452
موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"
الفصل الثالث "عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب
المبحث الرابع:الجدل الثقافي بين المسلمين والنصارى في عهد الحروب الصليبية:
ثامنا:أساليب دعوة المسلمين للنصارى:
في عصر الحروب الصليبية اهتم الدعاة المسلمون في جهودهم الدعوية المباركة الموجهة إلى النصارى بجانب الأساليب اهتماماً كبيراً حيث ظهر ذلك جلياً من خلال تنوع هذه الأساليب وتعدد أشكالها واختلاف عرضها ().
2-الأساليب العاطفية:
ب-أسلوب الاستهزاء والتهكم:
في الجهود الدعوية الموجهة إلى النصارى في عصر الحروب الصليبية كثر استخدام هذا الأسلوب من قبل بعض العلماء وربما كان من أسباب ذلك ما صدر من بعض النصارى ورجال دينهم من كلمات فيها شيء من السخرية والتهكم سواء في كتاباتهم أو مناقشاتهم أو مناظراتهم مع المسلمين وذلك تجاه الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم كتداول رسالة ابن غرسيه في الأندلس، والقصيدة التي قيلت على لسان ملك الروم في سب الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم وتداولها في هذه الفترة في الأندلس، وعبارات الحقد والسب والاستهزاء في كتابات بعض مؤرخيهم ورجال دينهم كفوشيه شارتر، وإشارة أحد القساوسة في رسالته لأبي عبيدة الخزرجي إلى كثرة مؤلفات النصارى التي تطعن بالإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم وتستخف بهما ومن مظاهر استخدام هذا الأسلوب من قبِل بعض العلماء المسلمين في هذه الفترة تجاه النصارى ما جاء في ثنايا مناقشة نصر بن يحي المتطبب لبعض عقائد النصارى من عبارات الاستهزاء بعقولهم والاستخفاف بحججهم وطريقة استدلالهم كقولهم : ليس لاعتقادهم أصل يعول عليه، ولا برهان يستند إليه، قد اقتدوا بقوم لا يعقلون واغتروا بجهال لا يفقهون (). وقوله: .. لكني أقول: لا إله إلا الله تعجباً منكم يا ذوي العقول الضعيفة كيف تعتقدون الألوهية في إنسان لا يقدر على تخليص نفسه من الأعداء .. فأين قدرته أيها الغافلون ؟ وأين تمكنه أيها المبطلون ؟ بئس والله ما تعتقدون، إنما أنتم في طغيانكم تعمهون حدتم عن الرشاد، وسلكتم طريق العناد، وكفرتم بالرحمن واتبعتم سنن الشيطان ()ومن مظاهر استخدام هذا الأسلوب لدى القرافي في مناقشته لبعض عقائدهم قوله: .. فأي ضرورة تدعوكم إلى اثبات أنواع الإهانة والعذاب في حق رب الأرباب على زعمكم أيها الدواب الذي يفضي من ضعف عقولهم العجب العجاب () وفي رد الخزرجي على قسيس طليطلة كان في قوله في صدر رسالته إليه: أما بعد أيها الأعجمي الألكن، الطاعن على كتاب الله جهلاً، ولا يُعرف لخطابه فصلاً، والملتمس له تأويلاً، وأنت لم تؤت من العلم كثيراً ولا قليلاً ()واشتد القرطبي في استهزائه وتهكمه في بعض حجج ألوهية المسيح لدى النصارى بقوله: وعلى الجملة فهؤلاء القوم أغبياء جاهلون، وعن التوفيق معزلون، فهم عن المعقولات معرضون وبها مستهزئون، لا يستحيون من خالقهم، ولا يتأدبون مع مالكهم ورازقهم، فسبحان الله عما يقول الجاهلون ()ولا شك أن استعمال أسلوب التهكم والاستهزاء في السخرية من قبل بعض العلماء المسلمين في جهودهم الدعوية الموجهة إلى النصارى قد يجدي في لفت أنظار البعض منهم إلى ضلال ما هم عليه، وأن ما يقوم عليه اعتقادهم وأساس ديانتهم حقاً محل السخرية والتهكم، فربما يكون ذلك دافعاً لتنفيرهم منه وبحثهم عن الحق ومن ثم قبوله ().
ج- أسلوب اللين والتلطف بالخطاب: كان من أبرز أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته بشكل عام اللين والرفق والتلطف بالخطاب؛ فتح الله عز وجل به قلوباً غلفاً وآذناً صماً، قال تعالى: "فبما رحمة من الله لِنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك" (آل عمران، الآية: 159) وقـال صلى الله عليه وسلم: إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف (). وقال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ()وعندما أرسل الله سبحانه وتعالى موسى وأخاه هارون إلى فرعون قال لهما جـلّ وعـلا: "فقولا له قولاً ليناً" (طه، الآية: 44).
ولم تخل الجهود الدعوية الموجهة إلى النصارى في فترة الحروب الصليبية من استخدام هذا الأسلوب وإن كان ذلك بشكل أقل من الأساليب الأخرى ومثال على ذلك؛ رسالة العزاء من صلاح الدين إلى بولدوين الخامس بعد وفاة والده في بيت المقدس وفي مطلع الرسالة: .. خص الله الملك المعظم حافظ بيت المقدس بالجد الصاعد، والسعد الساعد، والحظ الزائد، والتوفيق الوارد ()وكان أيضاً يتخلل بعض ردود العلماء، ومناقشاتهم مع النصارى في هذه الفترة شيء من اللين والرفق والتلطف في الخطاب، ومن ذلك مثلاً : الدعاء لهم بالهداية، كقول الخزرجي في نقاشه مع قسيس طليطلة: .. ونحن نسأل الله سبحانه أن يكشف ما بكم من بشع الضلالة ويتلقاكم بالهداية، فهو فعال لما يريد ()، وقول القرطبي في رده على كتاب تثليث الوحدانية: .. فالله يعلم أني أنظر إليك وإلى كافة خلق الله بعين الرحمة، وأسـأله هـداية من ضّل من هذه الأمة، وأتأسف على الأباطيل التي ينتحلون، فإنا لله وإنا إليه راجعون ()، وفي موضع آخر وبلين عبارة خاطب القرطبي صاحب كتاب التثليث حاضاً له على اعتقاده بنّوة المسيح عليه السلام بقوله: .. فما أجل بكم ألو قلتم فيها الحق الذي ينبغي لهما: إن الله جعل عيسى وأمه آية للناس، هو عبداً ورسولاً وأمه صديقه مباركة ().
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق