إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 فبراير 2015

2881 سِيَرُ أعْلام النبَلاء ( الإمام الذهبي ) 101 - يَعِيْشُ بنُ عَلِيِّ بنِ يَعِيْشَ بنِ أَبِي السَّرَايَا مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ




2881


سِيَرُ أعْلام النبَلاء ( الإمام الذهبي )

101 - يَعِيْشُ بنُ عَلِيِّ بنِ يَعِيْشَ بنِ أَبِي السَّرَايَا مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ


ابْنُ عَلِيِّ بنِ المُفَضَّلِ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بن حَيَّانَ ابْنِ القَاضِي بِشْرِ بن حَيَّانَ، العَلاَّمَةُ، مُوَفَّقُ الدِّيْنِ، أَبُو البَقَاءِ الأَسَدِيُّ، المَوْصِلِيُّ، ثُمَّ الحَلَبِيُّ، النَّحْوِيُّ، وَيُعرَفُ قَدِيْماً بِابْنِ الصَّائِغِ.
مَوْلِدُهُ: بِحَلَبَ، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: القَاضِي أَبِي سَعْدٍ بنِ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَأَبِي الحَسَنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الطَّرَسُوْسِيِّ، وَيَحْيَى الثَّقَفِيّ.
وَسَمِعَ بِالمَوْصِلِ مِنْ: خَطِيْبهَا أَبِي الفَضْلِ الطُّوْسِيّ (مَشْيَخَتَه) وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَأَخَذَ النَّحْوَ عَنْ: أَبِي السّخَاءِ الحَلَبِيِّ، وَأَبِي العَبَّاسِ المَغْرِبِيّ، وَجَالَسَ الكِنْدِيَّ بِدِمَشْقَ، وَبَرَعَ فِي النَّحْوِ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَبَعُد صِيتُه، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّةٌ.
رَوَى عَنْهُ: الصَّاحِبُ ابْنُ العَدِيْمِ، وَابْنُه مَجْدُ الدِّيْنِ، وَابْنُ هَامل، وَأَبُو العَبَّاسِ ابْنُ الظَّاهِرِيّ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ العُنَيِّقَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الدَّشْتِيّ، وَإِسْحَاقُ النَّحَاس، وَأَخُوْهُ بَهَاءُ الدِّيْنِ، وَسُنْقُر القَضَائِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ طَوِيْلَ الرُّوحِ، حَسَنَ التَّفَهُّمِ، طَوِيْلَ البَاعِ فِي النَّقْلِ، ثِقَةً عَلاَّمَةً كَيِّساً، طَيِّبَ المزَاحِ، حُلْوَ النَّادِرَةِ، مَعَ وَقَارٍ وَرَزَانَةٍ.
صَنَّفَ شَرْحاً (لِلتَّصرِيفِ) لابْنِ جِنِّيٍّ، وَشَرحاً (لِلمُفَصَّلِ) وَغَيْر ذَلِكَ.
عَاشَ تِسْعِيْنَ سَنَةً. (23/146)
وَتُوُفِّيَ: فِي الخَامِسِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، بِحَلَبَ.

وَفِيْهَا تُوُفِّيَ - وَتُعرفُ بِسَنَةِ الخُوَارِزْمِيَّةِ -: القَاضِي الأَشْرَفُ أَحْمَدُ ابْنُ القَاضِي الفَاضِلِ عَنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً، وَالمُحَدِّثُ صَفِيُّ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الخَالِقِ بن أَبِي هِشَامٍ القُرَشِيُّ عَنْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَالعَلاَّمَةُ كَمَالُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ كَشَاسْبَ الدِّزْمَارِيُّ الشَّافِعِيُّ، وَالعَلاَّمَةُ تَقِيُّ الدِّيْنِ أَحْمَدَ ابْنُ العِزّ مُحَمَّد ابن الحَافِظِ الحَنْبَلِيِّ، وَمُحَدِّثُ وَقتِهِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مَحْمُوْدِ ابْنِ الجَوْهَرِيِّ الدِّمَشْقِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي القَاسِمِ بنِ صَصْرَى التَّغْلِبِيُّ، وَمُقَدَّمُ الجُيُوْشِ مُعينُ الدِّيْنِ حَسَنُ ابْن الشَّيْخِ ابْن حَمُّوَيْهِ، وَخَطِيْبُ عقربا السَّدِيْد سَالِمُ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَشَعْبَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّارَانِيُّ، وَالأَمِيْرُ سَيْفُ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ قليج وَدُفِنَ بِالقليجيَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ ابْنُ النَّخَّالِ، وَخَطِيْبُ الصَّالِحيَةِ الشَّرَفُ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَمُفِيْدُ بَغْدَادَ أَبُو مَنْصُوْرِ بنُ الوَلِيْدِ كَهْلاً، وَحَافِظُ بَغْدَادَ مُحِبّ الدِّيْنِ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ النَّجَّارِ، وَالمُفْتِي أَبُو سُلَيْمَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الحَافِظِ، وَمُحَدِّث الجَزِيْرَةِ السَّرَّاج عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن شُحَانَة، وَمُحَدِّثُ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ أَسْعَدُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُقَرَّبٍ الكِنْدِيّ، وَالعَلاَّمَةُ الوَجِيْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ القُوْصِيُّ الحَنَفِيُّ المُفْتِي عَنْ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَالأَدِيْبُ العَلاَّمَةُ أَمِيْنُ الدِّيْنِ عَبْدُ المُحْسِنِ بن حَمُّودٍ التَّنُوْخِيُّ، وَالعَدْلُ عَتِيْقُ بنُ أَبِي الفَضْلِ

السَّلَمَانِيُّ وَلَهُ تِسْعُوْنَ سَنَةً، وَالإِمَامُ تَقِيّ الدِّيْنِ أَبُو عَمْرٍو ابْنُ الصَّلاَحِ، وَالمُعَمَّرُ أَبُو الحَسَنِ ابْنُ المُقَيَّرِ، وَقَاضِي كفر بَطنَا عَلِيُّ بنُ مَحَاسِنَ بن عَوَانَةَ النُّمَيْرِيُّ، وَالعَلاَّمَةُ عَلَمُ الدِّيْنِ السَّخَاوِيُّ، وَعِيْسَى بن حَامِدٍ الدَّارَانِيُّ، وَالفَلَكُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن هِبَةِ اللهِ المسيرِيُّ الوَزِيْرُ، وَالنَسَّابَةُ عِزّ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَسَاكِرَ، وَالمُحَدِّثُ تَاجُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ القُرْطُبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ زُهَيْرٍ بِدَارَيَّا، وَمُحَمَّدُ بنُ تَمِيْمٍ البَنْدَنِيْجِيُّ، وَالمُعَمَّرُ أَبُو بَكرٍ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ ابْن الخَازنِ، وَالظهيرُ أَبُو إِبْرَاهِيْمَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ الجَبَّابِ، وَمُفِيْدُ مِصْرَ أَبُو بَكْرٍ ابْنُ الحَافِظِ زَكِيّ الدِّيْنِ المُنْذِرِيّ وَلَهُ ثَلاَثُوْنَ سَنَة، (23/147) وَحَافِظُ دِمَشْقَ ضِيَاءُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المَقْدِسِيّ، وَالفَخْر مُحَمَّد بن عُمَرَ ابْن المَالِكِيّ الدِّمَشْقِيّ، وَالفَخْر مُحَمَّد بن عَمْرِو بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعْدٍ المَقْدِسِيّ، وَشَيْخ الحَنَابِلَةِ الزَّاهِدُ القُدْوَةُ الضِّيَاءُ مَحَاسِن بن عَبْدِ المَلِكِ التَّنُوْخِيّ الحَمَوِيّ، وَمُحَمَّد بن حُمَيْدٍ الدَّارَانَي مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَالإِمَامُ معينُ الدِّيْنِ مَحْمُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأُرْمَوِيّ الشَّافِعِيُّ وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَالمُفِيْدُ أَبُو العِزّ مُفَضَّل بن عَلِيٍّ القُرَشِيّ، وَالمُقْرِئ النَّحْوِيّ المُنْتَجبُ بنُ أَبِي العِزّ الهَمَذَانِيُّ، وَالمُعَمَّرُ أَبُو غَالِبٍ مَنْصُوْر بن أَحْمَدَ بنِ السَّكَن المَرَاتِبِيّ ابْن المُعَوَّجِ
لقِيَ مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ ابْن الصَّابِي، وَالصَّلاَح مُوْسَى بن مُحَمَّدِ بنِ خَلَفِ بن رَاجِحٍ، وَالنَّجم نَبَأُ بن أَبِي المَكَارِمِ بن هَجَّامٍ الحَنَفِيُّ المِصْرِيُّ، وَابْنُ خَطِيْب عقربا يَحْيَى بن عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَالشِّهَاب يَعْقُوْب بن مُحَمَّدِ ابْنِ المُجَاوِر الوَزِيْر، وَيُوْسُف بن يُوْنُسَ المُقْرِئ البَغْدَادِيّ سِبْط ابْن مدَاح، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. (23/148)

102 - العَامِرِيُّ، صَائِنُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ حَسَّانِ بنِ رَافِعٍ


المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، صَائِنُ الدِّيْنِ مُحَمَّد بن حَسَّان بن رَافِعٍ العَامِرِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، المُعَدَّلُ، خَطِيْب المُصَلَّى.
سَمِعَ مِنَ: الخُشُوْعِيّ فَمَنْ بَعْدَهُ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ ابْنُ خَطِيْبِ بَيْت الأَبَّارِ، وَخَطِيْبُ دِمَشْقَ شَرَف الدِّيْنِ الفُرَاوِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: القُدْوَة الشَّيْخ أَبُو السُّعُوْد البَاذبينِي بِمِصْرَ، وَالكَبِيْر الزَّاهِد الشَّيْخ أَبُو الحَجَّاجِ الأَقْصُرِيّ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بن غُزي القُرَشِيّ بِالصَّعيدِ، وَالشَّيْخ أَبُو اللَّيْثِ بِحَمَاةَ، وَالنَّجْم عَلِيّ بن عَبْدِ الكَافِي بن عَلِيٍّ الصَّقَلِّيّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ، وَالرُّكْن عَبْد الرَّحْمَنِ بن سُلْطَان التَّمِيْمِيّ الحَنَفِيّ، وَالشَّيْخ حَسَن بن عَدِيٍّ شَيْخُ الأَكْرَادِ، وَالملك المَنْصُوْر إِبْرَاهِيْم بن شِيرْكُوْه صَاحِب حِمْص، وَالعِزّ أَحْمَدُ بنُ مَعْقِلٍ شَيْخُ الرَّافِضَّةِ، وَكَبِيْرُ الخُوَارِزْمِيَّةِ بركَة خَان. (23/149)

103 - الكَاشْغَرِيُّ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ بنِ يُوْسُفَ


الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ العِرَاق، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ بنِ يُوْسُفَ بن أُزَرْتُق التُّرْكِيّ، الكَاشْغَرِيّ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ، الزركشِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاغَدِيّ، وَعَلِيّ بن تَاج القُرَّاء، وَأَحْمَدَ بن عَبْدِ الغَنِيِّ البَاجِسْرَائِيّ، وَيَحْيَى بن ثَابِتٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ النَّقُّوْرِ، وَنَفِيسَةَ البَزَّازَةِ، وَهِبَةِ اللهِ بن يَحْيَى البُوقِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَطَالَ عُمُرُهُ، وَبَعُدَ صِيْتُهُ، وَقَدْ حَدَّثَ بِدِمَشْقَ وَحَلَبَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَرَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ، وَبَقِيَ إِلَى هَذَا الوَقْت، وَتَكَاثر عَلَيْهِ الطلبَة.

حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالمحبّ عَبْد اللهِ، وَمُوْسَى بن أَبِي الفَتْحِ، وَعَبْد الرَّحِيْمِ ابْن الزَّجَّاج، وَمُحْيِي الدِّيْنِ يَحْيَى ابْن القَلاَنسِيّ، وَالمُدَرِّس كَمَال الدِّيْنِ إِبْرَاهِيْم ابْن أَمِيْن الدَّوْلَة، وَتَقِيُّ الدِّيْنِ ابْن الوَاسِطِيّ وَأَخُوْهُ، وَعزُّ الدِّيْنِ ابْنُ الفَرَّاء، وَالتَّقِيّ بن مُؤْمِنٍ، وَمَجْد الدِّيْنِ ابْن العَدِيْم، وَفتَاهُ بَيْبَرْسُ، وَمُحْيِي الدِّيْنِ ابْن النَّحَّاسِ، وَابْنُ عَمِّهِ أَيُّوْب، وَمَجْد الدِّيْنِ ابْن الظهير، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدِ ابْنِ العِمَاد، وَعَبْد الكَرِيْمِ بن المُعَذَّل، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَعَلِيُّ بنُ عُثْمَانَ الطِّيْبِيّ، وَعَدَد كَثِيْر.
وَبِالإِجَازَةِ عِدَّة.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: سَمَاعُهُ صَحِيْحٌ.
وَقَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: كَانَ شَيْخاً سَهْلاً سَمحاً، ضَحُوكَ السِّنِّ، لَهُ أُصُوْلٌ يُحَدِّثُ مِنْهَا، وَكَانَ سَلِيمَ البَاطِنِ، مُشْتَغِلاً بِصَنْعَتهِ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَتشيَّعُ، وَلَمْ يَظهر مِنْهُ إِلاَّ الجَمِيْل.
وَقَالَ ابْنُ السَّاعِي: رُتّب مُسْمِعاً بِمَشْيَخَةِ المُسْتَنْصِرِيَّةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ -يَعْنِي بَعْدَ ابْنِ القُبَّيْطِيّ-. (23/150)
قُلْتُ: وَقَدْ عُمِّرَ، وَسَاءَ خُلقُه، وَبَقِيَ يُحَدِّث بِالأُجرَةِ، وَيَتعَاسرُ، وَحِكَايَة المُحِبِّ مَعَهُ اشتهرت، فَإِنَّهُ رحل وَبَادَرَ إِلَيْهِ بِـ (جُزء البَانْيَاسِيّ) وَهُوَ عَلَى حَانُوْت، فَقَالَ: مَا لِي فَرَاغ السَّاعَة.

فَأَلَحَّ عَلَيْهِ، فَتركه وَقَامَ، فَتبِعَه، وَابتدَأَ فِي الجُزْء، فَقَرَأَ وَرقَةً، وَوصلَ الشَّيْخ إِلَى بَيْته، فَضَرَبَه بِالعَصَا ضربتَيْنِ وَقعت الوَاحِدَة فِي الجُزْءِ، وَدَخَلَ وَأَغلق البَاب.
قَرَأْتُ هَذَا بِخَطِّ المُحبِّ، فَالذَّنْب مركّب مِنْهُمَا!
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: هُوَ صَحِيْحُ السَّمَاع، إِلاَّ أَنَّهُ عَسِرٌ جِدّاً، يَذْهَب إِلَى الاعتزَال.
قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّهُ يَرَى رَأْي الفلاسفَةِ، وَيَتهَاون بِالأُمُوْر الدّينِيَّةِ، مَعَ حُمقٍ ظَاهِرٍ فِيْهِ، وَقِلَّةِ عِلْمٍ.
قُلْتُ: ثُمَّ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ اندَكّ وَتَعَلَّلَ، وَوَقَعَ فِي الهرم، وَلَزِمَ بَيْته، وَهُوَ مِنْ آخر مَنْ رَوَى حَدِيْث مَالِك الإِمَامَ بِعُلُوٍّ، كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ خَمْسَةُ أَنْفُسٍ.
مَاتَ: فِي حَادِي عَشَرَ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو مَدْيَن شُعَيْب بن يَحْيَى الزَّعْفَرَانِيّ بِمَكَّةَ، وَالشَّيْخ عَبْد الرَّحْمَانِ بن أَبِي حَرَمِي المَكِّيّ النَّاسخ، وَإِمَام النَّحْو أَبُو عَلِيٍّ عُمَر بن مُحَمَّدٍ الأَزْدِيّ الشَّلَوْبِيْن، وَالمُنْشِئ جَلاَل الدِّيْنِ مُكَرَّم بن أَبِي الحَسَنِ الأَنْصَارِيّ، وَالصَّاحب هِبَة اللهِ بن الحَسَنِ ابْن الدَّوَامِيّ، وَالأَمِيْرُ شَرَفُ الدِّيْنِ يَعْقُوْب بن مُحَمَّدٍ الهَذَبَانِيّ، وَصَاحِبُ مَيَّافَارِقِيْن المُظَفَّر غَازِي ابْن العَادل، وَشَيْخُ الفُقَرَاء عليّ الحَرِيْرِيّ. (23/151)

104 - يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلِ بنِ قَرَاجَا عَبْدِ اللهِ، أَبُو الحَجَّاجِ الدِّمَشْقِيُّ


الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، الرَّحَّال، النَّقَال، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ، راوِيَة الإِسْلاَم، أَبُو الحَجَّاجِ شَمْس الدِّيْنِ الدِّمَشْقِيّ، الأَدَمِيّ، الإِسكَاف، نَزِيْلُ حَلَب وَشيخُهَا.
وُلِدَ فِي: سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتشَاغل بِالسَّبَب حَتَّى كَبِرَ وَقَاربَ الثَّلاَثِيْنَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ حُبِّب إِلَيْهِ الحَدِيْثُ، وَعُنِيَ بِالرِّوَايَةِ، وَسَمِعَ الكَثِيْرَ، وَارْتَحَلَ إِلَى النَّوَاحِي، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ المُتْقنِ الحُلو شَيْئاً كَثِيْراً، وَجَلَب الأُصُوْل الكِبَار، وَكَانَ ذَا عِلْمٍ حسنٍ وَمَعْرِفَةٍ جَيِّدَةٍ وَمشَاركَةٍ قويَّةٍ فِي الإِسْنَادِ وَالمَتْنِ وَالعَالِي وَالنَّازلِ وَالانتخَابِ.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ بَعْد الثَّمَانِيْنَ مِنْ: يَحْيَى الثَّقَفِيّ، وَمُحَمَّدِ بن عَلِيِّ بنِ صَدَقَة، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَلِيٍّ الخِرَقِيّ، وَأَحْمَدَ بن حَمْزَةَ بن عَلِيٍّ ابْن المَوَازِيْنِيّ، وَإِسْمَاعِيْل الجَنْزَوِيّ، وَأَبِي طَاهِرٍ الخُشُوْعِيّ، وَأَقرَانِهِم. (23/152)

وَصحبَ الحَافِظَ عَبْد الغَنِيِّ، وَتَخَرَّجَ بِهِ مُدَّة، فَنَشَّطه لِلارتِحَالِ، فَمَضَى إِلَى بَغْدَادَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ عَبْد اللهِ بن عَبْدِ السَّلاَمِ، وَذَاكِرِ بنِ كَامِلٍ، وَيَحْيَى بن بَوْشٍ، وَعَبْد المُنْعِمِ بن كُلَيْبٍ، وَأَبِي طَاهِرٍ المُبَارَك بن المَعْطُوشِ، وَرَجَبِ بنِ مَذْكُوْرٍ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ بِبَغْدَادَ.
وَمِنْ: هِبَة اللهِ بن عَلِيٍّ البُوْصِيْرِيّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ يَاسِيْنَ، وَجَمَاعَةٍ بِمِصْرَ.
وَمِنْ: خَلِيْلِ بن بَدْرٍ الرَّارَانِيّ، وَمَسْعُوْدِ بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ الخَيَّاطِ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوْسِيِّ، وَأَبِي الفَضَائِلِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الكَاغَدِيِّ، وَأَبِي المَكَارِمِ اللَّبَّانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي زَيْدٍ الكَرَّانِيِّ، وَنَاصِرِ بنِ مُحَمَّدٍ الويرج، وَعَلِيِّ بنِ سَعِيْدِ بنِ فَاذشَاه، وَغَانِم بن مُحَمَّدٍ الصَّفَّار، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ المَهَّادِ المُقْرِئِ، وَأَبِي المَحَاسِنِ مُحَمَّد بن الحَسَنِ الأَصبهبد، وَمَسْعُوْدِ بنِ مَحْمُوْدٍ العِجْلِيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الفَضْلِ الكَرَّانِيّ بِأَصْبَهَانَ، وَطَاهِرِ بنِ مَكَارِم المَوْصِلِيِّ المُؤَدِّبِ، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الطُّوْسِيِّ بِالمَوْصِلِ.
وَ (مَشْيَختُهُ) نَحْو الخَمْس مائَة، سَمِعتهَا مِنْ أَصْحَابِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ القُدَمَاءِ، وَكَتَبَ عَنْهُ: الحَافِظُ إِسْمَاعِيْلُ ابْن الأَنْمَاطِيّ، وَزَكِيُّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيُّ، وَشِهَابُ الدِّيْنِ القُوْصِيّ، وَمَجْدُ الدِّيْنِ ابْن الحُلوَانِيَّةِ، وَكَمَالُ الدِّيْنِ ابْنُ العَدِيْمِ، وَابْنُهُ مَجْدُ الدِّيْنِ.

وَرَوَى لَنَا عَنْهُ: الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الدِّمْيَاطِيُّ، وَالحَافِظُ أَبُو العَبَّاسِ ابْن الظَّاهِرِيّ، وَشَرَفُ الدِّيْنِ مَحْمُوْد التَّادفِي، وَمُحَمَّدُ بنُ جَوْهَر التَّلعفرِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ ابْن المَغْرِبِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الغَرَّافِيّ، وَطَاهِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ ابْن العَجَمِيّ، وَعَبْدُ المَلِكِ ابْن العُنَيِّقَة، وَسُنْقُرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأُسْتَاذِيّ، وَالصَّاحِبُ فَتح الدِّيْنِ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ الخَالِدِيّ، وَأَمِيْنُ الدِّيْنِ عَبْد اللهِ بن شُقير، وَتَاجُ الدِّيْنِ صَالِح الفَرَضِيّ، وَالقَاضِي عَبْد العَزِيْزِ ابْن أَبِي جَرَادَة، وَأَخُوْهُ عَبْدُ المُحْسِنِ، وَإِسْحَاقُ وَأَيُّوْبُ وَمُحَمَّدٌ بَنُوْ ابْنِ النَّحَّاسِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَإِسْمَاعِيْلُ وَإِبْرَاهِيْمُ أَوْلاَدُ ابْن العَجَمِيّ، وَنَسِيْبهُم أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ النَّصِيْبِيّ، وَعَمَّتُهُ نَخْوَةُ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَلِّمُ، وَالعَفِيْفُ إِسْحَاق الآمِدِيّ، وَأَبُو حَامِدٍ المُؤَذِّن، وَغَيْرُهُم، وَكَانَ خَاتِمَتُهُم إِبْرَاهِيْم ابْن العَجَمِيّ بِحَلَبَ، وَإِجَازتُه مَوْجُوْدَة لِزَيْنَبَ بِنْتِ الكَمَال بِدِمَشْقَ. (23/153)
وَكَانَ حَسَنَ الأَخْلاَقِ، مَرضِيَّ السِّيرَةِ، خَرَّجَ لِنَفْسِهِ (الثّمانِيَّات)، وَأَجزَاء عَوَالِي (كعَوَالِي هِشَام بن عُرْوَةَ)، وَ(عَوَالِي الأَعْمَش)، وَ(عَوَالِي أَبِي حنفِيَة)، وَ(عَوَالِي أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْل)، وَ(مَا اجْتَمَع فِيْهِ أَرْبَعَة مِنَ الصَّحَابَةِ)، وَغَيْر ذَلِكَ.

سَمِعْتُ مِنْ حَدِيْثِهِ شَيْئاً كَثِيْراً، وَمَا سَمِعْتُ العُشْرَ مِنْهُ، وَهُوَ يَدخل فِي شرط الصَّحِيْح لِفَضِيْلتِهِ، وَجَوْدَة مَعْرِفَته، وَقُوَّة فَهْمه، وَإِتْقَان كتبه، وَصِدْقَه وَخَيْرِهِ، أَحَبَّه الحَلَبِيُّوْنَ وَأَكرمُوْهُ، وَأَكْثَرُوا عَنْهُ، وَوَقَفَ كُتُبَهُ، لَكِنَّهَا تَفَرَّقَت وَنُهِبت فِي كَائِنَة حَلَب سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، وَقُتِلَ فِيْهَا أَخُوْهُ المُسْنِدُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ خَلِيْلٍ، وَكَانَ قَدْ سَمَّعَهُ مِنْ جَمَاعَةٍ، وَتَفَرَّدَ بِأَجزَاءَ كَ (مُعْجَم الطَّبَرَانِيِّ)، عَنْ يَحْيَى الثَّقَفِيّ وَغَيْر ذَلِكَ.
وَأَخُوْهُمَا الثَّالِث يُوْنُس بن خَلِيْل الأَدَمِيّ مَاتَ مَعَ أَخِيْهِ الحَافِظ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنِ البُوْصِيْرِيّ، وَجَمَاعَة؛ حَدَّثَنَا عَنْهُ ابْن الخَلاَّل وَغَيْرُهُ.
وَكَانَ أَبُو الحَجَّاجِ -رَحِمَهُ اللهُ- يَنطوِي عَلَى سُنَّة وَخَيْرٍ. (23/154)
بَلَغَنِي أَنَّهُ أَنْكَر عَلَى ابْنِ رَوَاحَة أَخْذه علَى الرِّوَايَةِ، فَاعْتذر بِالحَاجَة، وَكَذَا بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يذمُّ الحَرِيْرِيّ وَطرِيقَةَ أَصْحَابه، وَلَمْ يَزَلْ يُسْمِع، وَيطوّل روحه عَلَى الطلبَة وَالرّحَّالين وَيَكْتُب لَهُم الطِّباق، وَإِلَى أَنْ مَاتَ.
رَوَى كتباً كِبَاراً (كَالحلْيَةِ)، وَ(المُعْجَم الكَبِيْر)، وَ(الطَّبَقَات) لابْنِ سَعْد، وَ(سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيّ)، وَكِتَابِ (الآثَارِ) لِلطحَاوِي، وَ(مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيّ)، وَ(السُّنَنِ) لأَبِي قُرَّةَ، وَ(الدُّعَاءِ) لِلطَّبَرَانِيِّ، وَجُملَة مِنْ تَصَانِيْفِ ابْنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَكَثِيْراً مِنْ تَصَانِيْفِ أَبِي الشَّيْخِ وَالطَّبَرَانِيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَانقطعَ بِمَوْتِهِ سَمَاعُ أَشيَاءَ كَثِيْرَةٍ لِخرَاب أَصْبَهَانَ.

تُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَةِ الله: فِي عَاشر جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
وَمَاتَ أَخُوْهُ يُوْنُسُ قَبْله فِي المُحَرَّم، وَكَانَ قَدْ أَخَذَه وَسَمَّعَهُ مِنَ البُوْصِيْرِيّ وَابْن يَاسين وَلَزِمَ الصَّنْعَة، رَوَى عَنْهُ أَبُو الفَضْلِ الإِرْبِلِيّ، وَابْن الخَلاَّل، وَالعِمَاد ابْن البَالِسِيّ، وَجَمَاعَة.
وَفِيْهَا مَاتَ: مُسْنَد الإِسْكَنْدَرِيَّة أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ ابْن رَوَاج وَلَهُ أَرْبَعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً، وَالعَدْل فَخر القُضَاة أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ ابْن الجَبَّاب السَّعْدِيّ بِمِصْرَ، وَمُسْنِدُ بَغْدَادَ أَبُو مُحَمَّدٍ إِبْرَاهِيْم بن مَحْمُوْدٍ ابْن الخَيِّر الأَزَجِيّ وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَالمُسْنِدُ مُظَفَّر بن عَبْدِ المَلِكِ ابْن الفُوِّيّ بِالثَّغْرِ، وَعَلِيّ بن سَالِمِ بنِ أَبِي بَكْرٍ البَعْقُوبِيّ، وَالمُفْتِي مُحَمَّد بن أَبِي السَّعَادَاتِ الدَّبَّاس الحَنْبَلِيّ، حَدَّثَا عَنِ ابْنِ شَاتيلَ. (23/155)
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْح نَاصِر بن مُحَمَّدٍ القَطَّان، وَغَيْرهُ، أَنَّ جَعْفَر بن عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيّ أَخْبَرَهُم: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ سَنَة ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَرَّة بِصَنْعَاءَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَر، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ:

أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ الكَعْبَةَ يَوْم الفَتْحِ وَحَوْلَ الكَعْبَة ثَلاَثُ مائَة وَسِتُّوْنَ صَنَماً، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُوْدٍ وَيَقُوْلُ: (جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ، إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهَوْقاً).
فَتَسَّاقَطُ لِوُجُوهِهَا.
قَرَأْتُ عَلَى مَحْمُودِ بنِ مُحَمَّدٍ المُقْرِئ: أَخْبَرْنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاء، قَالَتْ:
ذَبَحنَا فَرساً عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَكَلنَا مِنْ لَحمِهِ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيْثِ هِشَام بن عُرْوَةَ. (23/156)

105 - المُسْتَنْصِرُ بِاللهِ، أَبُو جَعْفَرٍ مَنْصُوْرُ بنُ الظَّاهِر بِأَمْرِ اللهِ العَبَّاسِيُّ


أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، أَبُو جَعْفَرٍ مَنْصُوْرُ ابْن الظَّاهِر بِأَمْرِ اللهِ مُحَمَّد ابْن النَّاصِرِ لِدِيْنِ اللهِ أَحْمَد ابن المُسْتَضِيْء بِأَمْرِ اللهِ حسن ابْن المُسْتَنْجِد بِاللهِ يُوْسُف ابْن المُقْتَفِي العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ، وَاقفُ المُسْتَنْصِرِيَّة الَّتِي لاَ نَظِير لَهَا.
مَوْلِدُه: سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأُمّه تُركيَّة، وَكَانَ أَبْيَضَ أَشقر، سَمِيناً، رَبْعَة، مَليح الصُّوْرَة، عَاقِلاً حَازِماً سَائِساً، ذَا رَأْيٍ وَدَهَاءٍ وَنُهُوْض بِأَعبَاءِ المُلْك، وَكَانَ جَدُّهُ النَّاصِرُ يُحِبُّه وَيُسمِّيه القَاضِي لِحُبِّه لِلْحقِّ وَعَقلِهِ.
وَبُوْيِعَ عِنْدَ مَوْتِ وَالِده يَوْمَ الجُمُعَةِ، ثَالِثَ عَشَرَ رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ البَيْعَةَ الخَاصَّة مِنْ إِخْوَته وَبنِي عَمِّهِ وَأُسرتِه، وَبَايَعَهُ مِنَ الغَدِ الكُبَرَاء وَالعُلَمَاء وَالأُمَرَاء. (23/157)
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: فَنشرَ العَدْلَ، وَبثَّ المَعْرُوفَ، وَقَرَّبَ العُلَمَاء وَالصُّلَحَاء، وَبَنَى المَسَاجِد وَالمدَارس وَالرُّبط، وَدُورَ الضِّيَافَة وَالمَارستَانَات، وَأَجرَى العطيَات، وَقمعَ المُتمرِّدَةَ، وَحَمَلَ النَّاسَ عَلَى أَقوم سَنَنٍ، وَعَمَّرَ طُرُقَ الحَاجِّ، وَعَمَّرَ بِالحَرَمَيْنِ دُوراً لِلمَرْضَى، وَبَعَثَ إِلَيْهَا الأَدويَةَ:

تَخْشَى الإِلَهَ فَمَا تَنَامُ عِنَايَةً*بِالمُسْلِمِيْنَ وَكُلُّهُم بِكَ نَائِمُ
إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ قَامَ بِأَمر الجِهَاد أَحْسَن قيَامٍ، وَجَمَعَ العَسَاكِر، وَقمع الطغَام، وَبَذَلَ الأَمْوَالَ، وَحفظَ الثُّغُوْر، وَافتَتَح الحُصُون، وَأَطَاعَهُ المُلُوْك.
قَالَ: وَبيعت كُتب العِلْم فِي أَيَّامِهِ بِأَغلَى الأَثَمَان لِرَغبته فِيْهَا، وَلوَقفِهَا.
وَخَطَهُ الشَّيبُ، فَخَضَّب بِالحِنَّاءِ، ثُمَّ تركه.
قُلْتُ: كَانَتْ دَوْلَتُه جيِّدَةَ التّمكن، وَفِيْهِ عدلٌ فِي الجُمْلَةِ، وَوَقْعٌ فِي النُّفُوْس.
اسْتَجَدَّ عَسْكَراً كَثِيْراً لَمَّا عَلِمَ بِظُهُوْرِ التَّتَارِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ يُقَالَ: بَلغَ عِدَّةُ عَسْكَرِهِ مائَةَ أَلْفٍ، وَفِيْهِ بُعْدٌ، فَلَعَلَّ ذَلِكَ نَمَى فِي طَاعَتِهِ مِنْ مُلُوْكِ مِصْر وَالشَّام وَالجَزِيْرَة، وَكَانَ يُخْطَبُ لَهُ بِالأَندلسِ وَالبِلاَدِ البعيدةِ.
قَالَ السَّاعِي: حَضَرتُ بَيعَتَهُ، فَلَمَّا رُفِعَ السَّتر شَاهَدتُه وَقَدْ كَمَّل اللهُ صُوْرَتَه وَمَعْنَاهُ، كَانَ أَبْيَضَ بِحُمْرَةٍ، أَزَجَّ الحَاجِبَيْن، أَدعَجَ العين، سَهْلَ الخَدَّيْنِ، أَقْنَى، رَحْبَ الصَّدْرِ، عَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبيَضُ وَبَقيَار أَبيض، وَطَرْحَةُ قَصَب بيضَاء، فَجَلَسَ إِلَى الظُّهْر.
قَالَ: فَبَلَغَنِي أَن عِدَّة الخِلَع بلغتْ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَخَمْسَ مائَةٍ وَسَبْعِيْنَ خِلْعَةًَ.
قُلْتُ: بلغَ مَغَلُّ وَقْفِ المُسْتَنْصِرِيَّة مَرَّةً نَيِّفاً وَسَبْعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَار فِي العَامِ، وَاتَّفَقَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي أَيَّامِهِ مَعَهُ سُلْطَانٌ يَحكمُ عَلَيْهِ، بَلْ مُلُوْك الأَطرَاف خَاضِعُوْنَ لَهُ، وَفِكْرُهُم مُتَقَسِّم بِأَمر التَّتَار وَاسْتيلاَئِهِم عَلَى خُرَاسَانَ. (23/158)

تُوُفِّيَ: فِي بُكرَة الجُمُعَة، عَاشرَ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَكَانَتْ دَوْلَتُهُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
وَفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ: التقَى خُوَارِزْم شَاه التَّتَار بِبلاَد أَصْبَهَانَ فَهَزمَهُم وَمَزَّقَهُم، ثُمَّ تَنَاخَوْا وَكرُّوا عَلَيْهِ، فَانْفلَّ جَمعُه، وَبَقِيَ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَارِساً وَأُحِيْطَ بِهِ، فَخَرَقهُم عَلَى حَمِيَّة، فَكَانَتْ وَقْعَة مُنْكئَة لِلْفَرِيقَينِ، فَتَحَصَّنَ بِأَصْبَهَانَ.
وَقتلت الإِسْمَاعِيْلِيَّةُ أَمِيْرَ كنجَة، فَتَأَلَّمَ جَلاَلُ الدِّيْنِ، وَقَصدَ بِلاَدَ الإِسْمَاعِيْلِيَّةِ، فَقتَلَ وَسَبَى، ثُمَّ تَحَزَّبُوا لَهُ، وَسَارَ جَيْشُ الأَشْرَفِ مَعَ الحَاجِبِ عَلِيٍّ، فَافْتَتَحَ مِرَند وَخُوَي، وَرَدُّوا إِلَى خِلاَط، وَأَخَذُوا زَوْجَةَ خُوَارِزْم شَاه، وَهِيَ بِنْتُ السُّلْطَان طُغْرِل بن رسلاَن السَّلْجُوْقِيّ، وَكَانَ تَزَوَّجَ بِهَا بَعْد أزبك ابْن البَهْلَوَان صَاحِب تِبْرِيْز، فَأَهملهَا، فَكَاتَبَتِ الحَاجِبَ، وَسَلَّمت إِلَيْهِ البِلاَدَ.
وَمَرِضَ المُعَظَّم، فَتصدَّق بِأَلف غرَارَة وَثَمَانِيْنَ أَلْفَ دِرْهَم، وَحَلَّفَ الأُمَرَاء لولده النَّاصِر دَاوُد، وَمَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ.
وَفِيْهَا مَاتَ القَان جِنْكزخان المَغُلي، طَاغِيَةُ التَّتَار، فِي رَمَضَانَ، وَكَانَتْ أَيَّامُهُ المشؤومَةُ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
وَقِيْلَ: كَانَ أَوّلُ أَمره حَدَّاداً يُدعَى تَمرجين، وَتسلطن بَعْدَهُ ابْنه أوكتَاي.
وَعَاشَ المُعَظَّم تِسْعاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ يَعْرِفُ مَذْهَب أَبِي حَنِيْفَةَ وَالقُرْآن وَالنَّحْو، وَشَرَحَ (الجَامِع) فِي عِدَّةِ مُجَلَّدَاتٍ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ. (23/159)

وَفِي سَنَة خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ: جَاءَ المَنْشُوْرُ مِنَ الكَامِلِ لابْنِ أَخِيْهِ النَّاصِرِ بِسَلطَنَةِ دِمَشْقَ، ثُمَّ بَعْدَ أَشْهُرٍ قَدِمَ الكَامِلَ لِيَأْخُذَ دِمَشْقَ، وَأَتَاهُ صَاحِبُ حِمْص وَالعَزِيْزُ أَخُوْهُ، فَاسْتنجدَ النَّاصِرُ بعَمِّهِ الأَشْرَفِ، فَسَارَ وَنَزَلَ بالدّهشَة، فَرَجَعَ الكَامِل، وَقَالَ: لاَ أُقَاتِل أَخِي.
فَقَالَ الأَشْرَفُ: المَصْلَحَةُ أَنْ أُدْركَ السُّلْطَانَ وَأُلاَطِفَهُ.
فَاجْتَمَعَ بِهِ بِالقُدْس، وَاتَّفَقَا عَلَى النَّاصِرِ وَأَنَّ تَكُوْنَ دِمَشْقُ لِلأَشْرَفِ، وَتبْقَى الكركُ لِلنَّاصِرِ، فَلَمَّا سَمِعَ النَّاصِر، حَصَّن البَلَدَ.
وَفِيْهَا عُزِلَ الصَّدْرُ البَكْرِيُّ عَنْ حسْبَة دِمَشْق، وَمَشْيَخَةِ الشُّيُوْخ.
وَفِيْهَا جَرَى الكُوَيز السَّاعِي مِنْ وَاسِطَ إِلَى بَغْدَادَ فِي يَوْمٍ وَليلَةٍ، وَرُزِقَ قَبُولاً، وَحَصَلَ لَهُ سِتَّةُ آلاَفِ دِيْنَارٍ وَنَيِّفٌ وَعِشْرُوْنَ فَرساً.
وَشَرَعُوا فِي أَسَاسِ المُسْتَنْصِرِيَّة، وَدَامَ البِنَاءُ خَمْس سِنِيْنَ، وَكَانَ مشدّ العمَارَةِ أُسْتَاذ دَارِ الخَلِيْفَةِ.
وَكَانَتْ فَرقَةٌ مِنَ التَّتَار قَدْ أَبعدَهُم جنكز خَان وَغَضِبَ عَلَيْهِم، فَأَتَوا خُرَاسَان، فَوَجَدُوهَا بلاَقع، فَقصدُوا الرَّيَّ، فَالتقَاهُم خُوَارِزْم شَاه مَرَّتين وَيَنهزِمُ، فَنَازلُوا أَصْبَهَان، ثُمَّ أَقْبَلَ خُوَارِزْم شَاه، وَخرق التَّتَار، وَدَخَلَ إِلَى أَصْبَهَانَ وَأَهْلُهَا مِنْ أَشجعِ الرِّجَالِ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِم، فَهَزم التَّتَارَ وَطَحَنَهُم، وَسَاقَ خَلْفَهُم إِلَى الرَّيِّ قَتْلاً وَأَسْراً، ثُمَّ أَتَتْهُ رُسُلٌ مِنَ القَانِ بِأَنَّ هَؤُلاَءِ أَبعَدْنَاهُم، فَاطْمَأَنَّ لِذَلِكَ، وَعَادَ إِلَى تِبْرِيْز. (23/160)

وَاستولَى الفِرَنْج عَلَى صَيْدَا، وَقَوِيَت نُفُوْسُهُم، وَجَاءهُم مَلِكُ الأَلمَانِ الأَنبرُوْرُ وَقَدِ اسْتولَى عَلَى قُبرس، فَكَاتَبَهُ الكَامِلُ لِيعينه عَلَى النَّاصِرِ، وَخَافَتْهُ مُلُوْكُ السّوَاحلِ وَالمُسْلِمُوْنَ، فَكَاتَبَ مُلُوْكُ الفِرَنْجِ الكَامِلَ بِأَنَّهُم يُمْسِكُوْن الأَنبرُوْر، فَبَعَثَ وَأَوْقَفَهُ عَلَى عَزْمِهِم، فَعَرفَهَا لِلكَامِلِ، وَأَجَابَهُ إِلَى هَوَاهُ، وَتردَّدتِ المرَاسلاَت، وَخضع
الأَنبرُوْر، وَقَالَ: أَنَا عَتِيْقُكَ، وَإِنْ أَنَا رَجَعت خَائِباً انكسرت حُرمتِي، وَهَذِهِ القُدْس أَصلُ دِيْنِنَا وَهِيَ خرَابَةٌ، وَلاَ دَخَلَ لَهَا، فَتَصَدَّقْ عَلَيَّ بِقصبَةِ البَلَدِ وَأَنَا أَحْمِلُ مَحْصُوْلَهَا إِلَى خزَانَتِكَ، فَلاَنَ لِذَلِكَ.
وَفِي سَنَةِ 626: سلّم الكَامِل القُدْسَ إِلَى الفِرَنْجِ - فَواغوثَاهُ بِاللهِ - وَأَتبعَ ذَلِكَ بِحصَارِ دِمَشْقَ، وَأَذِيَّة الرَّعِيَّة، وَجَرَتْ بَيْنهُم وَقعَاتٌ، مِنْهَا وَقْعَةٌ قُتِلَ فِيْهَا خلق مِنَ الفَرِيْقَيْنِ، وَأُحرقت الحوَاضرُ، وَزحفُوا عَلَى دِمَشْقَ مرَاراً، وَاشتدَّ الغلاَء، وَدَام البَلاَء أَشْهُراً، ثُمَّ قَنِعَ النَّاصِر بِالكَرَك وَنَابُلُس وَالغُوْر، وَسلّم الكَامِل دِمَشْق لِلأَشْرَف، وَعُوِّضَ عَنْهَا بِحَرَّانَ وَالرَّقَّة وَرَأْس عين، ثُمَّ حَاصرُوا الأَمْجَدَ بِبَعْلَبَكَّ، وَرَمَوْهَا بِالمَجَانِيْقِ، وَأُخِذَت، فَتحوَّلَ الأَمْجَدُ إِلَى دَارِهِ بِدِمَشْقَ.
وَنَازل خُوَارِزْم شَاه خِلاَطَ بِأَوبَاشه، وَبَدَّعَ، وَأَخَذَ حَيْنَةَ، وَقَتَلَ أَهْلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ خِلاَطَ. (23/161)
وَفِي سَنَةِ 627: هَزمَ الأَشْرَفُ وَصَاحِبُ الرُّوْمِ جَلاَلَ الدِّيْنِ خُوَارِزْم شَاه، وَتَمَزَّقَ جَمْعُهُ، وَاسْتردَّ الأَشْرَفُ خِلاَط.

وَقَدِمَ رَسُوْلُ مُحَمَّد بن هود الأَنْدَلُسِيّ بِأَنَّهُ تَمَلَّكَ أَكْثَر المَغْرِب، وَخَطَبَ بِهَا لِلمُسْتَنْصِر، فَكُتِبَ لَهُ تَقليدٌ بِسلطنَةِ تِلْكَ الدِّيَار، وَنفذت إِلَيْهِ الخِلَعُ وَاللِّوَاء.
وَبَعَثَ خُوَارِزْم شَاه يَطلُبُ مِنَ الخَلِيْفَةِ لِبَاسَ الفُتَوَّةِ، فَأُجِيبَ.
وَقَدْ أَخذتِ العرب مِنْ مُخَيَّم خُوَارِزْم شَاه يَوْمَ كَسْرَتِهِ باطيَةً مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهَا رُبُعُ قِنطَارٍ، وَالعجب أَنّ هَذِهِ المَلْحَمَة مَا قُتل فِيْهَا مِنْ عَسْكَر الشَّامِ سِوَى وَاحِد جُرِحَ، لَكِنْ قُتِلَ مِنَ الرُّوْمِيِّيْنَ أُلُوف، وَأَمَّا الخُوَارِزْمِيَّةِ فَاسْتَحَرَّ بِهِمُ القَتلُ، وَزَالت هَيْبَتُهُم مِنَ القُلُوْبِ، وَوَلَّتْ سَعَادَتُهُم، وَالوَقْعَةُ فِي رَمَضَانَ. (23/162)
وَفِي سَنَةِ 628: فِيْهَا خَرَجَ عَلَى ابْنِ عَبْدِ المُؤْمِنِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ، وَظَفِرَ بِالمُلْكِ، وَقتله، وَقتلَ مِنَ البَرْبَر خَلاَئِق.
وَفِي رَجَبٍ بَلَغَنَا كسرَة التَّتَار لِخُوَارِزْم شَاه، وَتَفرَّق جَمْعُهُ، وَذَاقَ الذُّلّ؛ وَذَاكَ أَن خُوَارِزْم شَاه لَمَّا انْهَزَم فِي العَامِ المَاضِي، بعثَت الإِسْمَاعِيْلِيَّة تُعَرِّف التَّتَار ضَعْفه، فَسَارعت طَائِفَةٌ تَقصدهُ بتورِيز فَلَمْ يَقدم عَلَى الملتقَى، وَأَخَذُوا مَرَاغَة وَعَاثُوا، وَتَقَهْقَرَ هُوَ إِلَى آمد فَكبَسَته التَّتَار، وَتَفرَّقَ جَمْعُهُ فِي كُلِّ جهَة، وَطَمِعَ فِيهِم الفَلاَّحُوْنَ وَالكُرْد، وَأَخَذت التَّتَار إِسعَرد بِالأَمَان، ثُمَّ غَدَرُوا كَعوَائِدِهِم، ثُمَّ طَنْزَة وَبلاَد نَصِيْبِيْن.
وَفِيْهَا سَجَنَ الأَشْرَفُ بِعَزَّتَا عَلِيّاً الحَرِيْرِيَّ، وَأَفتَى جَمَاعَةٌ بِقَتْلِهِ.
وَأُسِّسَتْ دَارُ الحَدِيْثِ الأَشْرفِيَّةِ بِدِمَشْقَ.

وَفِيْهَا ظُفِرَ بِالتَاجِ الكَحَّالِ، وَقَدْ قَتَلَ جَمَاعَةً ختلاً فِي بَيْتِهِ، فَفَاح الدَّرب، فَسَمَّرُوهُ.
وَفِي سَنَةِ 629: انْهَزَمَ جَلاَلُ الدِّيْنِ خُوَارِزْم شَاه ابْن عَلاَء الدِّيْنِ فِي جِبَالٍ، فَقَتَلَهُ كُرْدِيٌّ بِأَخٍ لَهُ.
وَقصدتْ عَسَاكِرُ الخَلِيْفَةِ مَعَ صَاحِبِ إِرْبِل التَّتَارَ، فَهَرَبُوا.
وَأُمسك الوَزِيْر مُؤَيَّد الدِّيْنِ القُمِّيّ وَابْنه، وَكَانَتْ دَوْلَته ثَلاَثاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً باسم نِيَابَة الوزَارَة، لَكِن لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَزِيْر، فَولِّيَ مَكَانه شَمْس الدِّيْنِ ابْن النَّاقِد، وَجُعِلَ مَكَان ابْن النَّاقِد فِي الأُسْتَاذ دَارِيَّةِ ابْنُ العَلْقَمِيّ.
وَفِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ: حَاصرَ الكَامِلُ آمد، فَأَخَذَهَا مِنَ الملك المَسْعُوْد الأَتَابَكِي، وَكَانَ فَاسِقاً يَأْخذ بنَاتِ النَّاسِ قَهْراً. (23/163)
وَفِيْهَا عَاثَ الرُّومِيُّونَ بِحَرَّانَ وَمَارْدِيْنَ، وَفَعَلُوا شَرّاً مِنَ التَّتَار وَبَدَّعُوا.
وَمَاتَ مُظَفَّر الدِّيْنِ صَاحِب إِرْبِل، فَوُلِّيهَا بَاتكينُ نَائِب البَصْرَة.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ: سَارَ الكَامِلُ لِيفتحَ الرُّوْم، فَالتَقَى صوَاب مُقَدَّم طلاَئِعه وَعَسْكَر الرُّوْم، فَأُسِرَ صوَاب، وَتَمَزَّقَ جندُهُ، وَرجعَ الكَامِل.
وَأُديرت المُسْتَنْصِرِيَّة بِبَغْدَادَ، وَلاَ نَظيرَ لَهَا فِي الحُسْنِ وَالسَّعَة، وَكَثْرَةِ الأَوقَافِ، بِهَا مائَتَانِ وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ فَقِيْهاً، وَأَرْبَعَةُ مُدَّرِسِيْنَ، وَشَيْخٌ لِلْحَدِيْثِ، وَشَيْخٌ لِلطِبِّ، وَشَيْخٌ لِلنَّحْوِ، وَشَيْخٌ لِلْفَرَائِضِ، وَإِذَا أَقْبَلَ وَقْفُهَا، غَلَّ أَزيدَ مِنْ سَبْعِيْنَ أَلْفَ مِثْقَالٍ، وَلَعَلَّ قِيمَةَ مَا وَقَفَ عَلَيْهَا يُسَاوِي أَلفَ أَلفِ دِيْنَارٍ.

وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ: عُمِلَ جَامِع العُقَيْبَةِ، وَكَانَ حَانَةً.
وَقَدِمَت هديَة مَلِك اليَمَن عُمَر بن رَسُوْل التُّرُكْمَانِيّ، فَالمُلك فِي نَسْلِهِ إِلَى اليَوْمِ. (23/164)
وَفِيْهَا تُرِكَتِ المُعَامِلَة بِبَغْدَادَ بِقرَاضَة الذَّهبِ، وَضُرِبَت لَهُم دَرَاهِمُ، كُلّ عَشْرَة مِنْهَا بدِيْنَارٍ إِمَامِيٍّ.
وَعَاثتِ التَّتَار بِأَرْضِ إِرْبِل وَالمَوْصِل، وَقَتلُوا، وَأَخَذُوا أَصْبَهَان بِالسَّيْف - فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ - فَاهتمَّ الخَلِيْفَةُ، وَبَذَلَ الأَمْوَال.
وَعُزِلَ ابْنُ مقبلٍ عَنْ قَضَاء العِرَاق وَتَدرِيس المُسْتَنْصِرِيَّة، وَدَرَّس أَبُو المَنَاقِب الزَّنْجَانِيّ، وَقضَى عَبْد الرَّحْمَنِ ابْن اللَّمَغَانِيّ.
وَفِيْهَا سَارَ الكَامِل وَالأَشْرَف وَاسْتعَادُوا حَرَّان وَالرُّهَا مِنْ صَاحِب الرُّوْم.
وَوصلت التَّتَار إِلَى سِنْجَار قَتْلاً وَأَسْراً وَسَبْياً.
ثُمَّ فِي آخِرِ العَامِ حَشَدَ صَاحِبُ الرُّوْم، وَحَاصَرَ حَرَّان، وَتعثَّر أَهْلُهَا.
وَاستبَاحت الفِرَنْج قُرْطُبَة بِالسَّيْف، وَهِيَ أُمُّ الأَنْدَلُس، مَا زَالت دَار إِسْلاَم مُنْذُ افْتَتَحَهَا المُسْلِمُوْنَ فِي دَوْلَةِ الوَلِيْدِ.
وَفِي سَنَةِ 634: مَاتَ صَاحِبُ حَلَبَ الملكُ العَزِيْزُ ابْنُ الظَّاهِرِ ابْن صَلاَح الدِّيْنِ، وَصَاحِبُ الرُّوْمِ عَلاَءُ الدِّيْنِ كيقبَاد، وَأَخَذتِ التَّتَارُ إِرْبِلَ بِالسَّيْفِ. (23/165)
وَفِي سَنَةِ 635: مَاتَ بِدِمَشْقَ السُّلْطَان الملك الأَشْرَف، وَتَمَلَّكَهَا بَعْدَهُ أَخُوْهُ الكَامِل، فَمَاتَ بَعْدَهُ بِهَا، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنِ اقتتل بِهَا الكَامِل وَأَخُوْهُ الصَّالِح عِمَاد الدِّيْنِ عَلَى المُلْك، وَتعبت الرَّعِيَّة.

وَبعده تَمَلَّكَهَا الجَوَاد، ثُمَّ ضَعُفَتْ هِمَّتُهُ، وَأَعْطَاهَا لِلملك الصَّالِح نَجْم الدِّيْنِ أَيُّوْب ابْن الكَامِل، وَتسلطنَ بِمِصْرَ العَادلُ أَبُو بَكْرٍ ابْن الكَامِل، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ طَوِيْلَة، آخرهَا أَنَّ الصَّالِح تَمَلَّكَ الدِّيَار المِصْرِيَّة، وَاعْتَقَلَ أَخَاهُ، وَغلبَ عَلَى دِمَشْقَ عَمُّه الصَّالِح، فَتحَاربا عَلَى المُلْك مُدَّة طَوِيْلَةً، ثُمَّ اسْتَقرَّت مِصْرُ وَالشَّامُ لِنَجمِ الدِّيْنِ أَيُّوْب.
وَفِي سَنَة سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ: أَخذت الفِرَنْجُ بَلَنْسِيَةَ وَغَيْرهَا مِنْ جَزِيْرَة الأَنْدَلُس.
وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ: هَجَمَ الصَّالِحُ عِمَاد الدِّيْنِ دِمَشْقَ، وَتَمَلَّكَهَا، وَأَخَذَ القَلْعَةَ بِالأَمَانِ، وَنَكثَ، فَحبسَ المُغِيْث عُمَر ابْن الصَّالِح، وَتَفَلَّلَ الأُمَرَاء عَنِ الصَّالِح نَجْم الدِّيْنِ، وَجَاؤُوا وَحلفُوا لعَمِّه، وَبَقِيَ هُوَ فِي مَمَالِيكِه بِالغُوْرِ، ثُمَّ أَخَذَه ابْن عَمِّهِ النَّاصِر صَاحِب الكَرَك، وَاعْتَقَلَهُ مُكَرَّماً، ثُمَّ أَخَذَه وَمَضَى بِهِ إِلَى مِصْرَ، فَتَمَلَّكَ، فَكَانَ يَقُوْلُ:
خلفنِي النَّاصِر عَلَى أَشيَاء يَعْجِزُ عَنْهَا كُلّ أَحَد، وَهِيَ أَنْ آخذ لَهُ دِمَشْق وَحِمْص وَحَمَاةُ وَحَلَبَ أَوِ الجَزِيْرَة وَالمَوْصِل وَدِيَار بَكْرٍ وَنِصْف ديَار مِصْر، وَأَنْ أُعْطيه نِصْف مَا فِي الخَزَائِنِ بِمِصْرَ، فَحلفت لَهُ مِنْ تَحْتَ قهره.
وَوَلِيَ خطَابة دِمَشْق بَعْد الدَّوْلَعِيِّ الشَّيْخُ عِزّ الدِّيْنِ ابْن عَبْدِ السَّلاَمِ، فَأَزَال العَلَمَين المُذَهَّبَيْنِ، وَأَقَامَ عوضهَا سُوداً بِكِتَابَة بَيضَاءَ، وَلَمْ يُؤذِّن قُدَّامه سِوَى وَاحِد، وَأَمرَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبَاءَ أَنْ يَخطبُوا لِصَاحِب الرُّوْم مَعَهُ.

وَفِي العِيْد خلعَ المُسْتَنْصِر عَلَى أَربَاب دَوْلَته؛ قَالَ ابْنُ السَّاعِي: حُزِرت الخِلَع بِثَلاَثَةَ عَشَرَ أَلْفاً. (23/166)
وَفِي سَنَةِ 638: فِيْهَا سَلَّم الصَّالِحُ إِسْمَاعِيْلُ قَلْعَةَ الشَّقِيْف إِلَى الفِرَنْج لِيُنجِدُوْهُ عَلَى المِصْرِيّين، فَأَنْكَر عَلَيْهِ ابْنُ الحَاجِب وَابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، فَسَجَنَهُمَا مُدَّة.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: قَدِمَ رَسُوْل التَّتَار إِلَى شِهَاب الدِّيْنِ غَازِي ابْن العَادل، وَإِلَى المُلُوْكِ عنوَان الكِتَاب:
مِنْ نَائِبِ رَبِّ السَّمَاءِ مَاسِحِ وَجهِ الأَرْضِ مَلِكِ الشَّرْق وَالغرب يَأْمر مُلُوْكَ الإِسْلاَم بِالدُّخُوْل فِي طَاعَةِ القَانِ الأَعْظَمِ.
وَقَالَ الرَّسُولُ لِغَازِي: قَدْ جَعَلك سلحدَاره، وَأَمَرَكَ أَنْ تُخَرِّبَ أَسوارَ بِلاَدِكِ.
وَفِيْهَا كَسَرَ النَّاصِر دَاوُد الفِرَنْجَ بِغَزَّةَ.
وَأُخِذَ الرَّكْبُ الشَّامِيُّ بِقُرْبِ تَيمَاءَ.
وَالتَقَى صَاحِب حِمْصَ وَمَعَهُ عَسْكَر حَلَب الخُوَارِزْمِيَّةَ، فَكَسَرهُم بِأَرْضِ حَرَّان، وَأَخَذَ حَرَّان، وَأَخَذَ صَاحِبُ الرُّوْمِ آمد بَعْدَ حِصَار طَوِيْل، وَكَانَتِ التَّتَارُ تعيثُ فِي البِلاَد قَتْلاً وَسَبياً، وَقَلَّتِ الخُوَارِزْمِيَّة، فَكَانُوا بِالجَزِيْرَةِ يَعيثُونَ.
وَفِي سَنَةِ 639: دَخَلتِ التَّتَار مَعَ بايجونَوِينَ بِلاَد الرُّوْم، وَعَاثُوا وَنَهبُوا القُرَى، فَهَرَبَ مِنْهُم صَاحِبُهَا. (23/167)
وَفِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ: التقَى صَاحِبُ مَيَّارفَارقين غَازِي وَالحَلَبِيُّوْنَ، فَظَهَرَ الحَلَبِيُّوْنَ، وَاسْتَحَرَّ القَتْل بِالخُوَارِزْمِيَّةِ، وَنُهِبَتْ نَصِيْبِيْن وَغَيْرُهَا، وَاسْتَوْلَى غَازِي عَلَى مدينَة خِلاَطَ.
وَفِي المُحَرَّم: أَخذتِ التَّتَار أَرْزنَ الرُّوْمِ، وَاسْتَبَاحُوهَا، وَعَنْ رَجُلٍ

قَالَ: نُهِبت نَصِيْبِيْنُ فِي هَذِهِ السّنَة سَبْعَ عَشْرَةَ مرَّةً مِنَ الموَاصِلَة وَالمَاردَانِيين وَالفَارِقِيِّيْنَ، وَلَوْلاَ بَسَاتِينُهَا لَجَلاَ أَهْلُهَا.
وَكَانَ لِلمُسْتَنْصِرِ مَنْظَرَةٌ يَجْلِسُ فِيْهَا يَسْمَعُ دُروسَ المُسْتَنْصِرِيَّة، وَاسْتخدمَ جَيْشاً عَظِيْماً، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُم بَلَغُوا أَزْيَدَ مِنْ مائَة أَلْف، وَكَانَ ذَا شَجَاعَةٍ وَإِقْدَامٍ، وَكَانَ أَخُوْهُ الخَفَاجِيّ مِنَ الأَبْطَال يَقُوْلُ: إِنْ وَليتُ، لأَعبُرنَّ بِالجَيْش جَيْحُونَ، وَأَسْترد البِلاَد، وَاسْتَأْصل التَّتَار.
فَلَمَّا مَاتَ المُسْتَنْصِر، زَوَاهُ عَنِ الخِلاَفَةِ الدُّوَيْدَار وَالشَّرَابِيّ خَوْفاً مِنْ بَأْسِه.
أَنْبَأَنِي ابْن البُزُوْرِيّ: أَنَّ المُسْتَنْصِر تُوُفِّيَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، بُكرَة عَاشرِ جُمَادَى الآخِرَةِ.
وَقَالَ المُنْذِرِيُّ: جُمَادَى الأُوْلَى، فَوَهِمَ.
عَاشَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ سَنَةً وَأَشْهُراً، وَخُطِبَ يَوْمَ مَوْتِهِ لَهُ، كتمُوا ذَلِكَ، فَأَتَى إِقبال الشَّرَابِيّ وَالخدم إِلَى وَلَدِه المُسْتَعْصِمِ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَقعدُوْهُ فِي سُدَّة الخِلاَفَةِ، وَأُعْلِمَ الوَزِيْر وَأُسْتَاذ الدَّار فِي اللَّيْلِ، فَبَايَعَاهُ. (23/168)
وَلِلنَّاصِر دَاوُدَ يَرْثِي المُسْتَنْصِرَ:
أَيَا رَنَّة النَّاعِي عَبَثْتِ بِمَسْمِعَي*وَأَجَّجْتِ نَارَ الحُزْنِ مَا بَيْنَ أَضْلُعِي وَأَخْرَسْتِ مِنِّي مِقولاً ذَا بَرَاعَةٍ*يَصُوغُ أَفَانِيْنَ القَرِيضِ المُوشَّعِ
نَعَيْتِ إِلَيَّ البَأْسَ وَالجُودَ وَالحِجَى*فَأَوْقَفتِ آمَالِي وَأَجرَيتِ أَدمُعِي
وَقَالَ صَفِيُّ الدِّيْنِ ابْنُ جَمِيْلٍ:
عَزّ العَزَاءُ وَأَعْوَزَ الإِلْمَامُ*وَاسْترجَعَتْ مَا أَعْطَتِ الأَيَّامُ
فَدَعِ العُيُونَ تَسُحُّ يَوْمَ فِرَاقِهِم*عِوَضَ الدُّمُوعِ دَماً فَلَيْسَ تُلاَمُ
بَانُوا فَلاَ قَلْبِي يَقِرُّ قَرَارُهُ*أَسفاً وَلاَ جفنِي القَرِيحُ يَنَامُ
فَعَلَى الَّذِيْنَ فَقَدتُهُم وَعَدِمْتُهُم*مِنِّي تَحِيَّةُ مَوْجَعٍ وَسَلاَمُ
وَكَانَتْ دَوْلَتُه سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ وَسَامَحَه -. (23/169)


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن








 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق