423
موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"
الفصل الثالث "عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب
المبحث الرابع:الجدل الثقافي بين المسلمين والنصارى في عهد الحروب الصليبية:
سادساً:القائمون على دعوة النصارى في عصر الحروب الصليبية:
1-القادة والولاة:
ومن أبرزهم عماد الدين زنكي الذي ولاه السلطان السلجوقي محمود بن محمد بن ملكشاه الموصل سنة 521ه، فعظم أمره بعد ذلك وتوسعت دولته لشجاعته واقدامه وحرصه على جمع كلمة المسلمين في مواجهة النصارى، قال عنه الذهبي: كان بطلاً شجاعاً مقداماً كأبيه ()وقد كان من أبرز جهوده في مواجهة الفرنج ودعوتهم وضعه أساس الوحدة الإسلامية في الموصل والشام والتي كانت من أهم الأسباب التي مكنت المسلمين من المواجهة وضد زحف النصارى على البلاد الإسلامية؛ حيث دخلت في طاعته مجموعة من المدن المستقلة والمتناحرة بينها وكان قد بدأ بجزيرة ابن عمر سنة 521ه وغير ذلك، وبعد أن حقق هذه الوحدة بدأ بجهاد الصليبيين حيث هزمهم في مواقع كثيرة، وكان من أبرز إنجازاته في ذلك فتحه لإمارة الرها الصليبية سنة 539ه ()وقال أحد الكتاب الأوروبيين عن أهمية هذا الفتح : وسقوط الرها في يد زنكي يعتبر نقطة تحول في الشرق اللاتيني، كما يعتبر بداية النهاية ()، وبعد مقتله عام 541ه تولى ابنه نور الدين محمود زنكي وكان ذا ديانة وورع ومداومة للجهاد محباً للسنة، مظهراً لها مزيلاً للمناكير ممكناً لأهل الخير في دولته ()قال عنه ابن الأثير: طالعت السير فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن من سيرته ولا أكثر تحريا منه للعدل ()، وقال ابن كثير: كان آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر محباً للعلماء والفقراء والصالحين، مبغضاً للظلم، صحيح الاعتقاد.. وكان قد قمع المناكر وأهلها، ورفع العلم والشرع، وكان مدمناً لقيام الليل ()، وقال أبو شامة المقدس: .. كان يعظم العلماء ويجمعهم عنده للبحث والنظر، واستقدمهم إليه من البلاد الشاسعة ()، قال .. رحمه الله مبيناً دور الفقهاء والعلماء في ظهور دولته، ونصره على أعدائه الفرنج: هؤلاء جند الله وبدعائهم ننصر على الأعداء ولهم في بيت المال حق أضعاف ما أعطيهم، فإذا رضوا منا ببعض حقهم فلهم المنة علينا ()، وكان رحمه الله – متمسكاً بالسنة وقافاً عند حدود الله، أظهر في بلاده السنة وأمات البدعة ()، وكان أكثر القادة المسلمين في هذه الفترة مواجهة للنصارى، فمن جهوده المباشرة في دعوتهم مراسلاته مع بعض قادتهم بشأن العلاقات بينهم وبين المسلمين وما تحقق من جراء ذلك للأمة من المصالح، كمراسلاته مع ملك الروم، والتي تمخضت عن هدنه مكنت المسلمين من مواجهة أعداء آخرين ومراسلاته مع ملك الأرمن حيث أدت هذه المراسلات إلى استمالته في صف المسلمين ضد أبناء ملته ()، ومن جهوده المباشرة أيضاً في دعوتهم جهاده المستمر لهم والذي أثمر عن تقلص نفوذهم في بلاد الشام وظهور دولة المسلمين بعد ضعف وفرقة وقد قال ابن الجوزي عن ذلك: .. وجاهد وانتزع من الكفار نيفاً وخمسين مدينة وحصناً ()، بل وأسر بعض قادتهم كصاحب طرابلس وصاحب الروم وابن جوسلين وغيرهم ولهذه الانتصارات الكبيرة على الفرنج والتمكين للمسلمين بعد ضعفهم في الشام مع قلة العسكر في مواجهة تكالب النصارى على المسلمين أدرك بعض النصارى سبب هذه الانتصارات وأنه لا يرجع إلى القوة العسكرية، فحسب بل إلى صبر نور الدين واحتسابه وصدقه وإنابته إلى الله سبحانه مع الأخذ بالأسباب حيث قال بعضهم: .. وابن القسيم له مع الله سر، فإنه لا يظفر علينا بكثرة جنده وعسكره، وإنما يظفر علينا بالدعاء وصلاة الليل، فإنه يصلي بالليل ويرفع يده إلى الله ويدعو فالله سبحانه وتعالى يستجيب له دعاءه ويعطيه سؤاله وما يرده خائباً فيظفر علينا ()، ومن جهوده، غير المباشرة في دعوة النصارى تحقيقه للوحدة بين المسلمين في الموصل والشام ومصر مما كان له أثره الكبير في نجاح عملية الجهاد ()، يضاف إلى ذلك اهتمامه بالعلم والعلماء، حيث بنى المدارس في حلب وحماة ودمشق، وشيد دار الحديث في دمشقن ولا يخفى أثر ذلك في نشر العلم وتثقيف المسلمين مما ساعد على مواجهة شبه النصارى بل ودعوتهم وهكذا كان نور الدين عزاً للمسلمين في الشام ومصر بعد ضعف وظهور النصارى، وكانت جهوده في مواجهة النصارى ودعوتهم الأساس لنجاح جهود من بعده من الولاة والقادة، كصلاح الدين والظاهر بيبرس وغيرهما ().
قال ابن كثير موضحاً الإنسجام التام بين الراعي والرعية: .. وفيها – أي سنة 552ه مرض نور الدين فمرض الشام بمرضه وعوفي ففرح المسلمون فرحاً شديداً ()وبعد حياة حافلة بالجهاد والدعوة توفي نور الدين 569ه في دمشق رحمه الله رحمة واسعة ()ومن أراد التوسع فليراجع كتابي عن الزنكيين.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق