461
موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"
الفصل الثالث "عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب
المبحث الرابع:الجدل الثقافي بين المسلمين والنصارى في عهد الحروب الصليبية:
تاسعاً:آثار دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية:
1-دخول أعداد كبيرة من النصارى في الإسلام:
فمن ذلك مثلاً على مستوى القادة والعلماء النصارى إسلام أحد ملوكهم في شرق الدولة الإسلامية على يد الشيخ مختار بن محمود الزاهدي ()، وإسلام كاتب الديوان في بغداد واسمه جبرائيل بن منصور ت 626ه () ويحي بن عيسى بن جزلة الطبيب البغدادي المتوفيَّ سنة 493ه ()، وكاتب الإنشاء للملك العادل ويقال له: ابن النحال حيث أسلم على يديه في حلب ()، وشيخ نصراني ذو أتباع أسلم على يد أبي شامة المقدسي سنة 661ه () ومن مقدمي الصليبيين الذين اعتنقوا الإسلام عدد من فرسانهم انضموا إلى جيش صلاح الدين معلنين اعتناقهم الدين الإسلامي ()، وفارس صليبي يدعى روبرت أوف سانت ألبانس أحد مقدمي فرسان المعبد أسلم سنة 1185م/580ه وتزوج بإحدى حفيدات صلاح الدين ()، بل إن ابني أخت الملك الإنجليزي ريتشارد قلب الأسد هربا من معسكر الفرنج، والتحقا بجيش صلاح الدين معلنين اعتناقهم الإسلام وذلك سنة 587ه .. حيث أكرمهما، وفارس صليبي مشهور يدعى رانيود أسلم وانضم بفرقته العسكرية إلى المسلمين ()، وكان سفير سلطان مصر إلى الملك الصليبي لويس إفرنجيا اعتنق الإسلام وصار ذا مكانة عند السلطان ()وأما اعتناق رجال الدين النصارى للإسلام فإن هناك إشارات تدل على كثرتهم في هذه الفترة، فمن ذلك مثلاً: إسلام الراهب عبدالله الأرمني على يد الشيخ عبدالله اليونيني المتوفي سنة 617ه وكان زاهداً ورعاً فيه تصوف ()، حيث أسلم أيضاً على يد عبدالله الأرمني راهب آخر كان معتزلاً في صومعة له ()وإسلام أحد علماء النصارى على يد الشيخ مختار بن محمود الزاهدي في خوازم ()، وإسلام عبد الواحد الصوفي ت 639ه والذي كان قسا في كنيسة مريم بدمشق نحواً من سبعين سنة ()وكذلك إسلام دانيال أسقف خابور في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي ()وقد أشار توماس أرنولد نقلاً عن بعض المصادر اللاتينية إلى خلو كثير من الأسقفيات القبطية في بداية القرن الثالث عشر الميلادي في مصر من الأساقفة فمثلاً : في دير القديس مكاريوس وحده لم يبق غير أربعة من القسس بعد أن كان عددهم تجاوز الثمانين في عهد البطريق السابق ()، بل إن بعـض رجال الدين الصليبيين المبشرين الفرنسيسكان الذي أرسل إلى إفريقية لهذه المهمة فعاد مسلماً ()وقد ذكر توماس آرنولد نقلاً عن بعض المصادر الغربية كثرة اعتناق القساوسة الصليبيين الإسلام في هذه الفترة ()، أما اعتناق الإسلام من قبل عامة النصارى فإنه لا إشكال أن العراق وبلاد الشام ومصر وشمال إفريقيا والأندلس وغيرها من البلاد كانت الديانة الغالبة فيها قبل ظهور الإسلام هي النصرانية، ومع انتشار الإسلام دخل الناس فيه من أهل هذه البلاد أفواجاً حتى أصبح الإسلام دين الغالبية، وأصحاب الديانات الأخرى أقلية بالنسبة إليه ()وفي عصر الحروب الصليبية كانت هناك تحولات كبيرة من هذه الأقلية النسبية خاصة من النصارى إلى الإسلام حيث يدل على ذلك، الإشارات المتناشرة في المصادر والمراجع المختلفة، فمن ذلك مثلاً قول سبط ابن الجوزي: .. سمعت جدي على المنبر يقول: بأصبعي هاتين كتب ألفي مجلدة، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ()ألفاً. وأسلم على يدي نحو مائتين من أهل الكتاب ()وفي عهد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله – ولحسـن معاملته لأقباط مصر تحول أعداد كبيرة منهم إلى الإسلام كما ذلك ذكر أحد مؤرخيهم ()وقد قال توماس آرنولد عن كثرة اعتناق القبط للدين الإسلامي: ولكثرة عدد القبط الذين كانوا يعتنقون الإسلام من حين إلى حين أخذ أتباع النبيّ يعتبرونهم أشد ميلاً لقبول الدين الإسلامي من أية طائفة أخرى ()، وبين أنه حتى القرن التاسع عشر الميلادي لم تخل سنة من السنوات لم يتحول فيها القبط إلى الإسلام ()أما إسلام العامة من النصارى الصليبيين فكان كثير جداً في هذه الفترة ، ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره توماس آرنولد نقلاً عن بعض المصادر الغربية أنه في الحملة الصليبية الأولى انفصلت جماعة كبيرة من الألمان وغيرهم من الطائفة الرئيسية لتنضم إلى الجيش السلجوقي المسلم معتنقة الإسلام ()، وفي الحملة الصليبية الثانية انضمت فرقة كبيرة من الجيش الصليبي قوامها أربعة آلاف مقاتل تقريباً إلى جيش المسلمين وذلك بعد فشل هذه الحملة، ولحسن المعاملة التي قوبلت بها هذه الفرقة اعتنق عدد كبير من أفرادها الإسلام بمحض إرادتهم وذلك سنة 542ه - 1148م () وكذلك كانت أخلاق صلاح الدين – رحمه الله تعالى – وحسن معاملته للنصارى الصليبيين دافعاً لأعداد كبيرة منهم إلى اعتناق الإسلام كما حدث بعد معركة حطين ()، بشكل خاص وقد قال أحد الكتاب الغربيين عن ذلك: .. حتى أن نفراً من الفرسان المسيحيين بلغ من قوة انجذابهم إليه أن هجروا ديانتهم المسيحية ()ونقل توماس آرنولد عن بعض المصادر الغربية أنه في الحملة الصليبية الثالثة انضمت أعداد كبيرة من الجيش الصليبي إلى المسلمين حيث اعتنق البعض منهم الإسلام، وقد ساق توماس شهادة مؤرخ غربي على ذلك رافق هذه الحملة، حيث قال هذا المؤرخ: . وفريق من رجالنا .. تراهم يهجرون بني جلدتهم ويفرون إلى الأتراك فلم يترددوا أن يصبحوا في زمرة المرتدين، ولكي يطيلوا أعمارهم الموقوته زمناً قصيراً اشتروا موتاً أبدياً بهذا الكفر المفزع ().
وقد أشار توماس نفسه إلى كثرة تحول الصليبيين إلى الإسلام في فترة الحروب الصليبية حيث قال: ولكن بانتهاء القرن الحادي عشر الميلادي انضم إلى أهالي الشام وفلسطين من المسيحيين عنصر جديد يتألف من هذه الجموع الهائلة من الصليبيين الذين كانوا يدينون بشعائر الأمم اللاتينية .. وظلت تعيش مهددة قرابة قرنين من الزمن، وفي غضون هذه الفترة كانت تحدث من حين لآخر تحولت إلى الإسلام من بين هؤلاء المهاجرين الغرباء ()وقال أيضاً : ... وكان عدد المرتدين عن المسيحية في القرن الثالث عشر الميلادي كثيراً كثرة نلاحظها في سجلات الصليبيين القانونية التي يطلق عليها مجالس قضاء بيت المقدس ()، ومما يدل على كثرة اعتناق النصارى من الصليبيين الإسلام في هذه الفترة فزع أحد قساوستهم في الشام من ذلك وإرساله رسائل إلى البابا ورجال الدين في أوروبا يطلب فيها ألا يرسلوا الضعفاء والفقراء لأنهم أكثر عرضة لأن يفتنهم المسلمون فيعتنقوا الإسلام ().
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق