2516
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الحادي عشر
الحافظ الدارقطني
علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن دينار بن عبد الله الحافظ الكبير، أستاذ هذه الصناعة، وقبله بمدة وبعده إلى زماننا هذا، سمع الكثير، وجمع وصنف وألف وأجاد وأفاد، وأحسن النظر والتعليل والانتقاد والاعتقاد، وكان فريد عصره، ونسيج وحده، وإمام دهره في أسماء الرجال وصناعة التعليل، والجرح والتعديل، وحسن التصنيف والتأليف، واتساع الرواية، والاطلاع التام في الدراية، له كتابه المشهور من أحسن المصنفات في بابه، لم يسبق إلى مثله و لا يلحق في شكله إلا من استمد من بحره وعمل كعمله، وله كتاب (العلل) بيّن فيه الصواب من الدخل والمتصل من المرسل والمنقطع والمعضل، وكتاب (الأفراد) الذي لا يفهمه، فضلاً عن أن ينظمه، إلا من هو من الحفاظ الأفراد، والأئمة النقاد، والجهابذة الجياد، وله غير ذلك من المصنفات التي هي كالعقود في الأجياد.
وكان من صغره موصوفاً بالحفظ الباهر، والفهم الثاقب، والبحر الزاخر، جلس مرة في مجلس إسماعيل الصفار وهو يملي على الناس الأحاديث، والدارقطني ينسخ في جزء حديث.
فقال له بعض المحدثين في أثناء المجلس: إن سماعك لا يصح وأنت تنسخ.
فقال الدارقطني: فهمي للإملاء أحسن من فهمك وأحضر، ثم قال له ذلك الرجل: أتحفظ كم أملى حديثاً؟
فقال: إنه أملى ثمانية عشر حديثاً إلى الآن، والحديث الأول منها عن فلان عن فلان، ثم ساقها كلها بأسانيدها وألفاظها لم يخرم منها شيئاً، فتعجب الناس منه.
وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: لم ير الدارقطني مثل نفسه.
وقال ابن الجوزي: وقد اجتمع له مع معرفة الحديث والعلم بالقراءات والنحو والفقه والشعر مع الإمامة والعدالة، وصحة العقيدة.
وقد كانت وفاته في يوم الثلاثاء السابع من ذي القعدة منها، وله من العمر سبع وسبعون سنة ويومان، ودفن من الغد بمقبرة معروف الكرخي رحمه الله. (ج/ص: 11/ 363)
قال ابن خلكان: وقد رحل إلى الديار المصرية فأكرمه الوزير أبو الفضل جعفر بن خُنزابة وزير كافور الأخشيدي، وساعده هو والحافظ عبد الغني على إكمال مسنده، وحصل للدارقطني منه مال جزيل.
قال: والدارقطني نسبة إلى دار القطن وهي محلة كبيرة ببغداد.
وقال عبد الغني بن سعيد الضرير: لم يتكلم على الأحاديث مثل علي بن المديني في زمانه، وموسى بن هارون في زمانه، والدارقطني في زمانه.
وسئل الدارقطني: هل رأى مثل نفسه؟
قال: أما في فن واحد فربما رأيت من هو أفضل مني، وأما فيما اجتمع لي من الفنون فلا.
وقد روى الخطيب البغدادي عن الأمير أبي نصر هبة الله بن ماكولا قال: رأيت في المنام كأني أسأل عن حال أبي الحسن الدارقطني وما آل أمره إليه في الآخرة، فقيل لي: ذاك يدعى في الجنة الإمام.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق