إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 27 مايو 2015

3584 البداية والنهاية ( ابن كثير ) وفيها توفي من الأعيان‏:‏ عبد الرحمن بن علي



3584


البداية والنهاية ( ابن كثير )

 وفيها توفي من الأعيان‏:‏

 عبد الرحمن بن علي


ابن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر الجوزي - نسبة إلى فرضة نهر البصرة - ابن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/35‏)‏

الشيخ الحافظ الواعظ جمال الدين أبو الفرج المشهور بابن الجوزي، القرشي التيمي البغدادي الحنبلي، أحد أفراد العلماء، برز في علوم كثيرة، وانفرد بها عن غيره، وجمع المصنفات الكبار والصغار نحواً من ثلاثمائة مصنف‏.‏

وكتب بيده نحواً من مائتي مجلدة، وتفرد بفن الوعظ الذي لم يسبق إليه ولا يلحق شأوه فيه وفي طريقته وشكله، وفي فصاحته وبلاغته وعذوبته وحلاوة ترصيعه ونفوذ وعظه وغوصه على المعاني البديعة، وتقريبه الأشياء الغريبة فيما يشاهد من الأمور الحسية، بعبارة وجيزة سريعة الفهم والإدراك، بحيث يجمع المعاني الكثيرة في الكلمة اليسيرة‏.‏

هذا وله في العلوم كلها اليد الطولى، والمشاركات في سائر أنواعها من التفسير والحديث والتاريخ والحساب والنظر في النجوم والطب والفقه وغير ذلك من اللغة والنحو، وله من المصنفات في ذلك ما يضيق هذا المكان عن تعدادها، وحصر أفرادها‏.‏

منها‏:‏ كتابه في التفسير المشهور ‏(‏بزاد المسير‏)‏، وله تفسير أبسط منه ولكنه ليس بمشهور، وله ‏(‏جامع المسانيد‏)‏ استوعب به غالب ‏(‏مسند أحمد‏)‏ و ‏(‏صحيحي البخاري ومسلم‏)‏ و‏(‏جامع الترمذي‏)‏، وله كتاب ‏(‏المنتظم في تواريخ الأمم من العرب والعجم‏)‏ في عشرين مجلداً‏.‏

قد أوردنا في كتابنا هذا كثيراً منه من حوادثه وتراجمه، ولم يزل يؤرخ أخبار العالم حتى صار تاريخاً وما أحقه بقول الشاعر‏:‏

ما زلت تدأب في التاريخ مجتهداً * حتى رأيتك في التاريخ مكتوبا

وله مقامات وخطب، وله الأحاديث الموضوعة، وله العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، وغير ذلك‏.‏

ولد سنة عشر وخمسمائة، ومات أبوه وعمره ثلاث سنين، وكان أهله تجاراً في النحاس، فلما ترعرع جاءت به عمته إلى مسجد محمد بن ناصر الحافظ، فلزم الشيخ وقرأ عليه وسمع عليه الحديث وتفقه بابن الزاغوني، وحفظ الوعظ ووعظ وهو ابن عشرين سنة أو دونها‏.‏

وأخذ اللغة عن أبي منصور الجواليقي، وكان وهو صبي ديناً مجموعاً على نفسه لا يخالط أحداً ولا يأكل ما فيه شبهة، ولا يخرج من بيته إلا للجمعة، وكان لا يلعب مع الصبيان‏.‏

وقد حضر مجلس وعظه الخلفاء والوزراء والملوك والأمراء والعلماء والفقراء، ومن سائر صنوف بني آدم، وأقل ما كان يجتمع في مجلس وعظه عشرة آلاف، وربما اجتمع فيه مائة ألف أو يزيدون، وربما تكلم من خاطره على البديهة نظماً ونثراً، وبالجملة كان أستاذاً فرداً في الوعظ وغيره‏.‏

وقد كان فيه بهاء وترفع في نفسه وإعجاب وسمو بنفسه أكثر من مقامه، وذلك ظاهر في كلامه في نثره ونظمه، فمن ذلك قوله‏:‏

ما زلت أدرك ما غلا بل ما علا * وأكابد النهج العسير الأطولا

تجري بي الآمال في حلباته * جري السعيد مدى ما أملا

أفضى بي التوفيق فيه إلى الذي * أعيا سواي توصلاً وتغلغلا

لو كان هذا العلم شخصاً ناطقاً * وسألته هل زار مثلي‏؟‏ قال‏:‏ لا

ومن شعره وقيل هو لغيره‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/36‏)‏

إذا قنعت بميسورٍ من القوت * بقيت في الناس حراً غير ممقوت

ياقوت يومي إذا ما در حلقك لي * فلست آسي على درٍ وياقوت

وله من النظم والنثر شيء كثيراً جداً، وله كتاب سماه ‏(‏لقط الجمان في كان وكان‏)‏، ومن لطائف كلامه قوله في الحديث‏:‏ ‏(‏‏(‏أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين‏)‏‏)‏ إنما طالت أعمار من قبلنا لطول البادية، فلما شارف الركب بلد الإقامة قيل لهم حثوا المطي‏.‏

وقال له رجل أيما أفضل‏؟‏ أجلس أسبح أو أستغفر‏؟‏

فقال‏:‏ الثوب الوسخ أحوج إلى البخور‏.‏

وسئل عمن أوصى وهو في السياق فقال‏:‏

هذا طين سطحه في كانون‏.‏

والتفت إلى ناحية الخليفة المستضيء وهو في الوعظ فقال‏:‏

يا أمير المؤمنين إن تكلمت خفت منك، وإن سكت خفت عليك، وإن قول القائل لك اتق الله خير لك من قوله لكم إنكم أهل بيت مغفور لكم، كان عمر بن الخطاب يقول‏:‏

إذا بلغني عن عامل لي أنه ظلم فلم أغيره فأنا الظالم، يا أمير المؤمنين‏.‏

وكان يوسف لا يشبع في زمن القحط حتى لا ينسى الجائع، وكان عمر يضرب بطنه عام الرمادة ويقول قرقرا ولا تقرقرا، والله لا ذاق عمر سمناً ولا سميناً حتى يخصب الناس‏.‏

قال‏:‏ فبكى المستضيء وتصدق بمال كثير، وأطلق المحابيس وكسى خلقاً من الفقراء‏.‏

ولد ابن الجوزي في حدود سنة عشر وخمسمائة كما تقدم، وكانت وفاته ليلة الجمعة بين العشاءين الثاني عشر من رمضان من هذه السنة، وله من العمر سبع وثمانون سنة، وحملت جنازته على رؤوس الناس، وكان الجمع كثيراً جداً، ودفن بباب حرب عند أبيه بالقرب من الإمام أحمد‏.‏

وكان يوماً مشهوداً، حتى قيل‏:‏ إنه أفطر جماعة من الناس من كثرة الزحام وشدة الحر، وقد أوصى أن يكتب على قبره هذه الأبيات‏:‏

يا كثير العفو يا من * كثرت ذنبي لديه

جاءك المذنب يرجو الصـ * ـفح عن جرم يديه

أنا ضيفٌ وجزاء الـ * ـضيف إحسان إليه

وقد كان من الأولاد الذكور ثلاثة‏:‏ عبد العزيز - وهو أكبرهم - مات شاباً في حياة والده في سنة أربع وخمسين، ثم أبو القاسم علي، وقد كان عاقاً لوالده إلباً عليه في زمن المحنة وغيرها، وقد تسلط على كتبه في غيبته بواسط فباعها بأبخس الثمن‏.‏

ثم محيي الدين يوسف، وكان أنجب أولاده وأصغرهم ولد سنة ثمانين وخمسمائة ووعظ بعد أبيه، واشتغل وحرر وأتقن وساد أقرانه، ثم باشر حسبة بغداد، ثم صار رسول الخلفاء إلى الملوك بأطراف البلاد، ولا سيما بني أيوب بالشام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/37‏)‏

وقد حصل منهم من الأموال والكرامات ما ابتنى به المدرسة الجوزية بالنشابين بدمشق، وما أوقف عليها، ثم حصل له من سائر الملوك أموالاً جزيلة، ثم صار أستاذ دار الخليفة المستعصم في سنة أربعين وستمائة، واستمر مباشرها إلى أن قتل مع الخليفة عام هارون تركي بن جنكيز خان‏.‏

وكان لأبي الفرج عدة بنات منهن رابعة أم سبطه أبي المظفر بن قزغلي صاحب ‏(‏مرآة الزمان‏)‏، وهي من أجمع التواريخ وأكثرها فائدة، وقد ذكره ابن خلكان في الوفيات فأثنى عليه وشكر تصانيفه وعلومه‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق