
سقيا لهـا سنن بالحـق تفتقر
لو كنـت أملك والأقـدار غالبة
تـأتي رواحاً وتبياناً وتبتـكر
رحم الله أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وأعلى ذكره في المصلحين فهذه معالم من سيرته الإصلاحية التجديدية الراشدية التي سار بها على منهاج النبوة، وقد حفظ الله لنا هذه السيرة ولم تهملها الليالي، ولم تفصلها عنا حواجز الزمن ولا أسوار القرون فلعلها تجد من يسير على نهجه من حكامنا وزعمائنا وقادتنا وما ذلك على الله بعزيز في جيلنا أو في غيره.
انتهى نقل الكتاب بتوفيق من الله
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق