2613
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الحادي عشر
القاضي أبو بكر الباقلاني
محمد بن الطيب أبو بكر الباقلاني، رأس المتكلمين على مذهب الشافعي، وهو من أكثر الناس كلاماً وتصنيفاً في الكلام، يقال: إنه كان لا ينام كل ليلة حتى يكتب عشرين ورقة من مدة طويلة من عمره، فانتشرت عنه تصانيف كثيرة، منها (التبصرة)، و(دقائق الحقائق)، و(التمهيد في أصول الفقه)، و(شرح الإبانة)، وغير ذلك من المجاميع الكبار والصغار، ومن أحسنها كتابه في الرد على الباطنية، الذي سماه: (كشف الأسرار وهتك الأستار).
وقد اختلفوا في مذهبه في الفروع، فقيل: شافعي، وقيل: مالكي، حكى ذلك عنه أبو ذر الهروي، وقيل: إنه كان يكتب على الفتاوى: كتبه محمد بن الطيب الحنبلي، وهذا غريب جداً. (ج/ص: 11/ 403)
وقد كان في غاية الذكاء والفطنة، ذكر الخطيب وغيره عنه أن عضد الدولة بعثه في رسالة إلى ملك الروم، فلما انتهى إليه إذا هو لا يدخل عليه أحد إلا من باب قصير كهيئة الراكع، ففهم الباقلاني أن مراده أن ينحني الداخل عليه له كهيئة الراكع لله عز وجل، فدار إسته إلى الملك ودخل الباب بظهره يمشي إليه القهقرا، فلما وصل إليه انفتل فسلم عليه، فعرف الملك ذكاءه ومكانه من العلم والفهم، فعظمه.
ويقال: إن الملك أحضر بين يديه آلة الطرب المسماة بالأرغل، ليستفز عقله بها، فلما سمعها الباقلاني خاف على نفسه أن يظهر منه حركة ناقصة بحضرة الملك، فجعل لا يألوا جهداً أن جرح رجله حتى خرج منها الدم الكثير، فاشتغل بالألم عن الطرب، ولم يظهر عليه شيء من النقص والخفة، فعجب الملك من ذلك، ثم إن الملك استكشف الأمر فإذا هو قد جرح نفسه بما أشغله عن الطرب، فتحقق الملك وفور همته وعلو عزيمته، فإن هذه الآلة لا يسمعها أحد إلا طرب شاء أم أبى.
وقد سأله بعض الأساقفة بحضرة ملكهم فقال: ما فعلت زوجة نبيكم؟وما كان من أمرها بما رميت به من الإفك؟
فقال الباقلاني مجيباً له على البديهة: هما امرأتان ذكرتا بسوء مريم وعائشة، فبرأهما الله عز وجل، وكانت عائشة ذات زوج ولم تأت بولد، وأتت مريم بولد ولم يكن لها زوج - يعني: أن عائشة أولى بالبراءة من مريم - وكلاهما بريئة مما قيل فيها، فإن تطرق في الذهن الفاسد احتمال ريبة إلى هذه فهو إلى تلك أسرع، وهما بحمد الله منزهتان مبرأتان من السماء بوحي الله عز وجل، عليهما السلام.
وقد سمع الباقلاني الحديث من أبي بكر بن مالك القطيعي وأبي محمد بن ماسي وغيرهما، وقد قبله الدارقطني يوماً وقال: هذا يرد على أهل الأهواء باطلهم، ودعا له.
وكانت وفاته يوم السبت لسبع بقين من ذي القعدة، ودفن بداره ثم نقل إلى مقبرة باب حرب.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق