إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 فبراير 2015

2880 سِيَرُ أعْلام النبَلاء ( الإمام الذهبي ) 96 - ابْنُ أَبِي الدَّمِ، إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ الهَمْدَانِيُّ




2880


سِيَرُ أعْلام النبَلاء ( الإمام الذهبي )

96 - ابْنُ أَبِي الدَّمِ، إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ الهَمْدَانِيُّ


العَلاَّمَةُ، شِهَابُ الدِّيْنِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي الدَّمِ الهَمْدَانِيُّ، الحَمَوِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا أَحْمَدَ بنَ سُكَيْنَةَ.
وَحَدَّثَ بِمِصْرَ وَدِمَشْقَ وَحَمَاةَ بِـ (جُزءِ الغِطْرِيْفِ)، حَدَّثَنَا عَنْهُ الشِّهَابُ الدَّشْتِيُّ، وَوَلِيَ القَضَاءَ بِحَمَاةَ، وَترسَّلَ عَنْ مَلِكِهَا، وَصَنَّفَ (أَدبَ القُضَاةِ) وَ(مُشْكِلَ الوَسِيْطِ) وَجَمَعَ (تَارِيخاً)، وَأَلَّفَ فِي الفِرَقِ الإِسلاَمِيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّدٌ، وَفَضَائِلُ وَشُهْرَةٌ.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سِتُّوْنَ سَنَةً سِوَى أَشْهُرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. (23/127)

97 - الضِّيَاءُ المَقْدِسِيُّ، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَحْمَدَ


ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مَنْصُوْرٍ، الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، المُحَقِّقُ، المُجَوِّدُ، الحُجَّةُ، بَقِيَّةُ السَّلَفِ، ضِيَاءُ الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ السَّعْدِيُّ، المَقْدِسِيُّ، الجَمَّاعِيْلِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الصَّالِحيُّ، الحَنْبَلِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ وَالرِّحْلَةِ الوَاسِعَةِ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِالدَّيْرِ المُبَارَكِ، بقَاسِيُوْنَ
، وَأَجَازَ لَهُ الحَافِظُ السِّلَفِيُّ، وَشُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، وَعَبْدُ الحَقِّ اليُوْسُفِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.

وَسَمِعَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَبَعْدَهَا مِنْ: أَبِي المَعَالِي بنِ صَابرٍ، وَالخَضِرِ بنِ طَاوُوْسٍ، وَالفَضْلِ بنِ البَانْيَاسِيِّ، وَعُمَرَ بنِ حَمُّوَيْهِ، وَيَحْيَى الثَّقَفِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ حَمْزَةَ بنِ المَوَازِيْنِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ بنِ أَبِي الصَّقْرِ، وَابْنِ صَدَقَةَ الحَرَّانِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَلِيٍّ الخِرَقِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ الجَنْزَوِيِّ، وَبَرَكَاتٍ الخُشُوْعِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ بِدِمَشْقَ، وَأَبِي القَاسِمِ البُوْصِيْرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ يَاسِيْنَ، وَعِدَّةٍ بِمِصْرَ، وَأَبِي جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ أَبِي المُطَهَّرِ الصَّيْدَلاَنِيِّ، وَعَفِيفَةَ الفَارفَانِيَةِ، وَخَلَفِ بنِ أَحْمَدَ الفَرَّاءِ، وَأَسَعْدَ بنِ سَعِيْدِ بنِ رَوْحٍ، وَزَاهِرِ بنِ أَحْمَدَ الثَّقَفِيِّ، وَالمُؤَيَّدِ بنِ الإِخْوَةِ، وَخَلْقٍ بِأَصْبَهَانَ، وَالمُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ، وَزَيْنَبَ الشَّعْرِيَّةِ، وَعِدَّةٍ بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبِي رَوْحٍ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، وَطَائِفَةٍ بِهَرَاةَ، وَأَبِي المُظَفَّرِ ابْن السَّمْعَانِيِّ، وَجَمَاعَةٍ بِمَرْوَ، وَالافتِخَارِ الهَاشِمِيِّ بِحَلَبَ، وَعَبْدِ القَادِرِ الرُّهَاوِيِّ، وَغَيْرِهِ بِحَرَّانَ، وَعَلِيِّ بنِ هَبَلٍ بِالمَوْصِلِ، وَبِهَمَذَانَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَبَقِيَ فِي الرِّحْلَةِ المَشْرِقيَةِ مُدَّةَ سِنِيْنَ.

نَعَمْ، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنَ: المُبَارَكِ بنِ المَعْطُوْشِ، وَأَبِي الفَرَجِ ابْنِ الجَوْزِيِّ، وَابْنِ أَبِي المَجْدِ الحَرْبِيِّ، وَأَبِي أَحْمَدَ بنِ سُكَيْنَةَ، وَالحُسَيْنِ بنِ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَالحَسَنِ بنِ أُشْنَانَةَ الفَرْغَانِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ بِبَغْدَادَ، وَتَخرَّجَ بِالحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ، وَبَرَعَ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَكَتَبَ عَنْ أَقرَانِهِ، وَمَنْ هُوَ دُوْنَهُ كَخَطِيْبِ مَرْدَا، وَالزَّيْنِ بنِ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَحَصَّلَ الأُصُوْلَ الكَثِيْرَةَ وَجَرَّحَ وَعَدَّلَ، وَصَحَّحَ وَعَلَّلَ، وَقَيَّدَ وَأَهْمَلَ، مَعَ الدِّيَانَةِ وَالأَمَانَةِ وَالتَّقْوَى، وَالصِّيَانَةِ وَالوَرَعِ وَالتَّوَاضُعِ، وَالصِّدْقِ وَالإِخْلاَصِ وَصِحَةِ النَّقْلِ. (23/128)
وَمِنْ تَصَانِيفِهِ المَشْهُوْرَةِ كِتَابُ (فَضَائِل الأَعْمَالِ) مُجَلَّدٌ، كِتَابُ (الأَحكَامِ) وَلَمْ يَتِمَّ فِي ثَلاَثِ مُجَلَّدَاتٍ، (الأَحَادِيْثُ المُخْتَارَةُ) وَعَمِلَ نِصْفَهَا فِي سِتِّ مُجَلَّدَاتٍ، (المُوَافقَاتُ) فِي نَحْوٍ مِنْ سِتِّيْنَ جُزْءاً، (مَنَاقِبُ المُحَدِّثِيْنَ) ثَلاَثَةُ أَجْزَاءٍ، (فَضَائِلُ الشَّامِ) جُزآنِ، (صِفَةُ الجَنَّةِ) ثَلاَثَةُ أَجْزَاءٍ، (صِفَةُ النَّارِ) جُزآنِ، (سِيْرَةُ المَقَادِسَةِ) مُجَلَّدٌ كَبِيْرٌ، (فَضَائِلُ القُرْآنِ) جُزءٌ، (ذِكْرُ الحَوْضِ) جزءٌ، (النَّهْي عَنْ سَبِّ الأَصْحَابِ) جُزءٌ، (سِيْرَةُ شَيْخَيْهِ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ وَالشَّيْخُ المُوَفَّقُ) أَرْبَعَةُ أَجزَاءٍ، (قِتَالُ التُّركِ) جُزءٌ، (فَضْلُ العِلْمِ) جزءٌ.
وَلَمْ يَزَلْ مُلاَزِماً لِلْعِلْمِ وَالرِّوَايَةِ وَالتَّأْلِيْفِ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَتَصَانِيْفُهُ نَافِعَةٌ مُهَذَّبَةٌ.

أَنشَأَ مَدْرَسَةً إِلَى جَانِبِ الجَامِعِ المُظَفَّرِيِّ، وَكَانَ يَبنِي فِيْهَا بِيَدِهِ وَيَتَقَنَّعُ بِاليَسِيرِ، وَيَجْتَهِدُ فِي فِعْلِ الخَيْرِ وَنَشْرِ السُّنَّةِ، وَفِيْهِ تَعَبُّدٌ وَانْجِمَاعٌ عَنِ النَّاسِ، وَكَانَ كَثِيْرَ البِرِّ وَالموَاسَاةِ، دَائِمَ التَّهَجُّدِ، أَمَّاراً بِالمَعْرُوفِ، بَهِيَّ المَنْظَرِ، مَلِيْحَ الشَيْبَةِ، مُحَبَّباً إِلَى المُوَافِقِ وَالمُخَالفِ، مُشْتَغِلاً بِنَفْسِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ فِيمَا قَرَأْتُ بِخَطِّهِ: سَأَلتُ زَكِيَّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيَّ عَنْ شَيْخِنَا الضِّيَاءِ، فَقَالَ: حَافِظٌ ثِقَةٌ، جَبَلٌ دَيِّنٌ، خَيِّرٌ.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ إِسْمَاعِيْلَ المُؤَدِّبِ: أَنَّهُ سَمِعَ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّيْنِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ العِزِّ يَقُوْلُ: مَا جَاءَ بَعْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِثْلُ شَيْخِنَا الضِّيَاءِ، أَوْ كَمَا قَالَ.
وَقَالَ الحَافِظُ شَرَفُ الدِّيْنِ يُوْسُفُ بنُ بَدْرٍ: رَحِمَ اللهُ شَيْخَنَا ابْنَ عَبْدِ الوَاحِدِ، كَانَ عَظِيْمَ الشَّأْنِ فِي الحِفْظِ وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ، هُوَ كَانَ المُشَارَ إِلَيْهِ فِي عِلْمِ صَحِيْحِ الحَدِيْثِ وَسَقِيْمِهِ، مَا رَأَتْ عَيْنِي مِثْلَهُ. (23/129)
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: شَيْخُنَا الضِّيَاءُ شَيْخُ وَقتِهِ، وَنَسِيجُ وَحْدِهِ عِلْماً وَحِفْظاً وَثِقَةً وَدِيْناً، مِنَ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَدلَّ عَلَيْهِ مِثْلِي.

قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: ابْنُ نُقْطَةٍ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَسَيْفُ الدِّيْنِ ابْنُ المجدِ، وَابْنُ الأَزْهَرِ الصَّرِيْفِيْنِيُّ، وَزَكِيُّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيُّ، وَمَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ الحُلوَانِيَّةِ، وَشَرَفُ الدِّيْنِ ابْنُ النَّابلسِيِّ، وَابْنَا أَخَوَيْهِ الشَّيْخُ فَخْرُ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ البُخَارِيِّ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ الكَمَالِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَالحَافِظُ أَبُو العَبَّاسِ ابْنُ الظَّاهِرِيِّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ حَازِمٍ، وَالعزُّ بنُ الفَرَّاءِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ ابْنُ المَوَازِيْنِيِّ، وَنَجْمُ الدِّيْنِ مُوْسَى الشَّقْرَاوِيُّ، وَالقَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ بنُ حَمْزَةَ، وَأَخوَاهُ مُحَمَّدٌ وَدَاوُدُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الخَبَّازِ، وَعُثْمَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحِمْصِيُّ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الهيجَاءِ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ خَطِيْبِ بَيْتِ الأَبَّارِ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الخَلاَّلِ، وَعَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ المُلَقِّنُ، وَأَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ جَعْوَانَ، وَعِيْسَى بنُ مَعَالِي السِّمْسَارُ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ العَطَّارُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الطَّاهِرِ المَقْدِسِيُّ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الرَّضِيِّ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ الحَافِظُ مُحِبُ الدِّيْنِ ابْنُ النَّجَّارِ فِي (تَارِيْخِهِ): كَتَبَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بِخَطِّهِ، وَحَصَّلَ الأُصُوْلَ، وَسَمِعنَا مِنْهُ وَبِقِرَاءتِهِ كَثِيْراً، ثُمَّ إِنَّهُ سَافَرَ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَسَمِعَ بِهَا مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ، وَمِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ فَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةَ.

إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَقَامَ بِهَرَاةَ وَمَرْوَ مُدَّةً، وَكَتَبَ الكُتُبَ الكِبَارَ بِخَطِّهِ، وَحَصَّلَ النُّسَخَ بِبَعْضِهَا بِهِمَّةٍ عَالِيَةٍ، وَجِدٍّ وَاجْتِهَادٍ، وَتَحْقِيْقٍ وَإِتْقَانٍ، كَتَبْتُ عَنْهُ بِبَغْدَادَ وَنَيْسَابُوْرَ وَدِمَشْقَ، وَهُوَ حَافِظٌ مُتْقِنٌ ثَبْتٌ صَدُوْقٌ نبيلٌ حجَّةٌ، عَالِمٌ بِالحَدِيْثِ وَأَحْوَالِ الرِّجَالِ، لَهُ مَجموعَاتٌ وَتَخرِيجَاتٌ، وَهوَ وَرِعٌ تَقِيٌ زَاهِدٌ عَابِدٌ مُحتَاطٌ فِي أَكلِ الحَلاَلِ، مُجَاهِدٌ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَلَعَمرِي مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَهُ فِي نَزَاهَتِهِ وَعِفَّتِهِ وَحُسْنِ طَرِيْقَتِهِ فِي طَلَبِ العِلْمِ. (23/130)
ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيُّ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ -يَعْنِي حُضُوْراً- أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا ابْنُ خَلاَّدٍ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ، فَجُحِشَ شَقُّهُ أَوْ فَخذُهُ، وَآلَى مِنْ نسَائِهِ شَهْراً، فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ دَرَجُهَا مِنْ جُذُوْعٍ، فَأَتَاهُ أَصْحَابهُ يَعُوْدُوْنَهُ، فَصَلَّى بِهِم جَالِساً وَهُم قِيَامٌ، فَلَمَّا سَلَّمَ، قَالَ: (إِنَّمَا جُعَلَ الإِمَامُ لِيُؤتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى قَائِماً فَصَلُّوا قيَاماً، وَإِن صَلَّى قَاعِداً فَصلُّوا قُعُوْدَا، وَنَزَلَ التِّسْعَ وَعِشْرِيْنَ.
قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّكَ آليْتَ شَهْراً.
قَالَ: إِنَّ الشَهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُوْنَ.
أَخْبَرَنِي بِهَذَا القَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ بنُ حَمْزَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْخنَا الحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ مُحَمَّدٌ، فَذَكَرَهُ. (23/131)

98 - ابْنُ النَّجَّارِ، مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ حَسَنٍ البَغْدَادِيُّ


الإِمَامُ، الحَافِظُ، البَارِعُ، مُحَدِّثُ العِرَاقِ، مُؤرِّخُ العَصرِ، مُحِبُّ الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ حَسَنِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ مَحَاسِنَ البَغْدَادِيُّ، ابْنُ النَّجَّارِ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
أَوَّلُ سَمَاعِهِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَهُوَ قَلِيْلٌ، وَأَوَّلُ دُخُوْلِهِ فِي الطَّلَبِ وَهُوَ حَدَثٌ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ؛ فَسَمِعَ مِنْ أَبِي الفَرَجِ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَيَحْيَى بنِ بَوْشٍ، وَذَاكِرِ بنِ كَامِلٍ، وَالمُبَارَكِ بنِ المَعْطُوشِ، وَأَبِي الفَرَجِ ابْنِ الجَوْزِيِّ، وَأَصْحَابِ ابْنِ الحُصَيْنِ، وَقَاضِي المَرَسْتَانِ، ثُمَّ أَصْحَابِ ابْنِ نَاصِرٍ، وَأَبِي الوَقْتِ، ثُمَّ يَنْزِلُ إِلَى أَصْحَابِ ابْنِ البَطِّيِّ، وَشُهْدَةَ.
وَتَلاَ بِالعَشْرَةِ وَغَيْرهَا عَلَى: أَبِي أَحْمَدَ عَبْدِ الوَهَّابِ ابْنِ سُكَيْنَةَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَارْتَحَلَ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَسَمِعَ بِهَا مِنْ عَينِ الشَّمْسِ الثَّقَفِيَّةِ، وَالمَوْجُوْدين، وَإِلَى هَرَاةَ، فَسَمِعَ مِنْ أَبِي رَوْحٍ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، وَإِلَى نَيْسَابُوْر؛ فَسَمِعَ مِنَ المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيّ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ الشَّعْرِيِّ، وَبِمِصْرَ مِنَ الحَافِظِ عَلِيّ بن المُفَضَّلِ، وَخَلْقٍ، وَبِدِمَشْقَ مِنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، وَابْنِ الحَرَسْتَانِيِّ. (23/132)

قَالَ فِي أَوَّلِ (تَارِيْخِهِ): كُنْتُ وَأَنَا صَبِيٌّ عزمتُ عَلَى تَذيِيلِ (الذَّيلِ) لابْنِ السَّمْعَانِيّ، فَجمعتُ فِي ذَلِكَ مسودَةً، وَرحلتُ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، فَدَخَلتُ الحِجَازَ وَالشَّامَ وَمِصْرَ وَالثَّغْرَ وَبلاَدَ الجَزِيْرَةِ وَالعِرَاقَ وَالجِبَالَ وَخُرَاسَانَ، وَقَرَأْتُ الكُتُبَ المطوّلاَتِ، وَرَأَيْتُ الحُفَّاظَ، وَكُنْتُ كَثِيْرَ التَّتَبُّعِ لأَخْبَارِ فُضَلاَءِ بَغْدَادَ وَمَنْ دَخَلَهَا.
قُلْتُ: سَادَ فِي هَذَا العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَامِدٍ ابْنُ الصَّابُوْنِيّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الفَارُوْثِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّرِيْشِيّ، وَالغَرَّافِيّ، وَابْنُ بَلْبَانَ النَّاصِرِيُّ، وَالفَتْحُ مُحَمَّدٌ القَزَّازُ، وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَةِ جَمَاعَةٌ.
وَاشتهَرَ، وَكَتَبَ عَمَّنْ دَبَّ وَدَرَجَ مِنْ عَالٍ وَنَازلٍ، وَمَرْفُوْعٍ وَأَثرٍ، وَنَظْمٍ وَنثْرٍ، وَبَرَعَ وَتَقَدَّمَ، وَصَارَ المُشَارَ إِلَيْهِ بِبَلَدِهِ، وَرَحَلَ ثَانِياً إِلَى أَصْبَهَانَ فِي حُدُوْدِ العِشْرِيْنَ، وَحَجَّ وَجَاوَرَ، وَعَمِلَ (تَارِيْخاً) حَافلاً لِبَغْدَادَ ذَيَّل بِهِ وَاسْتدركَ عَلَى الخَطِيْبِ، وَهُوَ فِي مائَتَيْ جُزءٍ، يُنْبِئ بِحِفظِهِ وَمَعْرِفَتِهِ، وَكَانَ مَعَ حِفْظِهِ فِيْهِ دِيْنٌ وَصِيَانَةٌ وَنُسُكٌ. (23/133)
قَالَ ابْنُ السَّاعِيِّ: اشتَمَلَتْ مَشْيَخَتُهُ عَلَى ثَلاَثَةِ آلاَفِ شَيْخٍ وَأَرْبَع مائَةِ امْرَأَةٍ.
عَرَضُوا عَلَيْهِ السَّكْنَى فِي رِبَاطِ شَيْخِ الشُّيُوْخِ فَأَبَى، وَقَالَ: مَعِي ثَلاَثُ مائَةِ دِيْنَارٍ فَلاَ يَحلّ لِي أَنْ أَرتفقَ مِنْ وَقْفٍ، فَلَمَّا فُتِحت المُسْتَنْصِرِيَّةُ، كَانَ قَدِ افْتقر فَجُعِلَ مُشغلاً بِهَا فِي علم الحَدِيْث.

أَلَّفَ كِتَابَ (القَمَرِ المُنِيْرِ فِي المُسْنَدِ الكَبِيْرِ)، فَذَكَر كُلّ صَحَابِيٍّ وَمَا لَهُ مِنَ الحَدِيْثِ، وَكِتَابَ (كَنْزِ الإِمَام فِي السُّنَن وَالأَحكَام)، وَكِتَابَ (المُؤتلفِ وَالمُخْتَلِف) ذَيَّل بِهِ عَلَى الأَمِيْرِ ابْن مَاكُوْلاَ، وَكِتَابَ (المتفق وَالمفترق)، وَكِتَابَ (انتسَاب المُحَدِّثِيْنَ إِلَى الآبَاء وَالبُلْدَان)، وَكِتَابَ عَوَالِيهِ، وَكِتَابَ (جَنَّةِ النَّاظرِيْنَ فِي مَعْرِفَةِ التَّابِعِيْنَ)، وَكِتَابَ (العَقدِ الفَائِقِ)، وَكِتَابَ (الكَمَالِ فِي الرِّجَالِ).
وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ (ذَيلَ التَّارِيْخِ)، وَلَهُ كِتَابُ (الدُّرَرِ الثَّمِينَةِ فِي أَخْبَارِ المَدِيْنَةِ)، وَكِتَابُ (رَوْضَةِ الأَوْلِيَاءِ فِي مَسْجِدِ إِيليَاءَ)، وَكِتَابُ (نُزهَةِ القِرَى فِي ذكر أُمِّ القُرَى)، وَكِتَابُ (الأَزهَارِ فِي أَنْوَاع الأَشعَار)، وَكِتَابُ (عُيونِ الفَوَائِدِ) سِتَّةُ أَسفَارٍ، وَكِتَابُ (مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ)، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَأَوْصَى إِلَيَّ، وَوَقَفَ كُتُبَهُ بِالنِّظَامِيَةِ، فَنفذ إِلَيَّ الشَّرَابِيُّ مائَةَ دِيْنَارٍ لِتجهِيزِ جِنَازَتِهِ.
وَرثَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ، وَكَانَ مِنْ مَحَاسِنِ الدُّنْيَا.
تُوُفِّيَ: فِي خَامِسِ شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. (23/134)
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ فِي تَرْجَمَة ابْنِ دِحْيَةَ: لَمَّا دَخَلتُ مِصْرَ طَلَبَنِي السُّلْطَانُ -يَعْنِي الكَامِلَ- فَحَضَرتُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَسْأَلنِي عَنْ أَشيَاء مِنَ الحَدِيْثِ وَأَيَّامِ النَّاسِ، وَأَمرنِي بِمُلاَزِمَةِ القَلْعَةِ، فَكُنْت أَحضرُ فِيْهَا كُلَّ يَوْمٍ.

أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا حَبِيْبُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَيُّوْبَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الحَكَمِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ كَتَمَ عِلْماً عَلِمَه، أَلْجَمَهُ اللهُ -تَعَالَى- بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ).
وَأَخْبَرْنَاهُ عَالِياً أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ.
وَفِي (تَارِيخِ ابْن النَّجَّارِ) أَنَّ وَالِدَهُ مَاتَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانٍ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً، وَكَانَ مُقَدَّمَ النّجَارِيْنَ بِدَارِ الخِلاَفَةِ، وَكَانَ مِنَ العوَامِّ. (23/135)

99 - أَبُو الرَّبِيْعِ بنُ سَالِمٍ، سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى بنِ سَالِمٍ الحِمْيَرِيُّ


الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، الأَدِيْبُ البَلِيْغُ، شَيْخُ الحَدِيْثِ وَالبَلاغَةِ بِالأَنْدَلُسِ، أَبُو الرَّبِيْعِ سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى بنِ سَالِمِ بن حَسَّانٍ الحِمْيَرِيُّ، الكَلاَعِيُّ، البَلَنْسِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ.
ذكرَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنً الأَبَّارِ فِي (تَارِيْخِهِ) فَقَالَ:
سَمِعَ بِبَلَنْسِيَةَ مِنْ أَبِي العَطَاءِ بنِ نَذيْرٍ، وَأَبِي الحَجَّاجِ بنِ أَيُّوْبَ، وَارْتَحَلَ فَسَمِعَ: أَبَا بَكْرِ بنَ الجَدِّ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ حُبَيْش، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنِ زَرْقُوْنَ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ بُوْنُهْ، وَأَبَا الوَلِيْدِ بنَ رُشْدٍ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ الفَرَسِ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنِ عَرُوسٍ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ جَهورٍ، وَأَبَا الحَسَنِ نَجبَة بن يَحْيَى، وَخَلْقاً سِوَاهُم.
وَأَجَاز لَهُ أَبُو العَبَّاسِ بنُ مضَاء، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الحَقِّ الأَزْدِيُّ مُؤلِّفُ (الأَحكَامِ)، وَعُنِي كُلَّ العِنَايَةِ بِالتَّقْيِيدِ وَالرِّوَايَةِ. (23/136)

قَالَ: وَكَانَ إِمَاماً فِي صِنَاعَةِ الحَدِيْثِ، بَصِيْراً بِهِ، حَافِظاً حَافِلاً، عَارِفاً بِالجَرْحِ وَالتَّعديلِ، ذَاكراً لِلمَوَاليدِ وَالوَفِيَّاتِ، يَتقدّمُ أَهْلَ زَمَانِهِ فِي ذَلِكَ، وَفِي حِفْظِ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ، خُصُوْصاً مَنْ تَأَخَّرَ زَمَانُهُ وَعَاصَرَهُ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَكَانَ خطُّه لاَ نَظِيْرَ لَهُ فِي الإِتْقَانِ وَالضَّبْطِ، مَعَ الاسْتِبحَارِ فِي الأَدبِ وَالاشتهَارِ بِالبَلاغَةِ، فَرداً فِي إِنشَاءِ الرَّسَائِلِ، مُجِيْداً فِي النَّظْم، خَطِيْباً فَصِيْحاً، مُفَوَّهاً مُدْرِكاً، حَسنَ السَّرْدِ وَالمَسَاقِ لِمَا يَقولُهُ، مَعَ الشَّارَةِ الأَنِيقَةِ، وَالزِّيِّ الحَسَنِ، وَهُوَ كَانَ المُتَكَلِّمَ عَنِ المُلُوْكِ فِي المَجَالِسِ، وَالمُبينَ عَنْهُم لَمَا يُرِيْدُوْنَهُ عَلَى المِنْبَرِ فِي المَحَافلِ.
وَلِيَ خَطَابَةَ بَلَنْسِيَةَ فِي أَوقَاتٍ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ مُفِيْدَةٌ فِي فُنُوْنٍ عَدِيْدَةٍ؛ أَلَّفَ كِتَابَ (الاكتفَا فِي مَغَازِي المُصْطَفَى وَالثَّلاَثَةِ الخُلفَا) وَهُوَ فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ، وَلَهُ كِتَابٌ حَافلٌ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِيْنَ لَمْ يُكْمِلْهُ، وَكِتَابُ (مِصْبَاحِ الظُّلَمِ) يُشبِهُ كِتَابَ (الشِّهَابِ)، وَكِتَابُ (أَخْبَارِ البُخَارِيِّ)، وَكِتَابُ (الأَرْبَعِيْنَ)، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَإِلَيه كَانَتِ الرِّحلَةُ لِلأَخْذِ عَنْهُ.
إِلَى أَنْ قَالَ: انتفعتُ بِهِ فِي الحَدِيْثِ كُلَّ الانتفَاعِ، وَأَخَذتُ عَنْهُ كَثِيْراً.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الأَبَّار، وَالقَاضِي أَبُو العَبَّاسِ ابْنُ الغمَازِ، وَطَائِفَةٌ مِنَ المَشَايِخِ لاَ أَعْرِفُهُم.

وَرَأَيْتُ لَهُ إِجَازَةً كَتَبَهَا الكَمَالُ بنُ شَاذِي الفَاضِلِيُّ وَطَوَّلَهَا، وَذَكَرَ شُيُوْخَهُ وَمَا رَوَى عَنْهُم، مِنْهُم: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مغَاور، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ بنِ سُكَّرَةَ، وَأَجَازَ لَهُ مِنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ أَبُو الطَّاهِرِ بنُ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنُ الحَضْرَمِيِّ. (23/137)
قَالَ: وَمِنْ تَصَانِيْفِي كِتَابُِ (الاكتِفَا فِي مَغَازِي رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالثَّلاَثَة الخُلفَا)، وَكِتَابُ (الصَّحَابَةِ) إِذَا كمل يَكُوْن ضعفَ كِتَابِ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ، وَكِتَابُ (المِصْبَاح) عَلَى نَحْوِ (الشِّهَابِ)، وَ(سِيْرَةُ البُخَارِيِّ) أَرْبَعَةُ أَجزَاءٍ، وَ(حِليَة الأَمَالِي فِي المُوَافِقَات العَوَالِي) أَرْبَعَةُ أَجزَاءٍ، وَ(الأَبْدَال) أَرْبَعَة أَجزَاء، وَ(مَشْيَخَة) خَرَّجهَا لِشَيخهِ ابْنِ حُبَيْشٍ ثَلاَثَة أَجزَاء، وَ(المُسَلْسَلاَت) جُزء، وَعِدَّةُ تَوَالِيْف صِغَارٍ، وَ(الخطبُ) لَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِيْنَ خُطبَةً.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ مَسْدِي: لَمْ أَلقَ مِثْلَه جَلاَلَةً وَنُبْلاً، وَرِيَاسَةً وَفَضْلاً، كَانَ إِمَاماً مُبرِّزاً فِي فُنُوْنٍ مِنْ مَنْقُوْلٍ وَمَعْقُوْلٍ وَمَنْثُوْرٍ وَمَوزونٍ، جَامِعاً لِلْفَضَائِل، بَرعَ فِي عُلُوْمِ القُرْآنِ وَالتَّجوِيدِ.
وَأَمَّا الأَدبُ فَكَانَ ابْنُ بَجْدَتِهِ، وَأَبَا نَجْدَتِهِ، وَهُوَ خِتَامُ الحُفَّاظِ، نُدِبَ لِدِيْوَانِ الإِنشَاءِ فَاسْتعفَى.
أَخَذَ القِرَاءاتِ عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ هُذَيْلٍ، وَارْتَحَلَ، وَاختصَّ بِالحَافِظِ أَبِي القَاسِمِ بنِ حُبَيْشٍ بِمُرْسِيَةَ، أَكْثَرتُ عَنْهُ.

وَقَالَ الكَلاَعِيُّ فِي إِجَازتِه لِلْقَاضِي الأَشْرَفِ وَآله: قَرَأْتُ جَمِيْعَ (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) عَلَى ابْنِ حُبَيْشٍ بِسَمَاعه مَنْ يُوْنُس بن مُغِيْث سَنَة 503، قَالَ: سَمِعتُه فِي سَنَةِ 465 بقِرَاءة الغَسَّانِيِّ عَلَى أَبِي عُمَرَ ابْنِ الحَذَّاء، حَدَّثَنَا بِهِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَسَدٍ الجُهَنِيّ البَزَّازُ الثِّقَةُ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ السَّكن بِمِصْرَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ عَنِ الفَرَبْرِيّ عَنْهُ.
وَقَرَأْتُ (مصَنّف النَّسَائِيّ) عَلَى ابْنِ حُبَيْشٍ، وَسَمِعَهُ مِنِ ابْنِ مُغِيْثٍ، قَالَ: قَرَأْتُه عَلَى مَوْلَى الطّلاعِ، قَالَ: سَمِعتُه عَلَى يُوْنُسَ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَرَأْتُهُ عَلَى ابْنِ الأَحْمَرِ عَنْهُ. (23/138)
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنُ الأَبَّارِ: كَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- أَبَداً يُحَدِّثنَا أَنَّ السَّبْعِيْنَ منتهَى عُمُرِهِ لِرُؤْيَا رَآهَا، وَهُوَ آخِرُ الحُفَّاظِ وَالبُلغَاءِ بِالأَنْدَلُسِ، اسْتُشْهِدَ فِي كَائِنَةٍ أنيشَةَ، عَلَى ثَلاَث فَرَاسِخَ مِنْ مُرْسِيَةَ، مُقْبِلاً غَيْر مُدْبر، فِي العِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيّ: تُوُفِّيَ شهيداً بِيَدِ العَدُوّ.

قَالَ: وَكَانَ مَوْلِدُهُ بِظَاهِرِ مُرْسِيَةَ، فِي مُسْتهلِّ رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ، وَسَمِعَ بِبَلَنْسِيَةَ وَمُرْسِيَةَ وَشَاطِبَةَ وَإِشْبِيْلِيَةَ وَغَرْنَاطَةَ وَمَالَقَةَ وَدَانِيَةَ وَسَبْتَةَ، وَجَمَعَ مَجَامِيْعَ تَدُلُّ عَلَى غَزَارَةِ علمِهِ، وَكَثْرَةِ حِفْظِهِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِهَذَا الشَّأْنِ، كَتَبَ إِلَيَّ بِالإِجَازَةِ فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشَرَ وَسِتِّ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ جَابِرٍ القَيْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَاكِمُ بتُونسَ، أَخْبَرَنَا العَلاَّمَة أَبُو الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ الكَلاَعِيّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَجْرِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ زُغَيْبَة، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ العُذْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ الحجَّاجِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَفلحُ بنُ حُمَيْدٍ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
طَيّبتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِي لِحَرَمهِ حِيْنَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ حِيْنَ أَحلَّ، قَبْلَ أَنْ يَطُوْفَ بِالبَيْتِ. (23/139)
أَخْبَرْنَاهُ عَالِياً أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ كِنْدِيّ، عَنِ المُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَافِرِ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ عَمْرويه...، فَذَكَره.

مَاتَ مَعَ ابْنِ سَالِمٍ فِي العَامِ: المُحَدِّثُ العَالِمُ الملكُ المحسنُ أَحْمَدُ بنُ السُّلْطَانِ صَلاَحِ الدِّيْنِ يُوْسُفَ بنِ أَيُّوْبَ وَلَهُ سَبْعٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً، وَالشَّيْخُ إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ غَانِمٍ العَلْثيُّ زَاهِدُ بَغْدَادَ، وَمُحَدِّثُ مِصْرَ المُفِيْدُ وَجِيْهُ الدِّيْنِ بَرَكَاتُ بنُ ظَافرِ بنِ عَسَاكِرَ، وَالفَقِيْهُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ حَمْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ صُدَيْقٍ الحَرَّانِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ الجَوْسَقِيُّ، وَالمُعَمَّرُ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَاسِيْنَ السَّفَّارُ، وَالإِمَامُ النَّاصِحُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْم ابْن الحَنْبَلِيِّ، وَمُفْتِي حَرَّانَ النَّاصحُ عَبْدُ القَادِرِ بنُ عَبْدِ القَاهِرِ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ، وَالمُفْتِي شَرَفُ الدِّيْنِ عَبْدُ القَادِرِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ ابْن البَغْدَادِيُّ المِصْرِيُّ، وَخَطِيْبُ بَلَنْسِيَةَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَيْرَةَ المُقْرِئُ، وَالمُسْنِدُ أَبُو نِزَارٍ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَبِي نِزَارٍ البَغْدَادِيُّ الجَمَالُ، وَالمُسْنِدُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بن كُبَّةَ بِبَغْدَادَ، وَالحَافِظُ المُؤَرِّخُ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ ابْن أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ القَطِيْعِيُّ، وَالمُسْنِدُ المُحَدِّثُ أَبُو الحَسَنِ مُرْتَضَى بنُ حَاتِمٍ الحَارِثِيُّ المِصْرِيُّ، وَالمُسْنِدُ أَبُو بَكْرٍ هِبَةُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ حَسَنِ بنِ كَمَالٍ الحلاّجُ، وَالمُعَمَّرَةُ يَاسَمِينُ بِنْتُ سَالِمِ بنِ عَلِيٍّ ابْنِ البَيْطَارِ. (23/140)

100 - ابْنُ الصَّلاَحِ، أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الكُرْدِيُّ


الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، تَقِيُّ الدِّيْنِ، أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ ابْنُ المُفْتِي صَلاَحِ الدِّيْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ عُثْمَانَ بنِ مُوْسَى الكُرْدِيُّ، الشَّهْرُزُوْرِيُّ، المَوْصِلِيُّ، الشَّافِعِيُّ، صَاحِبُ (عُلُوْمِ الحَدِيْثِ).
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ عَلَى وَالِدهِ بِشَهْرَزُوْرَ، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالمَوْصِلِ مُدَّةً، وَسَمِعَ مِنْ: عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ السَّمِينِ، وَنَصْرِ بن سَلاَمَةَ الهِيْتِيِّ، وَمَحْمُوْدِ بنِ عَلِيٍّ المَوْصِلِيِّ، وَأَبِي المُظَفَّرِ بنِ البَرْنِيِّ، وَعَبْدِ المُحْسِنِ ابْنِ الطُّوْسِيِّ، وَعِدَّةٍ بِالمَوْصِلِ.
وَمِنْ: أَبِي أَحْمَدَ بنِ سُكَيْنَةَ، وَأَبِي حَفْصِ بنِ طَبَرْزَذَ، وَطَبَقَتِهِمَا بِبَغْدَادَ، وَمِنْ أَبِي الفَضْلِ بنِ المُعَزّمِ بِهَمَذَانَ. (23/141)
وَمِنْ: أَبِي الفَتْحِ مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ ابْنِ الفُرَاوِيِّ، وَالمُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الطُّوْسِيِّ، وَزَيْنَب بِنْتِ أَبِي القَاسِمِ الشَّعْرِيَّةِ، وَالقَاسِمِ بن أَبِي سَعْدٍ الصَّفَّارِ، وَمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ الصَّرَّامِ، وَأَبِي المَعَالِي بنِ نَاصِرٍ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي النَّجِيْبِ إِسْمَاعِيْلَ القَارِئ، وَطَائِفَةٍ بِنَيْسَابُوْرَ.
وَمِنْ أَبِي المُظَفَّرِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ بِمَرْوَ، وَمِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ ابنِ الأُسْتَاذِ وَغَيْرهِ بِحَلَبَ.

وَمِنَ الإِمَامَيْنِ فَخْرِ الدِّيْنِ ابْنِ عَسَاكِرَ وَمُوفَّقِ الدِّيْنِ ابْنِ قُدَامَةَ، وَعِدَّةٍ بِدِمَشْقَ، وَمِنَ الحَافِظِ عَبْدِ القَادِرِ الرُّهَاوِيِّ بِحَرَّانَ.
نَعَمْ، وَبِدِمَشْقَ أَيْضاً مِنَ: القَاضِي أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَرَسْتَانِيِّ، ثُمَّ دَرّسَ بِالمَدْرَسَةِ الصَّلاَحيَةِ بِبَيْتِ المَقْدِسِ مُديدَةً، فَلَمَّا أَمَرَ المُعَظَّمُ بِهدمِ سُورِ المَدِيْنَةِ، نَزحَ إِلَى دِمَشْقَ، فَدَرَّسَ بِالروَاحيَةِ مُدَّةً عِنْدَمَا أَنشَأَهَا الوَاقفُ، فَلَمَّا أُنشِئْتِ الدَّارُ الأَشْرَفِيَةُ صَارَ شَيْخَهَا، ثُمَّ وَلِي تَدرِيسَ الشَّامِيّةِ الصُّغْرَى.
وَأَشْغَلَ، وَأَفتَى، وَجَمَعَ وَأَلَّفَ، تَخرَّجَ بِهِ الأَصْحَابُ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الإِمَامُ شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ نُوْحٍ المَقْدِسِيُّ، وَالإِمَامُ كَمَالُ الدِّيْنِ سَلاّرُ، وَالإِمَامُ كَمَالُ الدِّيْنِ إِسْحَاقُ، وَالقَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ بنُ رَزِيْن، وَتَفَقَّهوا بِهِ.

وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً: العَلاَّمَةُ تَاجُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَخُوْهُ الخَطِيْبُ شَرَفُ الدِّيْنِ وَمَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ المهتَارِ، وَفَخْرُ الدِّيْنِ عُمَرُ الكَرَجِيُّ، وَالقَاضِي شِهَابُ الدِّيْنِ ابْنُ الخُوَيِّيّ، وَالمُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى الجَزَائِرِيُّ، وَالمُفْتِي جَمَالُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الشَّرِيْشِيُّ، وَالمُفْتِي فَخْرُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يُوْسُفَ البَعْلَبَكِّيّ، وَنَاصِرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عَرَبْشَاه، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي الذِّكْرِ، وَالشَّيْخُ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّهْرُزُوْرِيُّ النَّاسِخُ، وَكَمَالُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ الشَّيْبَانِيُّ، وَالشِّهَابُ مُحَمَّدُ بنُ مُشَرِّفٍ، وَالصَّدْرُ مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ الأُرْمَوِيُّ، وَالشَّرَفُ مُحَمَّدُ ابْنُ خَطِيْبِ بَيْتِ الأَبَّارِ، وَنَاصِرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ ابْنُ المَجْدِ بنِ المهتَارِ، وَالقَاضِي أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الجِيْلِيُّ، وَالشِّهَابُ أَحْمَد ابْنُ العَفِيْفِ الحَنَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ. (23/142)
قَالَ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ خَلِّكَانَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَرَّرَ عَلَى جَمِيْعِ (المُهَذَّبِ) قَبْلَ أَنْ يَطرَّ شَارِبهُ، ثُمَّ أَنَّهُ صَارَ مُعيداً عِنْد العَلاَّمَةِ عِمَادِ الدِّيْنِ بنِ يُوْنُسَ.
وَكَانَ تَقِيُّ الدِّيْنِ أَحَدَ فُضلاَءِ عصرِهِ فِي التَّفْسِيْرِ وَالحَدِيْثِ وَالفِقْهِ، وَلَهُ مُشَاركَةٌ فِي عِدَّةِ فُنُوْنٍ، وَكَانَتْ فَتَاويهِ مُسدّدَةً، وَهُوَ أَحَدُ شُيُوْخِي الَّذِيْنَ انتفعْتُ بِهِم، أَقَمْتُ عِنْدَهُ لِلاشتغَالِ، وَلاَزمتُهُ سَنَةً، وَهِيَ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، وَلَهُ إِشكَالاَتٌ عَلَى (الوسيط).

وَذَكَرَهُ المُحَدِّثُ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ فِي (مُعْجَمِهِ)، فَقَالَ: إِمَامٌ وَرِعٌ، وَافرُ العَقْلِ، حَسَنُ السَّمتِ، مُتبحِّرٌ فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ، بِالغَ فِي الطَّلَبِ حَتَّى صَارَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ، وَأَجهَدَ نَفْسَهُ فِي الطَّاعَةِ وَالعِبَادَةِ.
قُلْتُ: كَانَ ذَا جَلاَلَةٍ عَجِيْبَةٍ، وَوقَارٍ وَهَيْبَةٍ، وَفَصَاحَةٍ، وَعلمٍ نَافِعٍ، وَكَانَ مَتينَ الدّيَانَةِ، سَلفِيَّ الجُمْلَةِ، صَحِيْحَ النِّحْلَةِ، كَافّاً عَنِ الخوضِ فِي مَزلاَّتِ الأَقدَامِ، مُؤْمِناً بِاللهِ، وَبِمَا جَاءَ عَنِ اللهِ مِنْ أَسمَائِهِ وَنُعوتهِ، حَسَنَ البِزَّةِ، وَافِرَ الحُرْمَةِ، مُعَظَّماً عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَقَدْ سَمِعَ الكَثِيْرَ بِمَرْوَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ المُوْسَوِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ السَّنْجِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ المَسْعُوْدِيِّ، وَكَانَ قُدُومُهُ دِمَشْقَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ بَعْدَ أَنْ فَرغَ مِنْ خُرَاسَانَ وَالعِرَاقِ وَالجَزِيْرَةِ.
وَكَانَ مَعَ تَبحُّرِهِ فِي الفِقْهِ مُجَوِّداً لِمَا يَنقُلُه، قَوِيَّ المَادَّةِ مِنَ اللُّغَةِ وَالعَرَبِيَّةِ، مُتَفَنِّناً فِي الحَدِيْثِ، مُتَصَوِّناً، مُكِبّاً عَلَى العِلْمِ، عَدِيْمَ النَّظِيْرِ فِي زَمَانِهِ، وَلَهُ مَسْأَلَةٌ لَيْسَتْ مِنْ قَوَاعِدِهِ شَذَّ فِيْهَا، وَهِيَ صَلاَةُ الرَّغَائِبِ قَوَّاهَا وَنَصَرهَا مَعَ أَنَّ حَدِيْثَهَا بَاطِلٌ بِلاَ تَرَدُّدٍ، وَلَكِنَّ لَهُ إِصَابَات وَفَضَائِل. (23/143)

وَمِنْ فَتَاويه أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ يَشتغلُ بِالمنطقِ وَالفَلْسَفَةِ، فَأَجَابَ: الفَلْسَفَةُ أُسُّ السَّفَهِ وَالانحَلاَلِ، وَمَادَةُ الحيرَة وَالضَّلاَلِ، وَمثَارُ الزيغ وَالزَّنْدَقَة، وَمَنْ تَفلسَفَ عَمِيَتْ بَصِيْرتُهُ عَنْ مَحَاسِن الشرِيعَة المُؤيّدَة بِالبرَاهينِ، وَمَنْ تَلبَّس بِهَا قَارَنَهُ الخِذلاَنُ وَالحِرمَانُ، وَاسْتحوذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، وَأَظلم قَلْبُه عَنْ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَاسْتعمَالُ الاصطلاَحَاتِ المنطقيَّةِ فِي مبَاحثِ الأَحكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنَ المنكرَاتِ المُسْتبشعَةِ، وَالرقَاعَاتِ المُسْتحدثَةِ، وَلَيْسَ بِالأَحكَامِ الشَّرْعِيَّةِ - وَللهِ الحَمْدُ - افْتِقَارٌ إِلَى المنطقِ أَصلاً، هُوَ قعَاقعُ قَدْ أَغنَى الله عَنْهَا كُلَّ صَحِيْحِ الذِّهْنِ، فَالوَاجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ - أَعزَّهُ اللهُ - أَنْ يَدفَعَ عَنِ المُسْلِمِيْنَ شَرَّ هَؤُلاَءِ المشَائِيم، وَيُخْرِجَهُم مِنَ المدَارسِ وَيُبعدَهُم.

تُوُفِّيَ الشَّيْخُ تَقِيّ الدِّيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-: فِي سَنَةِ الخُوَارِزْمِيَّة، فِي سَحَرِ يَوْمِ الأَرْبعَاء، الخَامِسِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَحُملَ عَلَى الرُّؤُوسِ، وَازدحم الخلقُ عَلَى سَرِيْرِهِ، وَكَانَ عَلَى جِنَازَتِهِ هَيبَةٌ وَخُشوعٌ، فَصُلِيَّ عَلَيْهِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَشَيَّعُوْهُ إِلَى دَاخِلِ بَابِ الفَرَجِ، فَصَلَّوْا عَلَيْهِ بِدَاخِلهِ ثَانِي مرَّةٍ، وَرجعَ النَّاسُ لِمَكَانِ حِصَارِ دِمَشْقَ بِالخُوَارِزْمِيَّةِ وَبعَسْكَرِ الملكِ الصَّالِحِ نَجْمِ الدِّيْنِ أَيُّوْب لعَمِّه الملكِ الصَّالِحِ عِمَادِ الدِّيْنِ إِسْمَاعِيْل، فَخَرَجَ بِنَعشِهِ نَحْوُ العَشْرَةِ مُشمِّرِيْنَ، وَدَفنوهُ بِمقَابرِ الصُّوْفِيَّةِ! (23/144)
وَقَبْرُه ظَاهِرٌ يُزَارُ فِي طَرفِ المَقْبَرَةِ مِنْ غَربِيِّهَا عَلَى الطَّرِيْقِ، وَعَاشَ سِتّاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ (عُلُوْمَ الحَدِيْثِ) لَهُ: الشَّيْخُ تَاجُ الدِّيْنِ، وَأَخُوْهُ، وَالفَخْرُ الكَرَجِيّ، وَالزَّيْنُ الفَارِقِيُّ، وَالمَجْدُ ابْنُ المهتَارِ، وَالمَجْدُ ابْنُ الظهيرِ، وَظَهِيْرُ الدِّيْنِ مَحْمُوْدٌ الزَّنْجَانِيُّ، وَابْنُ عربشَاه، وَالفَخْرُ البعلِيُّ، وَالشَّرِيْشِيُّ، وَالجَزَائِرِيُّ، وَمُحَمَّدُ ابْنُ الخِرَقِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي الذِّكْرِ، وَابْنُ الخُوَيِّيِّ، وَالشَّيْخُ أَحْمَدُ الشَّهْرُزُوْرِيُّ، وَالصَّدْرُ الأُرْمَوِيُّ، وَالصَّدْرُ خَطِيْبُ بَعْلَبَكَّ، وَالعِمَادُ مُحَمَّدُ ابْن الصَّائِغِ، وَالكَمَالُ ابْنُ العَطَّارِ، وَأَبُو اليُمْنِ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ المُعَدَّلُ، وَكُلُّهُم أَجَازُوا لِي سِوَى الأَوَّلِ. (23/145)


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن










 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق