إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 فبراير 2015

2913 سِيَرُ أعْلام النبَلاء ( الإمام الذهبي ) 261 - ابْنُ العَلْقمِيِّ، مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ



2913


سِيَرُ أعْلام النبَلاء ( الإمام الذهبي )

261 - ابْنُ العَلْقمِيِّ، مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ


الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، المُدبرُ، المُبِير، مُؤَيَّد الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ ابْن العَلْقَمِيّ البَغْدَادِيّ، الرَّافضِيّ، وَزِيْرُ المُسْتَعْصِم.
وَكَانَتْ دَوْلَتُه أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَفشَى الرَّفْض، فَعَارضه السُّنَّة، وَأُكْبِتَ، فَتَنَمَّرَ، وَرَأَى أَنَّ هُولاَكو عَلَى قصد العِرَاق، فَكَاتَبَه وَجَسَّرَهُ، وَقوَّى عَزْمه عَلَى قصد العِرَاق، لِيتَّخذَ عِنْدَهُ يَداً، وَلِيَتَمَكَّنَ مِنْ أَغرَاضِهِ، وَحَفَر لِلأُمِّةِ قَلِيْباً، فَأُوقع فِيْهِ قَرِيْباً، وَذَاقَ الهوَانَ، وَبَقِيَ يَرْكَبُ كديشاً وَحْدَهُ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ ركبته تُضَاهِي مَوْكِبَ سُلْطَان، فَمَاتَ غَبْناً وَغَمّاً، وَفِي الآخِرَةِ أَشدَّ خِزْياً وَأَشَدَّ تَنكيلاً.
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ ابْن المُسْتَعْصِم وَالدُّويدَار الصَّغِيْر قَدْ شدَّا عَلَى أَيدِي السُّنَّةِ حَتَّى نُهِبَ الكَرْخ، وَتَمَّ عَلَى الشِّيْعَة بلاَءٌ عَظِيْمٌ، فَحنق لِذَلِكَ مُؤَيَّد الدِّيْنِ بِالثَّأْر بسيف التَّتَار مِنَ السُّنَّةِ، بَلْ وَمِنَ الشِّيْعَةِ وَاليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى، وَقُتِلَ الخَلِيْفَةُ وَنَحْوُ السَّبْعِيْنَ مِنْ أَهْلِ العقد وَالحلّ، وَبُذِلَ السَّيْف فِي بَغْدَادَ تِسْعَةً وَثَلاَثِيْنَ نَهَاراً حَتَّى جرت سيول الدِّمَاء، وَبقيت البلدَة كَأَمس الذَّاهب - فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ - وَعَاشَ ابْن العَلْقَمِيّ بَعْد الكَائِنَة ثَلاَثَة أَشْهُرٍ، وَهَلَكَ.
وَمَاتَ قَبْلَهُ بِأَيَّام أَخُوْهُ الصَّاحِبُ عَلَمُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ.
وَمَاتَ بَعْدَهُ ابْنه مُحَمَّدٌ أَحَد البُلغَاء المُنْشِئِين.
وَعَاشَ الوَزِيْرُ سِتّاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. (23/363)

262 - البَاخَرْزِيُّ، أَبُو المَعَالِي سَعِيْدُ بنُ المُطَهَّرِ بنِ سَعِيْدِ بنِ عَلِيٍّ


الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ خُرَاسَان، سَيْفُ الدِّيْنِ، أَبُو المَعَالِي سَعِيْدُ بنُ المُطَهَّرِ بن سَعِيْدِ بنِ عَلِيٍّ القَائِدِي، البَاخَرْزِيّ، نَزِيْلُ بُخَارَى.
كَانَ إِمَاماً مُحَدِّثاً، وَرِعاً زَاهِداً، تَقيّاً أَثرِيّاً، مُنْقَطِع القَرِيْنِ، بعيد الصِّيت، لَهُ وَقْعٌ فِي القُلُوبِ وَمَهَابَةٌ فِي النُّفُوْسِ.
صَحِبَ الشَّيْخَ نَجْمَ الدِّيْنِ الخِيْوَقِيّ.
وَسَمِعَ مِنَ: المُؤَيَّد الطُّوْسِيّ، وَغَيْرِهِ.
وَبِبَغْدَادَ مِنْ: عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ المَوْصِلِيّ، وَأَبِي الفُتُوْح الحُصَرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ سَعْدِ اللهِ بنِ حَمْدِي، وَمُشْرفٍ الخَالصيِّ، وَبِنَيْسَابُوْر مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بن سَالاَرَ الخُوَارِزْمِيّ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَدِمَ بَغْدَادَ وَلَهُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَسَمِعَ مِنِ ابْنِ الجَوْزِيّ؛ فَإِنَّهُ وُلِدَ فِي تَاسعِ شَعْبَانَ، سَنَة سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ.

وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي (مُعْجَم الأَلقَابِ) ابْنُ الفُوَطِيِّ، فَقَالَ فِيْهِ: هُوَ المُحَدِّثُ الحَافِظُ الزَّاهِدُ الوَاعِظُ، كَانَ شَيْخاً بَهِيّاً عَارِفاً، تَقيّاً فَصِيْحاً، كَلِمَاته كَالدُّرّ، رَوَى عَنْ أَبِي الجِنَّاب الخِيْوَقِيّ، وَلَبِسَ مِنْهُ، وَشَيخُهُ لَبِسَ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ القَصْرِي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ نَاكيل، عَنْ دَاودَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي العَبَّاسِ بن إِدْرِيْسَ، عَنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ رَمَضَان، عَنْ أَبِي يَعْقُوْبَ الطَّبَرِيّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي يَعْقُوْبَ النَّهْرجُورِي، عَنْ أَبِي يَعْقُوْبَ السُّوْسِيّ، عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ:
هُوَ لَبِسَهَا مَنْ يَدِ كَمِيْل بن زِيَادٍ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. (23/364)
قُلْتُ: هَذِهِ الطُّرُقُ ظُلُمَاتٍ مُدْلَهِمَّة، مَا أَشْبَههَا بِالوَضْعِ!
قَالَ ابْنُ الفُوَطِيّ: قَرَأْتُ فِي سِيرَةِ البَاخَرْزِيّ لِشيخِنَا مِنْهَاج الدِّيْنِ النَّسَفِيّ، وَكَانَ مُتَأَدِّباً بِأَفعَالِهِ، فَقَالَ:
كَانَ الشَّيْخُ مُتَابعاً لِلْحَدِيْثِ فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ، لَمْ يَنظر فِي تَقوِيْمٍ وَلاَ طِبٍّ، بَلْ إِذَا وُصِفَ لَهُ دوَاء، خَالفهُم مُتَابعاً لِلسُّنَّةِ، وَكَانَتْ طرِيقتُه عَارِيَةً عَنِ التَّكَلُّف، كَانَ فِي علمه وَفضله كَالبَحْر الزَّاخر، وَفِي الحقيقَةِ مفخر الأَوَائِل وَالأَوَاخِر، لَهُ الجَلاَلَةُ وَالوجَاهَةُ، وَانتشر صِيْتُهُ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ وَالكُفَّارِ، وَبِهِمَّتِهِ اشْتُهِرَ عِلْم الأَثَرِ بِمَا وَرَاء النَّهْر وَتُرْكستَانَ، وَكَانَ عِلْمُهُم الجَدَل وَالقَوْل بِالخِلاَفِيَات وَتَرْك العملِ، فَأَظْهَرَ أَنوَار الأَخْبَار فِي تِلْكَ الدِّيَار.

وُلِدَ بِبَاخَرْز، وَهِيَ وِلاَيَة بَيْنَ نَيْسَابُوْر وَهَرَاةَ قَصَبَتُهَا مَالِيْنُ، وَصَحِبَ نَجم الكُبْرَى، وَبَهَاء الدِّيْنِ السَّلاَمِهِي، وَتَاج الدِّيْنِ مَحْمُوْداً الأَشنهِي، وَسَعْد الصَّرَّام الهَرَوِيّ، وَمُخْتَاراً الهَرَوِيّ، وَحَجّ فِي صِبَاهُ.
ثُمَّ دَخَلَ بَغْدَادَ ثَانِياً، وَقَرَأَ عَلَى السُّهْرَوَرْدِيّ، وَبِخُرَاسَانَ عَلَى المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيّ، وَفضل الله بن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ النُّوْقَانِيّ، ثُمَّ تَكَلَّمَ بدِهِسْتَان عَلَى النَّاسِ، وَقَرَأَ عَلَى الخَطِيْبِ جَلاَل الدِّيْنِ ابْن الشَّيْخ شَيْخِ الإِسْلاَمِ بُرْهَان الدِّيْنِ المَرْغِيْنَانِيّ كِتَابَ (الهدَايَةِ) فِي الفِقْه مِنْ تَصَانِيْفِ أَبِيْهِ.
ثُمَّ قَدِمَ خُوَارِزْم، وَقَرَأَ بِبُخَارَى عَلَى المَحْبُوبِيّ، وَالكَرْدَرِيّ، وَأَبِي رشيد الأَصْبَهَانِيّ. (23/365)
وَلَمَّا خَرَّبَ التَّتَار بُخَارَى وَغَيْرهَا، أَمر نَجْمُ الدِّيْنِ الكُبْرَى أَصْحَابَه بِالخُرُوج مِنْ خُوَارِزْم إِلَى خُرَاسَانَ مِنْهُم سَعْد الدِّيْنِ، وَآخَى بَيْنَ البَاخَرْزِيّ وَسَعْد الدِّيْنِ، وَقَالَ لِلبَاخَرْزِي: اذهبْ إِلَى مَا وَرَاءِ النَّهْر.
وَفِي تِلْكَ الأَيَّام هَرَبَ خُوَارِزْم شَاه، فَقَدِمَ سَيْف الدِّيْنِ بُخَارَى وَقَدِ احترقت وَمَا بِهَا مَوْضِع يَنْزِل بِهِ، فَتكلّم بِهَا، وَتَجَمَّع إِلَيْهِ النَّاس، فَقَرَأَ لَهُم (البُخَارِيَّ) عَلَى جَمَال الدِّيْنِ عُبَيْد اللهِ بن إِبْرَاهِيْمَ المَحْبُوبِيّ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، ثُمَّ أَقَامَ، وَوعظ وَفَسَّرَ، وَلَمَّا غَمَرتْ بُخَارَى، أَخذُوا فِي حَسَدِهِ وَتَكلّمُوا فِي اعْتِقَادِه، وَكَانَ يُصَلِّي صَلاَةَ التَّسبيحِ جَمَاعَةً وَيَحضر السَّمَاع.

وَلَمَّا جَاءَ مَحْمُوْد يَلوَاج بُخَارَى ليضع القلاَن؛ وَهُوَ أَنْ يَعد النَّاس وَيَأْخذ مِنَ الرَّأْس دِيْنَاراً وَالعُشر مِنَ التِّجَارَة، فَدَخَلَ عَلَى سَيْفِ الدِّيْنِ، فَرَأَى وَجْهَهُ يُشْرِقُ كَالقَمَرِ، وَكَانَ الشَّيْخُ جَمِيْلاً بِحَيْثُ إِن نَجْم الدِّيْنِ الكُبْرَى أَمره لَمَّا أَتَاهُ أَنْ يَتنقب لِئَلاَّ يَفتتن بِهِ النَّاس، فَأَحَبّ يَلوَاج الشَّيْخ، وَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَلف دِيْنَار، فَمَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا.
ثُمَّ خَرَجَ بِبُخَارَى التَّارَابِيّ، وَحشد وَجَمَعَ، فَالتَقَى المغُل، وَأَوهَم أَنَّهُ يَسْتَحضر الجِنّ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ جَمْعِهِ سلاَحٌ، فَاغتَرُّوا بِقَوْلِهِ، فَقَتَلَت المَغُلُ فِي سَاعَةٍ سَبْعَةَ آلاَفٍ مِنْهُم، أَوَّلُهُم التَّارَابِيّ، فَأَوهَمَ خَوَاصَّهُ أَنَّهُ قَدْ طَارَ، وَمَا نَجَا إِلاَّ مِنْ تَشَفَّعَ بِالبَاخَرْزِيِّ، لَكِنْ وَسَمَتهُم التَّتَار بِالكَيِّ عَلَى جِبَاهِهِم...
إِلَى أَنْ قَالَ: وَوَقَعَ خوف البَاخَرْزِيّ فِي قُلُوبِ الكُفَّارِ، فَلَمْ يُخَالِفه أَحَدٌ فِي شَيْءٍ يُرِيْده، وَكَانَ بايقوا - أَخُو قآن - ظَالِماً غَاشِماً سَفَّاكاً، قتلَ أَهْلَ تِرْمِذ حَتَّى الدَّوَابّ وَالطيور، وَالتحق بِهِ كُلُّ مُفْسِد، فَشغبوهُ عَلَى البَاخَرْزِيّ، وَقَالُوا: مَا جَاءَ إِلَيْكَ، وَهُوَ يُرِيْد أَنْ يَصِيْر خَلِيْفَة.
فَطَلَبَهُ إِلَى سَمَرْقَنْد مُقَيَّداً، فَقَالَ: إِنِّيْ سَأَرَى بَعْد هَذَا الذُّلّ عِزّاً.
فَلَمَّا قرب، مَاتَ بايقوا، فَأَطلقُوا الشَّيْخَ، وَأَسْلَمَ عَلَى يَده جَمَاعَة. (23/366)

وَزَارَ بِخَرْتَنْك قَبْرَ البُخَارَي، وَجدد قُبَّتَهُ، وَعَلَّقَ عَلَيْهَا السّتُور وَالقَنَادِيْل، فَسَأَلَهُ أَهْل سَمَرْقَنْد أَنْ يَقيم عِنْدَهُم، فَأَقَامَ أَيَّاماً، وَرَجَعَ إِلَى بُخَارَى، وَأَسْلَمَ عَلَى يَده أَمِيْرٌ وَصَارَ بَوَّاباً لِلشيخِ، فَسَمَّاهُ الشَّيْخُ مُؤْمِناً.
وَعُرِفَ الشَّيْخُ بَيْنَ التَّتَارِ بِأُلُغْ شَيْخ -يَعْنِي الشَّيْخ الكَبِيْر- وَبِذَلِكَ كَانَ يَعرفه هُولاَكو، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْهِ بَرَكَة بن تَوشِي بن جنكزخَان مِنْ سَقسين رَسُوْلاً ليَأْخذ لَهُ العَهْدَ بِالإِسْلاَمِ، وَكَانَ أَخُوْهُ بَاتوا كَافِراً ظَلُوْماً، قَدِ اسْتولَى عَلَى بِلاَدِ سَقسين وَبُلْغَار وَصقلاَب وَقفجَاق إِلَى الدَّرْبَنْد، وَكَانَ لِبَرَكَةَ أَخ أَصْغَر مِنْهُ، يُقَالَ لَهُ: بركَة حَرْ، وَكَانَ بَاتوا مَعَ كُفْره يُحِبّ الشَّيْخ، فَلَمَّا عرف أَنْ أَخَاهُ بركَة خَان قَدْ صَارَ مُرِيْداً لِلشيخِ فَرحَ، فَاسْتَأْذَنَهُ فِي زِيَارَةِ الشَّيْخ، فَأَذِنَ لَهُ، فَسَارَ مِنْ بُلغَار إِلَى جَنْد ثُمَّ إِلَى أُترَار، ثُمَّ أَتَى بُخَارَى، فَجَاءَ بَعْد العشَاء فِي الثلوج، فَمَا اسْتَأْذن إِلَى بُكرَة، فَحكَى لِي مَنْ لاَ يُشَك فِي قَوْله أَن بركَة خَان قَامَ تِلْكَ اللَّيْلَة عَلَى البَابِ حَتَّى أَصْبَحَ، وَكَانَ يُصَلِّي فِي أَثْنَاء ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلَ فَقَبَّلَ رِجْلَ الشَّيْخِ، وَصَلَّى تَحيَّةَ البُقْعَة، فَأعجبَ الشَّيْخ ذَلِكَ، وَأَسْلَمَ جَمَاعَة مِنْ أُمَرَائِهِ، وَأَخَذَ الشَّيْخ عَلَيْهِم العَهْد، وَكَتَبَ لَهُ الأَوْرَاد وَالدّعوَات، وَأَمره بِالرُّجُوْع، فَلَمْ تَطب نَفْسه، فَقَالَ: إِنَّك قَصَدْتَنَا وَمعكَ خلقٌ كَثِيْرٌ، وَمَا يُعْجِبنِي أَنْ تَأْمرهُم بِالانْصِرَافِ، لأَنِّي أَشتهِي أَنْ تَكُوْنَ فِي سُلْطَانكِ.

وَكَانَ عِنْدَهُ سِتُّوْنَ زَوْجَة، فَأَمره بِاتِّخَاذ أَرْبَع وَفرَاق البَاقيَات، فَفَعَل، وَرجع، وَأَظهرَ شعَارَ المِلَّة، وَأَسْلَمَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَأَخَذُوا فِي تَعْلِيْم الفرض، وَارْتَحَلَ إِلَيْهِ الأَئِمَّة، ثُمَّ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْن عَمِّهِ هُولاَكو حُرُوْب، وَمَاتَ بَرَكَة خَان فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ، وَكَانَتْ خَيْرَاتُهُ مُتوَاصِلَةً إِلَى أَكْثَر العُلَمَاء. (23/367)
وَكَانَ المُسْتَعْصِم يهدِي مِنْ بَغْدَادَ إِلَى البَاخَرْزِيّ التُّحَفَ؛ مِنْ ذَلِكَ مُصْحَفٌ بِخَطِّ الإِمَام عَلِيّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
وَكَانَ مُظَفَّر الدِّيْنِ أَبُو بَكْرٍ بنُ سَعْدٍ صَاحِب شِيرَازَ يهدِي إِلَى الشَّيْخِ فِي السَّنَةِ أَلفَ دِيْنَارٍ، وَأَنفذَ لَهُ لُؤْلُؤ صَاحِب المَوْصِل.
وَأَهْدَت لَهُ مَلِكَة بِنْت أُزبكَ بنِ البَهْلَوَان صَاحِبِ أَذْرَبِيْجَانَ سِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي كُسِرَ يَوْمَ أُحُدٍ.
وَكَانَ يَمْنَع التَّتَار مِنْ قَصدِ العِرَاقِ، وَيُفَخِّمُ أَمرَ الخَلِيْفَة.
وَمِمَّنْ رَاسلَه سُلْطَانُ الهِنْدِ نَاصِر الدِّيْنِ أَيبك، وَصَاحِب السِّنْد وَمُلتَان غِيَاث الدِّيْنِ بَلْبَان.
قَالَ: وَبَعَثَ إِلَيْهِ منكوقآن لَمَّا جلسَ عَلَى سَرِيرِ السَّلْطَنَةِ بِأَمْوَالٍ كَثِيْرَةٍ، وَكَذَلِكَ وَزِيْره بُرْهَان الدِّيْنِ مَسْعُوْد بن مَحْمُوْدٍ يَلَوَاج، وَكَانَ عَالِماً بِالخلاَفِ وَالنُّكت، أَنشَأَ مَدْرَسَةً بكلاَباذ، وَكَانَ مُعْتَزِلياً، وَكَانَ إِذَا جَاءَ إِلَى الشَّيْخِ، قَبَّلَ العتبَةَ، وَوَقَفَ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ أَبِي فَعلَ ذَلِكَ، وَلأَنَّ لَهُ هَيْبَةً فِي قُلُوْبِ ملوكِنَا، حَتَّى لَوْ أَمرهُم بِقَتلِي لَمَا تَوقَّفُوا!

قَالَ: وَمِنْ جُمْلَةِ المُلاَزِمِين لَهُ نَجْم الدِّيْنِ مَا قِيْلَ المُقْرِئ، وَسَعْد الدِّيْنِ سرجنبَان، وَروح الدِّيْنِ الخُوَارِزْمِيّ، وَشَمْس الدِّيْنِ الكَبِيْر، وَمُحَمَّد كلاَنَة، وَأَخِي صَادِقٌ، وَنَافِعُ الدِّيْنِ بَدِيْع...، ثُمَّ سردَ عِدَّة.
قَالَ: وَقَدْ أَجَاز لِمَنْ أَدْرَكَ زَمَانه، وَامْتَدَحَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم سَعْدُ الدِّيْنِ ابْنُ حَمُّوَيْه، كَتَبَ إِلَيْهِ بِأَبيَاتٍ مِنْهَا:
يَا قُرَّةَ العَيْنِ سَلْ عَيْنِي هَلِ اكْتَحَلَتْ*بِمَنْظَرٍ حَسَنٍ مُذْ غِبْتَ عَنْ عَيْنِي؟ (23/368)
وَمَدَحَهُ الصَّاحِبُ بَهَاءُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِيّ، وَابْنُهُ الصَّاحب عَلاَء الدِّيْنِ عَطَا ملك صَاحِب الدِّيْوَانِ، وَكَانَ إِذَا رَقِيَ المِنْبَرَ، تَكَلَّمَ عَلَى الخوَاطرِ، وَيستشهد بِأَبيَاتٍ مِنْهَا:
إِذَا مَا تَجَلَّى لِي فَكُلِّي نَوَاظِرٌ*وَإِنْ هُوَ نَادَانِي فَكُلِّي مَسَامِعُ
وَمِنْه:
وَكَّلْتُ إِلَى المَحْبُوبِ أَمرِيَ كُلَّهُ*فَإِنْ شَاءَ أَحيَانِي وَإِنْ شَاءَ أَتْلَفَا
وَمِنْهَا:
وَمَا بَيْنَنَا إِلاَّ المُدَامَةُ ثَالِثٌ*فَيُمْلِي وَيَسقينِي وَأُملِي وَيَشربُ
تُوُفِّيَ الشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللهُ-: فِي العِشْرِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ.
أُعْتِقَ لَهُ مَا نَيَّفَ عَلَى أَرْبَعِ مائَةِ مَمْلُوْكٍ، وَأَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي خِرْقَةِ شَيْخِهِ نَجْمِ الكُبْرَى، وَأَنْ لاَ يُقرَأَ قُدَّام جِنَازَته وَلاَ يُنَاح عَلَيْهِ.
وَكَانَ يَوْمَ وَفَاتِهِ يَوْماً مَشْهُوْداً لَمْ يَتَخَلَّف أَحَدٌ، حُزِرَ العَالِم بِأَرْبَعِ مائَة أَلْفِ إِنْسَانٍ.

وَمِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ ابْنٍ -وَهُم: جَلاَلُ الدِّيْنِ مُحَمَّد، وَبُرْهَان الدِّيْنِ أَحْمَدَ، وَمَظْهَرُ الدِّيْنِ مُطَهَّر-: ثَلاَث مائَة وَثَلاَثِيْنَ ثَوْباً مَا بَيْنَ قَمِيْصٍ وَمِنْدِيْلٍ وَعِمَامَةٍ وَفَرْوَةٍ. (23/369)
وَكَانَتْ لَهُ فَرْوَةُ آس مِنَ الفَاقم، أُعْطِي فِيْهَا أَلف دِيْنَار، وَكَانَتْ مَسَامِيْر المدَاسَات فِضَّةً، وَكَانَ لَهُ كُرْسِيّ تَحْتَ رِجْلَيْهِ مُذَهَّب بِخَمْسِ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَكَانَ لَهُ مِنَ الخَيْلِ وَالمَوَاشِي مَا يُسَاوِي عَشْرَة آلاَف دِيْنَارٍ، وَكَانَ لَهُ مِنَ العَبِيْدِ سِتُّوْنَ عَبْداً مِنْ حُفَّاظِ القُرْآنِ وَتَعَلَّمُوا الخَطَّ وَالعَرَبِيَّةَ وَسَمِعُوا الحَدِيْثَ...، وَسَرَدَهُم، مِنْهُم نَافِعُ الدِّيْنِ، وَقَدْ كَتَبَ لِلشَيْخِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِيْنَ مُصْحَفاً وَكِتَاباً وَحَجَّ وَخلعَ عَلَيْهِ بِالدِّيْوَانِ، وَلَهُ مِنَ الفَلاَّحِينَ أَزْيَدُ مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ نَفْسٍ، وَلَهُ قُرَى وَبَسَاتِيْنُ عِدَّة -وَسَمَّاهَا- وَرثَاهُ بِهَذِهِ كَمَال الدِّيْنِ حَسَن بن مُظَفَّر الشَّيْبَانِيّ البَلَدِيّ:
أَمَا تَرَى أَنَّ سَيْفَ الحَقِّ قَدْ صَدَأ*وَأَنَّ دِيْنَ الهُدَى وَالشَّرْعِ قَدْ رُزِئَا
وَأَنَّ شَمْسَ المَعَالِي وَالعُلَى غَرَبَتْ*وَأَنَّ نُورَ التُّقَى وَالعِلْمِ قَدْ طُفِئَا
بِمَوْتِ سَيْفِ الهُدَى وَالدِّيْنِ أَفْضَل مَنْ*بَعْدَ النَّبِيِّ عَلَى هَذَا الثَّرَى وَطِئَا
شَيْخِ الزَّمَانِ سَعِيْدِ بنِ المُطَهَّرِ مَنْ*إِلَيْهِ كَانَ الهُدَى قَدْ كَانَ مُلْتَجِئَا
شَأَى الأَنَامَ بِأَوْصَافٍ مُهَذَّبَةٍ*وَمَنْ حَوَى مَا حَوَاهُ فِي الأَنَامِ شآ
قَدْ عَاشَ سَبْعِيْنَ عَاماً فِي نَزَاهَتِهِ*لَمْ يَتَّخِذْ لَعِباً يَوْماً وَلاَ هُزؤَا

مَنْ كَانَ شَاهَدَ أَيَّاماً لَهُ حَسُنَتْ*لاَ شَكَّ شَاهَدَ عَصْرَ المُصْطَفَى وَرَأَى
بِحُرِّ لَفْظٍ يُزِيْلُ السُّقمَ أَيسرُهُ*فَلَو يُعَالَجُ مَلْسُوعٌ بِهِ برِئَا
وَحَرّ وَعْظٍ يُذِيْبُ الصَّخْرَ أَهْوَنُهُ*حَتَّى لَوِ اخْتَارَ مَقرُوْرٌ بِهِ دفئَا
المَوْتُ حَتمٌ يهدُّ النَّاسَ كُلَّهُم*بِنَابِهِ وَيَصِيْدُ اللَّيْثَ وَالرَّشَآ
مَا غَادَرَ المَوْتُ عَدْنَاناً وَلاَ مُضَراً*كَلاَّ وَلاَ فَاتَ قَحْطَاناً وَلاَ سَبآ
يَا لَيْتَ أُذُنَيَّ قَدْ صُمَّتْ وَلاَ سَمِعْتُ*فِي رزئه مِنْ فَم الدَّاعِي لَهُ نبآ
وَهِيَ طَوِيْلَةٌ غَرَّاءُ.
أَخْبَرَنَا نَافِعُ الهِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ المُطَهَّرِ، أَخْبَرَنَا المُؤَيَّدُ الطُّوْسِيُّ -وَأَخْبَرْنَا ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ المُؤَيَّد-: أَخْبَرَنَا السَّيِّدِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الوِصَالِ.
قَالُوا: فَإِنَّك تُوَاصِلُ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟!
قَالَ: (إِنِّيْ لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّيْ أُطْعَمُ وَأُسْقَى).
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (23/370)

263 - إِقْبَالٌ، شَرَفُ الدِّيْنِ أَبُو الفَضَائِلِ الحَبَشِيُّ المُسْتَنْصِرِيُّ


جَمَالُ الدَّوْلَةِ، أَمِيْرُ الجُيُوْشِ، شَرَفُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَضَائِلِ الحَبَشِيّ، المُسْتَنْصِرِيّ، الشَّرَابِيُّ.
جُعِلَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ مُقَدَّم جُيُوش العِرَاق، وَأَنشَأَ مَدْرَسَةً فِي غَايَةِ الحُسْنِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ لِلشَّافِعِيَّةِ، فَدَرَّسَ بِهَا التَّاج الأُرْمَوِيّ، ثُمَّ أَنشَأَ مَدْرَسَةً أُخْرَى سَنَة اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، وَدَرَّسَ بِهَا زَيْن الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ نَجَا الوَاسِطِيُّ، وَأَنْشَأَ بِمَكَّةَ رِبَاطاً، وَلَهُ مَعْرُوفٌ كَثِيْرٌ، وَفِيْهِ دين وَخُشوع، وَلَهُ مَحَاسِن وَجُوْد، غمرَ وَبَذَلَ لِلصُّلحَاء وَالشُّعَرَاء، وَالتقَىَ التَّتَار فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ، فَهَزمهُم، فَعظم بِذَلِكَ وَارتفع قدرُهُ، وَصَارَ مِنْ أَكْبَرِ المُلُوْك، إِلَى أَنْ تَوجّه فِي خدمَة المُسْتَعْصِم نَحْو الحِلَّة لزِيَارَة المَشْهَد، فَمَرِضَ إِقبالٌ فِي الحِلَّةِ، فَيُقَالَ: سُقِيَ فِي تُفَّاحَة، فَلَمَّا أَكلهَا أَحسَّ بِالشَّرّ.
رَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ منحدراً فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، فَتُوُفِّيَ بِهَا. (23/371)

264 - الدُّوَيدَارُ، مُجَاهِدُ الدِّيْنِ أَيْبَكُ الدُّوَيدَارُ الصَّغِيْرُ


الملكُ، مُقَدَّم جَيْش العِرَاق، مُجَاهِد الدِّيْنِ أَيْبَك الدُّوَيدَار الصَّغِيْر.
أَحدُ الأَبْطَالِ المَذْكُوْرِيْنَ وَالشُّجْعَانِ المَوْصُوْفِيْن الَّذِي كَانَ يَقُوْلُ: لَوْ مَكَّننِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ المُسْتَعْصِم، لَقَهَرتُ التَّتَار، وَلَشغلتُ هُوْلاَكُو بِنَفْسِهِ.
وَكَانَ مُغرَى بِالكيمِيَاء، لَهُ بَيْت كَبِيْر فِي دَارِهِ فِيْهَا عِدَّة مِنَ الصُّنَّاعِ وَالفُضَلاَء لِعمل الكيمِيَاءِ، وَلاَ تَصِحّ؛ فَحكَى شَيْخنَا مُحْيِي الدِّيْنِ ابْن النَّحَّاسِ، قَالَ:
مضيت رَسُوْلاً، فَأَرَانِي الدُّوَيدَار دَار الكيمِيَاء، وَحَدَّثَنِي، قَالَ:
عَارضنِي فَقير، وَقَالَ: يَا مَلِكُ، خُذْ هَذَا المثقَالَ، وَأَلقِهِ عَلَى عَشْرَة آلاَف مِثقَالٍ يَصِيْر الكُلّ ذَهَباً.
فَفَعَلتُ، فَصحَّ قَوْلُهُ، ثُمَّ لَقِيْتُهُ بَعْد مُدَّةٍ، فَقُلْتُ: عَلِّمنِي الصَّنْعَة.
قَالَ: لاَ أَعْرفهَا، لَكِن رَجُلٌ صَالِحٌ أَعْطَانِي خَمْسَة مَثَاقيلَ، فَأَعْطيتك مثقَالاً، وَلِمَلِكِ الهِنْدِ مِثقَالاً، وَلآخَرِيْنَ مِثقَالَيْنِ، وَبَقِيَ لِي مِثقَالٌ أُنفق مِنْهُ.
ثُمَّ أَرَانِي الدُّوَيدَار قطعَة فُولاَذ قَدْ أُحْمِيَتْ، وَأَلقَى عَلَيْهَا مَغْرِبِيٌّ شَيْئاً، فَصَارَ مَا حَمَى مِنْهَا ذهباً وَبَاقيهَا فُولاَذ.
قَالَ الكَازَرُوْنِيّ فِيمَا أَنْبَأَنِي: إِنَّ الخَلِيْفَةَ قُتِلَ مَعَهُ عِدَّةٌ مِنْ أَعمَامِه وَأَوْلاَدِه وَابْن الجَوْزِيِّ وَمُجَاهِد الدِّيْنِ الدُّوَيدَار الَّذِي تَزَوَّجَ بِبنتِ بَدْر الدِّيْنِ صَاحِب المَوْصِل، وَحُمِلَ رَأْسه وَرَأْس الملك سُلَيْمَان شَاه وَأَمِيْر الحَجِّ فَلكِ الدِّيْنِ، فَنُصبُوا بِالمَوْصِلِ. (23/372)

265 - ابْنُ أَبِي الحديدِ، قَاسِمُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ المَدَائِنِيُّ


العَلاَّمَةُ البَارِعُ، مُوَفَّقُ الدِّيْنِ قَاسم بن هِبَةِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ أَبِي الحديد، أَبُو المَعَالِي المَدَائِنِيُّ، الأُصُوْلِيُّ، الأَدِيْبُ، الكَاتِبُ، البَلِيْغُ.
أَجَاز لَهُ: عَبْد اللهِ بن أَبِي المَجْدِ.
أَخَذَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ أَنْجَب، وَالدِّمْيَاطِيُّ، وَلَهُ بَاعٌ مَديدٌ فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ، وَكَانَ ابْنُ العَلْقَمِيّ يُكرمه، وَيُنوِّهُ بِذِكرِهِ كَثِيْراً وَبِذكر أَخِيْهِ الأَوْحَد عِزّ الدِّيْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد الحَمِيْدِ، فَمَاتَ الوَزِيْر ابْن العَلْقَمِيّ، فَتُوُفِّيَ بَعْدَهُ المُوَفَّق بِأَرْبَع لَيَالٍ، فِي نَحْو اليَوْم الخَامِس مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، بَعْدَ مُقَاسَاة تِلْكَ الشَّدَائِد، فَرثَاهُ أَخُوْهُ العِزّ، فَقَالَ:
أَبَا المَعَالِي هَلْ سَمِعْتَ تَأَوُّهِي؟*وَلَقَدْ عَهِدْتُكَ فِي الحَيَاةِ سَمِيْعَا
عَيْنِي بَكَتْكَ وَلَوْ تُطِيْقُ جَوَانِحِي*وَجَوَارحِي أَجْرَتْ عَلَيْهِ نَجيعَا
وَوَفَيْتَ لِلولَى الوَزِيْرِ فَلَمْ تَعِشْ*مِنْ بَعْدِهِ شَهْراً وَلاَ أُسْبُوْعَا
وَبقيتُ بَعْدَكُمَا فَلَو كَانَ الرَّدَى*بِيَدِي لَفَارقتُ الحَيَاةَ جَمِيْعا
فَمَا عَاشَ العِزُّ بَعْد أَخِيْهِ إِلاَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْماً.
وَفِي (مُعْجَم) شَيْخنَا الدِّمْيَاطِيّ: أَن مَوْت المُوَفَّق فِي رَجَبٍ، وَالأَوّل أَصحّ. (23/373)


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق