إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 فبراير 2015

2817 سِيَرُ أعْلام النبَلاء ( الإمام الذهبي ) 31 - ابْنُ وَاجِبٍ، أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ القَيْسِيُّ



2817


سِيَرُ أعْلام النبَلاء ( الإمام الذهبي )

31 - ابْنُ وَاجِبٍ، أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ القَيْسِيُّ


الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ المُتْقِنُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الخَطَّابِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ الإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ وَاجِبِ بنِ عُمَرَ بنِ وَاجِبٍ القَيْسِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، البَلَنْسِيُّ، المَالِكِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَجَاز لَهُ: القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ العَرَبِيِّ، وَالحَافِظُ يُوْسُفُ ابْنُ الدَّبَّاغِ، وَلَحِقَ أَبَا مَرْوَانَ بنَ قُزْمَانَ فَسَمِعَ مِنْهُ، وَأَكْثَرَ عَنْ جَدِّهِ وَعَنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ - وَتَلاَ عَلَيْهِ - وَأَبِي الحَسَنِ بنِ النِّعْمَةِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ سَعَادَةَ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ الفَرَسِ، وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنِ بَشْكُوَالَ، وَابْنِ زَرْقُوْنَ، وَعِدَّةٍ. (22/45)
قَرَأْت فِي (فَهْرَسَةٍ) عَلَيْهَا خَطُّ أَبِي الخَطَّابِ بنِ وَاجِبٍ:
تَلَوْتُ (بِالتَّيْسِيْر) وَقَرَأْتُهُ، وَلَمْ أَقْرَأْ بِمَا فِيْهِ مِنَ الإِدغَامِ الكَبِيْرِ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ، وَقَرَأْت عَلَيْهِ (إِيْجَازَ البَيَانِ)، وَ(التَّلْخِيْصَ)، وَ(المُحْتَوَى)، وَعِدَّةَ كُتُبٍ فِي القِرَاءاتِ لِلدَّانِيِّ.
وَسَمِعْتُ عَلَيْهِ: كِتَابَ (جَامِعِ البَيَانِ)، وَكِتَابَ (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) لَهُ، وَكَانَ وَقتُ تِلاَوَتِي عَلَيْهِ يَمْتَنِعُ مِنَ الإِقْرَاءِ بِالإِدْغَامِ الكَبِيْرِ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ الأَبَّارِ: هُوَ حَامِلُ رَايَةِ الرِّوَايَةِ بِشَرقِ الأَنْدَلُسِ، حَصَّلَ العَرَبِيَّةَ عَلَى ابْنِ النِّعْمَةِ، وَكَانَ مُتْقِناً، ضَابِطاً، مُتَقلِّلاً مِنَ الدُّنْيَا، عَالِيَ الإِسْنَادِ، وَرِعاً، قَانِتاً، تَعلُوْهُ خَشْيَةٌ لِلمَوَاعِظِ، مَعَ عِنَايَةٍ كَامِلَةٍ بِصِنَاعَةِ الحَدِيْثِ، وَبصرٍ بِهِ، وَذِكْرٍ لِرِجَالِهِ، وَمُحَافِظَةٍ عَلَى نَشْرِهِ، وَكَانَتِ الرِّحلَةُ إِلَيْهِ، وَلِيَ قَضَاءَ بَلَنْسِيَةَ وَشَاطِبَةَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَجَمَعَ مِنْ كُتُبِ الحَدِيْثِ وَالأَجزَاءِ شَيْئاً كَثِيْراً، وَرُزِقتُ مِنْهُ قَبُولاً، وَبِهِ اخْتِصَاصاً، فَمُعْظَمُ رِوَايَتِي قَدِيماً عَنْهُ، تُوُفِّيَ بِمَرَّاكُش، فِي رِحْلَتِهِ إِلَيْهَا لاسْتِدْرَارِ جَارٍ لَهُ مِنْ بَيْتِ المَالِ انْقَطَعَ، فَتُوُفِّيَ فِي سَادِسِ رَجَبٍ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: أَكْثَر عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُشليون، وَمُحَمَّدُ بنُ جوبر، وَابْنُ عَمِّيْرَةَ المَخْزُوْمِيُّ، وَابْنُ مَسْدِيّ المُجَاوِرُ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ-. (22/46)

32 - ابْنُ جُبَيْرٍ، أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الكِنَانِيُّ


العَلاَّمَةُ، أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جُبَيْرٍ الكِنَانِيُّ، البَلَنْسِيُّ، ثُمَّ الشَّاطِبِيُّ، الكَاتِبُ البَلِيْغُ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ؛ الإِمَامِ الرَّئِيْسِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الأَصِيْلِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي العَيْشِ المُقْرِئِ صَاحِبِ أَبِي دَاوُدَ، وَحَمَلَ عَنْهُ القِرَاءاتِ.
وَلَهُ إِجَازَة أَبِي الوَلِيْدِ ابْنِ الدَّبَّاغِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ.
نَزَلَ غَرْنَاطَةَ مُدَّةً، ثُمَّ حَجَّ، وَرَوَى بِالثَّغْرِ وَبِالقُدْسِ.
قَالَ الأَبَّارُ: عُنِيَ بِالآدَابِ، فَبَلَغَ فِيْهَا الغَايَةَ، وَبَرَعَ فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ، وَدُوِّنَ شِعرُه، وَنَال دُنْيَا عَرِيضَةً، وَتَقدَّمَ، ثُمَّ زَهِدَ، لَهُ ثَلاَثُ رِحلاَتٍ إِلَى المَشْرِقِ، مَاتَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: الزَّكِيُّ المُنْذِرِيُّ، وَالكَمَالُ الضَّرِيْرُ، وَأَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ المِلَنْجِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الخَلِيْلِيّ، وَطَائِفَةٌ.
وَقَدْ سَمِعَ بِمَكَّةَ مِنَ المَيَانَجِيِّ، وَبِبَغْدَادَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ بنِ سُكَيْنَةَ.
وَمِنْ نَظْمِهِ:
تَأَنَّ فِي الأَمْرِ لاَ تَكُنْ عَجِلاً * فَمَنْ تَأَنَّى أَصَابَ أَوْ كَادَا
وَكُنْ بِحَبْلِ الإِلَهِ مُعْتَصِماً * تَأْمَنُ مِنْ بَغْيِ كَيْدِ مَنْ كَادَا
فَكَمْ رَجَاهُ فَنَالَ بُغْيَتَهُ * عَبْدٌ مُسِيْءٌ لِنَفْسِهِ كَادَا
وَمَنْ تَطُلْ صُحْبَةُ الزَّمَانِ لَهُ * يَلْقَ خُطُوْباً بِهِ وَأَنْكَادَا (22/47)

33 - العِمَادُ، إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَلِيٍّ المَقْدِسِيُّ


الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، الفَقِيْهُ، بَرَكَةُ الوَقْتِ، عِمَادُ الدِّيْنِ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سُرُوْرٍ المَقْدِسِيُّ، الجَمَّاعِيْليُّ، نَزِيْلُ سَفْحِ قَاسِيُوْنَ، وَأَخُو الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ.
وُلِدَ: بِجَمَّاعِيْلَ، سَنَةَ 543، وَهَاجَرُوا بِهِ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، وَلَهُ ثَمَانِ سِنِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلاَلٍ، وَسَلْمَانَ بنِ عَلِيٍّ الرَّحَبِيِّ، وَأَبِي المَعَالِي بنِ صَابِرٍ.
وَارْتَحَلَ، فَسَمِعَ مِنْ: صَالِحِ ابْن الرّخلَةِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخَشَّابِ، وَشُهْدَةَ، وَعَبْدِ الحَقِّ، وَعِدَّةٍ، وَبِالمَوْصِلِ مِنْ أَبِي الفَضْلِ الخَطِيْبِ.
وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى: ابْنِ المَنِّيِّ، وَتبصَّرَ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ. (22/48)
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالقُوْصِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالتَّاجُ عَبْدُ الوَهَّابِ ابْنُ زَيْنِ الأُمَنَاءِ، وَوَلَدُهُ؛ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ ابْنُ العِمَادِ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَالشَّمْسُ مُحَمَّدُ ابْنُ الكَمَالِ، وَعِدَّةٌ.

قَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ: كَانَ لَيْسَ بِالآدَمِ كَثِيْراً، وَلاَ بِالطَّوِيْلِ، وَلاَ بِالقَصِيْرِ، وَاسِعَ الجَبْهَةِ، مَعرُوْقَ الجَبِيْنِ، أَشهَلَ العَيْنِ، قَائِمَ الأَنْفِ، يَقُصُّ شَعْرَهُ، وَكَانَ فِي بَصَرِهِ ضَعْفٌ، سَافَرَ إِلَى بَغْدَادَ مَرَّتَيْنِ، وَحَفِظَ القُرْآنَ، وَ(غَرِيْبَ) العُزَيْرِيِّ - فِيْمَا قِيْلَ - وَحَفِظَ الخِرَقِيَّ، وَأَلقَى الدَّرسَ مِنَ (التَّفْسِيْرِ)، وَمِنَ (الهِدَايَةِ)، وَاشْتَغَلَ فِي الخِلاَفِ، شَاهَدتُهُ يُنَاظِرُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَكَانَ عَالِماً بِالقِرَاءاتِ وَالنَّحْوِ وَالفَرَائِضِ، قرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ عَسَاكِرَ البَطَائِحِيِّ، وَأَقرَأ بِهَا، وَصَنَّفَ (الفُرُوْقَ فِي المَسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ)، وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي الأَحكَامِ لَمْ يُتِمَّهُ، وَلاَ كَانَ يَتفرَّغُ لِلتَّصْنِيفِ مِنْ كَثْرَةِ اشتِغَالِهِ وَإِشْغَالِهِ، أَقَامَ بِحَرَّانَ مُدَّةً، فَانْتَفَعُوا بِهِ، وَكَانَ يَشغَلُ بِالجبَلِ إِذَا كَانَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ بِالمَدِيْنَةِ، فَإِذَا صَعِدَ المُوَفَّقُ، نَزَلَ هُوَ وَأَشْغَلَ، فَسَمِعْتُ الشَّيْخَ المُوَفَّقَ يَقُوْلُ:
مَا نَقدِرُ نَعمَلُ مِثْلَ العِمَادِ، كَانَ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ، وَرُبَّمَا كَرَّرَ عَلَى الطَّالِبِ مِنْ سَحَرٍ إِلَى الفَجْرِ. (22/49)
قَالَ الضِّيَاءُ: وَكَانَ يَجلِسُ فِي جَامِعِ البَلَدِ مِنَ الفَجْرِ إِلَى العِشَاءِ، لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ لِحَاجَةٍ، يُقْرِئُ القُرْآنَ وَالعِلْمَ، فَإِذَا فَرَغُوا، اشْتَغَلَ بِالصَّلاَة، فَسَأَلْتُ الشَّيْخَ مُوَفَّقَ الدِّيْنِ عَنْهُ، فَقَالَ:

كَانَ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِنَا، وَأَعْظَمِهِم نَفْعاً، وَأَشَدِّهِم وَرَعاً، وَأَكْثَرِهِم صَبْراً عَلَى التَّعْلِيْمِ، وَكَانَ دَاعِيَةً إِلَى السُّنَّةِ، أَقَامَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً يُعلِّمُ الفُقَرَاءَ، وَيُقْرِئُهُم، وَيُطْعِمُهُم، وَيَتَوَاضَعُ لَهُم، كَانَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ تَوَاضُعاً، وَاحْتِقَاراً لِنَفْسِهِ، وَخَوْفاً مِنَ اللهِ، مَا أَعْلَمُ أَنَّنِي رَأَيْتُ أَشدَّ خَوْفاً مِنْهُ، وَكَانَ كَثِيْرَ الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ للهِ، يُطِيلُ السُّجُوْدَ وَالرُّكُوْعَ، وَلاَ يَقبَلُ مِمَّنْ يَعْذُلُهُ، وَنُقِلَتْ لَهُ كَرَامَاتٌ.
ثُمَّ قَالَ الضِّيَاءُ: لَمْ أَرَ أَحَداً أَحْسَنَ صَلاَةً مِنْهُ وَلاَ أَتَمَّ، بِخُشُوْعٍ وَخُضُوْعٍ، قِيْلَ: كَانَ يُسبِّحُ عَشْراً يَتَأَنَّى فِيْهَا، وَرُبَّمَا قَضَى فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ صَلَوَاتٍ عِدَّةٍ، وَكَانَ يَصُوْمُ يَوْماً، وَيُفْطِر يَوْماً، وَكَانَ إِذَا دَعَا، كَانَ القَلْب يَشْهَدُ بِإِجَابَة دُعَائِهِ مِنْ كَثْرَةِ ابْتِهَالِهِ وَإِخْلاَصِهِ، وَكَانَ يَمضِي يَوْمَ الأَرْبعَاءِ إِلَى مَقَابِرِ بَابِ الصَّغِيْرِ عِنْدَ الشُّهَدَاء، فَيَدْعُوا وَيَجْتَهِدُ سَاعَةً طَوِيْلَةً.
وَمِنْ دُعَائِهِ المَشْهُوْرِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَقْسَانَا قَلْباً، وَأَكْبَرِنَا ذَنْباً، وَأَثْقَلِنَا ظَهْراً، وَأَعْظَمِنَا جُرْماً.
وَكَانَ يَدْعُو: يَا دَلِيلَ الحَيَارَى، دُلَّنَا عَلَى طَرِيْقِ الصَّادِقِيْنَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِيْنَ.
وَكَانَ إِذَا أَفْتَى فِي مَسْأَلَة، يَحتَرِزُ فِيْهَا احتِرَازاً كَثِيْراً.

قَالَ: وَأَمَّا زُهْدُهُ، فَمَا أَعْلَم أَنَّهُ أَدخَلَ نَفْسَه فِي شَيْءٍ مِنْ أَمر الدُّنْيَا، وَلاَ تَعرَّضَ لَهَا، وَلاَ نَافَسَ فِيْهَا، وَمَا عَلِمْتُ أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى سُلْطَانٍ وَلاَ وَالٍ، وَكَانَ قَوِيّاً فِي أَمْرِ اللهِ، ضَعِيْفاً فِي بدنه، لاَ تَأْخُذُه فِي اللهِ لَوْمَة لاَئِم، أَمَّاراً بِالمَعْرُوف، لاَ يَرَى أَحَداً يُسِيْءُ صَلاَتَهُ، إِلاَّ قَالَ لَهُ وَعَلَّمَهُ. (22/50)
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ أَتَى فُسَّاقاً، فَكَسَرَ مَا مَعَهُم، فَضَرَبُوهُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، فَأَرَادَ الوَالِي ضَرْبَهُم، فَقَالَ: إِنْ تَابُوا وَلاَزمُوا الصَّلاَةَ، فَلاَ تُؤْذِهِم، وَهُم فِي حِلٍّ، فَتَابُوا.
قَالَ الضِّيَاءُ: سَمِعْتُ خَالِي مُوَفَّقَ الدِّيْنِ يَقُوْلُ:
مِنْ عُمُرِي أَعْرِفُهُ -يَعْنِي: العِمَادَ- مَا عَرَفْتُ أَنَّهُ عَصَى اللهَ مَعْصِيَةً.
وَسَمِعْتُ الإِمَامَ مَحَاسِنَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ يَقُوْلُ: كَانَ الشَّيْخُ العِمَادُ جَوْهَرَةَ العَصرِ.
ثُمَّ قَالَ الضِّيَاءُ: أَعْرفُ وَأَنَا صَغِيْرٌ أَنَّ جَمِيْعَ مَنْ كَانَ فِي الجَبَلِ يَتَعَلَّمُ القُرْآنَ كَانَ يَقرَأُ عَلَى العِمَادِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَكَانَ يَبعثُ بِالنَّفَقَةِ سِرّاً إِلَى النَّاسِ، وَيَأْخُذُ بِقَلْبِ الطَّالِبِ، وَلَهُ بِشْرٌ دَائِمٌ.
وَحَدَّثَنِي الشَّيْخُ المُقْرِئُ عَبْدُ اللهِ بنُ حَسَنٍ الهَكَّارِيُّ بِحَرَّانَ، قَالَ:
رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ قَائِلاً يَقُوْلُ لِي: العِمَادُ مِنَ الأَبْدَالِ، فَرَأَيْتُ خَمْسَ لَيَالٍ كَذَلِكَ.
وَسَمِعْتُ التَّقِيَّ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ ابْن الحَافِظِ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ الشَّيْخَ العِمَادَ فِي النَّوْمِ عَلَى حِصَانٍ، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي الشَّيْخَ، إِلَى أَيْنَ؟
قَالَ: أَزُورُ الجَبَّارَ عَزَّ وَجَلَّ.

قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ فِي (المِرْآةِ): كَانَ الشَّيْخُ العِمَادُ يَحضُرُ مَجْلِسِي دَائِماً، وَيَقُوْلُ:
صَلاَحُ الدِّيْنِ يُوْسُفُ فَتَحَ السَّاحِلَ، وَأَظهَرَ الإِسْلاَمَ، وَأَنْتَ يُوْسُفُ أَحيَيتَ السُّنَّةَ بِالشَّامِ. (22/51)
قَالَ أَبُو شَامَةَ: يُشير أَبُو المُظَفَّرِ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يُورد فِي الوَعْظِ كَثِيْراً مِنْ كَلاَمِ جَدِّهِ وَمِنْ خُطَبِهِ مَا يَتَضمَّنُ إِمْرَارَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَمَا صَحَّ مِنَ الأَحَادِيْثِ عَلَى مَا وَردَ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ إِلَى تَأْوِيْلٍ وَلاَ تَشْبِيهٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ، وَمَشَايِخُ الحَنَابِلَةِ العُلَمَاءُ هَذَا مُخْتَارُهُم، وَهُوَ جَيِّدٌ، وَشَاهَدتُ العِمَادَ مُصَلِّياً فِي حَلْقَةِ الحَنَابِلَةِ مِرَاراً، وَكَانَ مُطِيلاً لأَرْكَانِ الصَّلاَةِ قِيَاماً وَرُكُوْعاً وَسُجُوداً، كَانَ يُصَلِّي إِلَى جُرَانتين، ثُمَّ عَمِلَ المِحْرَابَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ الضِّيَاءُ: تُوُفِّيَ العِمَادُ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ - لَيْلَةَ الخَمِيْسِ، سَابِعَ عَشَرَ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَشَاءَ الآخِرَةِ، فَجْأَةً، وَكَانَ صَلَّى المَغْرِبَ بِالجَامِعِ وَكَانَ صَائِماً، فَذَهَبَ إِلَى البَيْتِ، وَأَفطَرَ عَلَى شَيْءٍ يَسِيرٍ، وَلَمَّا أُخْرِجَتْ جِنَازَته، اجْتَمَعَ خَلْقٌ، فَمَا رَأَيْتُ الجَامِعَ إِلاَّ كَأَنَّهُ يَوْمُ الجُمُعَةِ مِنْ كَثْرَةِ الخَلْقِ، وَكَانَ الوَالِي يَطْرُدُ الخَلْقَ عَنْهُ، وَازْدَحَمُوا حَتَّى كَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَهْلِكَ، وَمَا رَأَيْتُ جَنَازَةً قَطُّ أَكْثَرَ خَلْقاً مِنْهَا.
وَحُكِي عَنْهُ: أَنَّهُ لَمَّا جَاءهُ المَوْتُ جَعَلَ يَقُوْلُ:
يَا حَيُّ يَا قَيُّوْمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيْثُ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وَتَشَهَّدَ.
قَالَ: وَزَوْجَاتُهُ أَرْبَعٌ، مِنْهُنَّ: غَزِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ البَاقِي، وَلَدَتْ لَهُ: قَاضِي مِصْرَ شَمْسَ الدِّيْنِ، وَالعِمَادَ أَحْمَد. (22/52)

34 - ابْنُ الجَلاَجِلِيِّ، مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُبَارَكِ البَغْدَادِيُّ


التَّاجِرُ، الرَّئِيْسُ، المُقْرِئُ، كَمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُبَارَكِ البَغْدَادِيُّ، ابْنُ الجَلاَجِلِيِّ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: هِبَةِ اللهِ بنِ أَبِي شَرِيْكٍ، وَابْنِ البَطِّيِّ.
وَتَلاَ بِرِوَايَاتٍ عَلَى: أَبِي الحَسَنِ البَطَائِحِيِّ، وَأَبِي السَّعَادَاتِ الوَكِيْلِ؛ تِلْمِيْذِ أَبِي البَرَكَاتِ الوَكِيْلِ.
وَسَمِعَ مِنَ: السِّلَفِيِّ، وَجَال مِنْ مِصْرَ إِلَى الهِنْدِ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ فِي التِّجَارَةِ، وَكَانَ صَادِقاً، كَيِّساً، مُحْتَشِماً، حُفَظَةً لِلْحِكَايَاتٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالقُوْصِيُّ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَابْنُ البُخَارِيِّ، وَابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَابْنُ الزَّيْنِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَعِدَّةٌ.
تُوُفِّيَ: فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. (22/53)

35 - ابْنُ الصَّيْقَلِ، مُوْسَى بنُ سَعِيْدٍ الهَاشِمِيُّ


الشَّرِيْفُ، أَبُو القَاسِمِ مُوْسَى بنُ سَعِيْدٍ الهَاشِمِيُّ، ابْنُ الصَّيْقَلِ.
سَمِعَ مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ ابْنِ الطَّرَائِفِيِّ، وَالأُرْمَوِيِّ.
وَعَنْهُ: الدُّبَيْثِيُّ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالمِقْدَادُ القَيْسِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَوَلِيَ نَقَابَةَ العَبَّاسِيِّيْنَ بِالكُوْفَةِ، وَوَلِيَ حِجَابَةَ بَابِ النُّوْبِيِّ.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق