2789
سِيَرُ أعْلام النبَلاء ( الإمام الذهبي )
166 - صَاحِبُ المَغْرِبِ المَنْصُوْرُ أَبُو يُوْسُفَ يَعْقُوْبُ بنُ يُوْسُفَ
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، المُلَقَّبُ بِأَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ المَنْصُوْرُ، أَبُو يُوْسُفَ يَعْقُوْبُ ابْنُ السُّلْطَانِ يُوْسُفَ ابْنِ السُّلْطَانِ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ عَلِيٍّ القَيْسِيُّ، الكُوْمِيُّ، المَغْرِبِيُّ، المَرَّاكُشِيُّ، الظَّاهِرِيُّ، وَأُمّه أَمَةٌ رُومِيَّة اسْمهَا سَحَر.
عقدُوا لَهُ بِالأَمْرِ سَنَة ثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ عِنْد مهلك أَبِيْهِ، فَكَانَ سنُّه يَوْمَئِذٍ ثِنْتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ تَامّ القَامَة، أَسْمَر، صَافِيَا، جَمِيْل الصُّوْرَة، أَعْيَن، أَفوَهَ، أَقنَى، أَكحلَ، سمِيناً، مُسْتدير اللِّحْيَة، جهورِيَّ الصَّوت، جزل العبَارَة، صَادِق اللَّهجَة، فَارِساً، شُجَاعاً، قوِيّ الفرَاسَة، خَبِيْراً بِالأُمُوْر، خليقاً لِلإِمَارَة، يَنطوِي عَلَى دين وَخير وَتَأَلُّه وَرزَانَة.
عمل الوزَارَة لأَبِيْهِ، وَخبَرَ الخَيْر وَالشَّرّ، وَكشف أَحْوَال الدَوَاوِيْن.
وَزَرَ لَهُ عُمَرُ بن أَبِي زَيْدٍ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ ابْن الشَّيْخِ عُمَر إِيْنتِي، ثُمَّ ابْن عَمّ هَذَا مُحَمَّد الَّذِي تَزَهَّد، وَاخْتَفَى، ثُمَّ أَبُو زَيْد الهنتَانِيُّ، وَزِيْر وَلده مِنْ بَعْدِه.
وَكَتَبَ لَهُ السّرّ: ابْن مَحْشُوَّة، ثُمَّ ابْن عَيَّاشٍ الأَدِيْب. (21/313)
وَقضَى لَهُ: ابْنُ مضَاء، ثُمَّ الوَهْرَانِيّ، ثُمَّ أَبُو القَاسِمِ بنُ بَقِيٍّ.
وَلَمَّا تَملَّك، كَانَ حَوْلَهُ منَافسُوْنَ لَهُ مِنْ عمومته وَإِخْوَته، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى سَلاَ، وَبِهَا تَمَّت بيعتُه، وَأَرْضَى آله بِالعَطَاء، وَبَنَى مدينَة تلِي مَرَّاكش عَلَى البَحْر، فَمَا عتم أَن خَرَجَ عَلَيْهِ عَلِيّ بن غَانِيَة الملثّم، فَأَخَذَ بِجَايَة، وَخَطَبَ لِلنَاصِر العَبَّاسِيّ، فَكَانَ الخَطِيْب بِذَلِكَ عَبْد الحَقِّ مصَنّف (الأَحكَام)، وَلَوْلاَ حُضُوْر أَجَله، لأَهْلكه المَنْصُوْر.
ثُمَّ تَملّك ابْن غَانِيَة قَلْعَة حَمَّاد، فَسَارَ المَنْصُوْر، وَاسْتردّ بِجَايَة، وَجَهَّزَ جَيْشه، فَالتقَاهُم ابْن غَانِيَة، فَمزّقهُم، فَسَارَ المَنْصُوْر بِنَفْسِهِ، فكسر ابْن غَانِيَة، وَذَهَبَ مُثْخَناً بِالجرَاح، فَمَاتَ فِي خيمَةِ أَعرَابيَة، وَقَدَّمَ جَيْشُه عَلَيْهِم أَخَاهُ يَحْيَى، فَانحَاز بِهِم الَىالصّحرَاء مَعَ العرب، وَجَرَتْ لَهُ حُرُوْب طَوِيْلَة، وَاسْتردّ المَنْصُوْر قَفْصَة، وَقَتَلَ فِي أَهْلهَا، فَأَسرف، ثُمَّ قتل عَمَّيه سُلَيْمَان وَعُمَر صَبْراً، ثُمَّ نَدِم، وَتزَهَّد، وَتَقشّف، وَجَالِس الصُّلَحَاء وَالمُحَدِّثِيْنَ، وَمَال إِلَى الظَّاهِر، وَأَعرض عَنِ المَالِكِيَّة، وَأَحرق مَا لاَ يُحصَى مِنْ كُتُب الفُرُوْع. (21/314)
قَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَلِيٍّ: كُنْت بفَاس، فَشهدْتُ الأَحمَال يُؤْتَى بِهَا، فَتُحرق، وَتهدَّد عَلَى الاشتغَال بِالفُرُوْع، وَأَمر الحُفَّاظ بِجمع كِتَاب فِي الصَّلاَةِ مِنَ (الكُتُب الخَمْسَة)، وَ(المُوَطَّأ)، وَ(مُسْنَد ابْن أَبِي شَيْبَةَ)، وَ(مُسْنَد البَزَّار)، وَ(سُنَن الدَّارَقُطْنِيّ)، وَ(سُنَن البَيْهَقِيّ)، كَمَا جَمَع ابْن تُوْمَرْت فِي الطّهَارَة.
ثُمَّ كَانَ يُمْلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ عَلَى كِبَارِ دَوْلَته، وَحَفِظَ ذَلِكَ خلق، فَكَانَ لِمَنْ يَحفظُه عَطَاء وَخِلْعَة...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَكَانَ قصدهُ محو مَذْهَب مَالِك مِنَ البِلاَد، وَحَمَلَ النَّاس عَلَى الظَّاهِر، وَهَذَا المقصد بِعَيْنِهِ كَانَ مقصد أَبِيْهِ وَجدّه، فَلَمْ يُظْهِرَاهُ، فَأَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَن ابْن الجَدِّ أَخْبَرَهُم، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ يُوْسُف، فَوَجَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ كِتَاب ابْن يُوْنُسَ، فَقَالَ: أَنَا أَنظر فِي هذَة الآرَاء الَّتِي أُحْدثَت فِي الدِّيْنِ، أَرَأَيْت المَسْأَلَة فِيْهَا أَقْوَال، فَفِي أَيِّهَا الحَقّ؟ وَأَيُّهَا يَجِبُ أَنْ يأْخذَ بِهِ المقلِّد؟
فَافْتتحت أُبَيِّن لَهُ، فَقطع كَلاَمِي، وَقَالَ: لَيْسَ إِلاَّ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى المُصْحَف، أَوْ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى (سُنَن أَبِي دَاوُدَ)، أَوْ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى السَّيْف.
قَالَ يَعْقُوْبُ: يَا مَعْشَر الموحِّدين، أَنْتُم قبَائِل، فَمَنْ نَابه أَمر، فَزِع إِلَى قبيلته، وَهَؤُلاَءِ -يَعْنِي: طلبَة العِلْم- لاَ قبيل لَهُم إِلاَّ أَنَا، قَالَ: فَعظمُوا عِنْد الموحِّدين.
وَفِي سَنَة خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ: غَزَا الفِرنْج، ثُمَّ رَجَعَ، فَمَرِضَ، وَتَكلّم أَخُوْهُ أَبُو يَحْيَى فِي الملك، فَلَمَّا عوفِي، قَتَلَه، وَتهدَّد القَرَابَة. (21/315)
وَفِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ: انتقضت الهدنَة، فَتَجَهَّز، وَعرض جيوشه بِإِشْبِيْلِيَة، وَأَنفق الأَمْوَال، فَقَصَدهُ أَلْفُنْش، فَالتَقَوا، وَكَانَ نصراً عزِيزاً، مَا نَجَا أَلْفُنش إِلاَّ فِي شُريذِمَة، وَاسْتُشْهِدَ مِنَ الكِبَارِ جَمَاعَة، وَاسْتَوْلَى يَعْقُوْب عَلَى قلاع، وَنَازل طليطلَة، ثُمَّ رَجَعَ، ثُمَّ غَزَا، وَوَغل، بِحَيْثُ انْتَهَى إِلَى أَرْضٍ مَا وَصلت إِلَيْهَا المُلُوْك، فَطَلبَ أَلْفُنْش المهَادنَة، فَعُقدتْ عشراً، ثُمَّ رَدَّ السُّلْطَان إِلَى مَرَّاكش بَعْد سَنَتَيْنِ، وَصرَّح بقصد مِصْر.
وَكَانَ يَتولَّى الصَّلاَة بِنَفْسِهِ أَشْهُراً، فَتعوَّق يَوْماً، ثُمَّ خَرَجَ، وَهُم يَنْتظرُوْنَهُ، فَلاَمهُم، وَقَالَ: قَدْ قَدَّمَ الصَّحَابَة عَبْد الرَّحْمَانِ بن عَوْف لِلْعذر، ثُمَّ قرّر إِمَاماً عَنْهُ.
وَكَانَ يَجلسُ لِلْحَكَمِ، حَتَّى اخْتصم إِلَيْهِ اثْنَانِ فِي نِصْفِ، فَقضَى، ثُمَّ أَدَّبهُمَا، وَقَالَ: أَمَّا كَانَ فِي البَلَد حكَّام؟
وَكَانَ يَسْمَع حَكَم ابْن بَقِيٍّ مِنْ وَرَاء السّتر، وَيدخل إِلَيْهِ أُمنَاء الأَسواق، فَيَسْأَلهُم عَنِ الأُمُوْر.
وَتَصدّق فِي الغَزْوَة المَاضيَة بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَار.
وَكَانَ يَجْمَع الأَيْتَام فِي العَامِ، فَيَأْمُر لِلصبِيِّ بدِيْنَار وَثَوْب وَرَغِيْف وَرُمانَة.
وَبَنَى مَارستَان مَا أَظَنّ مِثْله، غرس فِيْهِ مِنْ جَمِيْع الأَشجَار، وَزخرفَه، وَأَجرَى فِيْهِ المِيَاهَ، وَرتَّب لَهُ كُلّ يَوْم ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً لِلأَدويَة، وَكَانَ يَعُوْد المَرْضَى فِي الجُمُعَة. (21/316)
وَوَرَدَ عَلَيْهِ أُمَرَاء مِنْ مِصْرَ، فَأَقطع وَاحِداً تِسْعَة آلاَف دِيْنَار.
وَكَانَ لاَ يَقُوْلُ بالعِصْمَة فِي ابْن تُوْمَرْت.
وَسَأَل فَقِيْهاً: مَا قَرَأْت؟
قَالَ: تَوَالِيف الإِمَام.
قَالَ: فَزَوَرَنِي، وَقَالَ: مَا كَذَا يَقُوْلُ الطَّالب! حكمك أَنْ تَقُوْلَ: قَرَأْت كِتَاب اللهِ، وَقَرَأْت مِنَ السّنَّة، ثُمَّ بَعْد ذَا قُل مَا شِئْت.
قَالَ تَاج الدِّيْنِ ابْن حَمُّوَيْه: دَخَلت مَرَّاكش فِي أَيَّامِ يَعْقُوْب، فَلَقَدْ كَانَتِ الدُّنْيَا بسيَادته مجملَة، يُقصَد لِفَضْلِهِ وَلعدله وَلبذله وَحسن معتقده، فَأَعذب موردِي، وَأَنجح مقصدِي، وَكَانَتْ مَجَالِسُه مُزَيَّنَة بِحُضُوْرِ العُلَمَاء وَالفُضَلاَء، تُفتتَح بِالتِّلاَوَة ثُمَّ بِالحَدِيْثِ، ثُمَّ يَدعُو هُوَ، وَكَانَ يُجِيْد حَفِظ القُرْآن، وَيَحفظ الحَدِيْث، وَيَتكلَّم فِي الفِقْه، وَيُنَاظر، وَيَنسبونه إِلَى مَذْهَب الظَّاهِر.
وَكَانَ فَصِيْحاً، مَهِيْباً، حسن الصُّوْرَة، تَامّ الخلقه، لاَ يُرَى مِنْهُ اكفهرَار، وَلاَ عَنْ مَجَالِسه إِعرَاض، بزِيّ الزُّهَّاد وَالعُلَمَاء، وَعَلَيْهِ جَلاَلَة المُلُوْك، صَنّف فِي العِبَادَات، وَلَهُ (فَتَاو)، وَبَلَغَنِي أَنَّ السودَان قَدَّمُوا لَهُ فِيلاً، فَوصلهُم، وَردّه، وَقَالَ: لاَ نُرِيْد أَن نَكُوْن أَصْحَاب الفِيْل.
ثُمَّ طوّل التَّاج فِي عدله وَكرمه، وَكَانَ يَجْمَع الزَّكَاة، وَيُفرّقهَا بِنَفْسِهِ، وَعَمِلَ مكتباً لِلأَيتَام، فِيْهِ نَحْو أَلف صَبِيّ، وَعَشْرَة مُعَلِّمُوْنَ.
حَكَى لِي بَعْض عُمَّاله: أَنَّهُ فَرّق فِي عيد نَيِّفاً وَسَبْعِيْنَ أَلْفَ شَاة. (21/317)
وَقَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ: كَانَ مُهتّماً بِالبنَاء، كُلّ وَقت يُجدِّد قَصْراً أَوْ مدينَة، وَأَنَّ الَّذِيْنَ أَسلمُوا كرهَا أَمرهُم بلبس كحلِيّ وَأَكمَام مُفرِطَة الطّول، وَكلوتَاتّ ضَخْمَة بشعَة، ثُمَّ أَلْبَسَهُم ابْنه العَمَائِم الصُّفْر، حمل يَعْقُوْب عَلَى ذَلِكَ شكّه فِي إِسلاَمهِم، وَلَمْ تَنعقد عِنْدنَا ذِمَّة ليَهُوْدِيّ وَلاَ نَصْرَانِيّ مُنْذُ قَامَ أَمر المَصَامِدَة، وَلاَ فِي جَمِيْع المَغْرِب كنِيسَة، وَإِنَّمَا اليَهُوْد عِنْدنَا يُظهرُوْنَ الإِسْلاَم، وَيُصلُّوْنَ، وَيُقرِئون أَولاَدَهُمُ القُرْآنَ جَارِيْنَ عَلَى مِلَّتنَا.
قُلْتُ: هَؤُلاَءِ مُسْلِمُوْنَ، وَالسَّلاَم.
وَكَانَ ابْن رُشْدٍ الحَفِيْد قَدْ هذّب لَهُ كِتَاب (الحيوَان)، وَقَالَ: الزُّرَافَة رَأَيْتُهَا عِنْد ملك البَرْبَر، كَذَا قَالَ غَيْر مُهتبل، فَأَحنَقَهُم هَذَا، ثُمَّ سَعَى فِيْهِ مَنْ يُنَاوئه عِنْد يَعْقُوْب، فَأَرَوهُ بِخَطِّهِ حَاكياً عَنِ الفَلاَسِفَة أَنَّ الزُّهرَة أَحَد الآلهَة، فَطَلَبَهُ، فَقَالَ: أَهَذَا خطّك؟
فَأَنْكَر، فَقَالَ: لَعَنَ اللهُ مَنْ كتبه، وَأَمر الحَاضِرِيْنَ بلعنه، ثُمَّ أَقَامَه مُهَاناً، وَأَحرق كتب الفَلْسَفَة سِوَى الطِّبّ وَالهندسَة.
وَقِيْلَ: لَمَّا رَجَعَ إِلَى مَرَّاكش، أَحَبّ النَّظَر فِي الفَلْسَفَة، وَطلب ابْنَ رُشْدٍ ليُحسن إِلَيْهِ، فَحضر، وَمَاتَ، ثُمَّ بَعْد يَسير مَاتَ يَعْقُوْب. (21/318)
وَقَدْ كتب صَلاَح الدِّيْنِ إِلَى يَعْقُوْبَ يَسْتَنجد بِهِ فِي حِصَار عكَّا، وَنفّذ إِلَيْهِ تَقدمَةً، وَخضع لَهُ، فَمَا رضِي لِكَوْنِهِ مَا لقّبه بِأَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، وَلَقَدْ سمح بِهَا، فَامْتَنَعَ مِنْهَا كَاتبه القَاضِي الفَاضِل.
وَقِيْلَ: إِنَّ يَعْقُوْب أَبطل الخَمْر فِي مَمَالِكه، وَتوعّد عَلَيْهَا فَعدمت، ثُمَّ قَالَ لأَبِي جَعْفَرٍ الطَّبِيْب: ركِّب لَنَا ترِيَاقاً، فَأَعوزَه خمر، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: تلطّف فِي تحصيله سرّاً، فَحرص، فَعَجِزَ، فَقَالَ الملك: مَا كَانَ لِي بِالتِّرْيَاق حَاجَة، لَكِن أَردت اخْتبَار بلاَدِي.
قِيْلَ: إِنَّ الأَدفنش كتب إِلَيْهِ يُهدِّده، وَيُعنِّفه، وَيطلب مِنْهُ بَعْض البِلاَد، وَيَقُوْلُ: وَأَنْت تُمَاطل نَفْسك، وَتُقدِّم رِجْلاً، وَتُؤخِّر أُخْرَى، فَمَا أَدْرِي الجبنُ بَطَّأَ بِك، أَوِ التَّكذِيب بِمَا وَعدك نَبِيّك؟
فَلَمَّا قرَأَ الكتاب، تَنمَّر، وَغَضِبَ، وَمزّقه، وَكَتَبَ عَلَى رقعَة مِنْهُ: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ، فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُوْدٍ لاَ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا...} الآيَةَ [النَّمْلُ: 37]، الجَوَابُ مَا تَرَى لاَ مَا تسَمِع.
وَلاَ كُتْب إِلاَّ المشرفِيَّةُ عِنْدنَا*وَلاَ رُسْل إِلاَّ لِلْخَمِيْسِ العَرَمْرَمِ
ثُمَّ استنفر سَائِر النَّاس، وَحشد، وَجَمَعَ حَتَّى احتوَى دِيْوَانُ جَيْشه عَلَى مائَة أَلْف، وَمِنَ المطَّوِّعَة مِثْلهُم، وَعدَّى إِلَى الأَنْدَلُسِ، فَتمّت المَلْحَمَة الكُبْرَى، وَنَزَلَ النَّصْر وَالظفر، فَقِيْلَ: غنمُوا سِتِّيْنَ أَلْفَ زرديَّة. (21/319)
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: قُتِلَ مِنَ العَدُوّ مائَة أَلْف وَسِتَّة وَأَرْبَعُوْنَ أَلْفاً، وَمِنَ المُسْلِمِيْنَ عِشْرُوْنَ أَلْفاً.
وذكره أَبُو شَامَةَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَبعد هَذَا فَاختلفت الأَقْوَال فِي أَمره، فَقِيْلَ: إِنَّهُ ترك مَا كَانَ فِيْهِ، وَتَجرّد، وَسَاح، حَتَّى قَدِمَ المَشْرِق مُتَخفِّياً، وَمَاتَ خَامِلاً، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ مَاتَ بِبَعْلَبَكَّ، وَمِنْهُم مَنْ يَقُوْلُ: رجع إِلَى مَرَّاكش، فَمَاتَ بِهَا، وَقِيْلَ: مَاتَ بِسَلاَ، وَعَاشَ بِضْعاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: إِلَيْهِ تُنسب الدَّنَانِيْر اليَعْقُوْبيَّة.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: حَكَى لِي جمع كَبِيْر بِدِمَشْقَ أَن بِالبِقَاعِ بِالقُرْبِ مِنَ المجدل قَرْيَة يُقَالُ لَهَا: حَمَّارَة، بِهَا مشهد يُعرف بقبر الأَمِيْر يَعْقُوْب ملك المَغْرِب، وَكُلّ أَهْل تِلْكَ النَّاحيَة متفقُوْنَ عَلَى ذَلِكَ.
قيل: الأَظهر مَوْته بِالمَغْرِبِ، فَقِيْلَ: مَاتَ فِي أَوَّلِ جُمَادَى الأُوْلَى، وَقِيْلَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، وَقِيْلَ: مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَة خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَقَدْ يُقَالُ: لَوْ مَاتَ مِثْل هَذَا السُّلْطَان فِي مقرّ عزّه، لَمْ يُخْتَلَفْ هَكَذَا فِي وَفَاتِهِ -فَاللهُ أَعْلَم- لَكِن بُوْيِع فِي هَذَا الحين وَلده مُحَمَّد بن يَعْقُوْبَ المُؤْمِنِيّ. (21/320)
167 - صَاحِبُ غَزْنَةَ مُحَمَّدُ بنُ سَامِ بنِ حُسَيْنٍ الغُوْرِيُّ
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، غِيَاثُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ سَامِ بنِ حُسَيْنٍ الغُوْرِيُّ، أَخُو السُّلْطَانِ شِهَابِ الدِّيْنِ الغُوْرِيِّ.
قَالَ عِزّ الدِّيْنِ ابْن البُزُوْرِيِّ: كَانَ ملكاً عَادِلاً، وَللمَال باذلاً، فَكَانَ محسناً إِلَى الرَّعِيَّةِ، رَؤُوْفاً بِهِم، كَانَتْ بِهِ ثغور الأَيَّام باسمَة، وَكلّهَا بوجُوْده موَاسم.
قرّب العُلَمَاء، وَأَحَبّ الفُضَلاَء، وَبَنَى المَسَاجِد وَالرُّبُط وَالمدَارس، وَأَدرّ الصَّدَقَات، وَبَنَى الخَانَات.
قُلْتُ: كَانَ ابْتدَاء دَوْلَتهِم مُحَارَبَتَهُم لسُلْطَانِهِم بَهْرَامَ شَاه بنِ مَسْعُوْدٍ السُبُكْتِكِيْنِيِّ، وَكَانَ رَأْس أَهْل الغوْر عَلاَء الدِّيْنِ الحُسَيْن بن الحَسَنِ، فَهَزمه بَهْرَامُ شَاه غَيْرَ مَرَّةٍ، وَقَتَلَ إِخْوَته، ثُمَّ تَمَكَّنَ عَلاَء الدِّيْنِ، وَتسلطن، وَأَمّر ابْنَي أَخِيْهِ غِيَاث الدِّيْنِ وَشِهَاب الدِّيْنِ ابْنَي سَام، ثُمَّ قَاتلاَهُ، وَأَسرَاهُ، ثُمَّ تَأَدّبا مَعَهُ، وَردَّاهُ إِلَى ملكه، فَخضع، وَصَاهرهُمَا عَلَى بنِيه، وَجَعَلهُمَا وَلِيَّي عَهْده، فَلَمَّا مَاتَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، تسلطن غِيَاث الدِّيْنِ المَذْكُوْر، وَاسْتَوْلَى عَلَى غَزْنَة، ثُمَّ قهره الغُزّ، وَاسْتولُوا عَلَى غَزْنَة خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً
.
ثُمَّ نهض شِهَاب الدِّيْنِ، وَهَزَمَ الغُزَّ، وَقَتَلَ مِنْهُم خَلاَئِق، وَافتَتَح البِلاَد الشَّاسعَة، وَقصدَ لَهَا، وَردّ بِهَا خسرو شَاه بنَ بَهْرَامَ شَاه آخر مُلُوْك الهِنْد السُبُكْتِكِيْنِيَّة، فَأَخَذَهَا سَنَة تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَأَمّن خسرو شَاه، ثُمَّ بعثَه مَعَ وَلده، وَأَسلمهُمَا إِلَى أَخِيْهِ، فَسجنهُمَا، وَكَانَ آخِر العَهْد بِهِمَا، وَكَانَ دَوْلَتهُم أَزْيد مِنْ مائَتَيْ عَام. (21/321)
وَيُقَالُ: بَلْ مَاتَ خسرو كَمَا قَدَّمْنَا فِي حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْسِيْنَ، وَتسلطن بَعْدَهُ ابْنه مَلِكْشَاه، فَيُحرَّر هَذَا.
وَحكم الغُوْرِيّ عَلَى الهِنْد وَالأَقَالِيم، وَتلقّب بقسيم أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، ثُمَّ سَارَ الأَخوَان، وَافْتَتَحَا هَرَاة وَبُوْشَنْج وَغَيْر ذَلِكَ، ثُمَّ حشدت مُلُوْك الهِنْد، وَعملُوا المَصَافّ، وَانكسر المُسْلِمُوْنَ، وَجُرِحَ شِهَاب الدِّيْنِ، وَسقط، ثُمَّ جمع، وَالتَقَى الهِنْد، فَاسْتَأصلهُم، وَطوَى المَمَالِك.
نعم، وَكَانَ غِيَاث الدِّيْنِ وَاسِع البِلاَد، مُظَفَّراً فِي حُرُوْبه، وَفِيْهِ دهَاء، وَمكر، وَشجَاعَة، وَإِقدَام.
وَتمرّض بِالنِّقْرِس.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَسقط مُكُوسَ بلاَده، وَكَانَ يَرْجِع إِلَى فَضِيْلَة وَأَدب.
وَكَانَ يَقُوْلُ: التعصّب فِي المَذَاهِب قبيح.
وَقَدِ امتدت أَيَّامه، وَتَمَلَّكَ بَعْدَ عَمّه، وَلَهُ غَزَوَات وَفُتُوْحَات.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ أَخُوْهُ السُّلْطَان شِهَاب الدِّيْنِ مُدَّة، ثُمَّ قُتِلَ غِيلَة، وَتسلطن بَعْدَهُ ابْنُ أَخِيْهِ السُّلْطَان غِيَاث الدِّيْنِ مَحْمُوْد بن مُحَمَّد، ثُمَّ تَملّك غُلاَمهُم السُّلْطَان تَاج الدِّيْنِ إِلْدُز، وَاستولَى عَلَى مَدَائِن، وَعظُم أَمره، ثُمَّ قُتِلَ فِي مَصَافّ.
وَلهذه المَمْلَكَة جيوش عَظِيْمَة جِدّاً. (21/322)
168 - أَخُوْهُ: السُّلْطَانُ شِهَابُ الدِّيْنِ أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ سَامٍ
قتلته البَاطِنِيَّة فِي شَعْبَان، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: قَتَلَ صَاحِبُ الهِنْدِ شِهَابَ الدِّيْنِ بِمخيَّمه بَعْد عَوْده مِنْ لُهَاوور، وَذَلِكَ أَنَّ نَفراً مِنَ الكُفَّارِ الكوكرِيَّة لزمُوا عَسْكَره ليغتَالُوْهُ، لِمَا فَعل بِهِم مِنَ القتل وَالسّبْي، فَتفرّق خوَاصّه عَنْهُ لَيْلَة، وَكَانَ مَعَهُ مِنَ الخَزَائِن مَا لاَ يُوْصَف؛ ليُنفقهَا فِي العَسَاكِر لغزو الخَطَا، فَثَار بِهِ أَولئك، فَقتلُوا مِنْ حرسه رَجُلاً، فَثَارت إِلَيْهِ الحرس عَنْ موَاقفهِم، فَخلاَ مَا حَوْل السّرَادِق، فَاغتنم أَولئك الوَقْت، وَهجمُوا عَلَيْهِ، فَضربوهُ بِسكَاكينهِم، وَنَجوا، ثُمَّ ظُفِرَ بِهِم، وَقُتِلُوا، وَحَفِظَ الوَزِيْر وَالأُمَرَاء الأَمْوَال، وَصَيَّرُوا السُّلْطَان فِي مِحَفَّة، وَدَارُوا حَوْلهَا بِالحشمِ وَالصّنَاجق، وَكَانَتْ خَزَائِنه عَلَى أَلْفَي جمل وَمائَتَيْنِ، فَقَدمُوا كِرْمَان، فَخَرَجَ إِلَيْهِم الأَمِيْر تَاج الدِّيْنِ إِلْدُز، فَشَقَّ ثيَابه، وَبَكَى، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، وَتطلّع تَاج الدِّيْنِ إِلَى السّلطنَة، وَدُفن شِهَاب الدِّيْنِ بِتربَة لَهُ بغَزْنَة، وَكَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، مَهِيْباً، جَيِّد السّيرَة، يَحكم بِالشّرع.
بَلَغَنَا أَن فَخْر الدِّيْنِ الرَّازِيّ وَعظ مرَّة عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا سُلْطَان العَالم، لاَ سُلْطَانك يَبْقَى، وَلاَ تلبيس الرَّازِيّ يَبْقَى{وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللهِ، وَأَنَّ المُسْرِفِيْنَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غَافر: 43].
قَالَ: فَانْتحب السُّلْطَان بِالبُكَاء.
وَكَانَ شَافِعِيّاً كَأَخِيْهِ، وَقِيْلَ: كَانَ حنفِيّاً. (21/323)
169 - ابْنُ القَصَّابِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، مُؤَيّدُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ ابْنِ القَصَّابِ البَغْدَادِيُّ.
مِنْ رِجَالِ الدَّهْر شَهَامَة، وَهَيْبَة، وَحَزْماً، وَغوراً، وَدهَاء، مَعَ النّظم وَالنّثر وَالبلاغَة.
نَاب فِي الوزَارَة، وَخدم فِي دِيْوَان الإِنشَاء، وَسَارَ فِي العَسَاكِر، فَافْتَتَحَ هَمَذَان وَأَصْبَهَان، وَحَاصَرَ الرَّيّ، وَرجع، فَولِي الوزَارَة، وَسَارَ فِي جَيْش عَظِيْم إِلَى هَمَذَان، فَجَاءهُ المَوْت فِي شَعْبَان، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ جَاوَزَ سَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ أَبُوْهُ قصَّاباً عجمِيّاً بسُوْق الثُّلاَثَاء، ثُمَّ نَبَشَه خُوَارِزْمشَاه مِنْ قَبْره، وَقطعَ بِهِ، وَطَافَ بِهِ عَلَى رمحٍ بِخُرَاسَانَ. (21/324)
170- ابْنُ المَقْرُوْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو شُجَاعٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ أَبِي المَعَالِي ابْنِ المَقْرُوْنِ البَغْدَادِيُّ، اللَّوْزِيُّ، مِنْ مَحَلَّةِ اللَّوْزِيَّة.
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَجَوَّد القِرَاءات عَلَى: أَبِي مُحَمَّدٍ سِبْط الخَيَّاط، وَأَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُزُوْرِيّ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ كِتَاب (الجعديَات) بكمَاله.
وَقرَأَه عَلَيْهِ الزِّين ابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَلِيّ ابْن الصَّبَّاغ، وَأَبِي الفَتْحِ البَيْضَاوِيّ، وَسِبْط الخَيَّاط، وَأَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ، وَعِدَّة. (21/325)
وَرَوَى الكَثِيْر، وَأَقرَأَ الكِتَاب العَزِيْز سِتِّيْنَ عَاماً، وَكَانَ مُحقّقاً لحروفه، عَامِلاً بِحُدُوْده، يَأْكُل مِنْ كسب يَده، وَيَتعفّف وَيَتعبّد، وَيَأْمر بِالمَعْرُوف، وَلاَ يَخَاف فِي اللهِ لُوْمَة لاَئِم.
لقّن الأَوْلاَد وَالآبَاء وَالأَجدَاد.
قرَأَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَات خلق، مِنْهُم: أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَقَالَ: نِعْمَ الشَّيْخ.
كَانَ دفنُهُ بِصُفَّةِ بِشْرٍ الحَافِي.
قُلْتُ: وَحَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخ الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْل، وَالتَّقِيّ اليَلْدَانِيّ، وَالنَّجِيْب الحَرَّانِيّ، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: لَقَّنَ خلقاً لاَ يُحصَوْنَ، وَحُمِلَت جِنَازَته عَلَى الرُّؤُوس، مَا رَأَيْتُ جمعاً أَكْثَر مِنْ جمع جِنَازَته.
قَالَ: وَكَانَ مُسْتَجَاب الدعوَة، وَقُوْراً، مَاتَ فِي سَابع عشر رَبِيْع الآخِرِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَمِنْ مَرْوِيَّاته (الجمع بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ) لِلْحُمَيْدِيِّ، تحمَّله عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الغَنَوِيّ، عَنِ المُؤلف، قرَأَه عَلَيْهِ العِزّ مُحَمَّد بن عَبْدِ الغَنِيِّ سَنَة سِتٍّ.
أَجَازَ مَرْوِيَّاته: لأَحْمَدَ بن سَلاَمَةَ، وَعَلِيّ ابْن البُخَارِيِّ، وَجَمَاعَة. (21/326)
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق