2860
سِيَرُ أعْلام النبَلاء ( الإمام الذهبي )
246 - ابْنُ شَدَّادٍ، يُوْسُفُ بنُ رَافِعِ بنِ تَمِيْمٍ الأَسَدِيُّ
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، قَاضِي القُضَاةِ، بَقِيَّةُ الأَعْلاَمِ، بَهَاءُ الدِّيْنِ، أَبُو العِزِّ، وَأَبُو المَحَاسِنِ يُوْسُفُ بنُ رَافِعِ بنِ تَمِيْمِ بنِ عُتْبَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَتَّابِ الأَسَدِيُّ، الحَلَبِيُّ الأَصْلِ وَالدَّارِ، المَوْصِلِيُّ المَوْلِدِ وَالمَنْشَأِ، الفَقِيْهُ، الشَّافِعِيُّ، المُقْرِئُ، المَشْهُوْرُ: بِابْنِ شَدَّادٍ؛ وَهُوَ جَدُّهُ لأُمِّهِ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَلاَزَمَ يَحْيَى بنَ سَعْدُوْنَ القُرْطُبِيَّ، فَأَخَذَ عَنْهُ القِرَاءاتِ وَالنَّحْوَ وَالحَدِيْثَ.
وَسَمِعَ مِنْ: حَفَدَةَ العَطَّارِيِّ، وَابْنِ يَاسِرٍ الجَيَّانِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ الطُّوْسِيِّ، وَأَخِيْهِ؛ خَطِيْبِ المَوْصِلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَالقَاضِي سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الشَّهْرُزُوْرِيِّ، وَيَحْيَى الثَّقَفِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ، فَسَمِعَ مِنْ شُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَجَمَاعَةٍ.
وَتَفَقَّهَ، وَبَرَعَ، وَتَفَنَّنَ، وَصَنَّفَ، وَرَأَسَ، وَسَادَ.
حَدَّثَ بِمِصْرَ، وَدِمَشْقَ، وَحَلَبَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الفَاسِيُّ، وَالمُنْذِرِيّ، وَالعَدِيْمِي، وَابْنه؛ مَجْد الدِّيْنِ، وَأَبُو حَامِدٍ ابْن الصَّابُوْنِيّ، وَسَعْدُ الخَيْرِ ابْنُ النَّابُلُسِيِّ، وَأَخُوْهُ، وَأَبُو صَادِقٍ مُحَمَّد بن الرَّشِيْد، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيّ، وَسُنْقُرُ القَضَائِيُّ، وَالصَّاحب مُحْيِي الدِّيْنِ ابْن النَّحَّاسِ سِبْطه، وَجَمَاعَة.
وَبِالإِجَازَةِ: قَاضِي القُضَاةِ تَقِيّ الدِّيْنِ سُلَيْمَان، وَأَبُو نَصْرٍ ابْن الشِّيْرَازِيّ. (22/385)
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: كَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، عَارِفاً بِأُمُوْر الدِّيْنِ، اشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَسَارَ ذِكْرُهُ، وَكَانَ ذَا صَلاَحٍ وَعِبَادَةٍ، كَانَ فِي زَمَانِهِ كَالقَاضِي أَبِي يُوْسُفَ فِي زَمَانِهِ، دَبَّرَ أُمُوْرَ المُلْكِ بِحَلَبَ، وَاجتمعتِ الأَلْسُنُ عَلَى مَدْحِهِ، أَنشَأَ دَارَ حَدِيْثٍ بِحَلَبَ، وَصَنَّفَ كِتَابَ (دَلاَئِل الأَحكَامِ) فِي أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ.
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: انْحدرَ ابْنُ شَدَّاد إِلَى بَغْدَادَ، وَأَعَاد بِهَا، ثُمَّ مَضَى إِلَى المَوْصِل، فَدرَّس بِالكَمَاليَّة، وَانتفع بِهِ جَمَاعَة، ثُمَّ حَجَّ سَنَةَ 583، وَزَار الشَّامَ، فَاسْتحضرَهُ السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ وَأَكْرَمَهُ، وَسَأَلَهُ عَنْ جُزء حَدِيْث ليسمع مِنْهُ، فَأَخَرَجَ لَهُ (جُزْءاً) فِيْهِ أَذكَارٌ مِنَ البُخَارِيِّ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ جَمَعَ كِتَاباً مُجَلَّداً فِي فَضَائِل الجِهَاد، وَقَدَّمه لَهُ، وَلاَزَمه، فَوَلاَّهُ قَضَاءَ العَسْكَرِ، ثُمَّ خَدَمَ بَعْدَهُ وَلدَهُ المَلِكَ الظَّاهِرَ غَازِياً، فَوَلاَّهُ قَضَاءَ مَمْلَكَتِهِ وَنَظَرَ الأَوقَافَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَلَمْ يُرْزَق ابْناً، وَلاَ كَانَ لَهُ أَقَاربُ، وَاتَّفَقَ أَنَّ الملك الظَّاهِر أَقطعه إِقطَاعاً يَحصُل لَهُ مِنْهُ جُمْلَةٌ كَثِيْرَةٌ، فَتَصَمَّدَ لَهُ مَالٌ كَثِيْرٌ، فَعَمَّرَ مِنْهُ مَدْرَسَةً سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّ مائَةٍ، وَدَارَ حَدِيْثٍ وَتُربَة.
قَصَدهُ الطَّلبَةُ، وَاشْتَغَلُوا عَلَيْهِ لِلْعِلْمِ وَللدُّنْيَا، وَصَارَ المُشَارَ إِلَيْهِ فِي تَدبِيرِ الدَّوْلَةِ بِحَلَبَ، إِلَى أَنِ اسْتولتْ عَلَيْهِ البرودَات وَالضَّعف، فَكَانَ يَتَمَثَّلُ:
مَنْ يَتَمَنَّ العُمْرَ، فَلْيَدَّرِعْ * صَبْراً عَلَى فَقْدِ أَحْبَابِهِ
وَمَنْ يُعَمَّرْ يَلْقَ فِي نَفْسِهِ * مَا قَدْ تَمَنَّاهُ لأَعْدَائِهِ (22/386)
قَالَ الأَبَرْقُوْهِيُّ: قَدِمَ مِصْرَ رَسُوْلاً غَيْرَ مَرَّةٍ، آخِرُهَا القدْمَة الَّتِي سَمِعْتُ مِنْهُ فِيْهَا.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ يُكْنَى أَوَّلاً بِأَبِي العِزِّ، ثُمَّ غَيَّرَهَا بِأَبِي المَحَاسِنِ.
قَالَ: وَقَالَ فِي بَعْضِ تَوَالِيفِه: أَوَّلُ مَنْ أَخذتُ عَنْهُ: شَيْخِي صَائِنُ الدِّيْنِ القُرْطُبِيّ، لاَزمتُ القِرَاءةَ عَلَيْهِ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَرَأْت عَلَيْهِ مُعْظَمَ مَا رَوَاهُ مِنْ كُتُبِ القِرَاءاتِ وَالحَدِيْثِ وَشُروحِه وَالتَّفْسِيْرِ، وَمِنْ شُيُوْخِي: سِرَاجُ الدِّيْنِ الجَيَّانِيُّ؛ قَرَأْتُ عَلَيْهِ (صَحِيْحَ مُسْلِمٍ) كُلَّهُ، وَ(الوَسِيطَ) لِلوَاحِدِيِّ سَنَة تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ بِالمَوْصِلِ، وَمِنْهُم: فَخْر الدِّيْنِ أَبُو الرِّضَا ابْن الشَّهْرُزُوْرِيّ، سَمِعْتُ عَلَيْهِ: (مُسْنَدَ أَبِي عَوَانَةَ)، وَ(مُسْنَدَ أَبِي دَاوُدَ)، وَ(مُسْنَدَ الشَّافِعِيِّ)، وَ(جَامِعَ التِّرْمِذِيِّ)... إِلَى أَنْ قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ:
أَخذتُ عَنْهُ كَثِيْراً، وَكَتَبَ إِلَيْهِ صَاحِبُ إِرْبِلَ فِي حَقِّي وَحقِّ أَخِي، فَتفضَّلَ وَتَلقَّانَا بِالقَبُولِ وَالإِكرَامِ، وَلَمْ يَكُنْ لأَحدٍ مَعَهُ كَلاَم، وَلاَ يَعمل الطّوَاشِي طُغْرِيْل شَيْئاً إِلاَّ بِمشُوْرَتِهِ. (22/387)
وَكَانَ لِلْفُقَهَاءِ بِهِ حُرمَةٌ تَامَّةٌ... إِلَى أَنْ قَالَ: أَثَّرَ الهَرَمُ فِيْهِ، إِلَى أَنْ صَارَ كَالفَرْخِ، وَكَانَ يَسلكُ طَرِيْق البَغَاددَة فِي أَوضَاعهِم، وَيلبس زِيَّهُم، وَالرُّؤَسَاءُ يَنْزِلُوْنَ عَنْ دَوَابِّهِم إِلَيْهِ، وَقَدْ سَارَ إِلَى مِصْرَ لإِحضَار بِنْتِ السُّلْطَانِ الكَامِلِ إِلَى زَوْجِهَا المَلِكِ العَزِيْزِ، ثُمَّ اسْتَقلَّ العَزِيْزُ بِنَفْسِهِ، فَلاَزمَ القَاضِي بَيْتَه، وَأَسْمَعَ الحَدِيْثَ إِلَى أَنْ مَاتَ وَهُوَ عَلَى القَضَاءِ.
قَالَ: وَظهرَ عَلَيْهِ الخَرَفُ، وَعَادَ لاَ يَعرِفُ مَنْ كَانَ يَعرِفُهُ، وَيَسْأَلُهُ عَنِ اسْمِهِ وَمَنْ هُوَ، ثُمَّ تَمرَّضَ، وَمَاتَ يَوْمَ الأَرْبعَاءِ، رَابِعَ عَشَرَ صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
247 - ابْنُ رُوْزْبَةَ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ البَغْدَادِيّ
ُ
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، المُعَمَّرُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ رُوْزْبَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، القَلاَنسِيُّ، العَطَّارُ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) وَ(جزء ابْن العَالِي) مِنَ الشَّيْخِ أَبِي الوَقْتِ.
وَرَوَى (الصَّحِيْح) بِحَلَبَ، وَبَغْدَاد، وَحَرَّان، وَرَأْسِ عَيْنٍ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، وَكَانَ عَزْمه عَلَى دِمَشْقَ، فَخوَّفُوهُ بِحَلَبَ مِنْ حِصَار دِمَشْق، فَرَدَّ، فَطَالَبَه بَعْضُ الدَّمَاشِقَةِ بِمَا كَانَ أَعْطَاهُ، فَأَعْطَاهُ البَعْضَ وَمَاطلَ. (22/388)
وَقَدْ أَضَرَّ بِأَخَرَةٍ، وَنَاطحَ التِّسْعِيْنَ، وَكَانَ حَسَنَ الهَيْئَةِ، مَلِيْحَ الشَّيْبَةِ، حُلْوَ الكَلاَمِ، قَوِيَّ الهِمَّةِ، وَيَسْكُنُ برِبَاطِ الخِلاَطِيَّةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عِزُّ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّازق الرَّسْعَنِيُّ، وَشَرَفُ الدِّيْنِ ابْنُ النَّابُلُسِيّ، وَكَمَالُ الدِّيْنِ يَحْيَى بنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَالقَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ العِمَادِ، وَنَصْر اللهِ بنُ حوَارِيّ، وَعِزّ الدِّيْنِ الفَارُوْثِيّ، وَجَمَال الدِّيْنِ الشَّرِيْشِيّ، وَأَمِيْن الدِّيْنِ ابْن الأَشْتَرِيِّ، وَتَاج الدِّيْنِ الغَرَّافِيّ، وَأَبُو الغَنَائِمِ الكَفَرَابِيّ، وَالجمَال عُمَر بن العقيمِيِّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ فَضَائِلَ الحَلَبِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ تَيْمِيَةَ، وَالتَّاج ابْن أَبِي عَصْرُوْنَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ سُنْقُرُ القَضَائِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَةِ: أَبُو نَصْرٍ ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ، وَسَعْد الدِّيْنِ بن سَعْدٍ، وَالبَهَاء بن عَسَاكِرَ، وَالشِّهَاب ابْن الشِّحْنَةِ.
قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيّ: جَاوَزَ التِّسْعِيْنَ، وَتُوُفِّيَ فُجَاءةً لَيْلَة خَامِسِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: الجمَال أَبُو حَمْزَةَ أَحْمَد بن عُمَرَ ابْن الشَّيْخ أَبِي عُمَرَ، وَزُهْرَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بن حَاضِرٍ، وَالمُقْرِئُ سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المُغَرْبِلِ الشَّارِعِيُّ، وَالوَجِيْه عَبْد الخَالِقِ بن إِسْمَاعِيْلَ التِّنِّيْسِيّ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن عُمَرَ النَّسَّاجُ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ ابْن الرَّمَّاحِ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّد بنِ أَبِي المَفَاخِرِ المَأْمُوْنِيُّ، وَصَاحِبُ المَغْرِبِ يَحْيَى بن إِسْحَاقَ بنِ غَانِيَة الصِّنْهَاجِيّ المَيُوْرقِيّ، وَيُوْسُف بن جِبْرِيْل اللَّوَاتِيّ بِمِصْرَ، وَأَبُو الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ فِتْيَانَ، وَعُمَر بن يَحْيَى بنِ شَافع المُؤَذِّن، وَخَطِيْب زَمْلَكَا عَبْد الكَرِيْمِ. (22/389)
248 - ابْنُ دِحْيَةَ، أَبُو الخَطَّابِ عُمَرُ بنُ حَسَنٍ الكَلْبِيُّ
الشَّيْخُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، الرَّحَّالُ المُتَفَنِّنُ، مَجْدُ الدِّيْنِ، أَبُو الخَطَّابِ عُمَرُ بنُ حَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ الجُمَيِّلِ - وَاسْمُ الجُمَيِّلِ مُحَمَّدٌ - بنِ فَرَحِ بنِ خَلَفِ بنِ قُوْمِسَ بن مَزْلاَلِ بنِ مَلاَّلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ بَدْرِ بنِ دِحْيَةَ بنِ خَلِيْفَةَ الكَلْبِيُّ، الدَّانِيُّ، ثُمَّ السَّبْتِيُّ.
هَكَذَا سَاق نَسبَه، وَمَا أَبعدَه مِنَ الصّحَّةِ وَالاتِّصَالِ! وَكَانَ يَكتب لِنَفْسِهِ: ذُو النسبتين بَيْنَ دِحيَةَ وَالحُسَيْنِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبَّارُ: كَانَ يَذكرُ أَنَّهُ مِنْ وَلَدِ دِحْيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَأَنَّهُ سِبْطُ أَبِي البَسَّامِ الحُسَيْنِيِّ. (22/390)
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بن الجَدِّ، وَأَبَا القَاسِمِ بن بَشْكُوَالَ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ المُجَاهِد، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ زَرْقُوْنَ، وَأَبَا القَاسِمِ بن حُبَيْش، وَأَبَا مُحَمَّد بنَ عُبَيْدِ اللهِ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ بُونُه.
وَحَدَّثَ بِتُوْنُسَ بِـ(صَحِيْح مُسْلِم) عَنْ طَائِفَة، وَرَوَى عَنْ آخرِيْنَ، مِنْهُم: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ بَشْكُوَالَ - وَقَالَ: سَمِعْتُ مِنْهُ كِتَاب (الصِّلَةِ)- وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ المُنَاصِفِ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ دَحْمَانَ، وَصَالِح بن عَبْدِ المَلِكِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بنُ قُرْقُوْل، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ سِيْده، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنِ عَمِيْرَةَ، وَأَبُو خَالِدٍ بن رِفَاعَةَ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ رُشْدٍ الوَرَّاقُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ القُبَاعِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مُغَاوِرٍ.
قَالَ: وَكَانَ بَصِيْراً بِالحَدِيْثِ، مُعتنِياً بِتَقيِيدِهِ، مُكبّاً عَلَى سَمَاعِه، حَسَنَ الخطِّ، مَعْرُوْفاً بِالضَّبْط، لَهُ حظ وَافر مِنَ اللُّغَة، وَمشَاركَة فِي العَرَبِيَّة، وَغَيْرهَا، وَلِيَ قَضَاءَ دَانِيَة مَرَّتَيْنِ، وَصُرفَ لِسِيرَةٍ نُعِتَتْ عَلَيْهِ، فَرَحَلَ، وَلقِيَ بِتِلِمْسَانَ أَبَا الحَسَنِ بنَ أَبِي حَيُّوْنَ، فَحَمَلَ عَنْهُ، وَحَدَّثَ بِتُوْنُسَ فِي سَنَةِ 595، ثُمَّ حَجَّ، وَكَتَبَ بِالمَشْرِق: بِأَصْبَهَانَ وَنَيْسَابُوْر عَنْ أَصْحَابِ الحَدَّاد وَالفُرَاوِيّ، وَعَاد إِلَى مِصْرَ، فَاسْتَأْدبه الملك العَادل لابْنِهِ الكَامِل وَلِيِّ عَهْدِهِ، وَأَسكنه القَاهِرَة، فَنَالَ بِذَلِكَ دُنْيَا عرِيضَة، وَكَانَ يُسَمِّعُ وَيُدرِّس.
وَلَهُ تَوَالِيف، مِنْهَا: كِتَابُ (إِعلاَمِ النَّصِّ المُبِين، فِي المُفَاصَلَةِ بَيْنَ أَهْلِ صِفِّيْن).
قُلْتُ: سَمِعَ مِنْ أَبِي القَاسِمِ البُوْصِيْرِيّ بِمِصْرَ، وَمِنْ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ بِأَصْبَهَانَ، وَمِنْ مَنْصُوْر الفُرَاوِيّ بِنَيْسَابُوْرَ؛ سَمِعَ بِهَا (صَحِيْح مُسْلِم) عَالِياً، بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ نَازلاً، وَحَدَّثَ بِدِمَشْقَ، وَسَمِعَ بِهَا، وَسَمِعَ بِوَاسِط مِنْ أَبِي الفَتْحِ المَنْدَائِيِّ، سَمِعَ مِنْهُ (مُسْنَدَ أَحْمَدَ). (22/391)
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ.
فَقَالَ: كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ حَسَنَةٌ بِالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَأَنَسَةٌ بِالحَدِيْثِ، فَقِيْهاً عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَكَانَ يَقُوْلُ: إِنَّهُ حَفِظَ (صَحِيْحَ مُسْلِمٍ) جَمِيْعَهُ، وَإِنَّهُ قَرَأَهُ عَلَى شَيْخٍ بِالمَغْرِبِ مِنْ حِفْظِهِ، وَيَدَّعِي أَشيَاءَ كَثِيْرَةً.
وَلابْنِ عُنَيْنٍ فِيْهِ:
دِحْيَةُ لَمْ يُعْقِبْ فَلِمْ تَعْتَزِي * إِلَيْهِ بِالبُهْتَانِ وَالإِفْكِ
مَا صَحَّ عِنْدَ النَّاسِ شَيْءٌ سِوَى * أَنَّكَ مِنْ كَلْبٍ بِلاَ شَكِّ
قُلْتُ: كَانَ هَذَا الرَّجُلُ صَاحِبَ فُنُوْنٍ وَتَوسُّع وَيد فِي اللُّغَة، وَفِي الحَدِيْثِ عَلَى ضَعْفٍ فِيْهِ.
قَالَ ابْنُ مَسْدِيٍّ: رَأَيْت بِخَطِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ قَبْل سَنَة سَبْعِيْنَ مِنْ جَمَاعَة؛ كَأَبِي بَكْرٍ بنِ خَلِيْل، وَاللَّوَاتِيّ، وَابْن حُنَيْن.
قَالَ: وَلَيْسَ يُنكر عَلَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يسمع حَتَّى سَمِعَ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَحَصَّلَ مَا لَمْ يُحَصِّلْهُ غَيْرُهُ.
قَالَ الضِّيَاء: لَقِيْتُهُ بِأَصْبَهَانَ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ، وَلَمْ يُعْجِبنِي حَاله؛ كَانَ كَثِيْرَ الوقيعَة فِي الأَئِمَّة.
وَأَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيْم السَّنْهُوْرِيُّ بِأَصْبَهَانَ: أَنَّهُ دَخَلَ المَغْرِبَ، وَأَنَّ مَشَايِخ المَغْرِبِ كَتَبُوا لَهُ جَرْحه وَتَضْعِيْفَه.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَقَدْ رَأَيْتُ مِنْهُ غَيْرَ شَيْءٍ، مِمَّا يَدلُّ عَلَى ذَلِكَ. (22/392)
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ مَوْصُوَفاً بِالمَعْرِفَة وَالفَضْلِ وَلَمْ أَرَهُ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَدَّعِي أَشيَاءَ لاَ حَقِيْقَةَ لَهَا، ذكر لِي أَبُو القَاسِمِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ ثِقَة، قَالَ:
نَزل عِنْدنَا ابْنُ دِحْيَةَ، فَكَانَ يَقُوْلُ: أَحْفَظُ (صَحِيْحَ مُسْلِمٍ) وَ(التِّرْمِذِيَّ).
قَالَ: فَأَخَذتُ خَمْسَةَ أَحَادِيْثَ مِنَ التِّرْمِذِيِّ، وَخَمْسَةً مِنَ (المُسْنَدِ) وَخَمْسَةً مِنَ المَوْضُوْعَاتِ، فَجَعَلْتُهَا فِي جُزْءٍ، ثُمَّ عَرَضتُ عَلَيْهِ حَدِيْثاً مِنَ التِّرْمِذِيِّ، فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيْحٍ، وَآخَرَ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ، وَلَمْ يَعرِفْ مِنْهَا شَيْئاً!
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ الحَمَوِيّ: كَانَ ابْنُ دِحْيَةَ - مَعَ فَرطِ مَعْرِفَته بِالحَدِيْثِ وَحِفْظِهِ الكَثِيْرِ لَهُ - مُتَّهَماً بِالمُجَازفَةِ فِي النَّقلِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ الملك الكَامِل، فَأَمره أَنْ يُعلِّقَ شَيْئاً عَلَى كِتَابِ الشِّهَابِ، فَعلَّقَ كِتَاباً تَكَلَّمَ فِيْهِ عَلَى أَحَادِيْثِه وَأَسَانِيْدِهِ، فَلَمَّا وَقَفَ الكَامِلُ عَلَى ذَلِكَ، خَلاَّهُ أَيَّاماً، وَقَالَ: ضَاعَ ذَاكَ الكِتَابُ، فَعَلِّقْ لِي مِثْلَهُ.
فَفَعَلَ، فَجَاءَ الثَّانِي فِيْهِ مُنَاقضَةٌ لِلأَوَّلِ، فَعَلِمَ السُّلْطَانُ صِحَّةَ مَا قِيْلَ عَنْهُ، وَنَزَلت مَرْتَبَتُهُ عِنْدَهُ، وَعَزلَهُ مِنْ دَارِ الحَدِيْثِ الَّتِي أَنْشَأَهَا آخِراً، وَوَلاَّهَا أَخَاهُ أَبَا عَمْرٍو.
قَرَأْت بِخَطِّ ابْنِ مَسْدِيٍّ فِي (مُعْجَمِهِ)، قَالَ:
كَانَ وَالِدُ ابْنِ دِحْيَةَ تَاجراً يُعرَفُ بِالكَلْبِيِّ - بَيْنَ الفَاء وَالبَاء - وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ بِدَانِيَةَ، وَكَانَ أَبُو الخَطَّابِ أَوَّلاً يَكتبُ: الكَلْبِيّ مَعاً، إِشَارَةً إِلَى المَكَانِ وَالنَّسَبِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُعرف بِابْنِ الجُمَيِّلِ؛ تَصَغِيْرُ جَمَلٍ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو الخَطَّابِ عَلاَّمَةَ زَمَانِه، وَقَدْ وَلِيَ أَوَّلاً قَضَاءَ دَانِيَةَ.
قُلْتُ: وَذَكَرَ أَنَّ سَبَبَ عَزْلِ ابْنِ دِحْيَةَ أَنَّهُ خَصَى مَمْلُوْكاً لَهُ، فَغَضِبَ الملك، وَهَرَبَ ابْنُ دِحْيَةَ.
وَلفظ ابْن مَسْدِيٍّ، قَالَ: كَانَ مَمْلُوْكٌ يُسَمَّى رَيْحَانَ، فَجَبَّهُ، وَاسْتَأْصلَ أُنْثَيَيْهِ وَزُبَّهُ، وَأَتَى بِزَامِرٍ، فَأَمَرَ بِثَقْبِ شَدْقِهِ، فَغَضِبَ عَلَيْهِ المَنْصُوْرُ، وَجَاءهُ النَّذِيْرُ، فَاخْتَفَى، ثُمَّ سَارَ مُتَنَكِّراً. (22/393)
قُلْتُ: وَكَانَ مِمَّنْ يَترخص فِي الإِجَازَة، وَيطلق عَلَيْهَا: حَدَّثَنَا.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ: أَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَحِ (المُوَطَّأَ) بُعيدَ سَنَةِ سِتِّ مائَةٍ.
وَأَخْبَرَهُ بِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ، مِنْهُم: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ زَرْقُوْنَ، بِإِجَازتِه مِنْ أَحْمَد بن مُحَمَّد الخَوْلاَنِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو القيشطَالِيّ سَمَاعاً، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيْسَى يَحْيَى بن عَبْدِ اللهِ.
وَقَالَ ابْنُ دِحْيَةَ مَرَّةً أُخْرَى: حَدَّثَنِي القَاضِي عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ اللَّوَاتِيّ، وَابْن زَرْقُوْنَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا الخَوْلاَنِيُّ.
وَقَدْ قَرَأْتُ بِخَطِّ الحَافِظِ عَلَمِ الدِّيْنِ القَاسِمِ: أَنَّهُ قرَأَ بِخَطِّ ابْنِ الصَّلاَحِ:
سَمِعْتُ (المُوَطَّأَ) عَلَى الحَافِظِ ابْنِ دِحْيَةَ، وَحَدَّثَنَا بِهِ بِأَسَانِيْدَ كَثِيْرَةٍ جِدّاً، وَأَقْرَبُهَا: مَا حَدَّثَهُ بِهِ الفَقِيْهَانِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ حُنَيْنٍ الكِنَانِيُّ، وَالمُحَدِّثُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَلِيْلٍ القَيْسِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بنُ فَرَجِ بنِ الطَّلاَّعِ، وَأَبُو بَكْرٍ خَازِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُغِيْثٍ.
قَالَ ابْنُ الذَّهَبِيِّ: لَمْ يَلق ابْنُ دِحْيَةَ هَذَيْنِ، وَبِالجُهْدِ أَنْ تَكُوْنَ رِوَايَتُه عَنْهُمَا إِجَازَةً، وَكَانَا بِبلاَد العَدْوَة، لَمْ يَكُوْنَا بِالأَنْدَلُسِ، فَكَانَ القَيْسِيُّ بِمَرَّاكُش، وَكَانَ ابْنُ حُنَيْنٍ بِفَاسَ، وَلِمُتَأَخِّرِي المغَاربَةِ مَذْهَبٌ فِي إِطلاَقِ: حَدَّثَنَا عَلَى الإِجَازَةِ، وَهَذَا تَدْلِيْسٌ. (22/394)
قَالَ التَّقِيُّ عُبَيْدٌ: أَبُو الخَطَّابِ ذُو النَّسَبَيْنِ صَاحِب الفُنُوْنِ وَالرحلَة الوَاسِعَة، لَهُ المُصَنَّفَات الفَائِقَة وَالمَعَانِي الرَّائِقَة، كَانَ مُعَظَّماً عِنْد الخَاص وَالعَام، سُئِلَ عَنْ مَوْلِده، فَقَالَ: سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَحُكِيَ عَنْهُ فِي مَوْلِدِهِ غَيْرُ ذَلِكَ.
قُلْتُ: فَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: شَيْخَانَا؛ شَرَفَا الدِّيْنِ أَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنِيُّ، وَابْنُ خَوَاجَا إِمَامٌ، وَغَيْرُهُمَا.
قَرَأْت بِخَطِّ الحَافِظِ الضِّيَاءِ: أَنَّ ابْنَ دِحْيَةَ تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الثُّلاَثَاءِ، رَابِعَ عَشَرَ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَدِمَ عَلَيْنَا، وَأَملَى مِنْ حِفْظِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنِ ابْنِ الجَوْزِيّ، وَسَمِعَ بِأَصْبَهَانَ (مُعْجَم الطَّبَرَانِيِّ) مِنَ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَسَمِعَ بِنَيْسَابُوْرَ وَبِمَرْوَ وَوَاسِطَ، وَأَنَّهُ سَمِعَ مِنْ جَمَاعَةٍ بِالأَنْدَلُسِ، غَيْرَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ مُجمِعِينَ عَلَى كَذِبِه وَضَعْفِه وَادِّعَائِهِ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ، وَكَانَتْ أَمَارَاتُ ذَلِكَ لاَئِحَةً عَلَى كَلاَمِه وَفِي حَركَاتِه، وَكَانَ القَلْب يَأْبَى سَمَاعَ كَلاَمِه.
سَكَنَ مِصْرَ، وَصَادفَ قَبُولاً مِنَ السُّلْطَانِ الكَامِلِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ إِقبالاً عَظِيْماً، وَسَمِعْتُ أَنَّهُ كَانَ يُسوِّي لَهُ المَدَارِس حِيْنَ يَقومُ...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَنَسَبُهُ لَيْسَ بِصَحِيْحٍ، وَكَانَ حَافِظاً مَاهِراً، تَامَّ المَعْرِفَةِ بِالنَّحْوِ وَاللُّغَة، ظَاهِرِيَّ المَذْهَبِ، كَثِيْرَ الوَقِيعَةِ فِي السَّلَفِ، أَحْمَقَ، شَدِيدَ الكِبْر، خَبِيثَ اللِّسَانِ، مُتَهَاوِناً فِي دِيْنِهِ، وَكَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
حكَى ابْنُ النَّجَّارِ فِي (تَارِيْخِهِ)، وَابْنُ العَدِيْمِ فِي (تَارِيخِ حَلَبَ)، وَأَبُو صَادِقٍ مُحَمَّدُ بنُ العَطَّارِ، وَابْنُ المُسْتَوْفِي فِي (تَارِيْخِهِ) عَنْهُ أَشْيَاءَ تُسقِطه. (22/395)
249 - الإِرْبِلِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُسَلَّمٍ
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، فَخْر الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّد بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُسَلَّمِ بنِ سَلْمَانَ الإِرْبِلِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقَالَ مَرَّةً: فِي أَوَّلِ سَنَةِ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى بنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ النَّقُّوْرِ، وَشُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَعَلِيِّ بنِ عَسَاكِرَ المُقْرِئِ، وَالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ البَطَلْيَوْسِيِّ، وَهِبَةِ اللهِ بنِ يَحْيَى الوَكِيْلِ، وَخمرتَاش فَتَى ابْنِ رَئِيْس الرُّؤَسَاءِ، وَتَجَنِّي عَتِيْقَةِ ابْنِ وَهْبَانَ، وَغَيْرِهِم، وَلَهُ عَنْهُم (جُزءٌ) سَمِعْنَاهُ. (22/396)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَامِدٍ ابْنُ الصَّابُوْنِيّ، وَالجمَالُ الدِّيْنَوَرِيّ الخَطِيْب، وَالعِمَاد يُوْسُفُ ابْن الشَّقَارِيِّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ ابْن اليُوْنِيْنِيّ، وَأَبُو العَبَّاسِ ابْن الظَّاهِرِيِّ، وَأَبُو الفَضْلِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَعَلِيّ بن بَقَاءٍ الملقِّنُ، وَالعِمَاد بن سَعْدٍ، وَعَلِيّ وَعُمَر وَأَبُو بَكْرٍ؛ بَنُو ابْنِ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَعُمَرُ بن طَرْخَانَ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ مُؤْمِنٍ، وَمُحَمَّد بن يُوْسُفَ الإِرْبِلِيّ الذَّهَبِيّ، وَعِيْسَى بن أَبِي مُحَمَّدٍ المَغَارِيّ، وَمُحَمَّد بن أَبِي الذِّكْرِ القُرَشِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ ابْن خَطِيْب الأَبَّار، وَعَبْد المُنْعِمِ بن عَسَاكِرَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَمِنْ بَقَايَاهُم: عِيْسَى بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُطَعِّمُ، وَالقَاسِمُ بنُ عَسَاكِرَ، وَالقَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ.
قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ سَامَة: لَقَبُهُ: قَنْوَرُ.
وَقَرَأْت بِخَطِّ ابْنِ مَسْدِيٍّ: إِنَّهُ يُعرفُ بِالقَنْوَرِ.
قَالَ: وَكَانَ لاَ يَتحقّقُ مَوْلِدَهُ، وَلِهَذَا امْتَنَعُوا مِنَ الأَخْذِ عَنْهُ بِإِجَازَات أَقْوَامٍ مَوْتُهُم قَدِيْمٌ.
قَالَ ابْنُ الصَّلاَحِ: لاَ نَسْمَع بِهَذِهِ الإِجَازَات؛ لأَنَّه يذكر مَا يَدلّ عَلَى أَنَّ مَوْلِدَهُ بَعْد تَارِيخهَا.
وَقَالَ شَيْخنَا ابْنُ الظَّاهِرِيِّ - وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ -: تُوُفِّيَ بِإِرْبِل، فِي رَمَضَانَ - أَوْ شَوَّالٍ - سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَوجدت بِخَطِّ السَّيْفِ ابْنِ المَجْدِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَصْحَابنَا وَمَشَايِخنَا يَتَكَلَّمُوْنَ فِيْهِ؛ بِسَبَبِ قِلَّةِ الدِّيْنِ وَالمُرُوْءَةِ، وَكَانَ سَمَاعُه صَحِيْحاً. (22/397)
250 - نَصْرُ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الجِيْلِيُّ
ابْنِ شَيْخِ الإِسْلاَمِ عَبْدِ القَادِرِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، الإِمَامُ، العَالِم الأَوْحَدُ، قَاضِي القُضَاةِ، عِمَاد الدِّيْنِ، أَبُو صَالِحٍ، وَلَدُ الحَافِظِ الزَّاهِدِ أَبِي بَكْرٍ، الجِيْلِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الأَزَجِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، فَأَجَاز لَهُ وَهُوَ ابْنُ شَهْرٍ: أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ البَطِّيِّ، وَالمُبَارَكُ بنُ مُحَمَّدٍ البَادرَائِي، وَطَائِفَةٌ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبَوَيْهِ، وَعَلِيّ بن عَسَاكِرَ البَطَائِحِيّ، وَخَدِيْجَة بِنْت النُّهْرُوَانِيِّ، وَشُهْدَة الكَاتِبَة، وَمُسْلِم بن ثَابِتٍ، وَعَبْد الحَقِّ بن يُوْسُفَ، وَأَحْمَد بن المُبَارَكِ المُرَقَّعَاتِيّ، وَعِيْسَى بن أَحْمَدَ الدُّوْشَابِيّ، وَمُحَمَّد بن بَدْرٍ الشِّيْحِيّ، وَفَاطِمَة بِنْت أَبِي غَالِبٍ المَاوَرْدِيِّ، وَأَبِي شَاكِر السَّقْلاَطُوْنِيِّ.
وَتَفَقَّهَ عَلَى: وَالِدِه، وَأَبِي الفَتْحِ ابْنِ المَنِّيِّ، وَدرَّس، وَأَفتَى، وَنَاظرَ، وَسَادَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن النَّجَّارِ، وَأَبُو المُظَفَّرِ ابْن النَّابُلُسِيّ، وَالشَّمْس بن هَامِلٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ الفَارُوْثِيّ، وَالتَّاج الغَرَّافِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّد بنُ أَحْمَدَ الشَّرِيْشِيُّ، وَمُحَمَّد بن أَبِي الفَرَجِ ابْن الدَّبَّابِ، وَأَبُو الحَسَنِ ابْنُ بَلْبَانَ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَعِدَّة.
وَجَمَعَ (الأَرْبَعِيْنَ) لِنَفْسِهِ، وَدرَّسَ بِمَدْرَسَةِ جَدِّه، وَبِالمَدْرَسَةِ الشَّاطِئَةِ، وَتَكلّم فِي الوعظ، وَأَلَّف فِي التَّصَوُّف، وَوَلِيَ القَضَاءَ لِلظَّاهِر بِأَمْرِ اللهِ، وَأَوَائِل دَوْلَة المُسْتَنْصِر، ثُمَّ عُزِلَ.
قَالَ الضِّيَاءُ: هُوَ فَقِيْهٌ، كَرِيْمُ النَّفْسِ، خَيِّرٌ. (22/398)
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأَ الخِلاَفَ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ أَبِي عَلِيٍّ النُّوْقَانِيِّ الشَّافِعِيِّ، وَبُنِيت لَهُ دَكَّة بِجَامِعِ القَصْرِ لِلْمُنَاظَرَة، وَوَعَظَ، فَكَانَ لَهُ قبولٌ تَامٌّ، وَأُذِنَ لَهُ فِي الدُّخُول عَلَى الأَمِيْرِ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ ابْنِ النَّاصِرِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ لِسَمَاعِ (المُسْنَدِ) بِإِجَازته مِنَ النَّاصِر وَالِدِه، فَأَنِسَ بِهِ، فَلَمَّا اسْتُخلِفَ، لُقِّبَ بِالظَّاهِرِ، فَقلَّدَ القَضَاءَ أَبَا صَالِحٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ، فَسَارَ السِّيرَةَ الحَسَنَةَ، وَسَلكَ الطَّرِيقَةَ المُسْتَقِيمَةَ، وَأَقَامَ نَامُوسَ الشَّرْعِ، وَلَمْ يُحَابِ أَحَداً، وَلاَ مَكَّنَ مِنَ الصِّيَاحِ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَكَانَ يَمضِي إِلَى الجُمُعَةِ مَاشِياً، وَيَكْتُب الشُّهُودُ مِنْ دَوَاتِه فِي المَجْلِسِ، فَلَمَّا اسْتُخلفَ المُسْتَنْصِرُ، أَقرَّهُ أَشْهُراً، وَعَزَلَهُ.
وَرَوَى الكَثِيْرَ، وَكَانَ ثِقَةً، مُتحرِّياً، لَهُ فِي المَذْهَبِ اليَدُ الطُّوْلَى، وَكَانَ لَطِيفاً، مُتَوَاضِعاً، مَزَّاحاً، كَيِّساً، وَكَانَ مِقْدَاماً، رَجُلاً مِنَ الرِّجَالِ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:
كُنْتُ فِي دَارِ الوَزِيْرِ القُمِّيِّ، وَهُنَاكَ جَمَاعَةٌ، إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ ذُو هَيْئَةٍ، فَقَامُوا لَهُ وَخَدَمُوْهُ، فَقُمْتُ وَظننتُه بَعْض الفُقَهَاء، فَقِيْلَ: هَذَا ابْنُ كَرَمٍ اليَهُوْدِيُّ عَامِلُ دَارِ الضَّرْبِ.
فَقُلْتُ لَهُ: تَعَالَ إِلَى هُنَا.
فَجَاءَ، وَوَقَفَ، فَقُلْتُ: وَيْلَكَ! تَوَهَّمْتُكَ فَقِيْهاً، فَقُمْتُ إِكرَاماً لَكَ، وَلَسْتَ - وَيْلَكَ - عِنْدِي بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
ثُمَّ كَرَّرتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَائِمٌ يَقُوْلُ: اللهُ يَحفظُكَ! اللهُ يُبقِيكَ!
ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: اخْسَأْ هُنَاكَ بَعِيداً عَنَّا، فَذَهَبَ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ: أَنَّهُ رُسِمَ لَهُ بِرِزْقٍ مِنَ الخَلِيْفَةِ، وَأَنَّهُ زَارَ يَوْمَئِذٍ قَبْرَ الإِمَامِ أَحْمَدَ، فَقِيْلَ لِي: دُفِعَ رَسْمُكَ إِلَى ابْنِ تُوْمَا النَّصْرَانِيِّ، فَامضِ إِلَيْهِ، فَخُذْهُ.
فَقُلْتُ: وَاللهِ لاَ أَمضِي وَلاَ أَطلبه.
فَبقِي ذَلِكَ الذَّهَبُ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ قُتِلَ - إِلَى لَعنَةِ اللهِ - فِي السَّنَةِ الأُخْرَى، وَأُخِذَ الذَّهَبُ مِنْ دَارِهِ، فَنفذ إِلَيَّ. (22/399)
تُوُفِّيَ أَبُو صَالِحٍ: فِي سَادِسَ عَشَرَ شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
فَقِيْلَ: إِنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ، فَعَلَ ذَلِكَ الرَّعَاعُ، فَقُبِضَ عَلَى مَنْ فَعَل ذَلِكَ، وَعُوقِبَ، وَحُبِسَ، ثُمَّ نُبِشَ أَبُو صَالِحٍ لَيلاً بَعْدَ أَيَّامٍ، وَدُفِنَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَحْدَهُ.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: الفَخْرُ ابنُ عَسَاكِرَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ حَاتِمٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ، وَالقَاضِي الحَنْبَلِيُّ، وَسَعْدُ الدِّيْنِ، وَعِيْسَى المُطَعِّمُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَأَبُو العَبَّاسِ ابْنُ الشِّحْنَةِ، وَأَبُو نَصْرٍ ابْنُ الشيرَازِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَكُم نَصْرُ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ الوقَايَاتِيِّ سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، قَالَتْ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُظَفَّر التَّمَّارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ الحُرْفِيُّ، أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الدِّهْقَانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بنُ عِيْسَى بنِ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحِلٌّ الضَّبِّيُّ:
سَمِعْتُ عَدِيَّ بنَ حَاتِمٍ يُحَدِّثُنَا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ). (22/400)
بِعَونِهِ تَعَالَى وَتَوْفِيْقِهِ تَمَّ الجُزْءُ الثَّانِي وَالعِشْرُوْنَ مِنْ (سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاءِ)، وَيَلِيهِ الجُزْءُ الثَّالِثُ وَالعِشْرُوْنَ، وَأَوَّلُهُ تَرْجَمَةُ: ابْنِ يَاسِيْنَ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلاَثُوْنَ.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق