3603
البداية والنهاية ( ابن كثير )
سنة ستمائة من الهجرة
في هذه السنة كانت الفرنج قد جمعوا خلقاً منهم ليستعيدوا بيت المقدس من أيدي المسلمين، فأشغلهم الله عن ذلك بقتال الروم، وذلك أنهم اجتازوا في طريقهم بالقسطنطينية فوجدوا ملوكها قد اختلفوا فيما بينهم، فحاصروها حتى فتحوها قسراً، وأباحوها ثلاثة أيام قتلاً وأسراً، وأحرقوا أكثر من ربعها، وما أصبح أحد من الروم في هذه الأيام الثلاثة إلا قتيلاً أو فقيراً أو مكبولاً أو أسيراً، ولجأ عامة من بقي منها إلى كنيستها العظمى المسماة بأياصوفيا، فقصدهم الفرنج فخرج إليهم القسيسون بالأناجيل ليتوسلوا إليهم ويتلوا ما فيها عليهم، فما التفتوا إلى شيء من ذلك، بل قتلوهم أجمعين أكتعين أبصعين. وأخذوا ما كان في الكنيسة من الحلي والأذهاب والأموال التي لا تحصى ولا تعد، وأخذوا ما كان على الصلبان والحيطان، والحمد لله الرحيم الرحمن، الذي ما شاء كان، ثم اقترع ملوك الفرنج وكانوا ثلاثة وهم دوق البنادقة، وكان شيخاً أعمى يقاد فرسه، ومركيس الإفرنسيس وكندا بلند، وكان أكثرهم عدداً وعدداً. فخرجت القرعة له ثلاث مرات فولوه ملك القسطنطينية وأخذ الملكان الآخران بعض البلاد، وتحول الملك من الروم إلى الفرنج بالقسطنطينية في هذه السنة ولم يبق بأيدي الروم هناك إلا ما وراء الخليج، استحوذ عليه رجل من الروم يقال له تسكرى، ولم يزل مالكاً لتلك الناحية حتى توفي. (ج/ص: 13/45)
ثم إن الفرنج قصدوا بلاد الشام وقد تقووا بملكهم القسطنطينية فنزلوا عكا وأغاروا على كثير من بلاد الإسلام من ناحية الغور وتلك الأراضي، فقتلوا وسبوا، فنهض إليهم العادل وكان بدمشق، واستدعى الجيوش المصرية والشرقية ونازلهم بالقرب من عكا، فكان بينهم قتال شديد وحصار عظيم، ثم وقع الصلح بينهم والهدنة وأطلق لهم شيئاً من البلاد فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفيها: جرت حروب كثيرة بين الخوارزمية والغورية بالمشرق يطول ذكرها.
وفيها: تحارب صاحب الموصل نور الدين وصاحب سنجار قطب الدين وساعد الأشرف بن العادل القطب، ثم اصطلحوا وتزوج الأشرف أخت نور الدين، وهي الأتابكية بنت عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي، واقفة الأتابكية التي بالسفح، وبها تربتها.
وفيها: كانت زلزلة عظيمة بمصر والشام والجزيرة وقبرص وغيرها من البلاد. قاله ابن الأثير في (كامله).
وفيها: تغلب رجل من التجار يقال له محمود بن محمد الحميري على بعض بلاد حضرموت ظفار وغيرها، واستمرت أيامه إلى سنة تسع عشرة وستمائة وما بعدها.
وفي جمادى الأولى منها عقد مجلس لقاضي القضاة ببغداد وهو أبو الحسن علي بن عبد الله بن سليمان الجيلي بدار الوزير، وثبت عليه محضر بأنه يتناول الرشا فعزل في ذلك المجلس وفسق ونزعت الطرحة عن رأسه، وكانت مدة ولايته سنتين وثلاثة أشهر.
وفيها كانت وفاة الملك ركن الدين بن قلج أرسلان كان ينسب إلى اعتقاد الفلاسفة، وكان كهفاً لمن ينسب إلى ذلك، وملجأ لهم، وظهر منه قبل موته تجهرم عظيم، وذلك أنه حاصر أخاه شقيقه - وكان صاحب أنكورية، وتسمى أيضاً أنقرة - مدة سنين حتى ضيق عليه الأقوات بها فسلمها إليه قسراً، على أن يعطيه بعض البلاد.
فلما تمكن منه ومن أولاده أرسل إليهم من قتلهم غدراً وخديعة ومكراً فلم ينظر بعد ذلك إلا خمسة أيام فضربه الله تعالى بالقولنج سبعة أيام ومات {فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: 29]
وقام بالملك من بعده ولده أفلح أرسلان، وكان صغيراً فبقي سنة واحدة، ثم نزع منه الملك وصار إلى عمه كنخسروا. (ج/ص: 13/46)
وفيها: قتل خلق كثير من الباطنية بواسط.
قال ابن الأثير: في رجب منها اجتمع جماعة من الصوفية برباط ببغداد في سماع فأنشدهم، وهو الجمال الحلي:
أعاذلتي أقصري * كفى بمشيبي عذل
شباب كأن لم يكن * وشيب كأن لم يزل
وبثي ليال الوصا * ل أواخرها والأول
وصفرة لون المحبـ * ـب عند استماع الغزل
لئن عاد عتبي لكم * حلالي العيش واتصل
فلست أبالي بما نالني * ولست أبالي بأهل ومل
قال فتحرك الصوفية على العادة فتواجد من بينهم رجل يقال له أحمد الرازي فخر مغشياً عليه، فحركوه فإذا هو ميت. قال: وكان رجلاً صالحاً، وقال ابن الساعي كان شيخاً صالحاً صحب الصدر عبد الرحيم شيخ الشيوخ فشهد الناس جنازته، ودفن بباب إبرز.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق