2783
سِيَرُ أعْلام النبَلاء ( الإمام الذهبي )
136 - الشَّاطِبِيُّ القَاسِمُ بنُ فِيْرُّه بنِ خَلَفِ بنِ أَحْمَدَ الرُّعَيْنِيُّ
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، العَامِلُ، القُدْوَةُ، سَيِّدُ القُرَّاءِ، أَبُو مُحَمَّدٍ، وَأَبُو القَاسِمِ القَاسِمُ بنُ فِيْرُّه بنِ خَلَفِ بنِ أَحْمَدَ الرُّعَيْنِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، الشَّاطِبِيُّ، الضَّرِيْرُ، نَاظِمُ (الشَّاطبيَّةِ)، وَ(الرَّائِيَّةِ).
مَنْ كَنَّاهُ أَبَا القَاسِمِ كَالسَّخَاوِيِّ وَغَيْرهِ، لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اسْماً سِوَاهَا.
وَالأَكْثَرُوْنَ عَلَى أَنَّهُ أَبُو مُحَمَّدٍ القَاسِمُ.
وَذكرَهُ أَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَحِ فِي (طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ).
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَلاَ بِبلدِه بِالسّبعِ عَلَى: أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي العَاصِ النَّفْرِيّ، وَرَحَلَ إِلَى بَلَنْسِيَة، فَقَرَأَ القِرَاءاتِ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ، وَعَرضَ عَلَيْهِ (التَّيْسِيْرَ)، وَسَمِعَ مِنْهُ الكُتُب، وَمِنْ: أَبِي الحَسَنِ ابْنِ النِّعْمَةِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ سَعَادَةَ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عَاشِرٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَعُلَيْمِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَارْتَحَلَ لِلْحَجِّ، فَسَمِعَ مِنْ أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَغَيْرِهِ.
وَكَانَ يَتوَقَّدُ ذَكَاءً، لَهُ البَاعُ الأَطولُ فِي فَنِّ القِرَاءاتِ وَالرّسمِ وَالنَّحْوِ وَالفِقْهِ وَالحَدِيْثِ، وَلَهُ النَّظمُ الرَّائِقُ، مَعَ الوَرَعِ وَالتَّقْوَى وَالتَأَلُّهِ وَالوَقَارِ.
استوطن مِصْر، وَتَصدّرَ، وَشَاعَ ذِكْرُهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الحَسَنِ بنُ خَيْرَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الجنجَالِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ وَضَّاحٍ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الجُمَّيْزِيِّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ قَارِئُ مُصحفِ الذَّهَبِ.
وَقرَأَ عَلَيْهِ بِالسَّبْعِ: أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ يُوْسُفَ المَقْدِسِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ سَعِيْدٍ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القُرْطُبِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ السَّخَاوِيُّ، وَالزَّيْنُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الكُرْدِيُّ، وَالسَّدِيْدُ عِيْسَى بنُ مَكِّيٍّ، وَالكَمَالُ عَلِيُّ بنُ شُجَاعٍ، وَآخَرُوْنَ. (21/263)
قَالَ أَبُو شَامَةَ: أَخْبَرَنَا السَّخَاوِيُّ:
أَنَّ سَبَبَ انتِقَالَ الشَّاطِبِيِّ مِنْ بَلدِه أَنَّهُ أُرِيْدَ عَلَى الخَطَابَةِ، فَاحتجَّ بِالحَجِّ، وَتركَ بَلَدَهُ، وَلَمْ يَعد إِلَيْهِ تَوَرُّعاً مِمَّا كَانُوا يُلزمُوْنَ الخُطَبَاءَ مِنْ ذِكرهِمُ الأُمَرَاءَ بِأَوْصَافٍ لَمْ يَرهَا سَائِغَةً، وَصبرَ عَلَى فَقرٍ شَدِيدٍ، وَسَمِعَ مِنَ السِّلَفِيِّ، فَطَلَبَهُ القَاضِي الفَاضِلُ لِلإِقْرَاءِ بِمَدْرَسَتِه، فَأَجَابَ عَلَى شُرُوْطٍ، وَزَار بَيْتَ المَقْدِسِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ السَّخَاوِيُّ: أَقطعُ بِأَنَّهُ كَانَ مكَاشَفاً، وَأَنَّهُ سَأَلَ اللهَ كَفَّ حَالِه.
قَالَ الأَبَّارُ: تَصَدَّرَ بِمِصْرَ، فَعظمَ شَأْنُه، وَبعُدَ صِيتُه، انتهَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ الإِقْرَاءِ، وَتُوُفِّيَ بِمِصْرَ، فِي الثَّامن وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَلَهُ أَوْلاَدٌ رَوَوْا عَنْهُ، مِنْهُم: أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدٌ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الحَافِظ بِبَعْلَبَكَّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا الشَّاطِبِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ هُذَيْلٍ بِحَدِيْثٍ ذكرتُهُ فِي (التَّارِيْخِ الكَبِيْرِ).
وَجَاءَ عَنْهُ، قَالَ: لاَ يَقرَأُ أَحَدٌ قصيدتِي هَذِهِ إِلاَّ وَيَنْفَعُهُ الله، لأَنَّنِي نَظمتُهَا للهِ. (21/264)
وَلَهُ قصيدَةٌ دَاليَّةٌ نَحْو خَمْسِ مائَةِ بَيْتٍ، مَنْ قرَأَهَا، أحَاطَ عِلْماً بِـ (التَّمْهِيْدِ) لابْنِ عَبْدِ البَرِّ.
وَكَانَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ (المُوَطَّأُ)، وَ(الصَّحِيْحَانِ)، يُصحِّحُ النّسخَ مِنْ حِفْظِهِ، حَتَّى كَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ يَحفَظُ وَقْرَ بعيرٍ مِنَ العلُوْمِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: قِيْلَ: اسْمُهُ وَكُنْيَتُه وَاحِدٌ، وَلَكِنْ وجدت إِجَازَات أَشيَاخِه لَهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ القَاسِم.
وَكَانَ نَزِيْلَ القَاضِي الفَاضِلِ، فَرتَّبَهُ بِمَدْرَسَتِه لإِقْرَاءِ القُرْآنِ، وَلإِقْرَاءِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَكَانَ يَتجنَّبُ فضولَ الكَلاَمِ وَلاَ يَنطقُ إِلاَّ لِضرُوْرَةٍ، وَلاَ يَجْلِسُ لِلإِقْرَاءِ إِلاَّ عَلَى طهَارَةٍ.
137 - ابْنُ صَصْرَى الحَسَنُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مَحْفُوْظٍ التَّغْلِبِيُّ
الإِمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، البَارِعُ، الرَّئِيْسُ، النَّبِيْلُ، أَبُو المَوَاهِبِ الحَسَنُ ابْنُ العَدْلِ أَبِي البَرَكَاتِ هِبَةِ اللهِ بنِ مَحْفُوْظِ بنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ صَصْرَى التَّغْلِبِيُّ، البَلَدِيُّ الأَصْل، الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ اسْمه نَصْر اللهِ، فَغَيَّرَه. (21/265)
سَمِعَ مِنْ: جدّه، وَالفَقِيْه نَصْر اللهِ بن مُحَمَّدٍ المِصِّيْصِيّ -فَهُوَ أَكْبَر شَيْخ لَهُ- وَمِنْ: عَبْدَان بن زَرِّيْنَ، وَعَلِيّ بن حَيْدَرَة، وَنَصْر بن مُقَاتِلٍ، وَالحُسَيْن بن البُنِّ، وَأَبِي يَعْلَى بن الحُبُوبِيّ، وَحَمْزَة بن كَرُّوْس، وَحَمْزَة بن أَسَدٍ القَلاَنسِيّ، وَعِدَّة.
وَلاَزَمَ الحَافِظ ابْن عَسَاكِرَ، وَأَكْثَر عَنْهُ، وَتَخَرَّجَ بِهِ، وَعنِي بِهَذَا الشَّأْن جِدّاً.
وَارْتَحَلَ، وَسَمِعَ بحَمَاة: مُحَمَّد بن ظفر الحُجَّة، وَبِحَلَبَ مِنْ: أَبِي طَالِبٍ ابْن العَجَمِيّ، وَبِالمَوْصِل: الحَسَن بن عَلِيٍّ الكَعْبِيّ، وَيَحْيَى بن سعدُوْنَ، وَسُلَيْمَان بن خَمِيْس، وَبِبَغْدَادَ: هِبَة اللهِ الدَّقَّاق، وَابْن البَطِّيِّ، وَعِدَّة، وَبِهَمَذَانَ: أَبَا العَلاَءِ العَطَّار، وَغَيْرهُ، وَبِأَصْبَهَانَ: مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ مَاشَاذه، وَأَبَا رشيد عَبْد اللهِ بن عُمَرَ، وَعِدَّة، وَبتِبْرِيْز: حفدَة العَطَّارِيّ.
وَجَمَعَ (المُعْجَم)، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَصَنَّفَ فِي (فَضَائِل الصَّحَابَة)، وَ(عَوَالِي ابْن عُيَيْنَةَ)، وَ(فَضَائِل القُدْس)، وَ(ربَاعِيَات التَّابِعِيْنَ)، وَقَدِ احترقت كتبه بِالكلاّسَة، ثُمَّ إِنَّهُ وَقَفَ خزَانَة أُخْرَى.
وَثَّقَه أَبُو عَبْدِ اللهِ الدُّبَيْثِيّ، وَقَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا بِالإِجَازَةِ.
مَاتَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعٌ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً. (21/266)
أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا جَدِّي الحُسَيْن بن هِبَةِ اللهِ بنِ مَحْفُوْظ، أَخْبَرَنَا أَخِي أَبُو المَوَاهِبِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ المصِّيْصِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ اليَزْدِيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْر، حَدَّثَنَا زُهَيْر، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ ختن رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخِي جُوَيْرِيَّة، قَالَ:
وَاللهِ مَا ترك رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْد مَوْتِهِ دِيْنَاراً وَلاَ دِرْهَماً وَلاَ عبداً وَلاَ أَمَة وَلاَ شَيْئاً إِلاَّ بغلته البيضَاء، وَسلاَحه، وَأَرْضاً جَعَلهَا صَدَقَة.
رَوَاهُ: البُخَارِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ.
138 - أَبُوْهُ: الرَّئِيْسُ أَبُو البَرَكَاتِ ابْنُ صَصْرَى الحَسَنُ بنُ هِبَةِ اللهِ التَّغْلِبِيُّ
تَفَقَّهَ، وَقَرَأَ القُرْآنَ، وَلَهُ صَدَقَةٌ وَبرٌّ.
كَانَ يَخْتِم فِي رَمَضَانَ ثَلاَثِيْنَ ختمَة.
رَوَى عَنْ: جَمَال الإِسْلاَمِ، وَيَحْيَى بن بِطْرِيْقٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ، وَشَهِدَ عَلَى القَضَاءِ.
مَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ اثْنَتَانِ وَسِتُّوْنَ سَنَةً. (21/267)
139 - جَدُّهُ: مَحْفُوْظُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنُ صَصْرَى التَّغْلِبِيُّ
قِيْلَ: يُكْنَى أَبَا البَرَكَات، مِنْ رُؤسَاء البَلَد وَعدولِهُم.
سَمِعَ: جُزْءاً فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ مِنْ نَصْر بن أَحْمَدَ الهَمَذَانِيّ.
سَمِعَ مِنْهُ: الحَافِظُ ابْن عَسَاكِرَ، وَابْنه البَهَاء، وَوَلَده؛ أَبُو المَوَاهِبِ.
تُوُفِّيَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِبَابِ تُوْمَا.
140 - طُغْرِلُ شَاه بنُ أَرْسَلاَنَ بنِ طُغْرِلَ بنِ مُحَمَّدٍ التُّرْكِيُّ
المَلِكُ طُغْرِل شَاه بنُ أَرْسَلاَنَ بنِ طُغْرِل بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَلِكْشَاه التُّرْكِيُّ، آخرُ مُلُوْكِ السُّلْجُوْقِيَّة المَلِكْشَاهية.
خَرَجَ عَلَى الخَلِيْفَة النَّاصِر، فَالتقَاهُ الجَيْش، عَلَيْهِم ابْن يُوْنُسَ الوَزِيْر، فَانْهَزَمُوا، وَأُسِرَ الوَزِيْر، ثُمَّ نَدب النَّاصِر خُوَارِزْمشَاه لِحَرْبِهِ، فَالتقَاهُ عَلَى الرَّيّ، فَقُتِل طُغْرِل فِي المَصَافّ، وَكَانَ مِنْ ملاَح زَمَانه وَشجعَانهم.
قُتِلَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ، وَدخلُوا إِلَى بَغْدَادَ بِرَأْسِهِ وَسنَاجقه المُنَكَّسَة.
وَكَانَ حَاكماً عَلَى أَذْرَبِيْجَان وَهَمَذَان وَعِدَّة مَدَائِن، ملّكوهُ وَهُوَ صَبِيّ. (21/268)
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق