1
موسوعة الحروب الصليبية (5)المغول (التتار )بين الانتشار والإنكسار
الفصل الأول:المشروع المغولي وغزوهم لبلاد المسلمين
المبحث الأول:الجذور التاريخية للمغول:
أولاً:أهمية دراسة تاريخ المغول:
يصادف المؤرخ عقبات عسيرة عند محاولته دراسة تاريخ المغول، إذ أن سيرة القبائل البدوية تبدو كأنها لن تتسق أو تنتظم، فإن أحداث تاريخها بلغت من شدة الاضطراب، ما يجعل من المستحيل التماس خيط واحد يضم هذه القبائل بأسرها، فالأحداث الداخلية والحروب التي نشبت دائماً بين القبائل والتي لا بد للمؤرخ من تتبعها حتى يقف على ما يجري بين هذه القبائل من محالفات، كانت من العوامل التي تضلل المؤرخ وتعطله على المضي في دراسته، يضاف إلى ذلك ما أحاط بالتاريخ المبكر للمغول من الغموض والاختلاط بالأساطير، فضلاً عن الافتقار إلى السجلات والوثائق التي يصح الركون إليها ، ومن المتاعب التي يصادفها الباحث أيضاً امتداد واتساع الأراضي التي كانت تنزل فيها الشعوب المغولية، فليس لتاريخ المغول حدود جغرافية، فقد زالت الحواجز التي تحد من استقرارهم، وما اتصف به المغول من بسالة خارقة حملهم على أن يتغلبوا على أخطار الصحاري المترامية الأطراف وأن يجتازوا الجبال، وأن يعبروا البحار والأنهار وأن يقهروا قسوة المناخ، وأن يصبروا على ما تعرضوا له من الأوبئة والمجاعات، فلا يخشون المخاطر، ولا تصدهم المعاقل ولا يحركهم كل توسل للرحمة والرأفة وأينما سرح خيالهم سارت جموعهم، فكم من المدن الزاهرة اندثرت في ليلة واحدة، ولم يبق لها من الأثر سوى الخرائب والتلال التي أقامتها جثث الضحايا وما كان يعقب الغزوات المغولية من هدوء لم يكن في الواقع هو الهدوء الذي يسيطر على عالم سئم القتال والتقاتل، وحرص على أن ينعم من جديد بثمار المدنية، بل كانت الأنفاس الأخيرة التي تلتقطها الأمم قبل أن تتوارى وتختفى نهائياً ، ومن بواعث الاهتمام بدراسة تاريخ المغول، ما كان لهم من تاريخ بالغ الشدة، أو المساحات الشاسعة التي كانت مسرحاً لأعمالهم، فكل محاولة لتقدير طبيعة الدراسة وما نجم عنها من نتائج، سوف تكون شيقة ومثمرة، والمعروف أن المغول قاموا بغزو روسيا والمجر وسيليزيا، وما أوجدوه من تغييرات على مستوى الساحة الأوربية، وهذا التغيير يعكس أيضاً ما نشب من الحروب الصليبية بين المسلمين، والمسيحيين، وما كان من عداء بين البابوية والإمبراطورية، وما تعذر على أوربا والشام من تدمير قوة الحشيشية، كان أمراً بالغ السهولة عند المغول الذين دمروا معاقلهم ومواطنهم سنة 1256م والواقع أن اسم المغولي كان مصدراً للرعب والخوف عند الأوربيين، فأضحوا عاجزين عن مقاومتهم ولو لم ينهض السلطان المملوكي قطز سنة 1260م، لرد الغزاة في لحظة حاسمة، فليس ثمة أدنى شك في أن جانباً كبيراً من أوربا خضع لهم، على أن ما تعرضت له أوربا من خطر المغول، لم يبلغ من الشدة ما بلغه هذا الخطر في آسيا، فما حدث من تدمير بغداد وزوال الخلافة العباسية سنة 1258م واستئصال شأفة أسرة كين، سنة 1234م وهي الأسرة التي كانت تحكم شمال الصين فضلاً عن غزو جنوب الصين وخوارزم وفارس وسائر الأقاليم المجاورة، وإقامة حكم المغول قي الهند، وهذا ليس إلا طائفة من الأحداث التي يكفي الواحد منها الدلالة على أهمية دراسة تاريخ المغول، ومن الظواهر الجديرة بالاهتمام، أنه كلما سقطت حضارة أو مدنية عقبها حركة إحياء ضخمة، تنبعث من بين أنقاض وآثار الحضارة التي دمرتها الغارات المتتالية، فمثلاً بعد استيلاء الرومان على بلاد اليونان، حدثت حركة إحياء في مجال الفنون والآداب وحدث بعد استيلاء العثمانيين على أملاك الدولة البيزنطية بأن ازداد الإقبال على دراسة كنوز المعرفة، وبعد دخول المسلمين لأسبانيا وفتحها وصل إلى أوربا في العصور الوسطى شعاع العلم والطب والفلسفة والشعر، وهذه النماذج تنطبق على المغول، إذ أن سقوط بغداد في أيامهم أدى إلى انتقال مركز الدراسات الإنسانية إلى مصر، وفي نفس الوقت تفرق العلماء والأدباء في أنحاء العالم الإسلامي، فزاد ذلك من قوة الجامعات والمدارس بالجهات التي حلوا بها ، يضاف إلى ذلك أن انتقال مركز الجاذبية من بغداد إلى القاهرة، هيأ للعالم الغربي أن يحصل على ثقافة الشرق وعلومه، بالإضافة إلى الاحتكاك في زمن الحروب الصليبية.
ومن ناحية أخرى، يعتبر ظهور المغول بالغ الأهمية لما حدث في آسيا من تطورات أخرى وأول هذه التطورات وأجدرها بالصدارة، ما جرى من توحيد آسيا، غير أنه لا يصح تفسير هذا بالمعنى المعروف لنا الآن عن الوحدة السياسية أو التجانس فالحكومة المغولية كفلت السلام والأمن في إمبراطورية مترامية الأطراف، فالطرق سابلة مفتوحة، يطمئن المسافر إلى اجتيازها، ما لم يصادف أثناء سيره موكب جنازة لأحد الخانات وعندئذ يكون مصيره الموت المحقق ، ومن خصائص المغول أيضاً، ما اشتهروا به من التسامح الديني، على أن ما جرى من تعليل ذلك التسامح، بأنه يرجع إلى ما اشتهر به المغول من عدم الاكتراث بالدين، يعتبر حكماً لا يستند إلى أساس متين والراجح أن هذا التسامح لم يكن المقصود منه سوى الإفادة من الأشخاص الأكفاء مهما اختلفت ديانتهم .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق