718
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء السادس
وقد قدَّمت الحديث في حجَّة الوداع.
قلت: قد أسلفنا عن جابر بن عبد الله نحو قصة الشَّجرتين، وذكرنا آنفاً عن غير واحد من الصَّحابة نحواً من حديث الجمل لكن بسياق يشبه أن يكون غير هذا، فالله أعلم.
وسيأتي حديث الصَّبيّ الذي كان يصرع ودعاؤه عليه السلام له وبرؤه في الحال من طرق أخرى.
وقد روى الحافظ البيهقيّ عن أبي عبد الله الحاكم وغيره، عن أبي العبَّاس الأصمّ، عن أحمد بن عبد الجبَّار، عن يونس بن بكير، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزُّبير، عن جابر قال: خرجت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر، وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أراد البراز تباعد حتى لا يراه أحد فنزلنا منزلاً بفلاة من الأرض ليس فيها علم ولا شجر.
فقال لي: يا جابر خذ الأداوة وانطلق بنا، فملأت الأداوة ماء وانطلقنا فمشينا حتى لا نكاد نرى فأتى شجرتان بينهما أذرع فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يا جابر انطلق فقل لهذه الشَّجرة: يقول لك رسول الله: الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما)) ففعلت فرجعت فلحقت بصاحبتها فجلس خلفها حتى قضى حاجته، ثمَّ رجعنا فركبنا رواحلنا فسرنا كأنما على رؤسنا الطَّير تظلنا، وإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا يأخذه الشَّيطان كل يوم ثلاث مرات لا يدعه، فوقف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرَّحل فقال: ((إخسأ عدوَّ الله، أنا رسول الله)) وأعاد ذلك ثلاث مرات ثمَّ ناولها إيَّاه، فلمَّا رجعنا وكنَّا بذلك الماء عرضت لنا تلك المرأة ومعها كبشان تقودهما والصَّبيّ تحمله.
فقالت: يا رسول الله إقبل مني هديتي، فوالذي بعثك بالحقّ إن عاد إليه بعد.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((خذوا أحدهما وردُّوا الآخر)). (ج/ص:6/156)
قال: ثمَّ سرنا ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيننا فجاء جمل نادّ فلمَّا كان بين السماطين خرَّ ساجداً.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يا أيُّها النَّاس من صاحب هذا الجمل؟))
فقال فتية من الأنصار: هو لنا يا رسول الله.
قال: ((فما شأنه؟))
قالوا: سنونا عليه منذ عشرين سنة، فلمَّا كبرت سنه وكانت عليه شحيمة أردنا نحره لنقسمه بين غلمتنا.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((تبيعونيه؟))
قالوا: يا رسول الله هو لك.
قال: ((فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله)).
قالوا: يا رسول الله نحن أحقّ أن نسجد لك من البهائم.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا ينبغي لبشر أن يسجد لبشر، ولو كان ذلك كان النِّساء لأزواجهن)).
وهذا إسناد جيد رجاله ثقات.
وقد روى أبو داود وابن ماجه من حديث إسماعيل بن عبد الملك ابن أبي الصفراء عن أبي الزُّبير، عن جابر أنَّ رسول الله كان إذا ذهب المذهب أبعد.
ثمَّ قال البيهقيّ: وحدَّثنا أبو عبد الله الحافظ، أنَّا أبو بكر بن إسحاق، أنَّا الحسين بن علي بن زياد، ثنا أبو حمنة، ثنا أبو قرة عن زياد - هو ابن سعد - عن أبي الزبير أنَّه سمع يونس بن خبَّاب الكوفيّ يحدِّث أنَّه سمع أبا عبيدة يحدِّث: عن عبد الله بن مسعود، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه كان في سفر إلى مكة فذهب إلى الغائط وكان يبعد حتى لا يراه أحد.
قال: فلم يجد شيئاً يتوارى به، فبصر بشجرتين، فذكر قصة الشَّجرتين، وقصَّة الجمل بنحو من حديث جابر.
قال البيهقيّ: وحديث جابر أصحّ.
قال: وهذه الرِّواية ينفرد بها زمعة بن صالح، عن زياد - أظنه ابن سعد - عن أبي الزُّبير.
قلت: وقد يكون هذا أيضاً محفوظاً ولا ينافي حديث جابر ويعلى بن مرة بل يشهد لهما، ويكون هذا الحديث عند أبي الزُّبير محمد بن مسلم بن تدرس المكيّ، عن جابر، وعن يونس بن خبَّاب، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، والله أعلم.
وروى البيهقيّ من حديث معاوية بن يحيى الصَّيرفيّ - وهو ضعيف - عن الزهريّ، عن خارجة بن زيد، عن أسامة بن زيد حديثاً طويلاً نحو سياق حديث يعلى بن مرة، وجابر بن عبد الله، وفيه قصَّة الصَّبيّ الذي كان يصرع ومجيء أمه بشاة مشوية فقال: ((ناوليني الذِّراع)).
فناولته.
ثمَّ قال: ((ناوليني الذِّراع)).
فناولته.
ثمَّ قال: ((ناوليني الذِّراع)).
فقلت: كم للشَّاة من ذراع ؟
فقال: ((والذي نفسي بيده لو سكت لناولتيني ما دعوت)).
ثمَّ ذكر قصة النَّخلات واجتماعهما وانتقال الحجارة معهما حتى صارت الحجارة رجماً خلف النَّخلات، وليس في سياقه قصة البعير فلهذا لم يورده بلفظه وإسناده، وبالله المستعان. (ج/ص:6/157)
وقد روى الحافظ ابن عساكر ترجمة غيلان بن سلمة الثقفي بسنده إلى يعلى بن منصور الرَّازيّ عن شبيب بن شيبة، عن بشر بن عاصم، عن غيلان بن سلمة قال: خرجنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فرأينا عجباً، فذكر قصَّة الشَّجرتين واستتاره بهما عند الخلاء، وقصَّة الصَّبيّ الذي كان يصرع وقوله: ((بسم الله أنا رسول الله أخرج عدوَّ الله)) فعوفي، ثمَّ ذكر قصَّة البعيرين النَّادَّين وأنهما سجدا له بنحو ما تقدَّم في البعير الواحد فلعلَّ هذه قصة أخرى، والله أعلم.
وقد ذكرنا فيما سلف حديث جابر وقصَّة جمله الذي كان قد أعيي وذلك مرجعهم من تبوك، وتأخره في أخريات القوم فلحقه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فدعا له وضربه فسار سيراً لم يسر مثله حتى جعل يتقدَّم أمام النَّاس.
وذكرنا شراءه عليه السلام منه، وفي ثمنه اختلاف كثير وقع من الرُّواة لا يضرّ أصل القصَّة كما بينَّاه.
وتقدَّم حديث أنس في ركوبه عليه السلام على فرس أبي طلحة حين سمع صوتاً بالمدينة فركب ذلك الفرس وكان يبطئ، وركب الفرسان نحو ذلك الصَّوت فوجدوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد رجع بعد ما كان كشف ذلك الأمر فلم يجد له حقيقة، وكان قد ركبه عرياً لا شيء عليه وهو متقلد سيفاً فرجع وهو يقول: ((لن تراعوا، لن تراعوا، ما وجدنا من شيء، وإن وجدناه لبحراً)).
أي: لسابقاً وكان ذلك الفرس يبطأ قبل تلك اللَّيلة فكان بعد ذلك لا يجارى ولا يكشف له غبار، وذلك كله ببركته عليه الصلاة والسلام.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق