2858
سِيَرُ أعْلام النبَلاء ( الإمام الذهبي )
236 - ابْنُ الحَاجِبِ، عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ الأَمِيْنِيُّ
المُحَدِّثُ البَارِعُ، مُفِيْدُ الطَّلَبَةِ، عِزُّ الدِّيْنِ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ الأَمِيْنِيُّ، الدِّمَشْقِيّ، ابْنُ الحَاجِبِ الجُنْدِيُّ، صَاحِبُ (المُعْجَمِ الكَبِيْرِ)، مِنْ أَذْكِيَاءِ الطَّلَبَةِ، وَأَشَدِّهِم عِنَايَةً.
سَمِعَ: هِبَةَ اللهِ بنَ طَاوُوْسٍ، وَمُوْسَى بنَ عَبْدِ القَادِرِ، وَالمُوَفَّقَ، وَالفَتْحَ، وَطَبَقَتَهُم، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَصَنَّفَ وَلَمْ يَبلُغِ الأَرْبَعِيْنَ.
سَمِعَ مِنْهُ: أَبُو حَامِدٍ ابْنُ الصَّابُوْنِيِّ، وَجَمَاعَة.
قَرَأْتُ بِخَطِّ الحَافِظِ الضِّيَاءِ: وَفِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ تُوُفِّيَ صَاحِبُنَا الشَّابُّ الحَافِظُ ابْنُ الحَاجِبِ.
قَالَ: وَكَانَ دَيِّناً، خَيِّراً، ثَبْتاً، مُتَيَقِّظاً.
237 - الرَّحْبِيُّ، رَضِيُّ الدِّيْنِ يُوْسُفُ بنُ حَيْدَرَةَ بنِ حَسَنٍ
البَارِعُ، العَلاَّمَةُ، إِمَامُ الطِّبِّ، رَضِيُّ الدِّيْنِ يُوْسُفُ بنُ حَيْدَرَةَ بنِ حَسَنٍ الرَّحْبِيُّ، الحَكِيْمُ.
كَانَ أَبُوْهُ كَحَّالاً مِنْ أَهْلِ الرَّحبَةِ، فَوُلِدَ لَهُ يُوْسُفُ بِالجَزِيْرَةِ العُمَرِيَّةِ، وَأَقَامَ بِنَصِيْبِيْنَ مُدَّة، وَبِالرَّحْبَة، ثُمَّ قَدِمَا دِمَشْقَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ يُوْسُفُ عَلَى الدَّرسِ وَالنَّسخِ وَمُعَالَجَةِ المَرْضَى، وَلاَزَمَ المُهَذَّبَ ابْنَ النَّقَّاشِ، وَبَرَعَ، فَنَوَّهَ المُهَذَّبُ بِاسْمِهِ، وَحَسُنَ مَوقِعُهُ عِنْدَ السُّلْطَان صَلاَحِ الدِّيْنِ، وَقَرَّرَ لَهُ ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً عَلَى القَلْعَةِ وَالبيمَارستَانِ، وَاسْتمرَّتْ عَلَيْهِ حَتَّى نَقَّصَهَا المُعَظَّمُ، وَلَمْ يَزَلْ مُبَجَّلاً فِي الدَّوْلَةِ.
وَكَانَ رَئِيْساً، عَالِيَ الهِمَّةِ، كَثِيْرَ التَّحْقِيْقِ، فِيْهِ خَيْرٌ وَعدمُ شَرٍّ، تَصَدَّرَ لِلإِفَادَةِ، وَخَرَّجَ لَهُ عِدَّةُ أَطبَاءٍ كِبَارٍ. (22/372)
وَمِمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ: المُهَذَّبُ الدّخوَار.
قَالَ ابْنُ أَبِي أُصَيْبِعَةَ فِي (تَارِيْخِهِ): حَدَّثَنِي رَضِيُّ الدِّيْنِ الرَّحْبِيُّ، قَالَ: جَمِيْع مَنْ قرَأَ عَلَيَّ سُعِدُوا، وَانتفعَ النَّاسُ بِهِم، وَكَانَ لاَ يُقرِئُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ.
بَلَى، قرَأَ عَلَيْهِ مِنْهُم عِمْرَانُ اليَهُوْدِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ السَّامِرِيُّ تَشَفَّعَا إِلَيْهِ، وَكُلّ مِنْهُمَا برع.
قَالَ ابْنُ أَبِي أُصَيْبِعَةَ: قَرَأْت عَلَيْهِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ كُتُباً، وَانتَفَعتُ بِهِ، وَكَانَ مُحِبّاً لِلتِّجَارَةِ، مُغْرَىً بِهَا، وَيُرَاعِي مِزَاجَهُ، وَلاَ يَصعَدُ فِي سُلَّمٍ، وَلَهُ بُستَانٌ، وَكَانَ الوَزِيْرُ ابْنُ شُكْرٍ يَلزمُ أَكلَ الدَّجَاجِ حَتَّى شَحَبَ لَونُه، فَقَالَ لَهُ الرَّضِيُّ: الزمْ لَحمَ الضَأْنِ.
فَفَعَل، فَظَهَرَ دَمُهُ.
مَاتَ: يَوْم عَاشُورَاءَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً، وَخَلَّف ابْنَيْنِ طَبِيْبَيْنِ: شَرَفَ الدِّيْنِ عَلِيّاً، وَجَمَالَ الدِّيْنِ عُثْمَانَ. (22/373)
238 - ابْنُ صَبَّاحٍ، أَبُو صَادِقٍ الحَسَنُ بنُ يَحْيَى المَخْزُوْمِيُّ
الشَّيْخُ، العَالِمُ الجَلِيْلُ، المُسْنِدُ الأَمِيْنُ، نُشوءُ الملك، أَبُو صَادِقٍ الحَسَنُ بنُ يَحْيَى بنِ صَبَّاحِ بنِ حُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ المَخْزُوْمِيُّ، المِصْرِيُّ، الكَاتِبُ، أَحَدُ شُهُوْدِ الخزَانَةِ بِدِمَشْقَ.
مَوْلِدُهُ: بِمِصْرَ، فِي زُقَاقِ بَنِي جُمَحَ، فِي عَاشرِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ رِفَاعَة الفَرَضِيّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُزْءاً مِنَ (الخِلَعِيَّاتِ)، وَأَجَاز لَهُ، وَهُوَ خَاتِمَة أَصْحَابِهِ، وَمَا سَمِعَ مِنْ غَيْرِه.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيّ، وَابْن النَّابُلُسِيّ، وَوَلَده؛ عَلِيّ بن صَبَّاحٍ، وَالخَطِيْبُ مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُ الحَرَسْتَانِيِّ، وَأَبُو اليُمْنِ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ أَبُو الفَضْلِ، وَشَيْخُ العَرَبِيَّة جَمَالُ الدِّيْنِ ابْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو الحُسَيْنِ ابْنُ اليُوْنِيْنِيِّ، وَالعِزُّ ابْنُ الفَرَّاءِ، وَالعِزُّ ابْنُ العِمَادِ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَايْمَازَ الدَّقِيْقِيُّ، وَالعِمَادُ بنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي الذِّكْرِ، وَعَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلْطَانَ الحَنَفِيُّ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: الشِّهَابُ بنُ مُشَرِّفٍ البَزَّازُ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: هُوَ شَيْخٌ ثِقَةٌ، وَقُورٌ، مُكْرِمٌ لأَهْلِ الحَدِيْثِ، كَثِيْرُ التَّوَاضُعِ.
قَالَ لِي: إِنَّهُ يَبْقَى سِتَّةَ أَشْهُرٍ لاَ يَشربُ مَاءً.
قُلْتُ: فَتَرَكْتَهُ لِمَعْنَىً؟
فَقَالَ: لاَ أَشتَهِيهِ.
قَرَأْتُ بِخَطِّ الضِّيَاءِ الحَافِظِ: تُوُفِّيَ شَيْخُنَا أَبُو صَادِقٍ وَحُمِلَ إِلَى الجَبَلِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، سَادِسَ عَشَرَ رَجَبٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ: وَكَانَ خَيِّراً، قَلَّ مَنْ رَأَيْتُ إِلاَّ وَيَشكُرُه، وَيُثنِي عَلَيْهِ -رَحِمَهُ اللهُ-. (22/374)
239 - السُّهْرَوَرْدِيُّ، عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِم، القُدْوَة، الزَّاهِد، العَارِف، المُحَدِّث، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَوحدُ الصُّوْفِيَّة، شِهَابُ الدِّيْنِ، أَبُو حَفْصٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ - وَهُوَ عمويه - بن سَعْدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ القَاسِمِ بن النَّضْرِ بن القَاسِمِ بن مُحَمَّد بنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ فَقِيْهِ المَدِيْنَةِ وَابْنِ فَقِيْهِهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، البَكْرِيُّ، السُّهْرَوَرْدِيُّ، الصُّوْفِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدِمَ مِنْ سُهْرَوَرْدَ وَهُوَ شَابٌّ أَمردُ، فَصحِبَ عَمَّه الشَّيْخَ أَبَا النَّجِيْبِ، وَلاَزَمَه، وَأَخَذَ عَنْهُ الفِقْهَ وَالوَعظَ وَالتَصَوُّفَ، وَصَحِبَ قَلِيْلاً الشَّيْخَ عَبْدَ القَادِرِ، وَبِالبَصْرَةِ الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ بنَ عَبْدٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: هِبَة اللهِ بنِ أَحْمَدَ الشِّبْلِيِّ - وَهُوَ أَعْلَى شَيْخٍ لَهُ - وَأَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَطِّيِّ، وَخُزَيْفَةَ بنِ الهَاطرَا، وَأَبِي الفُتُوْحِ الطَّائِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيِّ، وَمَعْمَرِ بنِ الفَاخِرِ، وَأَحْمَدَ بنِ المُقَرَّبِ، وَيَحْيَى بنِ ثَابِتٍ، وَطَائِفَةٍ لَهُ عَنْهُم جُزءٌ سَمِعْنَاهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالضِّيَاءُ، وَالقُوْصِيُّ، وَابْن النَّابُلُسِيِّ، وَظَهِيْرُ الدِّيْنِ مَحْمُوْدٌ الزَّنْجَانِيُّ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَأَبُو الفَرَجِ ابْنُ الزَّيْنِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَالرَّشِيْدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ، وَآخَرُوْنَ. (22/375)
وَبِالإِجَازَةِ: الفَخْر ابنُ عَسَاكِرَ، وَالشَّمْسُ ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ، وَالقَاضِي الحَنْبَلِيُّ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: قَدِمَ بَغْدَادَ، وَكَانَ لَهُ فِي الطَّرِيقَةِ قَدَمٌ ثَابِتٌ وَلِسَانٌ نَاطِقٌ، وَوَلِيَ عِدَّةَ رُبُطٍ لِلصُّوْفِيَّةِ، وَنُفِّذَ رَسُوْلاً إِلَى عِدَّةِ جِهَاتٍ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ أَبُوْهُ أَبُو جَعْفَرٍ تَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى أَسْعَدَ المِيْهَنِيِّ، وَوَعَظَ، قَالَ لِي ابْنُهُ: قُتلَ أَبِي بِسُهْرَوَرْدَ، وَلِي سِتَّةُ أَشْهُرٍ، كَانَ بِبَلَدِنَا شحنَة ظَالِم، فَاغتَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَادَّعَوْا أَنَّ أَبِي أَمَرَهُم، فَجَاءَ غِلمَانُ المَقْتُولِ، فَفَتَكُوا بِأَبِي، فَوَثَبَ العوَامُّ عَلَى الغِلمَانِ فَقَتلُوهُم، وَهَاجتِ الفِتْنَةُ، فَصلَبَ السُّلْطَانُ أَرْبَعَةً مِنَ العَوَامِّ، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى عَمِّي أَبِي النَّجِيْبِ، وَلَبِسَ القبَاء، وَقَالَ: لا أُرِيْد التَّصَوُّفَ، حَتَّى اسْتُرْضِيَ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَكَانَ شِهَاب الدِّيْنِ شَيْخَ وَقتِه فِي عِلمِ الحَقِيْقَةِ، وَانتهتْ إِلَيْهِ الرِّيَاسَةُ فِي تَربِيَةِ المُرِيْدِينَ، وَدُعَاء الخلق إِلَى اللهِ، وَالتَّسْلِيْك.
صَحِبَ عَمَّه، وَسلكَ طَرِيْق الرِّيَاضَات وَالمُجَاهِدَات، وَقرَأَ الفِقْه وَالخلاَف وَالعَرَبِيَّة، وَسَمِعَ، ثُمَّ لاَزمَ الخَلوَةَ وَالذِّكرَ وَالصَّوْمَ إِلَى أَنْ خطر لَهُ عِنْدَ عُلُوِّ سِنِّهِ أَنْ يَظهَرَ لِلنَّاسِ وَيَتَكَلَّمَ، فَعَقَدَ مَجْلِسَ الوَعظِ بِمَدْرَسَة عَمِّهِ، فَكَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ مُفِيْدٍ مِنْ غَيْرِ تَزْويقٍ، وَيَحضر عِنْدَهُ خَلقٌ عَظِيْمٌ، وَظَهرَ لَهُ القَبُولُ مِنَ الخَاصِّ وَالعَامِّ، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَقُصِدَ مِنَ الأَقطَارِ، وَظهرت بَرَكَات أَنفَاسِه عَلَى خَلقٍ مِنَ العُصَاةِ، فَتَابُوا، وَوصلَ بِهِ خلقٌ إِلَى اللهِ، وَصَارَ أَصْحَابُه كَالنُّجُوْم، وَنُفِّذَ رَسُوْلاً إِلَى الشَّامِ مَرَّاتٍ، وَإِلَى السُّلْطَانِ خُوَارِزْم شَاه، وَرَأَى مِنَ الجَاهِ وَالحُرمَةِ مَا لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ رُتِّب بِالرِّبَاط النَّاصِرِيِّ، وَبِرِبَاطِ المَأْمُوْنِيَّةِ، وَرِبَاطِ البِسْطَامِيِّ، ثُمَّ إِنَّهُ أَضرَّ وَأُقْعِدَ، وَمَعَ هَذَا فَمَا أَخلَّ بِالأَوْرَادِ وَدَوَامِ الذِّكرِ وَحُضُوْرِ الجُمَعِ فِي مِحَفَّةٍ وَالمُضِيِّ إِلَى الحَجِّ، إِلَى أَنْ دَخَلَ فِي عَشْرِ المائَةِ، وَضَعُفَ، فَانقطَعَ. (22/376)
قَالَ: وَكَانَ تَامَّ المُرُوْءَةِ، كَبِيْرَ النَّفْسِ، لَيْسَ لِلمَالِ عِنْدَهُ قَدرٌ، لَقَدْ حصل لَهُ أُلُوفٌ كَثِيْرَةٌ، فَلَمْ يَدَّخِرْ شَيْئاً، وَمَاتَ وَلَمْ يُخلِّفْ كَفَناً.
وَكَانَ مَلِيْحَ الخَلقِ وَالخُلُقِ، مُتَوَاضِعاً، كَامِلَ الأَوْصَافِ الجَمِيْلَةِ.
قَرَأْت عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَصَحِبتُه مُدَّة، وَكَانَ صَدُوْقاً نَبِيلاً، صَنَّفَ فِي التَّصَوُّفِ كِتَاباً، شَرحَ فِيْهِ أَحْوَال القَوْمِ، وَحَدَّثَ بِهِ مِرَاراً -يَعْنِي (عوَارف المعَارِف)-.
قَالَ: وَأَملَى فِي آخِرِ عُمُرِهِ كِتَاباً فِي الرَّدِّ عَلَى الفَلاَسِفَةِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَدِمَ بَغْدَادَ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي الوَقْتِ المُحَدِّثِ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ شَيْخَ العِرَاقِ فِي وَقْتِهِ، صَاحِبَ مُجَاهِدَةٍ وَإِيثَارٍ وَطَرِيقٍ حَمِيدَةٍ وَمُرُوءةٍ تَامَّة، وَأَورَادٍ عَلَى كِبَرِ سِنِّه.
قَالَ يُوْسُفُ الدِّمَشْقِيُّ: سَمِعْتُ وَعْظَ أَبِي جَعْفَرٍ وَالِدِ السُّهْرَوَرْدِيِّ بِبَغْدَادَ فِي جَامِعِ القَصْرِ وَفِي النِّظَامِيَّةِ، تَولَى قَضَاءَ سُهْرَوَرْدَ، وَقُتِلَ.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: يَلتَقِي السُّهْرَوَرْدِيُّ وَابْنُ الجَوْزِيِّ فِي النَّسَبِ فِي القَاسِمِ بنِ النَّضْرِ.
أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ بنُ حَمُّوْيَه إِجَازَةً، أَنَّ قَاضِي القُضَاةِ بَدْرَ الدِّيْنِ يُوْسُفَ السِّنْجَارِيَّ حَكَى عَنِ الملكِ الأَشْرَفِ مُوْسَى:
أَنَّ السُّهْرَوَرْدِيَّ جَاءهُ رَسُوْلاً، فَقَالَ فِي بَعْضِ حَدِيْثِهِ: يَا مَوْلاَنَا، تَطلبتُ كِتَابَ (الشِّفَاءِ) لابْنِ سِيْنَا مِنْ خَزَائِنِ الكُتُبِ بِبَغْدَادَ، وَغَسَلْتُ جَمِيْعَ النُّسَخِ...، ثُمَّ فِي أَثْنَاءِ الحَدِيْثِ قَالَ: كَانَ السَّنَةَ بِبَغْدَادَ مَرَضٌ عَظِيْمٌ وَمَوتٌ.
قُلْتُ: كَيْفَ لاَ يَكُوْنُ وَأَنْتَ قَدْ أَذهبتَ (الشِّفَاءَ) مِنْهَا؟! (22/377)
أَلْبَسَنِي خِرَقَ التَّصَوُّفِ شَيْخُنَا المُحَدِّثُ الزَّاهِدُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ عِيْسَى بنُ يَحْيَى الأَنْصَارِيُّ بِالقَاهِرَةِ، وَقَالَ: أَلْبَسَنِيهَا الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّيْنِ السُّهْرَوَرْدِيُّ بِمَكَّةَ عَنْ عَمِّهِ أَبِي النَّجِيْبِ.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيِّ: أَخْبَرَكُم أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الشِّبْلِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الوَرْقَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ قَالَ إِحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ أَحَداً صَمَداً لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوُاً أَحَدٌ، كَتَبَ اللهُ لَهُ أَلْفَي أَلْفِ حَسَنَةٍ).
تُوُفِّيَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-: بِبَغْدَادَ، فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِي ذُرِّيَته فُضلاَءُ وَكُبَرَاءُ.
وَمَاتَ وَلدُهُ العِمَادُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، رَوَى عَنِ: ابْنِ الجَوْزِيّ، وَالقَاسِمِ ابنِ عَسَاكِرَ.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: إِسْحَاقُ ابْنُ النَّحَّاسِ، وَسَافَرَ رَسُوْلاً. (22/378)
وَفِيْهَا مَاتَ: صَاحِب إِلبيرَة المَلِكُ الزَّاهِرُ دَاوُدُ ابْنُ السُّلْطَانِ صَلاَحِ الدِّيْنِ يُوْسُفَ بنِ أَيُّوْبَ - وَلَهُ نَظْمٌ وَفضِيْلَةٌ - وَالطّوَاشِيُّ صَوَابٌ العَادِلِيُّ مُقَدَّمُ الجُيُوْشِ، وَالشِّهَابُ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ المُطَهِّرِ بن أَبِي عَصْرُوْنَ، وَالشَّرَفُ عَلِيُّ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ جُبَارَةَ الكِنْدِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ رُشَيْدٍ البَغْدَادِيُّ، وَالمُقْرِئُ تَقِيُّ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ بَاسُوَيْه الوَاسِطِيُّ، وَشَاعِرُ زَمَانِهِ شَرَفُ الدِّيْنِ عُمَرُ بنُ عَلِيّ ابْن الفَارِضِ الحَمَوِيّ بِمِصْرَ، وَشَيْخُ بَيْتِ المَقْدِسِ غَانِمُ بنُ عَلِيٍّ الزَّاهِدُ، وَالشَّاعِرُ حُسَامُ الدِّيْنِ عِيْسَى بنُ سَنْجَرَ الحَاجِرِيُّ الإِرْبِلِيُّ الجُنْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ شعرَانَة صَاحِبُ أَبِي الوَقْتِ، وَخَلْقٌ بِسَيْفِ التَّتَارِ بِأَصْبَهَانَ، وَوَاثِلَةُ بنُ بَقَاءِ بنِ كَرَّازٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو الوَفَاءِ مَحْمُوْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَنْدَةَ، وَأَبُو صَادِقٍ بنُ صَبَّاحٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ.
240 - المَدِيْنِيُّ، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي سَعْدٍ
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُفْتِي، الوَاعِظُ، بَقِيَّةُ المَشَايِخِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي سَعْدٍ المَدِيْنِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، الشَّافِعِيُّ، المُذَكِّرُ.
مَوْلِدُهُ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِمَدِيْنَةِ جَيٍّ.
وَسَمِعَ (جُزْءَ مَأْمُوْنٍ) وَمَا مَعَهُ مِنَ: المُعَمَّرِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَلِيٍّ الحَمَّامِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ (جُزْءَ بِيْبَى)، وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الخَيْرِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَاغبَانِ، وَغَيْرِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَطَائِفَةٌ. (22/379)
وَسَمِعْنَا بِإِجَازتِه عَلَى: أَبِي الفَضْلِ بنِ عَسَاكِرَ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ، وَالأَمِيْنِ ابْنِ رِسْلاَنَ البَعْلِيِّ، وَالقَاضِي تَقِيِّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِم.
وَكَانَ أَسندَ أَهْلِ زَمَانِهِ بِأَصْبَهَانَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: هُوَ وَاعِظٌ، مُفْتِي، شَافعِيُّ المَذْهَبِ، لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ، وَلَهُ قَبولٌ عِنْدَ أَهْلِ بَلدِه، حَدَّثَنِي (بِجُزءِ بِيْبَى) عَنْ أَبِي الوَقْت، وَفِيْهِ ضَعْفٌ، وَبَلَغَنَا أَنَّهُ قُتِلَ بِأَصْبَهَانَ، شهيداً عَلَى يَد التَّتَارِ، فِي أَواخِرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: سَلِمَتْ أَصْبَهَانُ مِنَ الكَفَرَةِ إِلَى هَذَا التَّارِيْخِ، فَاسْتبَاحُوهَا، وَرَاحَ تَحْتَ السَّيْفِ خَلقٌ لاَ يُحْصَوْنَ، مِنْهُم عِدَّةٌ مِنَ الرُّوَاةِ.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق