480
موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"
الفصل الثالث "عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب
المبحث الخامس:أسباب سقوط الدولة الأيوبية:
ثانيا:الظلم:
إن الظلم في الدولة كالمرض في الإنسان يعجل في موته بعد أن يقضي المدة المقدرة له وهو مريض، وبانتهاء هذه المدة يحين أجل موته، فكذلك الظلم في الأمة والدولة يعجل في هلاكها بما يحدثه فيها من آثار مدمرة تؤدي إلى هلاكها وإضمحلالها من خلال مدة معينة يعلمها الله هي الأجل المقدر له، أي الذي قدره الله بموجب سنته العامة التي وضعها لآجال الأمم بناء على ما يكون فيها من عوامل البقاء كالعدل، أو من عوامل الهلاك كالظلم الذي يظهر أثرها وهو هلاكها بعد مضي مدة محددة يعلمها الله()، قال تعالى: "ولكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" (الأعراف: 34). قال الألوسي رحمه الله في تفسير هذه الآية : "ولكل أمة أجل"، أي لكل أمة من الأمم الهالكة أجل، أي وقت معين مضروب لاستئصالهم ولكن هلاك الأمم وإن كان شيئاً مؤكداً ولكن وقت حلوله مجهول لنا، أي أننا نعلم يقيناً أن الأمة الظالمة تهلك حتما بسبب ظلمها حسب سنة الله تعالى في الظلم والظالمين، ولكننا لا نعرف وقت هلاكها بالضبط، فلا يمكن لأحد أن يحدد بالأيام ولا بالسنين وهو محدد عند الله تعالى (): "ذلك من أنباءٍ القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد * وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم إلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لمّا جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب * وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد" (هود، آية 100 – 102). إن الآية الكريمة تبين أن عذاب الله ليس مقتصراًً على من تقدم من الأمم الظالمة، بل إن سنته تعالى في أخذ كل الظالمين سنة واحدة فلا ينبغي أن يظن أحد أن هذا الهلاك قاصراً بأولئك الظلمة السابقين؛ لأن الله تعالى لما حكى أحوالهم قال: "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القُرى وهي ظالمة "(هود، آية: 102)، فيبين الله تعالى أن كل من شارك أولئك المتقدمين في أفعالهم التي أدت إلى هلاكهم فلابد أن يشاركهم في ذلك الأخذ الأليم الشديد، فالآية تحذر من خطورة الظلم ().
إن الدولة الكافرة قد تكون عادلة بمعنى أن حكامها لا يظلمون الناس، والناس أنفسهم لا يتظالمون فيما بينهم فهذه الدولة مع كفرها تبقى، إذ ليس من سنته إهلاك الدولة بكفرها ولكن إذا انضم إلى كفرها ظلم حكامها للرعية وتظالم الناس فيما بينهم ()، قال تعالى : "وما كان ربك ليِهُلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " (هود، آية: 117) قال الإمام الرازي رحمه الله في تفسيره: إن المراد من الظلم في هذه الآية : الشرك والمعنى: أن الله تعالى لا يهلك أهل القرى بمجرد كونهم مشركين، إذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم، يعامل بعضهم على الصلاح وعدم الفساد ()، وفي تفسير القرطبي رحمه الله قوله تعالى: "بظلم" أي بشرك وكفر "وأهلها مصلحون"، أي : فيما بينهم في تعاطي الحقوق، ومعنى الآية: إن الله تعالى لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى يضاف إليه الفساد، كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان وقوم لوط باللواط ()، قال ابن تيمية رحمه الله في هلاك الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة: وأمور الناس إنما تستقيم مع العدل الذي يكون فيه الاشتراك في بعض أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق، وإن تشترك في إثم، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال: إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام، وذلك إن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت وإن لم تقم بالعدل، لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزي به في الآخرة ()، ولقد حدثت مظالم عظيمة في عهد الأيوبيين، فقد سفكوا الدماء فيما بينهم، فقاتل الأخ أخيه والعمّ بني أخيه ظلماً وجوراً وتسلطاً على العباد والبلاد وحصرت دمشق وتعرض أهلها للمجاعة بسبب الأهواء والنزوات وإسرف بعض سلاطينهم في المال العام وتمّ الاعتداء في بعض الأحوال على أموال الرعية بدون وجه حق وقد بينّا ذلك في مناسبات عديدة في هذا الكتاب.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق