103
عمر بن عبد العزيز ( معالم التجديد والاصلاح الراشدى ) على منهاج النبوة
الفصل الأول : معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من مولده حتى نهاية عهد الخلافة الراشدة
المبحث الثالث : معاوية بن أبي سفيان في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنهما :
سادساً : قصة التحكيم المشهورة وبطلانها من وجوه:
1 ـ أن جميع طرقها ضعيفة،
وأقوى طريق وردت فيه هو ما أخرجه عبد الرزاق والطبري بسند رجالة ثقات عن الزهري مرسلاً قال: قال الزهري: فأصبح أهل الشام قد نشروا مصافحهم، ودعوا إلى ما فيها، فهاب أهل العراق، فعند ذلك حكموا الحكمين، فاختار أهل العراق أبا موسى الأشعري، واختار أهل الشام عمرو بن العاص فتعرق أهل صفين حين حكم الحكمان، فاشترطا أن يرفعا ما رفع القرآن ويخفضا من خفض القرآن، وأن يختار لأمّة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهما يجتمعان بدومة الجندل، فإن لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل بأذرح، فلما انصرف عليّ خالفت الحرورية وخرجت ـ وكان ذلك أول ما ظهرت ـ فآذنوه بالحرب، وردوا عليه: أن حكم بن آدم في حكم الله عز وجل، وقالوا: لا حكم إلا لله سبحانه، وقالوا، فما اجتمع الحكمان بأذرح، وافاهم المغيرة بن شعبة فيمن حضر من الناس، فأرسل الحكمان إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير في إقبالهم في رجال كثير، ووافى معاوية بأهل الشّام، وأبي علي وأهل العراق أن يوافوا، فقال المغيرة بن شعبة لرجال من ذوي الرأي من قريش: أترون أحداً من الناس برأي يبتدعه يستطيع أن يعلم أيجتمع الحكمان أم يفترقان؟ قالوا: لا نرى أحداً يعلم ذلك، قال: فوالله إني لا أظن أني سأعلمه منهما حين أخلو بهما وأرجعهما، فدخل عمرو بن العاص وبدأ به فقال: يا أبا عبد الله، أخبرني عما أسألك عنه، كيف ترانا معشر المعتزلة، فإنا قد شككنا في الأمر الذي تبين لكم من هذا القتال، ورأينا أن نستأني ونتثبت حتى تجتمع الأمّة، قال: أراكم معشر المعتزلة خلف الأبرار، وأمام الفجار، فانصرف المغيرة ولم يسأله عن غيره ذلك، حتى دخل على أبي موسى فقال له مثل ما قال لعمرو وقال أبو موسى: أراكم أثبت الناس رأياً، فيكم بقية المسلمين، فانصرف المغيرة ولم يسأله عن غير ذلك، فلقي الذين قال لهم ما قال من ذوي الرأي من قريش، فقال: لا يجتمع هذان على أمر واحد، فلما اجتمع الحكمان وتكلما قال عمرو بن العاص: يا أبا موسى، رأيت أول ما تقضي به من الحق أن تقضي لأهل الوفاء بوفائهم، وعلى أهل الغدر بغدرهم، قال أبو موسى: وما ذاك؟ قال: ألست تعلم أن معاوية وأهل الشّام قد وفوا، وقدموا للموعد الذي واعدناهم إياه؟ قال: بلى، قال عمرو: اكتبها فكتبها أبو موسى، قال عمرو: يا أبا موسى، أأنت على أن تسمي رجلاً يلي أمر هذه الأمّة؟ فسمه لي، فإن أقدر على أن أتابعك فلك عليّ أن أتابعك وإلا فلي عليك أن تتابعني، قال أبا موس أسمي لك معاوية بن أبي سفيان فلم يبرحا مجلسهما حتى استبا، ثم خرجا إلى الناس، فقال أبو موسى: إني وجد مثل عمرو كمثل الذي قال الله عز وجل ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا)) (الأعراف ، آية : 175). فلما سكت أبو موسى تكلم عمرو فقال: أيها الناس وجدت مثل أبي موسى كمثل الذي قال الله عز وجل ((مَثََلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا)) (الجمعة ، آية : 5). وكتب كل واحد منهما مثله الذي ضرب لصاحبه إلى الأمصار . والزهري لم يدرك الحادثة فهي مرسلة، ومراسيله كأدراج الرياح لا تقوم بها حجة ، كما قرّر العلماء ، وهناك طريق أخرى أخرجها ابن عساكر بسنده إلى الزهري وهي مرسلة وفيها أبو بكر بن أبي سبرة قال عنه الإمام أحمد: كان يضع الحديث . وفي سنده أيضاً الواقدي، وهو متروك ، وهذا نصها: ... رفع أهل الشّام المصاحف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه وكان ذلك مكيدة من عمرو بن العاص، فاصطلحوا وكتبوا بينهم كتاباً على أن يوافوا رأس الحول أذرح، وحكموا حكمين ينظرون في أمور الناس فيرضوا بحكمها، فحكّم علي أبا موسى الأشعري، وحكم معاوية عمرو بن العاص، وتفرق الناس فرجع علي إلى الكوفة بالاختلاف والدغل، واختلف عليه أصحابه فخرج عليه الخوارج من أصحابه ممن كان معه، وأنكروا تحكيمه وقالوا: لا حكم إلا لله ورجع معاوية إلى الشام بالإلفة واجتماع الكلمة عليه ووافى الحكمان بعد الحول بأذرح في شعبان سنة ثمان وثلاثين، واجتمع الناس إليهما وكان بينهما كلام اجتمعا عليه في السر خالفه عمرو بن العاص في العلانية، فقدم أبا موسى فتكلم وخلع عليا ومعاوية، ثم تكلم عمرو بن العاص فخلع علياً وأقر معاوية، فتفرق الحكمان ومن كان اجتمع إليهما وبايع أهل الشام ومعاوية في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين ، وأما طرق أبي مخنف فهي معلولة به، وبأبي جناب الكلبي فالأول: وهو أبو مخنف لوط بن يحيى، ضعيف ليس بثقة ، وأخباري تالف غالي من الرفض وأما الثاني قال فيه أبن سعد: كان ضعيفاً ، وقال البخاري وأبو حاتم: كان يحيى القطان يضعفه وقال عثمان الدارمي: ضعيف ، وقال النسائي: ضعيف . هذه طرق قصة التحكيم المشهور، والمناظرة بين أبي موسى وعمرو بن العاص المزعومة، أفمثل هذا تقوم حجة، أو يعول على مثل ذلك في تاريخ الصحابة الكرام وعهد الخلفاء الراشدين، عصر القدوة والأسوة، ولو لم يكن في هذه الروايات إلا الاضطراب في متونها لكفاها ضعفاً فكيف إذا أضيف إلى ذلك ضعف أسانيدها .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق