إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 25 فبراير 2015

2727 سِيَرُ أعْلام النبَلاء ( الإمام الذهبي ) 231 - ابْنُ القَطَّانِ هِبَةُ اللهِ بنُ الفَضْلِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ



2727


سِيَرُ أعْلام النبَلاء ( الإمام الذهبي )

231 - ابْنُ القَطَّانِ هِبَةُ اللهِ بنُ الفَضْلِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ


الشَّيْخُ الأَدِيْبُ، البَارعُ، شَاعِرُ بَغْدَادَ، أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ الفَضْلِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ، المَتُّوثِي، ابْنُ القَطَّانِ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا الفَضْلِ بنَ خَيْرُوْنَ، وَأَبَا طَاهِرٍ أَحْمَدَ بنَ الحَسَنِ البَاقِلاَّنِيَّ، وَابْنَ طَلْحَةَ النِّعَالِيَّ.
وَلَهُ هِجَاءٌ مُقْذِعٌ، وَمديحٌ فَائِقٌ.
رَوَى عَنْهُ السَّمْعَانِيُّ، وَقَالَ: سَأَلتُهُ عَنْ مَوْلِدِهِ، فَقَالَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الفِطْرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَ(دِيْوَانُهُ) مَشْهُوْرٌ، وَقَدْ هجَا الحيص بيص.
وَجدُّهُ هُوَ شَيْخُ الخَطِيْبِ، المُحَدِّثُ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الفَضْلِ القَطَّانُ، وَكَانَ فِيْهِ دُعَابَةٌ، وَانطبَاعٌ، وَمِمَّنْ يُتَّقَى لِسَانُهُ. (20/340)

232 - جَعْفَرُ بنُ زَيْدِ بنِ جَامِعِ بنِ حُسَيْنٍ الطَّائِيُّ


الإِمَامُ الفَاضِلُ، أَبُو الفَضْلِ الطَّائِيُّ، الشَّامِيُّ، الحَمَوِيُّ، وَيُلَقَّبُ بِأَبِي زَيْدٍ.
سَكَنَ بَغْدَادَ بِقَطُفْتَا.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ المُبَارَكِ وَأَبِي سَعْدٍ أَحْمَدَ ابْنَيْ عَبْدِ الجَبَّارِ الصَّيْرَفِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ، وَأَبِي طَالِبٍ اليُوْسُفِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَأَبِي العِزِّ بنِ كَادشٍ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ كَثِيْراً، وَخَطُّهُ مَضْبُوْطٌ، وَخَرَّجَ تَخَارِيجَ، وَسَمِعَ مِنْهُ القُدَمَاءُ، وَكَانَ مَشْهُوْراً بِالدِّينِ وَالصَّلاَحِ وَحُسْنِ الطَّرِيقَةِ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الزَّبِيْدِيِّ. (20/341)
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: أَبُو زَيْدٍ الحَمَوِيُّ شَيْخٌ صَالِحٌ، خَيِّرٌ، كَثِيْرُ العِبَادَةِ، دَائِمُ التِّلاَوَةِ، مُشْتَغِلٌ بِنَفْسِهِ، لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ مِنْ جُمُعَةٍ إِلَى جُمُعَةٍ، كَتَبْتُ عَنْهُ.
قُلْتُ: مَا أُرَاهُ أَدْرَكَ أَبَا الحُسَيْنِ بنَ الطُّيُوْرِيِّ، بَلَى سَمِعَ مِنْ أَخِيْهِ.
قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ ثَلاَثٍ - أَوْ خَمْس - وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: لَهُ: كِتَابُ (البُرْهَانِ) فِي السُّنَّةِ، سَمِعْنَاهُ، وَعَلَيْهِ فِيْهِ مَآخذُ -رَحِمَهُ اللهُ-.

أَخْبَرْنَا ابْنُ مُؤْمِنٍ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ زَيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ العُكْبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ الحَرْبِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَرْدَكَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
نُثْبِتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي جَاءَ بِهَا القُرْآنُ، وَوَرَدَتْ بِهَا السُّنَّةُ، وَننفِي التَّشبيهَ عَنْهُ كَمَا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّورى: 11].
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو سَعْدٍ مُنجحُ بنُ مفلِحٍ الدُّومِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ النَّيْسَابُوْرِيُّ سِبْطُ القُشَيْرِيِّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ جَعْفَرِ بنِ المُتَوَكِّلِ، وَأَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ قَفَرْجَلَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ العَبَّاسِيُّ. (20/342)

233 - أَبُو مُحَمَّدٍ عَدِيُّ بنُ صَخْرٍ الشَّامِيُّ


الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الصَّالِحُ، القُدْوَةُ، زَاهِدُ وَقتِهِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَدِيُّ بنُ صَخرٍ الشَّامِيُّ.
وَقِيْلَ: عَدِيُّ بنُ مُسَافِرِ - وَهَذَا أَشهرُ - ابْنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُوْسَى الشَّامِيُّ، ثُمَّ الهَكَّارِيُّ مَسْكَناً.
قَالَ الحَافِظُ عَبْدُ القَادِرِ: سَاح سِنِيْنَ كَثِيْرَةً، وَصَحِبَ المَشَايِخَ، وَجَاهدَ أَنْوَاعاً مِنَ المُجَاهِدَاتِ، ثُمَّ إِنَّهُ سَكَنَ بَعْضَ جبالِ الموصلِ فِي مَوْضِع لَيْسَ بِهِ أَنِيسٌ، ثُمَّ آنسَ اللهُ تِلْكَ المَوَاضِعَ بِهِ، وَعمَّرهَا بِبَرَكَاتِهِ، حَتَّى صَارَ لاَ يَخَافُ أَحَدٌ بِهَا بَعْدَ قطْعِ السُّبُلِ، وَارتدَّ جَمَاعَةٌ مِنْ مفسدِي الأَكرَادِ بِبَرَكَاتِهِ، وَعُمِّرَ حَتَّى انتفعَ بِهِ خَلْقٌ، وَانتشرَ ذِكْرُهُ، وَكَانَ مُعَلِّماً لِلْخيرِ، نَاصحاً، متشرِّعاً، شدِيداً فِي اللهِ، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ، عَاشَ قَرِيْباً مِنْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً، مَا بَلَغَنَا أَنَّهُ بَاعَ شَيْئاً وَلاَ اشْتَرَى، وَلاَ تلَبَّسَ بِشَيْءٍ مِنْ أَمرِ الدُّنْيَا، كَانَتْ لَهُ غُلَيْلَةٌ يَزْرَعُهَا بِالقَدُومِ فِي الجبلِ، وَيَحصدُهَا، وَيَتقَوَّتُ، وَكَانَ يَزرَعُ القطنَ وَيَكْتَسِي مِنْهُ، وَلاَ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ أَحَدٍ شَيْئاً.
وَكَانَتْ لَهُ أَوقَاتٌ لاَ يُرَى فِيْهَا مُحَافظَةً عَلَى أَورَادِهِ، وَقَدْ طُفْتُ مَعَهُ أَيَّاماً فِي سوَادِ المَوْصِلِ، فَكَانَ يُصَلِّي مَعَنَا العشَاءَ، ثُمَّ لاَ نَرَاهُ إِلَى الصُّبْحِ. (20/343)

وَرَأَيْتُهُ إِذَا أَقْبَلَ إِلَى قَرْيَةٍ، يَتلقَّاهُ أَهْلُهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْمَعُوا كَلاَمَهُ تَائِبينَ، رِجَالُهُم وَنِسَاؤُهُم، إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ مِنْهُم.
وَلَقَدْ أَتَيْنَا مَعَهُ عَلَى دَيرِ رُهبَانٍ، فَتَلَقَّانَا مِنْهُم رَاهِبَانِ، فَكشفَا رَأْسَيْهِمَا، وَقَبَّلاَ رِجْلَيْهِ، وَقَالاَ: ادْعُ لَنَا، فَمَا نَحْنُ إِلاَّ فِي بَرَكَاتِكَ.
وَأَخْرَجَا طبقاً فِيْهِ خُبْزٌ وَعَسَلٌ، فَأَكَلَ الجَمَاعَةُ.
وَخَرَجتُ إِلَى زِيَارَةِ الشَّيْخِ أَوّلَ مرَّةٍ، فَأَخَذَ يُحَدِّثُنَا، وَيَسْأَلُ الجَمَاعَةَ وَيُوَانِسهُم، وَقَالَ: رَأَيْتُ البَارِحَةَ فِي النَّوْمِ كَأَنَّنَا فِي الجَنَّةِ، وَنَحْنُ يَنْزِلُ عَلَيْنَا شَيْء كَالبَرَدِ، ثُمَّ قَالَ: الرَّحْمَةُ، فَنظرتُ إِلَى فَوْقَ رَأْسِي فَرَأَيْتُ نَاساً، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاَءِ؟
فَقِيْلَ: أَهْلُ السُّنَّةِ، وَالصِّيتُ لِلْحَنَابِلَةِ.
وَسَمِعْتُ شَخْصاً يَقُوْلُ لَهُ: يَا شَيْخ! لاَ بَأْسَ بِمُدَارَاةِ الفَاسِقِ؟
فَقَالَ: لاَ يَا أَخِي! دِينٌ مكتُوْمٌ، دِينٌ ميشومٌ.
وَكَانَ يُوَاصِلُ الأَيَّامَ الكَثِيْرَةَ عَلَى مَا اشْتُهِرَ عَنْهُ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَانَ يَعتقدُ أَنَّهُ لاَ يَأْكُلُ شَيْئاً قَطُّ، فَلَمَّا بلَغَهُ ذَلِكَ، أَخَذَ شَيْئاً وَأَكَلَهُ بِحضرَةِ النَّاسِ، وَاشْتُهِرَ عَنْهُ مِنَ الرِّيَاضَاتِ وَالسِّيَرِ وَالكَرَامَاتِ وَالانتِفَاعِ بِهِ مَا لَوْ كَانَ فِي الزَّمَانِ القَدِيْمِ، لَكَانَ أُحْدُوثَةً.

وَرَأَيْتُهُ قَدْ جَاءَ إِلَى المَوْصِلِ فِي السَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا، فَنَزَلَ فِي مَشْهدٍ خَارِجَ المَوْصِلِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ وَأَصْحَابُ الولاَيَاتِ وَالمَشَايِخُ وَالعوَامُّ، حَتَّى آذوهُ مِمَّا يُقبِّلُوْنَ يَدَهُ، فَأُجْلِسَ فِي مَوْضِعٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ شُبَّاكٌ بِحَيْثُ لاَ يَصلُ إِلَيْهِ أَحَدٌ إِلاَّ رُؤْيَةً، فَكَانُوا يُسلِّمُوْنَ عَلَيْهِ وَيَنصرفُوْنَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى زَاوِيَتِهِ. (20/344)
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: أَصلُهُ مِنْ بَيْتِ فَار مِنْ بِلاَدِ بَعْلَبَكَّ، وَتوجَّهَ إِلَى جبلِ الهَكَّارِيَّةِ، وَانقطعَ، وَبَنَى لَهُ زَاويَةً، وَمَال إِلَيْهِ أَهْلُ البِلاَدِ مَيْلاً لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وَسَارَ ذِكْرُهُ فِي الآفَاقِ، وَتَبِعَهُ خَلْقٌ، جَاوَزَ اعْتِقَادُهُم فِيْهِ الحدَّ، حَتَّى جَعَلُوْهُ قِبْلَتَهُم الَّتِي يُصلُّوْنَ إِلَيْهَا، وَذَخيرتَهُم فِي الآخِرَةِ، صَحِبَ الشَّيْخَ عَقِيلاً المَنْبِجِيَّ، وَالشَّيْخَ حَمَّاداً الدَّبَّاسَ، وَغَيْرَهُمَا، وَعَاشَ تِسْعِيْنَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ مُظَفَّرُ الدِّينِ صَاحِبُ إِرْبِل: رَأَيْتُ الشَّيْخَ عَدِيَّ بنَ مُسَافِرٍ وَأَنَا صَغِيْرٌ بِالمَوْصِلِ، وَهُوَ شَيْخٌ رَبْعَةٌ أَسْمَرُ اللَّوْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
قُلْتُ: نَقلَ الحَافِظُ الضِّيَاءُ، عَنْ شَيْخٍ لَهُ: أَنَّ وَفَاتَهُ كَانَتْ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنَ السَّنَةِ. (20/345)

234 - ابْنُ الحُطَيْئَةِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ اللَّخْمِيّ

ُ
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ هِشَامٍ اللَّخْمِيُّ، المَغْرِبِيُّ، الفَاسِيُّ، المُقْرِئُ، النَّاسخُ، ابْنُ الحُطَيْئَةِ.
مَوْلِدُهُ: بِفَاسٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَحَجَّ، وَلَقِيَ الكِبَارَ، وَتَلاَ بِالسَّبْعِ عَلَى: أَبِي القَاسِمِ بنِ الفَحَّامِ الصَّقَلِّيِّ، وَغَيْرِهِ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنُ مُشَرِّفٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَصَنِيعَةُ المُلْكِ ابْنُ حَيْدَرَةَ، وَشُجَاعُ بنُ مُحَمَّدٍ المُدْلِجِيّ، وَالأَثيرُ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بِنَانٍ - وَقرَأَ عَلَيْهِ - وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ اللَّمْطِيُّ، وَالنَّفِيْسُ أَسَعْدُ بنُ قَادوسٍ خَاتمَةُ أَصْحَابِهِ.

وَقَدْ دَخَلَ الشَّامَ، وَزَارَ وَسَكَنَ مِصْرَ، وَتَزَوَّجَ، وَكَانَ يَعيشُ مِنَ الوِرَاقَةِ، وَعلَّمَ زوجتَهُ وَبِنْتَهُ الكِتَابَةَ، فَكَتَبتَا مِثْلَهُ، فَكَانَ يَأْخذُ الكِتابَ، وَيَقسِمُهُ بَيْنَهُ وَبينهُمَا، فَيْنسخُ كُلٌّ مِنْهُمَا طَائِفَةً مِنَ الكِتَابِ، فَلاَ يُفرَّقُ بَيْنَ الخُطُوطِ إِلاَّ فِي شَيْءٍ نَادِرٍ، وَكَانَ مُقيماً بِجَامِعِ رَاشِدَةَ خَارِجَ الفُسْطَاطِ، وَلأَهْلِ مِصْرَ حَتَّى أُمرَائِهَا العُبَيْدِيَّةُ فِيْهِ اعْتِقَادٌ كَبِيْرٌ، كَانَ لاَ يَقبلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، مَعَ العِلْمِ وَالعملِ وَالخوفِ وَالإِخْلاَصِ.
وَتَلاَ أَيْضاً بِالسَّبْعِ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ بنِ بَلِّيمَةَ، وَعَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الحَضْرَمِيِّ.
وَأَحكَمَ العَرَبِيَّةَ وَالفِقْهَ، وَخَطُّهُ مرغوبٌ فِيْهِ، لإِتقَانِهِ وَبَرَكتِهِ. (20/346)
وَقَدْ كَانَ حَصَلَ قَحطٌ بِمِصْرَ، فَبذلَ لَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَطَاءً، فَأَبَى وَقنِعَ، فَخطبَ الفَضْلُ بنُ يَحْيَى الطَّوِيْلُ إِلَيْهِ بِنْتَهُ، فَزوَّجَهُ، ثُمَّ طلبَ مِنْهُ أُمَّهَا لِتُؤنِسَهَا، فَفَعَل، فَمَا أَجْمَلَ تلطُّفَ هَذَا المَرْء فِي بِرِّ أَبِي العَبَّاسِ؟
قَالَ السِّلَفِيُّ: كَانَ ابْنُ الحطيئَةِ رَأْساً فِي القِرَاءاتِ، وَقَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي الطَّاهِرِ بنِ الأَنْمَاطِيِّ، قَالَ:
سَمِعْتُ شَيْخنَا شُجَاعاً المُدْلِجِيّ - وَكَانَ مِنْ خيَارِ عُبَّادِ اللهِ - يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ الحطيئَةِ شدِيداً فِي دِينِ اللهِ، فَظّاً غليظاً عَلَى أَعْدَاءِ اللهِ، لَقَدْ كَانَ يَحضُرُ مَجْلِسَهُ دَاعِي الدُّعَاةِ، مَعَ عِظَمِ سُلْطَانِهِ، وَنُفوذِ أَمرِهِ، فَمَا يَحتشمُهُ وَلاَ يُكرِمُهُ، وَيَقُوْلُ: أَحْمَقُ النَّاسِ فِي مَسْأَلَةِ كَذَا وَكَذَا الرَّوَافضُ، خَالفُوا الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَكفرُوا بِاللهِ.

وَكُنْتُ عِنْدَهُ يَوْماً فِي مسجدِهِ بشرَفِ مِصْرَ، وَقَدْ حضَرَهُ بَعْضُ وُزرَاءِ المِصْرِيّينَ، أَظنُّهُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَاسْتسقَى فِي مَجْلِسِهِ، فَأَتَاهُ بَعْضُ غِلمَانِهِ بِإِنَاء فِضَّةٍ، فَلَمَّا رَآهُ ابْنُ الحطيئَةِ، وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فُؤَادِهِ، وَصرَخَ صرخَةً ملأَتِ المَسْجَدَ، وَقَالَ: وَاحرَّهَا عَلَى كبدِي! أَتَشْرَبُ فِي مَجْلِسٍ يُقرَأُ فِيْهِ حَدِيْثُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي آنِيَةِ الفِضَّةِ؟! لاَ وَاللهِ لاَ تَفْعَلْ.
وَطَردَ الغُلاَمَ، فَخَرَجَ وَطلبَ الشَّيْخُ كُوزاً، فَجِيْءَ بِكُوزٍ قَدْ تَثَلَّمَ، فَشرِبَ وَاسْتَحيَى مِنَ الشَّيْخِ، فَرَأَيْتُهُ -وَاللهِ- كَمَا قَالَ اللهُ: {يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيْغُهُ} [إِبراهِيمُ: 17]. (20/347)
قَالَ: وَأَتَى رَجُلٌ إِلَى شَيْخِنَا ابْنِ الحطيئَةِ بِمِئْزَرٍ، وَحَلَفَ بِالطَّلاَقِ ثَلاَثاً لاَ بُدَّ أَنْ يَقبَلَهُ.
فَوبَّخَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: عَلِّقْهُ عَلَى ذَاكَ الوتَدِ.
فَلَمْ يَزَلْ عَلَى الوتدِ حَتَّى أَكَلَهُ العُثُّ، وَتَسَاقَطَ، وَكَانَ يَنسخُ بِالأُجْرَةِ، وَكَانَ لَهُ عَلَى الجِزْيَةِ فِي السَّنَةِ ثَلاَثَةُ دَنَانِيْرَ، وَلَقَدْ عرضَ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأُمَرَاءِ أَنْ يَزِيْدَ جَامِكيَّتَهُ فَمَا قَبِلَ، وَكَانَ لَهُ مِنَ الموقِعِ فِي قُلُوْبِهِم مَعَ كَثْرَةِ مَا يُهِينُهُم مَا لَمْ يَكُنْ لأَحدٍ سِوَاهُ، وَعَرَضُوا عَلَيْهِ القَضَاءَ بِمِصْرَ، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَقضِي لَهُم...
إِلَى أَنْ قَالَ شُجَاعٌ: وَكَتَبَ (صَحِيْحَ مُسْلِمٍ) كُلَّهُ بِقَلَمٍ وَاحِدٍ، وَسَمِعتُهُ وقِيْلَ لَهُ: فُلاَنٌ رُزِقَ نِعمَةً وَمَعدَةً، فَقَالَ: حَسَدُوْهُ عَلَى التَّردُّدِ إِلَى الخلاَءِ.

وَسَمِعته كَثِيْراً إِذَا ذُكِرَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُوْلُ: طُوِيَتْ سَعَادَةُ المُسْلِمِيْنَ فِي أَكْفَانِ عُمَرَ.
وَذَكرنَا فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ): أَنَّ النَّاسَ بَقُوا بِمِصْرَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ بِلاَ قَاضٍ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ، فَوَقَعَ اخْتيَارُ الدَّوْلَةِ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي العَبَّاسِ، فَاشترَطَ عَلَيْهِم شُرُوطاً صعبَةً، مِنْهَا: أَنَّهُ لاَ يَقضِي بِمَذْهَبِهِم، يَعْنِي: الرَّفْضَ، فَلَمْ يُجيبُوا إِلاَّ أَنْ يَقضِيَ عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِيَّةِ.
تلوتُ بِالسَّبْعِ مِنْ طرِيقِهِ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ النَّحْوِيِّ، عَنِ الكَمَالِ العَبَّاسِيِّ، عَنْ شُجَاعٍ المُدْلِجِيّ، عَنْهُ.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ الأَنْمَاطِيِّ: قَالَ لِي شَيْخُنَا شُجَاعٌ:
كَانَ الشَّيْخُ أَبُو العَبَّاسِ قَدْ أَخَذَ نَفْسَهُ بِتقَلِيْلِ الأَكلِ، بِحَيْثُ بَلَغَ فِي ذَلِكَ إِلَى الغَايَةِ، وَكَانَ يَتَعَجَّبُ مِمَّنْ يَأْكُلُ ثَلاَثِيْنَ لُقْمَةً، وَيَقُوْلُ: لَوْ أَكلَ النَّاسُ مِنَ الضَّارِ مَا آكُلُ أَنَا مِنَ النَّافِعِ، مَا اعتلُّوا. (20/348)
قَالَ: وَحَكَى لَنَا شُجَاعٌ: أَنَّ أَبَا العَبَّاسِ وُلِدَتْ لَهُ بِنْتٌ، فَلَمَّا كَبُرَتْ، أَقرَأَهَا بِالسَّبْعِ، وَقَرَأْتْ عَلَيْهِ (الصَّحِيْحَيْنِ) وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَكَتَبتِ الكَثِيْرَ، وَتَعلَّمَتْ عَلَيْهِ كَثِيْراً مِنَ العِلْمِ، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهَا قَطُّ، فَسَأَلتُ شُجَاعاً: أَكَانَ ذَلِكَ عَنْ قَصْدٍ؟

فَقَالَ: كَانَ فِي أَوِّلِ العمرِ اتِّفَاقاً؛ لأَنَّه كَانَ يَشتغلُ بِالإِقْرَاءِ إِلَى المَغْرِبِ، ثُمَّ يَدخلُ بَيْتَهُ وَهِيَ فِي مَهْدِهَا، وَتَمَادَى الحَالُ إِلَى أَنْ كَبُرَتْ، فَصَارَت عَادَةً، وَزَوَّجَهَا، وَدَخَلَتْ بَيْتهَا، وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهَا قَطُّ.
قُلْتُ: لاَ مدحَ فِي مِثْلِ هَذَا، بَلِ السُّنَّةُ بِخلاَفِهِ، فَقَدْ كَانَ سَيِّدُ البَشَرِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحملُ أُمَامَةَ بِنْتَ ابْنتِهِ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ.
تُوُفِّيَ ابْنُ الحطيئَةِ -رَحِمَهُ اللهُ-: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَبرُهُ بِالقَرَافَةِ ظَاهِرٌ يُزَارُ.

235 - الدَّارَانِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الحَسَنِ


ابْنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ الكِنَانِيُّ، الدَّارَانِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
سَمَّعَهُ خَالُهُ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النَّسَائِيُّ مِنْ: سَهْلِ بنِ بِشْرٍ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ الفُرَاتِ.
وَعَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُهُ، وَالمُسَلَّمُ المَازِنِيُّ، وَمُكْرمٌ، وَكَرِيْمَةُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: لَمْ يَكُنِ الحَدِيْثُ مِنْ صنعَتِهِ.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
رَوَى كَثِيْراً مِنْ (سُنَنِ النَّسَائِيِّ الكَبِيْرِ) عَنِ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ. (20/349)



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق